دار الحماية .. مظلة إنسانية آمنة لضحايا الإساءة والعنف
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
حوار – عبدالعزيز العبري
تواجه بعض الفئات في المجتمع أشكالًا متعددة من العنف والإساءة، مما يُعرضها لأزمات نفسية واجتماعية تحتاج إلى تدخل فوري ورعاية مؤسسية متخصصة.
وتمثل "دار الحماية" التابعة لدائرة الحماية الأسرية بوزارة التنمية الاجتماعية في سلطنة عُمان مظلة إنسانية شاملة، تستقبل المتضررين من هذه الحالات وتوفر لهم بيئة آمنة وداعمة، تسهم في إعادة تأهيلهم وتمكينهم من تجاوز آثار التجربة والاندماج الإيجابي في المجتمع.
وقدمت الأخصائية الاجتماعية ملكة بنت سالم باعمر ، في حديث مع "عمان" رؤية شاملة حول آلية عمل الدار، والفئات المستهدفة، وشروط الإيداع، والبرامج التأهيلية والنفسية والقانونية التي تُفعّلها الدار لتحقيق التعافي.
وقالت ملكة إن دار الحماية تُعد مؤسسة اجتماعية متكاملة تُعنى بتقديم خدمات الرعاية المتكاملة والدعم الاجتماعي والنفسي لضحايا العنف والاستغلال والإساءة، وتنطلق دار الحماية من رؤية واضحة تتمثل في توفير بيئة آمنة وداعمة لضحايا العنف والاستغلال والإساءة، وتسهم في حفظ الكرامة الإنسانية لكل فرد يدخل تحت مظلتها، وتعمل على تمكينهم ومساعدتهم على معالجة المشكلات وتجاوز التحديات والاندماج الإيجابي في المجتمع.
الفئات المستفيدة
وبيّنت ملكة أن الدار تُعنى بتقديم الرعاية والحماية لعدد من الفئات التي تواجه ظروفًا إنسانية خاصة، حيث تستقبل الأطفال المعرضين للإساءة أو العنف أو الاستغلال، إضافة إلى ضحايا الاتجار بالبشر. كما تُوفر الدار الدعم والحماية للنساء المعرضات للإساءة، والنساء العضل.
وأشارت إلى أن هناك ضوابط محددة لإيواء المستفيدين في الدار، إما بناءً على صدور أمر أو حكم قضائي، أو في الحالات الطارئة والمستعجلة وذلك بعد موافقة مدير عام التنمية الأسرية بوزارة التنمية الاجتماعية. كما تُشترط بعض المعايير الصحية والسلوكية، من أبرزها أن يكون المستفيد خالياً من الأمراض النفسية أو العقلية أو المعدية، وألا يكون من فئة شديدي الإعاقة سواء الجسدية أو العقلية، وألا يكون من متعاطي أو مدمني المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية.
وتقدم دار الحماية حزمة متكاملة من الخدمات الاجتماعية، والنفسية، والصحية، والتعليمية، والثقافية والترفيهية، بما يضمن دعم الحالات وتمكينهم من التعافي والاندماج المجتمعي. ففي الجانب الاجتماعي، تُولي الدار اهتمامًا بالغًا بتعزيز الشعور بالأمان والاستقرار النفسي للمستفيدين من خلال خدمات اجتماعية تُبنى على أسس إنسانية ومهنية دقيقة، حيث يتم دراسة الحالة الاجتماعية لكل مستفيد بشكل معمق، والعمل على إعادة بناء ثقته بنفسه وبالآخرين، تمهيدًا لدمجه مجددًا في المجتمع بصورة آمنة. كما تُعزز مبدأ التواصل الأسري، عبر تمكين المستفيدين من التواصل المستمر مع أفراد أسرهم، متى ما كان ذلك ممكنًا، مع الحفاظ التام على سرية بياناتهم وخصوصيتهم.
وأشارت باعمر إلى أن الدار تُوفر مصروفًا نقديًا شهريًا يُساعد الحالات على تلبية احتياجاتهم الشخصية خلال فترة الإقامة، إلى جانب توفير مبالغ سفر عند مغادرتهم، وتغطية تذاكر العودة إلى أوطانهم بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني، ويأتي ذلك تأكيدًا على التزام الدار بمرافقة المستفيد في كل خطوة نحو التعافي والاستقرار.
أما على المستوى الصحي، فأوضحت أن الدار تقدم خدمات علاجية مجانية بالتعاون مع وزارة الصحة لضمان خلو الحالات من الأمراض المزمنة والمعدية، تشمل فحوصات دورية، سجلات طبية مفصلة، متابعة تناول الأدوية، والتنسيق مع المؤسسات الصحية لتقديم اللقاح والتطعيمات اللازمة. وأضافت أن الدار تُتيح للمستفيدين استكمال تعليمهم، حيث يتم التنسيق مع وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار لضمان إلحاق المستفيد بمراحل التعليم المختلفة حسب الفئة العمرية بالمدارس الحكومية ومؤسسات التعليم العالي، وتوفير المستلزمات الدراسية كافة، كما تُنظم أنشطة يومية وأسبوعية داخلية وخارجية، تشمل برامج رياضية، ثقافية، ومهنية، بما يلائم النمو البدني والذهني والنفسي والاجتماعي للحالات، إلى جانب تنظيم الرحلات الترفيهية، ووبرامج الإرشاد الديني، وتعليم القرآن الكريم بالتعاون مع مختصين في الإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وتوفير مكتبة متنوعة تلبي اهتمامات الحالات.
تشريعات
وتطرقت الأخصائية إلى وجود لائحة تنظيمية تواكب التغيرات والمستجدات بما يعزز من جودة الخدمات المقدمة للمستفيدين، وتُحدد اللائحة أدوار العاملين، وآليات استقبال المستفيدين، وشروط الإيداع والحقوق والواجبات، بما يضمن حماية المستفيدين واستمرارية العمل المؤسسي بكفاءة.
وأكدت أن دار الحماية تكفل لمستفيديها مجموعة من الحقوق الأساسية التي تضمن لهم الكرامة والرعاية المتكاملة، حيث يُعامل جميع المستفيدين على قدم المساواة دون أي تمييز على أساس اللون أو الجنس أو الأصل، ويتم التعامل معهم بروح العدالة والاحترام الإنساني. وتشمل الحقوق كذلك الحصول على الرعاية الطبية والنفسية المناسبة، وحماية سرية المعلومات وخصوصية الحالة، إضافة إلى تمكين المستفيد من التواصل المستمر مع أفراد أسرته في إطار ما تسمح به ظروف الحالة. كما تُتاح للمستفيدين غير العمانيين فرصة التواصل مع سفارات بلدانهم، والالتقاء بمندوبيها لضمان التنسيق والدعم اللازم. ويأتي ذلك، انطلاقًا من حرص سلطنة عُمان على تطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وترسيخ مبادئ الكرامة والعدالة داخل مؤسسات الرعاية.
ومن بين الخدمات المميزة التي توفرها الدار وجود "قاعة رؤية الصغير"، وهي مساحة مخصصة لتنفيذ الأوامر والأحكام القضائية المتعلقة برؤية الأطفال في حالات الانفصال الأسري.
صُممت هذه القاعة بعناية تامة لتكون بيئة آمنة ومريحة للأطفال الذين يعيشون تحت رعاية والدين منفصلين، وتُهيأ لاستقبال لقاءاتهم مع الطرف الآخر في أجواء هادئة وبعيدة عن أي توتر أو نزاع، مما يسهم في حماية الطفل نفسيًا وعاطفيًا.
وأكدت أن هذه الخدمة تأتي تأكيدًا على حق الطفل في الحفاظ على علاقات شخصية واتصالات منتظمة مع والديه، رغم الانفصال، وتعويضه عن مشاعر الفقد أو التشتت التي قد تنجم عن تلك الظروف.
برامج تأهيل
ونوّهت الأخصائية ملكة باعمر غلى أن علاقة المستفيد بالدار تنتهي في عدد من الحالات، منها صدور أمر أو حكم قضائي يقضي بإنهاء الإيداع، أو عند استكمال البرنامج التأهيلي والعلاجي المُعد له داخل الدار، كما يمكن للمستفيد طلب الخروج طوعًا، ما لم يكن قد التحق بالدار بموجب أمر أو حكم قضائي مُلزم. وأشارت إلى أن عملية الخروج من الدار تُدار بعناية ووفق إجراءات مدروسة، تسبقها عملية تقييم دقيقة لمدى جاهزية المستفيد أو المستفيدة للعودة إلى مجتمعه بطريقة آمنة ومستقرة، بما يضمن استمرار حالة التعافي والتكيف، ويُعزز فرص الاندماج الإيجابي في محيطه الاجتماعي.
ولفتت إلى أن النساء المعرضات للإساءة يحظين برعاية شاملة تُراعي احتياجاتهن على المستويات كافة، بدءًا من الإيواء الآمن في بيئة تحترم خصوصيتهن وكرامتهن، مرورًا بالدعم النفسي والاجتماعي، ووصولًا إلى تقديم المشورة القانونية اللازمة للتعامل مع وضع كل حالة على حدة. ويتم إعداد خطة تدخل فردية لكل مستفيدة، تهدف إلى مساعدتها في معالجة المشكلات الاجتماعية أو النفسية التي قد تواجهها، وتمكينها من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن مستقبلها. أما مدة الإقامة فهي تختلف من حالة إلى أخرى، بحسب طبيعة المشكلة، والإجراءات القانونية المصاحبة، ومدى توفر الحماية والاستقرار خارج الدار.
دعم مستمر
وأشارت باعمر إلى أن ارتفاع عدد الاتصالات الواردة إلى خط حماية الطفل (1,246 اتصالًا) يُعد مؤشرًا مهمًا على تنامي الوعي المجتمعي تجاه قضايا الإساءة والعنف، وهو نتاج مباشر لجهود التوعية المستمرة التي تُبذل في هذا المجال، سواء من خلال الحملات الإعلامية أو البرامج التثقيفية الموجهة. كما عزت هذا الارتفاع إلى التحسن الملموس في أنظمة الإبلاغ والاستجابة، إلى جانب تعزيز ثقة أفراد المجتمع بسرية البلاغات وسرعة التعامل معها، مما شجع عددًا أكبر من الأشخاص على المبادرة بالإبلاغ، انطلاقًا من الإحساس بالمسؤولية الجماعية في حماية الأطفال وضمان سلامتهم.
وأكدت أن الدار تُقدّم برامج تأهيلية وعلاجية متكاملة، تشمل الجوانب التعليمية، الصحية، الاجتماعية، النفسية، الترفيهية، والمهنية، بما يضمن دعم المستفيدين من مختلف الفئات وفق احتياجاتهم الفردية.
وتختلف هذه البرامج تبعًا للفئة العمرية، وطبيعة الحالة، ويتم تصميم البرامج بناءً على تقييم شامل للحالة، يأخذ بعين الاعتبار الوضع الاجتماعي والنفسي لكل مستفيد، لضمان ملاءمة التدخل التأهيلي لأوضاعهم وظروفهم الخاصة. وتهدف هذه البرامج إلى تنمية إمكانيات المستفيدين ومهاراتهم، وبناء ثقتهم بأنفسهم، وتأهيلهم ليكونوا أفرادًا فاعلين في المجتمع، قادرين على استئناف حياتهم باستقلالية وأمان.
وأكدت أن خدمات الدعم النفسي في الدار تُقدَّم ضمن إطار علمي ومهني متكامل، يراعي الفروق الفردية، ويهدف إلى استعادة التوازن النفسي. يبدأ الدعم بتقييم الحالة النفسية لكل مستفيد، تليه خطة تدخل علاجية فردية. كما تُقدَّم جلسات إرشادية، وتُرصد المؤشرات السلوكية والانفعالية، وتُنظم أنشطة علاجية وترفيهية تُسهم في بناء مهارات التكيف والاندماج.
شراكات قانونية
وأوضحت ملكة باعمر أن دار الحماية تلعب دورًا محوريًا في تمكين المستفيدين قانونيًا وضمان حصولهم على حقوقهم، من خلال التنسيق المباشر مع الادعاء العام وشرطة عُمان السلطانية لمتابعة الإجراءات القضائية المتعلقة بالحالات المودعة في الدار. كما تُقدّم خدمة المشورة القانونية للمستفيدين وأسرهم عند الحاجة، عبر باحثين قانونيين مختصين، وفي الحالات التي تستدعي حضورًا رسميًا، يرافق المختصون من الدار المستفيدين أثناء التحقيقات أو المحاكمات، بما يضمن وجود دعم مهني وإنساني متكامل خلال مسارهم القضائي.
واختتمت الأخصائية الاجتماعية ملكة بنت سالم باعمر حديثها بالإشارة إلى حرص الدار على بناء شراكات فاعلة مع مؤسسات المجتمع المدني، حيث تم توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التعاون التي تُسهم في تعزيز جودة الخدمات، من خلال تقديم الدعم التكميلي، وتنفيذ أنشطة توعوية وتوفير خدمات مساندة، بما يُسهم في تمكين المستفيدين نفسيًا واجتماعيًا، وتحقيق الاستقرار والاندماج المجتمعي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دار الحمایة فی المجتمع أن الدار ت بما یضمن وأکدت أن من خلال التی ت إلى أن
إقرأ أيضاً:
الدار البيضاء.. وقفة أمام القنصلية الأمريكية رفضا لتجويع غزة
صفا
نظم مئات المغاربة وقفة احتجاجية أمام القنصلية الأمريكية في الدار البيضاء، السبت، رفضا لحرب الإبادة والتجويع التي ترتكبها "إسرائيل"، بدعم من واشنطن، بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وعبر المشاركون في الوقفة التي نظمتها "الجبهة المغربية لدعم فلسطين" عن رفضهم لاستمرار القتل والتهجير وضرب كل مقومات الحياة بغزة، مطالبين بالاستمرار في دعم القضية الفلسطينية.
وتضمنت الوقفة قرعا على الأواني لتجسيد انعدام الأغذية والمياه في قطاع غزة.
وردد المشاركون شعارات مؤيدة للفلسطينيين، منها "تحية مغربية.. لغزة الأبية"، و"غزة تدمر".
وفي وقت سابق السبت، قالت وزارة الصحة بغزة إن حصيلة الضحايا المجوعين من منتظري المساعدات بلغت "ألفا و422 شهيدا، وأكثر من 10 آلاف إصابة" منذ 27 مايو/ أيار الماضي.