7 أغسطس، 2025

بغداد/المسلة:

د. ضياء واجد المهندس

في بلدٍ مثقل بالديون والأزمات السياسية، لم تعد ممتلكات الدولة في العراق تمثل “ملكاً عاماً” بالمعنى الاقتصادي والسياسي، بل أصبحت تمثل في نظر بعض القوى “غنيمة مؤقتة”، تباع وتُشترى بلا رؤى تنموية، ولا خطط مستقبلية.

منذ عام 2003، بدأت موجة متصاعدة من تصفية الأصول العامة في العراق، شملت عقارات ومصانع وأراضٍ ومقرات حكومية، وصولاً إلى القصور الرئاسية التي كانت يومًا ما ترمز لهيبة الدولة.

لكن هل كانت هذه الإجراءات ضرورة اقتصادية؟ أم كانت بابًا واسعًا للفساد وتصفية ثروات البلاد لصالح فئة محددة؟

1. أرقام تكشف عمق المشكلة

???? وفق تقرير ديوان الرقابة المالية لعام 2023:

تم بيع أكثر من 12 ألف عقار حكومي في عموم العراق خلال السنوات الخمس الأخيرة.

أكثر من 60% من هذه العقارات بيعت بأسعار أقل من قيمتها السوقية الحقيقية، ما تسبب بخسائر تتجاوز 3.2 تريليون دينار عراقي.

???? ووفق هيئة النزاهة:

نحو 71 مصنعًا حكوميًا تم بيعه أو “تحويل ملكيته” إلى القطاع الخاص بين عامي 2005 و2022.

87% من هذه المصانع توقفت عن العمل نهائيًا، ما تسبب بخسارة آلاف الوظائف، وانخفاض كبير في الإنتاج المحلي.

???? أما عن القصور الرئاسية، فتشير مصادر حكومية إلى:

تحويل 35 قصراً ومجمعاً رئاسياً إلى استثمارات تجارية أو سكنية خاصة.

لم تُستثمر أيٌّ منها في مشاريع ثقافية أو خدمات عامة، رغم مقترحات سابقة بتحويل بعضها إلى متاحف أو جامعات.

2. الأسباب الحقيقية وراء البيع

رغم التبريرات التي تسوقها الجهات الحكومية، مثل العجز المالي، وتخفيف العبء الإداري، فإن الواقع يكشف عن أسباب أعمق:

الفساد المنظّم: بعض عمليات البيع تمت عبر لجان غير مستقلة، أو بأساليب ملتوية تُظهر أن “المزاد” قد حُسم قبل أن يبدأ.

غياب التشريعات الرادعة: قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 21 لسنة 2013، لا يحتوي على آليات شفافة لضمان الرقابة الشعبية أو القضائية.

استغلال النفوذ السياسي: كثير من هذه الممتلكات انتهت في يد متنفذين أو أقاربهم عبر شركات واجهة.

3. النتائج الكارثية على المدى البعيد

تدهور الأمن الغذائي: تحويل الأراضي الزراعية إلى مجمعات سكنية ساهم في تقليص الرقعة الزراعية بنسبة 28% خلال عشر سنوات.

الاعتماد على الاستيراد: العراق يستورد اليوم أكثر من 85% من حاجاته الصناعية والاستهلاكية.

زيادة البطالة: أدى إغلاق المصانع المبيعة إلى فقدان أكثر من 200 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

فقدان السيطرة على الثروة العقارية: لا توجد قاعدة بيانات موحدة توضح حجم أملاك الدولة المتبقية، أو طريقة التصرف بها.

4. ما العمل؟ الحلول موجودة ولكن الإرادة غائبة

???? تجميد البيع فورًا: إعلان وقف مؤقت لجميع صفقات بيع أملاك الدولة لحين مراجعة شاملة.

???? إنشاء هيئة وطنية مستقلة لإدارة الأصول العامة، تضم خبراء اقتصاد وقانونيين، وتشرف على إعادة تقييم واستثمار الأصول.

???? تشريع قانون “صندوق الأملاك العامة”، يتم من خلاله استثمار ممتلكات الدولة كأصول إنتاجية بدل بيعها.

???? إشراك المواطنين: إعلان كل صفقة بيع بشكل علني، عبر منصات رقمية، تسمح للرقابة الشعبية والإعلام بمتابعتها.

???? إعادة تأهيل المصانع: دعم شراكات بين الدولة والقطاع الخاص لإعادة تشغيل المصانع، ضمن ضوابط شفافة.

ختامًا: هل العراق للبيع؟

سؤال يبدو صادماً، لكنه يعكس واقعًا نعيشه يوميًا. فالمواطن العراقي يرى كيف تُباع ثرواته قطعةً قطعة، في صفقات لا تنفعه، ولا تنعش الاقتصاد، بل تزيد من شعوره بالتهميش.

إننا بحاجة إلى وقفة وطنية جادة لإعادة تعريف مفهوم “الملكية العامة” في العراق، ليس على الورق فقط، بل في أرض الواقع، عبر تشريعات وإجراءات تحوّل الأملاك العامة إلى مصادر إنتاج لا مصادر نهب.

العراق ليس للبيع،
وممتلكاته ليست غنيمة،
بل أمانة يجب أن تُحمى وتُستثمر لصالح الأجيال القادمة.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها. About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: فی العراق أکثر من

إقرأ أيضاً:

ميسان تفرغ.. والجفاف ينتصر: جنوب العراق يهاجر داخلياً بصمت

6 أغسطس، 2025

بغداد/المسلة: تواصل أزمة الجفاف في العراق إعادة رسم الجغرافيا السكانية في جنوب البلاد، بعدما دفعت بأكثر من 24,500 عائلة إلى ترك أراضيها ومنازلها بحثاً عن الماء والرزق والأمان، في واحدة من أكبر موجات النزوح الداخلي المرتبطة بالمناخ منذ عقود، وفق أرقام أوردتها منظمة الهجرة الدولية وأكدتها مصادر برلمانية محلية.

وتدفع الكارثة المناخية بجنوب العراق إلى حافة التفريغ السكاني، إذ تتركز الكتلة النازحة في محافظات ميسان وذي قار والمثنى، حيث تلاشى ما تبقى من بيئة الأهوار والزراعة والمراعي، وتراجعت المياه إلى مستويات حرجة، فيما تهاوت فرص العمل والدخل، ما خلق ظاهرة نزوح جديدة تشبه ما عاشه العراق في حقب الصراع الطائفي أو اجتياح داعش، لكن بملامح مختلفة وخصم جديد اسمه التغير المناخي.

وتبدو الحكومة في سباق غير متكافئ مع الأزمة، بعدما كشفت النائبة رقية النوري عن ستة مسارات للمعالجة، تتراوح بين خطط وطنية للتأقلم، وإجراءات تقشف مائي، وتحركات دبلوماسية نحو دول المنبع، وصولاً إلى حملات تشجير وتوثيق أممي للكارثة. لكن هذه المعالجات، وإن كانت ضرورية، لا تزال في طور المبادرة والنوايا، ولم تتحول بعد إلى واقع ملموس يوقف سيل النزوح أو يطمئن المجتمعات المتروكة في العراء.

وتحمل بعض الأصوات البرلمانية، تحذيراً واضحاً من تحول ملف النازحين إلى “عبء موروث”، نتيجة ضعف الإنجاز وتكرار الترحيل الحكومي للملف من دورة إلى أخرى، وسط مشهد سياسي مثقل بالتجاذبات والعجز الإداري. ويزيد الأمر خطورة، أن حالات العودة في بعض المناطق تواجه تهديدات أمنية متكررة، ما يجعل العودة محفوفة بالمخاطر وغير مستدامة.

وتتجلى الأزمة ليس فقط في بُعدها الإنساني، بل في كونها اختباراً للدولة وقدرتها على الإدارة المتكاملة لملفات البيئة والهجرة والتنمية. فالنزوح هنا ليس حدثاً مؤقتاً، بل عنوان لتحولات سكانية وهيكلية، تتطلب من الدولة تجاوز منطق الإطفاء المؤقت إلى سياسات وطنية طويلة النفس وشاملة، تضع الإنسان وحقوقه وموارده في قلب القرار.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • العراق يعلن استئناف تصدير النفط عبر الخط التركي
  • ميسان تفرغ.. والجفاف ينتصر: جنوب العراق يهاجر داخلياً بصمت
  • "مدن".. 7 شروط لتشغيل المصانع.. وتقنين الأنشطة الخطرة والمباني الرأسية
  • الشركات الصينية في العراق.. بين الكلفة الرخيصة والشفافية الغائبة
  • وزارة التجارة:تسويق أكثر من 5 ملايين طن لمحصول الحنطة خلال الموسم الحالي
  • تركيا تبيع العراق أوهام الماء.. من 420 متر مكعباً إلى لا شيء يذكر
  • قرارات تخص الاقتصاد العراقي بينها تصدير الأسفلت المؤكسد
  • العراق بلا حنطة.. ومزارعو الشتاء يحرثون في الهواء
  • استطلاع: أكثر من 50% من الألمانيين غير راضين عن أداء رئيسة المفوضية الأوروبية