تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس، عقب زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن، والتي نقلتها وكالة رويترز: “تسوية النزاع في السودان لم تكن ضمن مخططاتي، لكن الأمير محمد بن سلمان جعلني أهتم بذلك”، و”الأمير محمد بن سلمان سيكون له دور قوي في حل الأزمة في السودان”.

تكشف هذه التصريحات عن تحول في اهتمامات واشنطن تجاه السودان، ودعمًا للرياض في جهود إحلال السلام.

في هذا المقال نحاول قراءة أبعاد هذه التصريحات وتحليل تداعياتها على المشهد السياسي السوداني والإقليمي.

فإن تدخل الرياض بقيادة ولي العهد جعل الملف حاضرًا بقوة على طاولة صنع القرار الأمريكي، ويؤكد أن الدبلوماسية السعودية قادرة على فرض حضور استراتيجي فعال، يحظى بثقة واشنطن والخرطوم على حد سواء.

هذا التحوّل لا يمكن عزله عن سلسلة من التطورات الإقليمية والدولية التي سبقت الزيارة، وفي مقدمتها التصريحات المهمة لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو على هامش اجتماعات مجموعة السبع، والتي حملت لأول مرة لهجة أكثر صراحة تجاه مسؤولية مليشيا الدعم السريع عن إطالة أمد الحرب وارتكاب الفظائع، والدعوة إلى تجفيف مصادر تسليحها. وبذلك، أخذت واشنطن تُعيد تقييم مقاربتها للملف السوداني، مُفسحة المجال أمام دور سعودي أكثر فاعلية.

أيضا سبقت هذه التطورات مكالمة جمعت الأمير محمد بن سلمان بالرئيس البرهان، والتي تضمنت تفاهمات حول طبيعة النزاع وآليات التهدئة الممكنة، وهي مكالمة أعادت ترتيب أولويات الفاعلين الإقليميين والدوليين وأسست لقاعدة ثقة تمكن السعودية من تقديم نفسها كوسيط قادر على تفعيل مقاربة سياسية شاملة، مع الحفاظ على سيادة السودان في الوقت نفسه.

يُلاحظ أن تصريحات ترامب تختلف عن التصريحات السابقة التي ظل يرددها مستشاره مسعد بوليس ، الذي وصفه بعض الخبراء بأنه واقع تحت تأثير الإمارات، وهو ما يشير إلى أن تصريحاته ظلت أكثر تعبيرًا عن مساعٍ شخصية لإبراز النفوذ الإماراتي من دون أن تعكس موقف الإدارة الأمريكية الرسمي.

في المقابل الخطاب الجديد لترامب وروبيو يعكس موقفًا أكثر وضوحًا تجاه الدور السعودي، مع إعادة تقييم للثقة بالإمارات بعد ضلوعها في دعم مليشيا الدعم السريع التي تواجه احتمال التصنيف كمنظمة إرهابية.

تثبيتا لهذه الجهود رحبت الحكومة السودانية عبر بيان صادر من المجلس السيادي بخطوة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية من أجل إحلال السلام العادل والمنصف في السودان، كما شكرتهم علي اهتمامهم وجهودهم المستمرة من أجل إيقاف نزيف الدم السوداني وأكدت استعدادها للانخراط الجاد معهم من أجل تحقيق السلام الذي ينتظره الشعب السوداني.

الأثر الإقليمي لهذه التحولات متعدد المستويات. أولاً، تعزز تصريحات ترامب وروبيو الدور السعودي كفاعل إقليمي ، حيث تمنح السعودية تفويضًا ضمنيًا لإدارة الأزمة السودانية، ما يضعها في صدارة صانعي القرار الإقليميين ويتيح لها قيادة مسار دبلوماسي وإنساني متكامل، مع تقليص الحاجة لتدخلات مباشرة من الولايات المتحدة .

ثانيًا تؤدي إعادة تقييم الدور الأمريكي للإمارات، بعد كشف ضلوعها في دعم مليشيا الدعم السريع، إلى إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية، ويضع الإمارات في موقف دفاعي، بينما السعودية تتبوأ موقع الطرف الموثوق القادر على تنسيق جهود الإقليم لمواجهة النزاعات وتجفيف منابع التسليح.

ثالثًا تشير التحركات السعودية إلى إمكانية توسيع الرباعية الدولية لتضم قطر وتركيا، ما يخلق منصة إقليمية أوسع لتوحيد الجهود حول السودان ويعزز دور الرياض كمنسق استراتيجي يحافظ على مصالح الجميع ويقلل من صراعات النفوذ . ما يفتح مجالًا لتنسيق أوسع وأكثر شمولية يضمن مشاركة كل الأطراف المؤثرة في المنطقة لتحقيق حل مستدام، ويؤكد الدور الاستراتيجي للرياض في ضبط الإيقاع السياسي للملف السوداني ضمن خريطة النفوذ في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

وأخيرًا يعيد توجيه الاهتمام الأمريكي نحو الدور السعودي رسم خريطة النفوذ في القرن الإفريقي وشمال إفريقيا والبحر الأحمر، ويجعل الدول الإقليمية الأخرى، مثل مصر وتركيا وقطر، تتفاعل ضمن الإطار الذي تقوده السعودية، ما يخلق ديناميكية إقليمية جديدة لصالح حل النزاعات ومنع تحول السودان إلى منطقة رخوة تمثل تهديدًا أمنيًا للأقاليم المجاورة.

بالنسبة للسودان، يشكل هذا التفويض السعودي فرصة تاريخية لفرض سيادته، وفتح مسارات للتعاون الإقليمي والدولي، وتثبيت السلام المستدام بعد سنوات من النزاع، خصوصًا في ظل الانعكاسات الإنسانية الخطيرة في الفاشر والمدن الأخرى . هذه المعطيات تؤكد القدرة على إعادة رسم خرائط النفوذ وتحويل الأزمة السودانية من صراع داخلي بالوكالة إلى مشروع سلام مستدام، يعيد السودان إلى قلب المعادلة الإقليمية والدولية.

تؤكد هذه التطورات وفقاً #لوجه_ الحقيقة أن الدبلوماسية السعودية، بدعم أمريكي واضح، تمتلك القدرة على إعادة تشكيل النفوذ الإقليمي وتحويل الملف السوداني إلى نموذج للعمل الاستراتيجي، حيث تتلاقى المصالح الدولية والإقليمية مع أولويات السودان الوطنية. وتمثل هذه التطورات فرصة جيدة لإحلال السلام، واستعادة الخرطوم لمكانتها الإقليمية والدولية، ووضع حد للتدهور الأمني والإنساني الذي طال البلاد، مع تقلص نفوذ الجهات الأقل موثوقية.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الخميس 20 نوفمبر 2025م Shglawi55@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: محمد بن سلمان فی السودان

إقرأ أيضاً:

أنور إبراهيم للجزيرة: التدخلات تؤجج حرب السودان وندعم فلسطين

حذر رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم من تصاعد التدخلات الخارجية في السودان، مؤكدا أن تلك التدخلات لا تساهم فقط في تأجيج الصراع، بل تعرقل أيضا أي جهود جادة نحو التسوية السياسية.

وقال إبراهيم في تصريحات خاصة للجزيرة في أديس أبابا إن هناك دلائل واضحة على تورط جهات خارجية في تعميق الأزمة السودانية، مشيرا إلى أن استمرار هذا النهج يطيل أمد الحرب ويزيد معاناة المدنيين.

وأضاف أن ماليزيا تتابع بقلق بالغ تطورات الوضع في السودان، داعيا أطراف النزاع إلى وقف القتال فورا والانخراط في حوار سياسي شامل.

رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم (يسار) مع نظيره الإثيوبي آبي أحمد في لقاء بأديس أبابا (حساب آبي أحمد على إكس)

وأوضح رئيس الوزراء الماليزي أنه ناقش الملف السوداني خلال لقائه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، حيث اتفقوا جميعا على ضرورة وقف إطلاق النار وتهيئة الظروف لبدء عملية سياسية تفضي إلى إنهاء الحرب.

وأكد أن ماليزيا تقف إلى جانب الشعب السوداني في سعيه نحو السلام والاستقرار.

موقف حازم تجاه القضية الفلسطينية

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، شدد رئيس الوزراء الماليزي على أن موقف بلاده ثابت ولا يقبل المساومة، مؤكدا أن أي اتفاق لا يضمن الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني لن يكون قابلا للاستمرار.

وقال إن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ موقف واضح يكشف حقيقة المخططات التي تستهدف الفلسطينيين، مشيرا إلى أن إنهاء العدوان الإسرائيلي ووقف الاستيطان في الضفة الغربية يُعدان شرطين أساسيين لأي تسوية عادلة ودائمة.

جانب من فعاليات ندوة شبابية أفريقية ماليزية بأديس أبابا (الجزيرة)

وأضاف إبراهيم أنه نقل هذا الموقف مباشرة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وأوضح أن ماليزيا ترى أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية هي السبيل الوحيد لإنهاء معاناة الفلسطينيين وتحقيق سلام حقيقي في المنطقة.

مرحلة جديدة من العلاقات مع أفريقيا

وفي سياق متصل، أعلن رئيس الوزراء الماليزي عن انطلاق مرحلة جديدة من العلاقات بين بلاده والقارة الأفريقية، مشيرا إلى أنه بدأ جولته الأفريقية من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وتشمل جنوب أفريقيا وكينيا.

وقال إن هذه الجولة تهدف إلى تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي مع دول القارة، مؤكدا سعي ماليزيا إلى إقامة شراكة إستراتيجية مع الاتحاد الأفريقي في مختلف المجالات.

إعلان

وأوضح إبراهيم أن أفريقيا تمثل أولوية متقدمة في السياسة الخارجية الماليزية، وأن بلاده تتطلع إلى بناء علاقات متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ولا سيما في مجالات التنمية المستدامة والتعليم والتكنولوجيا والتبادل التجاري.

مقالات مشابهة

  • أنور إبراهيم للجزيرة: التدخلات تؤجج حرب السودان وندعم فلسطين
  • رأي.. عبدالخالق عبدالله يكتب: موقف الإمارات من النزاع العسكري في السودان
  • رئيس الوزراء السوداني: مستعدون لانخراط جاد مع الرياض وواشنطن لإحلال السلام
  • ترامب: سأبدأ الآن التدخل في السودان بطلب من ولي العهد السعودي
  • كيكل يعود صلباً… ودرع السودان يكتب صفحة جديدة من الصمود
  • لبحث الأوضاع الإقليمية .. اتصال هاتفى بين وزير الخارجية ونظيره اليونانى
  • ابراهيم شقلاوي يكتب: المكتبة الوطنية .. جدلية الحرب والوعي
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (مقتل حميدتي)
  • إبراهيم النجار يكتب: هل ثمة نظام دولي بديل يتشكل فعلا؟ّ!