آلية إسرائيلية لتوزيع المساعدات على أهالي قطاع غزة، تتبع ما تعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، أعلنت عنها إسرائيل في أعقاب حظرها أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

بدأ العمل بالآلية يوم 27 مايو/أيار 2025، في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي، مما جعل الوصول إليها محفوفا بالمخاطر، إذ يتوجب على المحتاجين اجتياز مسافات طويلة ومناطق اشتباك.

وتُقدَّم فيها كميات محدودة من الغذاء لا تكفي سوى لعدد ضئيل من المتوافدين، رغم تدفق أعداد كبيرة من طالبي المساعدة.

مراكز إغاثية تحت سيطرة عسكرية

في أواخر مايو/أيار 2025، وبعد مرور نحو 3 أشهر على إغلاق معابر قطاع غزة، واستئناف حرب الإبادة، أعلنت السلطات الإسرائيلية عن تبني آلية جديدة لتوزيع المساعدات الغذائية على سكان القطاع، ترتكز على إنشاء مراكز توزيع تابعة لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي كيان أُنشئ بمبادرة من ضباط احتياط في الجيش الإسرائيلي ورجال أعمال إسرائيليين.

ولاحقا، نُقلت إدارة "المؤسسة" إلى شخصيات أميركية، في محاولة للحد من الانتقادات الدولية التي طالت إسرائيل بشأن سيطرتها المباشرة على العملية الإغاثية في غزة.

لكن هذه الآلية لم تحظَ بأي دعم دولي باستثناء الولايات المتحدة. وأثارت "المؤسسة" الإسرائيلية الأميركية جدلا واسعا نظرا للغموض المحيط بتأسيسها، وارتباطها المباشر بالأهداف السياسية والعسكرية للاحتلال، إضافة إلى تقييدها المساعدات بمناطق محددة خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي.

وانتقد المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، الآلية الجديدة قائلا إنها "لا تتماشى مع مبادئ الأمم المتحدة الأساسية، وعلى رأسها النزاهة والحياد والاستقلالية"، مشيرا إلى أن المساعدات في هذا النموذج تُستخدم أداة للضغط وتحقيق مآرب سياسية.

كما طالبت منظمة "ترايل إنترناشونال" السويسرية غير الحكومية بفتح تحقيق بشأن أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية"، بعد الكشف عن تسجيلها بجنيف في فبراير/شباط 2025، دون أن تكون لها أي مكاتب أو تمثيل فعلي، مما يثير تساؤلات قانونية عن شرعيتها والتزامها بالقانونين السويسري والدولي.

شكوك وانتشار محدود

في مرحلتها الأولى، أنشأت "مؤسسة غزة الإنسانية" مركزين لتوزيع المساعدات الغذائية في تل السلطان وممر موراغ جنوب قطاع غزة، ثم أُعلن لاحقا عن مركزين إضافيين في رفح ومخيم البريج وسط القطاع.

إعلان

لكن بعد أسابيع قليلة من بدء العمل، أُغلق اثنان من هذه المراكز، في وقت أكدت فيه منظمات الإغاثة أن تلبية الاحتياجات اليومية تتطلب إيصال وتوزيع ما لا يقل عن 600 شاحنة مساعدات يوميا وبشكل آمن ومنتظم.

ورغم ضخامة الحاجة الإنسانية، فإن عدد المراكز محدود للغاية، وتوزع كميات غذائية لا تكفي إلا مئات الأسر، مما أسهم في تفاقم الفوضى بدلا من احتوائها، وفشل الاحتلال في تقديم بديل فعّال أو قابل للاستمرار عن الآليات الإنسانية المعتمدة سابقا.

ويزيد غياب الشفافية من الغموض حول أداء المؤسسة، إذ لا توفر بيانات واضحة حول حجم المساعدات الموزعة ولا آليات التوزيع ولا عدد المستفيدين.

وفي المقابل، تنشر أرقاما ضخمة بشأن عدد من تلقوا المساعدات، دون تقديم ما يدعم تلك المزاعم، مما يثير شكوكا متزايدة بشأن مصداقيتها ودوافعها.

ومما عزز حالة الشكوك حول فاعلية تلك المراكز استقالة المدير التنفيذي لـ"مؤسسة غزة" جيك وود، قبيل ساعات من انطلاقها، مبررا استقالته باستحالة تنفيذ خطة توزيع المساعدات في غزة دون الإخلال بالمبادئ الإنسانية الأساسية، وعلى رأسها الحياد والنزاهة والاستقلالية.

وفي بيانه، دعا وود السلطات الإسرائيلية إلى توسيع نطاق إيصال المساعدات بشكل كبير، عبر جميع القنوات الممكنة، مشددا على أهمية تطوير أساليب مبتكرة تضمن وصول الإغاثة إلى مستحقيها دون تأخير أو تحوير أو تمييز.

مراكز مساعدات في قلب الخطر

تقع جميع مراكز توزيع المساعدات في مناطق مدمرة بسبب القصف العنيف، وتخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي. وتتمركز داخل ما يُعرف بـ"الدائرة الحمراء"، وهي مناطق سبق أن طُلب من السكان المدنيين إخلاؤها، مما يجعل الوصول إليها محفوفا بالمخاطر.

ويُضطر طالبو المساعدات إلى عبور مناطق اشتباك فعلي، والسير ساعات طويلة، وقطع مسافات قد تتجاوز عشرات الكيلومترات، لا سيما القادمين من شمال ووسط القطاع.

وفور وصولهم يخضعون لإجراءات تحقق صارمة تشمل تقنيات التعرف على الوجه، تنفذها شركات أمنية أميركية، وسط حراسة مشددة من قوات الجيش الإسرائيلي في محيط المراكز.

وقد صُممت هذه المراكز لتشبه المنشآت العسكرية المحصنة، إذ تُفرض فيها ممرات ضيقة تمتد كيلومترات، تحيط بها أبراج مراقبة وأعمدة إنارة، وتنتهي عند نقاط توزيع بدائية، حيث تُلقى أكياس الغذاء على الأرض وتُمنح لعدد محدود من المحتاجين، رغم التزاحم الكبير.

هذا النموذج الذي يُربط فيه الحصول على الغذاء بتجاوز بيئة عسكرية قمعية وصفته منظمات غير حكومية بأنه "مهين وغير آمن"، معتبرة أنه لا يرقى لمستوى العمل الإنساني ولا يحترم كرامة المحتاجين.

مصايد الموت

منذ بدء عملها بقطاع غزة في نهاية مايو/أيار 2025، شهدت مراكز توزيع المساعدات بشكل شبه يومي عمليات قتل واستهداف للمجوّعين، استخدمت فيها القوات الإسرائيلية القذائف المدفعية وصواريخ الاستطلاع، وفي بعض الأحيان مسيرات كواد كابتر لإطلاق الرصاص.

وارتكبت القوات الإسرائيلية أولى مجازرها بحق طالبي المساعدات بعدما أطلقت الرصاص الحي تجاههم في مركز مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، مما أدى إلى استشهاد 3 فلسطينيين وإصابة 46.

إعلان

وفي اليوم التالي، تكرّر المشهد الدموي، وأطلق الجيش الإسرائيلي النار بشكل مباشر على فلسطينيين تجمعوا للحصول على مساعدات في مدينة رفح، مما أسفر عن استشهاد 10 مدنيين وإصابة 62 آخرين بجراح متفاوتة، وفق بيانات رسمية. تحوّلت هذه الوقائع إلى نمط يومي متصاعد، حتى باتت مراكز توزيع الإغاثة تُعرف باسم "مصايد الموت".

وفي تطور لافت، كشفت صحيفة هآرتس العبرية، نقلا عن ضباط وجنود في الجيش الإسرائيلي، أنهم تلقوا تعليمات مباشرة من قيادات عسكرية بإطلاق النار على الفلسطينيين الموجودين قرب مراكز توزيع المساعدات التابعة لمؤسسة "غزة الإنسانية".

وفي السياق ذاته، أفادت مجلة إيكونوميست البريطانية بأن عدد ضحايا الفلسطينيين عند مواقع المساعدات ارتفع بأكثر من 8 أضعاف بين شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران 2025، تزامنا مع بدء أنشطة المؤسسة.

وبحسب الإحصاءات، فقد ارتفع عدد الشهداء الذين ارتقوا أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات الإنسانية في قطاع غزة إلى 800 شهيد في يونيو/حزيران 2025، وتجاوز 1300 مع نهاية يوليو/تموز من العام ذاته.

شكوى جنائية

وفي نهاية يوليو/تموز 2025، تقدمت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا بشكوى إلى مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، دعت فيها إلى فتح تحقيق عاجل في جرائم خطيرة منسوبة لمسؤولين في "مؤسسة غزة الإنسانية" وشركات أمنية متعاقدة معها.

وأوضحت المنظمة أن الجرائم المرتكبة تندرج في صلب اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وتشمل أخطر الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي، وهي: جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والمشاركة في جريمة الإبادة الجماعية.

وأضافت أن الشكوى أُرفقت بأدلة وخرائط وصور التقطتها الأقمار الاصطناعية، تظهر أن مراكز توزيع المساعدات التابعة للمؤسسة أُنشئت بهدف القتل والتجويع والتهجير، وليس بغرض الإغاثة الإنسانية.

ووفقا للمنظمة، فإن الصور الجوية تبين أن هذه المراكز صُممت على نمط قواعد عسكرية، بمداخل ضيقة تمتد في اتجاه واحد لمسافات طويلة تصل إلى عدة كيلومترات، تؤدي إلى مناطق اختناق تدريجي، وكلما تقدم المدنيون في هذه الممرات، يبدأ إطلاق النار عليهم، وفي بعض الحالات تُطلق قذائف دبابات مباشرة نحو الجموع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات مراکز توزیع المساعدات مؤسسة غزة الإنسانیة الجیش الإسرائیلی مایو أیار قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

أونروا: آلية توزيع المساعدات مسؤولة عن مقتل 1400 جائع في غزة

أونروا: آلية توزيع المساعدات مسؤولة عن مقتل 1400 جائع في غزة

مقالات مشابهة

  • وفيات الجوع ترتفع في غزة.. ومجازر جديدة أمام مراكز توزيع المساعدات
  • استشهاد 9 أشخاص بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي قرب مراكز المساعدات بغزة
  • عاجل | الإسعاف والطوارئ: 9 شهداء بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي قرب مراكز مساعدات شمال رفح جنوبي قطاع غزة
  • ذكرى خراب الهيكل.. بن غفير يقتحم ساحات المسجد الأقصى
  • والد الطفل عاطف أبو خاطر: أولادنا يموتون تجويعا أو تقتيلا عند مراكز توزيع المساعدات
  • أونروا: آلية توزيع المساعدات مسؤولة عن مقتل 1400 جائع في غزة
  • استشهاد 21 فلسطينيا بنيران الجيش الإسرائيلي قرب مراكز توزيع المساعدات
  • حماس تدين زيارة مبعوث واشنطن إلى مراكز توزيع المساعدات بغزة
  • "حماس": زيارة ويتكوف إلى مراكز توزيع المساعدات مسرحية لتلميع صورة الاحتلال