بلال قنديل يكتب: تدني الأخلاق في زمن البلوجر والتيك توكرز
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
نعيش اليوم زمنا غريبا تتغير فيه الموازين وتنقلب فيه القيم رأسا على عقب، زمن أصبحت فيه الشهرة ليست لأصحاب العلم ولا الموهبة ولا حتى للأشخاص الذين يقدمون قيمة حقيقية للمجتمع، بل صارت الشهرة لمن يملك القدرة على إثارة الجدل أو تقديم محتوى فارغ أو حتى فاضح.
أصبحنا نسمع كل يوم عن بلوجر جديد أو تيك توكر يثير ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنتشر فيديوهاته بسرعة البرق، بينما هناك مئات الأشخاص الذين يقدمون محتوى علميا أو تعليميا أو توعويا لا يجدون من يشاهدهم إلا القليل.
والأغرب من ذلك أن المجتمع الذي ينتقد هؤلاء المشاهير هو نفسه السبب في شهرتهم. الناس اليوم لا تنتظر إلا ما يثير فضولها أو يرضي رغبتها في التسلية اللحظية، يضغط الواحد منا على زر المشاركة وينشر الفيديو المثير للجدل بين أصدقائه، ثم يعود في اليوم التالي ليتساءل: لماذا هؤلاء مشهورون ولماذا يسيطرون على السوشيال ميديا؟ الحقيقة أننا جميعا نشارك في هذه الدائرة المفرغة، ننتقد بألسنتنا ونصفق بأيدينا دون أن نشعر.
وكل يوم نسمع عن بلوجر اتحبس، فهل هو ظالم ام ضحية مجتمع مهد له الطريق؟ هل نستطيع أن نلومه وحده بينما نحن من صنع له الشهرة ومنح له الضوء الأخضر ليستمر في تقديم ما يثير الجدل؟ الحقيقة أن ما يحدث اليوم هو نتاج طبيعي لمجتمع منح الشهرة لمن لا يستحق، وأدار ظهره لمن يقدم ما يفيد.
ما يثير الحزن هو أن هناك أطباء يقدمون نصائح تنقذ حياة الناس، ومعلمين يشرحون العلوم بطريقة مبسطة، ومبدعين يحاولون نشر الأمل والمعرفة، ولكن لا أحد يلتفت لهم. لأن أغلب الناس صارت تبحث عن الضحك السريع أو الصدمة المؤقتة أو أي شيء يثير الحواس لدقائق، أما ما يفيد العقول أو يبني الشخصية فيحتاج صبرا واهتماما، وهذا ما لم يعد مرغوبا عند شريحة كبيرة من الجمهور.
لقد تحولنا إلى مجتمع متناقض، نلوم البلوجر والتيك توكرز على انحدار الأخلاق بينما نحن نمهد لهم الطريق، نستهلك محتواهم ونعيد نشره ونتحدث عنه في كل مكان، بينما نتجاهل تماما كل محاولة جادة لرفع الذوق العام أو تقديم قيمة حقيقية. أصبح زر الشير هو أداة صناعة النجوم في هذا العصر، وكل واحد فينا شريك في هذه الصناعة سواء أراد أم لم يرد.
إن الحل يبدأ من أنفسنا قبل أن نلقي اللوم على الآخرين. إذا أردنا أن نرتقي بالمجتمع فعلينا أن نعيد النظر في اختياراتنا على السوشيال ميديا، وأن نميز بين ما يرفعنا وما يهبط بنا، بين من يستحق الدعم ومن يستحق التجاهل. الشهرة سلطة، ونحن من يمنحها، فإذا توقفنا عن نشر التفاهة والجدل الفارغ، وبدأنا في دعم كل ما هو مفيد وهادف، سيختفي المحتوى الرديء تلقائيا.
زمن البلوجر والتيك توكرز ليس سوى انعكاس لذوقنا واختياراتنا، وإذا أردنا تغييرا حقيقيا فلنبدأ بأنفسنا، لأن أصابعنا على الشير هي التي تصنع المشهد كله.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الشهرة الموهبة العلم
إقرأ أيضاً:
مسرحية مكارم الأخلاق
صراحة نيوز- ضمن فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون في دورته التاسعة والثلاثين،
عُرضت على مسرح الصوت والضوء في المدينة الأثرية بجرش مسرحية موجهة للأسرة والأطفال بعنوان “مكارم الأخلاق”، من تأليف وإخراج الفنان حيدر كفوف، وبطولة الفنان تيسير البريجي، والفنانة الكوميدية مي الدائم، بالإضافة إلى مشاركة الفنان حيدر كفوف نفسه. وقد كانت كلمات الأغاني وألحانها وتوزيعها من إعداد حيدر كفوف كذلك.
افتتحت المسرحية بأغنية بعنوان “مكارم الأخلاق”، حملت معاني سامية ورسائل تربوية راقية. تقول كلماتها:
تؤرّق وجداني في كلّ نطاق
أفكّر دوماً بأهلي وأمّتي
إن عصفت بحالهم شدائد وعراق
اللهم عفوك، غفرانك، رضاك
أسماؤك الحسنى تدمع الأحداق
هنيئاً لنفسٍ مطمئنّةٍ
تصالحت مع ذاتها وعمّ الاتفاق
بَعثت نبيَّنا خير المرسلين
ليتمّم مكارم الأخلاق
فالأخلاقُ تاجُ المؤمن وحصنه
تنجيه من الغرق قبل الانسياق
هي جوهر الإنسان وبيدرُ الإحسان
تهزمُ الشيطان وتُسقط الأفاق
تبدأ أحداث المسرحية براوٍ، هو الفنان حيدر كفوف، يسرد قصة الطفل شحبور منذ صغره، حيث كان يتّصف بالشقاوة والعدوانية، مسببًا الأذى للآخرين ومزعزعًا استقرارهم. فنراه تارةً يُفرغ هواء إطارات سيارات الجيران، وتارةً يتجسس على الناس من سطح العمارة مستخدمًا منظارًا، وأخرى يتسلل إلى صالات الأفراح ليتناول الحلوى دون دعوة، أو يتسلق الشاحنات لتوفير أجرة المواصلات، أو يرمي القطط والكلاب بثمار الزيتون غير الناضجة، في سلوكيات مؤذية وغير أخلاقية.
استمرت هذه الصفات حتى شبابه. وفي أحد الأيام، يذهب شحبور إلى عمّته كلبوزة المعروفة بطيبة قلبها وعلاقاتها الطيبة، ليسألها عن جاسر، ابن صديقتها، لأنه يمتلك كلبًا أليفًا. لكنها تفاجئه بأن جاسر نُقل إلى المستشفى بعد سقوطه من السرير أثناء النوم. وعندما يسمع شحبور السبب، يضحك بسخرية شديدة، فيغمى عليه من الضحك، ما يدفع عمّته لتوبيخه بشدة، واصفةً تصرفه بأنه خالٍ من الذوق والاحترام.
عندما تسأله عن سبب اهتمامه بكلب جاسر، يخبرها بأنه كان ينوي استعارة الكلب ليخيف به جاره أبو سليم. فتصاب عمته بالإحباط، وتحمد الله أن شحبور لم يلتقِ بجاسر. ثم تنفجر بالبكاء وهي تعلن براءتها منه، وتُحمّله مسؤولية موت والديه قهرًا بسبب سلوكياته المؤذية، وتُذكّره بموت شقيقته التي توفيت إثر صعقة كهربائية خلال مقلبٍ سخيف حاول تنفيذه معها.
تتوالى المشاهد المؤثرة، حتى تصل ذروة التحول في شخصية شحبور، عندما تذكّره عمته بأن الحياة قصيرة، وأن على الإنسان أن يستثمرها في طاعة الله ورضاه. عندها، يُضاء المسرح على صوتٍ مسجّل للفنان نضال البتيري، يؤدي دور “الطيف” لرجل حكيم، يُناجي الحضور بكلمات روحانية مؤثرة قف وتأمّل وتفكّر في هذا الكون وتدبّر
تدرك إعجاز الخالق فيزداد الإيمان ويكبر
ارضَ بنصيبك واشكر، ترضَ المولى وتُغفر
اللهم أنت سميع الدعاء، صلّ وسلّم على الأنبياء
يا ذا الجلال، يا خير الرجاء، سأبقى باسمك أكبر
لا تهمل نعم الرزّاق، ولا تُنكر فضل المعطي
وتُختتم المسرحية بلحظة توبة شحبور، حيث يستيقظ ضميره ويعود إلى الله بدموع الندم، ويعبّر عن ذلك في أغنية صوفية أدّاها الفنان حيدر كفوف بلحنٍ عاطفي مؤثّر، على مقام النهود وإيقاع الأيوبي (إيقاع الدراويش). يقول فيها: اللهم لك الحمد والشكر على نعمائك
في قلبي السكن والسعد، يأذني تحت سمائك
قلبي محراب الإيمان، يمتلئ الآن بالإحسان
تبدلتُ وصرت إنسان، فابتدأت ليلي الحالك
أبدلتُ لغة الغش، بنور الحق والوهاب
والقلـب صار آمناً، وعن أفعال السوء تاب
بالحب نزرع شجرة، ننتظر منها الثمر
نزل الغيث وجرى، يسقيها ويزهرها
بالحب ربيعنا أخضر، لم يتغير لم يضمر
شرعنا الله أكبر، فوق الظلم وشرع الغاب
في هذا العمل، استطاع الفنان حيدر كفوف، المعروف بـ”الفنان الشامل”، أن يُسلّط الضوء على آلام الناس ومعاناتهم من العنف، واللامبالاة، والانفلات الأخلاقي، وتآكل منظومة القيم والتقاليد، والابتعاد عن طريق الحق.
وقد عبّر في نهاية العرض عن شكره لإدارة مهرجان جرش وكل القائمين عليه، وخصّ بالشكر نقابة الفنانين الأردنيين، التي منحت هذا العمل فرصة حقيقية للمشاركة في هذا الحدث الثقافي المرموق والنوعي.