نقترب من السنة الثانية من حرب التطهير العرقي، والإبادة الجماعية التي لم تتوقف منذ السابع من أكتوبر عام 2023م. وكنَّا وما زلنا نطرح سؤالاً بديهياً يومياً، وهو الذي لم يعد كذلك طالما المجزرة ما زالت مستمرة، ألا وهو متى سيتوقف هذا العدوان؟ هذا السؤال الملح يومياً، تحول إلى سؤال آخر، من المسؤول عما يجري في غزة؟ الذي أصبح ويا للعجب مع مرور الوقت إلى جواب واحد!! لماذا؟ وإذ بمشهد الحرب والعدوان ينتقل إلى طهران.
هل نستحق الأرض والثروات وأنفسنا كبشر؟
بحيث يصبح «اللا منطق» الذي تعامل به الغرب الاستعماري، هو «المنطق» نفسه الذي يتعامل به الاحتلال الإسرائيلي في غزة، فـ»الصهيونية» بمفهومها التاريخي والاستعماري هي أحد إفرازات ما يسمى الحضارة الغربية، وبالتالي يحق للإسرائيلي وفق المفهوم الأمريكي الاستعماري الجديد أيضاً، أن يرتكب ما يراه مناسباً، وما على الفلسطيني إلا الرضوخ. من يريد أن يغيِّب عن وعينا، المسؤولية التاريخية للعرب وعلاقتهم بالقضية الفلسطينية، فعلى مدار سنوات النضال الفلسطيني، لم تتجاوز ردة فعل العرب منذ ما قبل حقبة الاستعمار إلى الآن، سوى التعامل بالحد الأدنى من الواجب، عبر تقديم بعض الأموال والعتاد، أو ما سميَّ تاريخياً بـ»جيش الإنقاذ العربي» المحدود الإمكانات عام 1948م، وهي معونات لا تفي بمتطلبات مواجهة عدو تقف خلفه آلة حرب استعمارية. وما الحروب التي خاضها العرب لاحقاً ابتداءً من نكستهم عام 1967، و1973م، وما سبقها من عدوان 1956م، إلا معارك دفاعية ومحدودة أدت بالنهاية إلى انتصارات قُطرية لم تلق بتداعياتها تطوراً على المشهد الفلسطيني، ليُترك الفلسطيني ومصيره لاحقاً بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979م بخروج مصر من الصراع مع المحتل، ومعها العرب، ليتطور المشهد لاحقاً على مدار السنوات لإحباط النضال الفلسطيني عبر انتفاضتيه الحجارة عام 1987م، والأقصى عام 2000م، عبر توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993م، وشرم الشيخ عام 2005م. من يريد أن يغيِّب عن وعينا، اتفاقات إبراهام، والتي كرَّست منطق نتنياهو، أن القوة هي التي ستجلب العرب إلى قطار التطبيع، دون تقديم تنازلات للفلسطينيين وفق الاتفاقيات الموقَّعة في أوسلو، مما أسهم بشكل حاسم في صعود اليمين الإسرائيلي إلى الحكم، لتنفيذ مخطط الضم والتهويد والتهجير. وليضيف العرب من شعر التنازلات بيتاً آخر، عبر تحميل الفلسطيني المسؤولية لعدم «كفاءته» بالتفاهم مع المحتل، وهي مواقف لم يستح بعض العرب من الإفصاح عنها علانية، فضلاً عن إشهار سيف العقوبات على المقاومة والتضييق عليها عربياً. من يريد أن يغيِّب عن وعينا أن دولاً وحكومات عربية وشعوباً، تقف عاجزة عن إدخال الطعام والشراب إلى مليوني جائع، بحيث تستمر الحياة بشكل طبيعي واعتيادي، وأهالي غزة يتضورون جوعاً على بعد كيلومترات، ولا تتحرك ضمائر العالم إلا عبر مبادرات إنسانية كسفينة مادلين، وقوافل الصمود التي منعتها دول عربية من إكمال مسيرها لرفح. من يريد أن يغيِّب عن وعينا، أن السلطة الفلسطينية وبدعم عربي، ما زالت رغم هذه المذبحة تبحث عن مصالح ضيقة في فلسطين وحتى الشتات، بحيث لم تسلم المقاومة من شتائمها، ولا اللاجئين الفلسطينيين من عبثها، بل وقطعت في الآونة الأخيرة الرواتب عن أعضاء حركة فتح في لبنان، لاعتراضهم على «تسليم السلاح في المخيمات»، وترفض وتتمنع عن المصالحة الفلسطينية وتسعى بقدها وقديدها لوراثة غزة، وعلى بعد مئات الأمتار تتعرض مدن ومخيمات شمال الضفة لعبث الاحتلال دماراً وتهجيراً، وهي لا تنبس ببنت شفة، مما يفقد الشعب الفلسطيني أحد عناصر قوته، بتوحيد قراره وقيادته. من يريد أن يغِّيب عن وعينا، الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي، والذي طوال 75 عاماً لم يترك وسيلة يتفتق عنه عقله الإجرامي، إلا وجرَّبها لكسر إرادة الفلسطينيين لترك أرضهم، ورفض تنفيذ كل الاتفاقيات الموقَّعة معه. من يريد أن يغيِّب عن وعينا، أن معركتنا مع المحتل في المنطقة، وليس مع إيران التي خاضت مواجهة مع منظومة متكاملة إسرائيلية غربية عربية، والمطلوب أن نشمت بإيران، ونسلم أنفسنا للأحقاد والكراهية والتعصب، مقابل غض الطرف عن الاحتلال وتمدده في المنطقة، في مقارنة غير منطقية بين من هو «الخطير، ومن هو «الأخطر»، والأصح أننا نتعامل مع منطق من هو «الغبي» أو «الأغبى» الذي يريد سوقنا إلى تغيير المفاهيم وإضاعة البوصلة.
وأخيراً من يريد أن يغيِّب عن وعينا حقَّنا بمقاومة الاحتلال، عبر تركنا نذبح بصمت، بحيث تصبح اللا حقيقة واللا منطق واللا مفهوم هو مقاومة المحتل، والمنطق هو لوم المقاومة لو أطلقت رصاصة، وتحميلها مسؤولية وذنباً تاريخياً أنها تسبَّبت بالكارثة في غزة، ومنطق الأمور الطبيعي أن المقاومة تنشأ بسبب الاحتلال، وبالرغم من هول الكارثة في غزة، وتجويع الناس، وهي أساليب قديمة جديدة، إلا أن الاحتلال يعاني من عدم قدرته عن وقف عمليات المقاومة ضده مع اقترابنا من السنة الثانية مع كل الإمكانات الداخلية والخارجية التي قدمت له، حيث أصبحت غزة كابوساً للجنود، وحتى كتابة هذه السطور لم يصل إلى أسراه. وإن كان للمقاومة من مسؤولية، فهي آخر من يُسأل، خصوصاً أنها تقدمت مراراً وتكراراً، بمبادرات لإجراء عملية تبادل شاملة ودفعة واحدة لوقف العدوان، إلا أن نتنياهو رفض، فقد أصبح واضحاً أنه يريد احتلال غزة وتهجير أهلها. هي معركة وعي، وتغيير للثقافة، وقلب للمفاهيم، هو منطق التسطيح والتفاهة الإعلامية، لصالح الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، التي تحيل الإنسان إلى الصمت والتفكُّر، ليسأل الفلسطيني نفسه تحديداً، من جديد مراراً وتكراراً، ومن وراءه العربي، من يتحمل مسؤولية كارثة غزة، لنُحال إلى جواب واحد يريده الاحتلال عن سابق تصور وتصميم، هي المقاومة، وليس أي أحد آخر.
* كاتب وإعلامي فلسطيني
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يوزع شرائح تجسس في غزة.. وأمن المقاومة يحذر من استخدامها
#سواليف
حذّرت #منصة_الحارس الأمنية التابعة للمقاومة، الجمعة، من تداول وشحن #شرائح #اتصالات ” #إسرائيلية ” مجهولة المصدر تُلقى عبر #طائرات_استطلاع في مختلف مناطق قطاع #غزة، متهمة #الاحتلال بمحاولة استخدام هذه الشرائح كـأدوات #اختراق و #تجسس.
وأوضحت المنصة أن هذه الشرائح تمكّن الاحتلال من تتبع هواتف المواطنين واختراقها، وجمع معلومات حساسة قد تمس السلامة الشخصية وأمن البيئة المحيطة.
وحذّر أمن المقاومة بشدة، من استخدام هذه الشرائح أو تمريرها للغير.
مقالات ذات صلةوأشار إلى أن التعامل معها يضع أي شخص في دائرة الشبهة الأمنية وقد يؤدي إلى المساءلة القانونية.
وأكد البيان أنه في حال العثور على أي من هذه الشرائح، يجب التوقف فورا عن استخدامها أو تخزينها، والإبلاغ الفوري للجهات الأمنية المختصة، دون تهاون أو تأخير.
وترتكب “إسرائيل” منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وبدعم أميركي، إبادة جماعية في قطاع غزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة نحو 189 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.