كثيرا ما تُقاس جدوى المقاومة بموازين الربح والخسارة، وعدد الضربات الموجهة للخصم، أو المساحات التي استُعيدت بالقوة. ومع أن لهذه المعايير أهميتها في قراءة النتائج العسكرية والسياسية، إلا أنها لا تكفي وحدها لفهم القيمة العميقة للمقاومة، ولا تُلامس جوهرها الأخلاقي والوجودي.
فالمقاومة ليست مجرّد وسيلة للوصول إلى النصر، بل هي موقف وجودي يُعبّر عن الرفض المطلق للظلم، وعن الامتناع عن التكيّف مع القهر، حتى في أشد لحظات الهزيمة.
يشهد التاريخ الحديث على أن المقاومة ليست حكرا على من يملكون القوّة، بل هي سلاح المظلومين حين يُحسنون التمسك به
يخضع البعض لمعادلة خادعة تقارن بين خيار المقاومة ومقابلها، وتفترض أن الخضوع هو "الخيار الآمن" أو "العقلاني" حين يغيب أمل الانتصار. لكن هذه النظرة تُغفل حقيقة مركزية: أن الخضوع ليس حيادا، بل اصطفافٌ ضمن منظومة الظلم نفسها. إنه موقف يُنتج الجُبن، ويكرّس الانكسار، ويُعيد إنتاج الهزيمة في النفوس قبل أن تُترجم على الجغرافيا.
لقد أظهرت أبحاث متعددة في علم النفس السياسي أن الشعوب التي تمارس المقاومة -حتى في ظل الاحتلال الكامل- تُحافظ على مستويات أعلى من التماسك الاجتماعي والأمل الجماعي، مقارنة بتلك التي اختارت الاستسلام. المقاومة، بحسب هذه الدراسات، تُغذّي الهوية، وتُبقي جذوة الكرامة حيّة، وتمنح الأفراد شعورا بالسيادة على مصيرهم، وهو شرط أساس في بقاء المجتمعات ككيانات حية لا قابلة للفناء الرمزي أو الذوبان الثقافي.
ويشهد التاريخ الحديث على أن المقاومة ليست حكرا على من يملكون القوّة، بل هي سلاح المظلومين حين يُحسنون التمسك به:
• في الجزائر، قاوم الشعب استعمارا فرنسيا دام 132 عاما، قدّم خلالها أكثر من مليون شهيد، ولم يتنازل عن حقه حتى نال الاستقلال عام 1962.
• في فيتنام، حارب المقاومون الإمبراطورية الأمريكية بوسائل بسيطة، لكنهم فرضوا إرادتهم بعد سنوات من الصمود والثبات.
• في غزة اليوم، وبين أنقاض البيوت ومشاهد الدم، لا تزال تُكتب فصول جديدة من الإصرار على الحياة الكريمة، رغم غياب الأفق السياسي واستمرار الحصار والتدمير.
في كل هذه النماذج، لم تكن المقاومة رهينة حسابات الخسائر والمكاسب العاجلة، بل انطلقت من وعي عميق بأن الركوع لا يليق بالأحرار، وأن الصمت في وجه الظلم ليس فضيلة، بل سقوط مدوٍّ في امتحان الكرامة.
المقاومة ليست خيارا مشروطا بالنصر، بل خيار الأحرار في زمن الانكسارات، حتى وإن خسرنا معركة، فإننا نربح ما هو أعمق: نربح أنفسنا
وفي الجانب العلمي، بيّنت دراسات علم الاجتماع أن المجتمعات لا تنهار بفعل القهر وحده، بل حين يتسلّل الإحساس بالعجز إلى الوجدان العام، وتترسّخ القناعة بأن لا جدوى من المقاومة، عندها يصبح الاستسلام عدوى، واليأس ثقافة، والخضوع طبيعة، وتبدأ دورة الانهيار من الداخل قبل أن تكتمل من الخارج.
لهذا، فإن المقاومة -حتى في أحلك لحظات اللاجدوى- ليست ترفا ولا خيارا تكتيكيا، بل فعل بقاء واستمرار، وصيانة لما تبقّى من إنسانية وكرامة. إنها نداء الضمير حين يخفت كل صوت، وخط الدفاع الأخير أمام محو الهوية وسحق الإرادة.
أنا لا أقاوم لأنني متيقّن من النصر القريب، ولا أقيس نجاحي بعدد الخسائر التي أُلحقت بخصمي، بل أقاوم لأن الخيار الآخر يعني التنازل عن إنسانيتي، يعني تبرير الظلم، وقبول الذل، وصناعة قبر معنوي وأنا ما زلت على قيد الحياة.
الخضوع ليس حكمة.. بل خيانة للنفس وللذاكرة وللمستقبل. ولذلك، فإن المقاومة ليست خيارا مشروطا بالنصر، بل خيار الأحرار في زمن الانكسارات، حتى وإن خسرنا معركة، فإننا نربح ما هو أعمق: نربح أنفسنا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المقاومة الإنسان الظلم الاحتلال احتلال مقاومة إنسان ظلم قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة لیست
إقرأ أيضاً:
متحدث «الضريبة والجمارك»: تمديد مبادرة إلغاء الغرامات يشمل إضافة خيار التقسيط
قال متحدث هيئة الزكاة والضريبة والجمارك حمود الحربي، إن تمديد مبادرة إلغاء الغرامات والإعفاء من العقوبات يشمل إضافة خيار التقسيط في إطار التسهيلات المقدمة للمستفيدين.
وأشار خلال مداخلة مع قناة «الإخبارية» أن المبادرة تشمل الغرامات غير المسددة، وغرامات التأخر في التسجيل في كافة الأنظمة الضريبية، والتأخر في تقديم الإقرارات في كافة الأنظمة الضريبية.
وأضاف الحربي إلى أن المبادرة تشمل كذلك غرامة التأخر في السداد الضريبي، وغرامة تصحيح الإقرار وهي خاصة فقط بضريبة القيمة المضافة، وغرامات مخالفة الضبط الميداني المتعلقة بأحكام الفوترة الإلكترونية.
متحدث هيئة الزكاة والضريبة والجمارك حمود الحربي: تمديد مبادرة إلغاء الغرامات والإعفاء من العقوبات يشمل إضافة خيار التقسيط في إطار التسهيلات المقدمة للمستفيدين#التاسعة | #الإخبارية pic.twitter.com/Hwp0pCjitQ
— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) June 27, 2025 اخبار السعوديةهيئة الزكاة والضريبة والجماركاخر اخبار السعوديةقد يعجبك أيضاًNo stories found.