الفاشر وغزة: مجاعة واحدة… وضمير عالمي ميت
تاريخ النشر: 7th, August 2025 GMT
1 قال الرئيس البرهان أمس وهو يتفقد قواته في كردفان ( العالم ماشغال بينا الفاشر محاصرة والسلاح يدخل رغم قرار مجلس الأمن .). مجلس الأمن الذي انعقد بالأمس..وصف الحالة بمدينة الفاشر باعتبارها “نقطة انهيار إنساني مركزي” رغم هذا الوصف لم يصدر أى قرار ( بل بيان سمج)!! مجلس الأمن وهو وهو يرى المدينة تموت لم يقدم على اى تدخل إنساني لإنقاذ المحاصرين حتى لو بإسقاط الطعام.
بعد جلسة الامس الا يحق لنا أن نتساءل الهذا العالم دين يعتنقه أو إله يعبده؟ إذن، كيف يشاهد هذا الموت الذي تفرضه المليشيا على الفاشر ويقف مشلولًا؟! كيف يرى هذا القتل والتجويع الذي يفرضه الصهاينة على غزة.. ويصهين؟! كل الشواهد تدل على أن العالم تخلّى عن دينه وإنسانيته واختبأ في أقبية الخزي.
أكثر ما يثير الغثيان أنهم يصدّعون رؤوسنا بترهات الديمقراطية والحريات، وكل الشعارات المسمومة التي يلوّثون بها آذاننا صباح مساء، عن حقوق الإنسان ومسؤولية الحماية، وكوكب يجمعنا، وكثير من هذا اللغو الفارغ وبلا حياء.
2
كل طرق الإمداد منذ مايو 2024… مغلقة على الفاشر، الماء ممنوع، والدواء محجوب. عشرات الآلاف (800 ألف بحسب الأمم المتحدة) يعيشون وضعًا إنسانيًا هو الأسوأ في تاريخ السودان الحديث. تصنّف الأمم المتحدة الجوع هناك بـ”المرحلة الخامسة (مجاعة)” وفق تصنيف الأمن الغذائي العالمي (IPC). وصل الحد بالناس إلى أكل “الامباز”، طعامهم الوحيد الآن.
يموت الأطفال يوميًا، بالقصف وبالجوع. وصلت نسبة سوء التغذية الحاد بين الأطفال إلى 33.7٪، بينما فاقت الوفيات في بعض الأيام 3 وفيات لكل 10,000 طفل يوميًا — معدل يتجاوز تعريف المجاعة بأشواط. المأساة تتضاعف، ويختلط الجوع بطين الخريف. السكان هناك يأكلون أوراق الأشجار. ومع ذلك، لا تُفتح الممرات، وكأن العالم اتفق على أن يموت السودانيون بصمت!
3
بالأمس قال بيان مجلس الأمن أن مدينة الفاشر تحولت إلى معقل محاصر يقطنه نحو 800 ألف مدني، يعيشون دون ماء أو دواء أو غذاء كافٍ. وبحسب الإحاطة الأممية، فإن المعابر كافة، بما فيها المعبر الحدودي مع تشاد (أدر)، مغلقة، بينما تتعرض قوافل الإغاثة للاستهداف المتكرر، مما يجعل القرار 2736 الصادر في يونيو 2024 – والذي طالب بإنهاء الحصار فورًا – بلا أثر فعلي على الأرض. والى ذلك حذّرت المفوضية السامية من أن “أساليب التجويع القسري” المتبعة قد ترقى إلى جرائم حرب، بل وربما إلى جرائم ضد الإنسانية، إذ ثبتت نية الإبادة الجماعية في استهداف مجموعات سكانية بعينها، كما حدث في وقت سابق بمناطق المساليت بغرب دارفور
من الغرائب أن يجتمع مجلس الأمن لأكثر من ثلاث مرات ليقرّر ويناشد المليشيا لرفع الحصار عن مدينة يموت اهلها بالجوع! مدينة تُحاصر لتُجوَّع، وتُجوَّع لتُخضَع، وتُنسى لتموت ومجلس الامن لايزال يرسل المناشدات الباردة للمليشيا
إنك لتستغرب كيف لمليشيا مجرمة ترتكب الإبادة الجماعية أن تكون قادرة على فرض أجندتها وموقفها على ما يسمى “المجتمع الدولي”! منذ صدور القرار 2736 في يونيو 2024، والمجتمع الدولي ومجلس أمنه يناشدون المليشيا بفك الحصار عن الفاشر، حتى بعد إعلان مجاعة في معسكر زمزم!!
وقبلها في يونيو 2025، دعا مفوّض الأمم المتحدة السامي إلى ضرورة التنفيذ الفوري لحظر السلاح بموجب القرار 1556، باعتبار أن استمرار تدفّق الأسلحة يشكّل تهديدًا مباشرًا للمدنيين في دارفور. ولكن، الأسلحة تتدفّق بالطائرات يوميًا على نيالا، وفي مطارات أم جرس، وليبيا، وكلها تساهم في تسعير الحرب، والعالم يرى ذلك ويعجز عن إلزام المليشيا وداعميها بوقف تسليحها. سلاح يتدفق من كل الجهات، وجوع يقتل المدن، والعالم لا يملك سوى المناشدة!! هل حقا باتت الفاشر “سربرينيتسا السودان”؟ يقول الخبراء، هناك أوجه تشابه مقلقة مع جرائم الإبادة في البوسنة ورواندا!!
المليشيا تحاصر الملايين في كردفان ودارفور، والعالم يغمض عينيه ويصمّ آذانه. المليشيات تقتل وتغتصب وتنهب، حتى الأغذية من قوافل الإغاثة التي تحملها عربات الأمم المتحدة، والعالم لا يرى ولا يسمع. أُصيب العالم فجأة بهاء السكْت، فسكت!!
ما سر هذه المليشيا التي تتمرّد على العالم كله، وليس على السودان فحسب؟ إنها أموال الكفيل، التي تعمل كمصادات في عالم يتلقّى الرشاوى بصدر رحب.. ألم يأتك حديث رشوة رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم؟!! تعتمد المليشيا على رشوة هذا العالم المنحط حتى يبقى صامتًا، متجاهلًا الموت الجماعي الذي يواجه الملايين في الفاشر دون أن يُصاب بحكّة ضمير.
ليس الفاشر وحدها تُحاصر لتموت، بل غزة أيضًا، والعالم كله يرى ويسمع… ولكنه عاجز عن الحركة، مات ضميره، وانعدمت أخلاقه، وأضحى بلا عقل، ولا ضمير.
5
على شواطئ غزة، يعيش 2.3 مليون فلسطيني تحت حصار إسرائيلي خانق منذ أكثر من 18 عامًا. ومنذ اندلاع الحرب الأخيرة في أكتوبر 2023، دخل القطاع مرحلة غير مسبوقة من الحرمان الغذائي، حيث دُمّرت الغارات المستودعات، الحقول، والمخابز، وتسببت في تجويع مئات الآلاف.
تُقدّر نسبة من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد بأكثر من 80٪، فيما تشير تقارير برنامج الأغذية العالمي إلى أن الملايين الآن يواجهون مجاعة مميتة.
الأطفال يقبرون أمام الكاميرات، والرجال في الطرقات، والنساء على أسِرّة الموت، وكله مبثوث على الهواء مباشرة. الصهاينة يفعلون ذلك… لا يخشون مجلس أمن، ولا رأيًا عامًا عالميًا، ولا الله!!
قرّر العالم، لا إسرائيل وحدها، أن يقتل أهل غزة بالصمت المريب. أمام عينيه تُغلق المعابر، وتُعرقل قوافل المساعدات الدولية أمام عدسات الكاميرات، وهو صامت، عاجز، ومتواطئ.
6
عالمٌ يدّعي التحضّر ويحتفي بالمدنية، يرى الجوع يتربّع على عروش المدن المحاصرة. من الفاشر إلى غزة، ضحاياه المدنيين، الأطفال، النساء، والمرضى. في الحالتين، لا يتعلق الأمر بندرة الغذاء أو بكارثة طبيعية، بل بـحصار متعمّد يُستخدم كأداة سياسية لإخضاع السكان، أو كعقوبة جماعية خارجة عن القانون الدولي.
كيف يُعقل أن يُمنع الغذاء عن طفل في زمزم أو بيت حانون؟ كيف تُترك المدن المحاصرة تحت رحمة القتلة؟! لقد فشلت الأمم المتحدة في كسر حصار الفاشر، كما فشلت في منع إسرائيل من تجويع غزة.
تُرى، على أي شيء اتّحدت تلك الأمم؟ أين وكيف ابتلعت مسؤولية الحماية؟!! هل اتّحدت على قتل الشعوب وقهرها؟ أم على تسويق سياساتها المسمومة؟
هل يمكن، بعد كل ما عرفناه وشهدنا، أن يدّعي عاقل أن لهذا العالم ضميرًا، أو دينًا، أو أية قيم تليق بالإنسان… أو حتى بالحيوانات؟!
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الأمم المتحدة مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
السودان يتكبد 20% من خسائر قطع الإنترنت في العالم بسبب الحرب
ذكرت وسائل إعلام غربية، الثلاثاء، أن خسائر مشغلي خدمات الاتصالات في السودان جراء الانقطاعات المستمرة لشبكات الإنترنت خلال العام 2024، بلغت نحو 1.2 مليار دولار.
وأفادت صحيفة غربية، مساء اليوم الثلاثاء، بأن تلك الخسائر جاءت نتيجة انقطاع الخدمة لمدة وصلت إلى قرابة 13 ألف ساعة خلال العام، حيث بلغت حصة السودان قرابة 85 % من مجمل خسائر الدول الأفريقية البالغة 1.5 مليار دولار خلال العام، ونحو 20 % من إجمالي الخسائر العالمية التي قدرت بنحو 7.7 مليار دولار.
وتعرّض قطاع الاتصالات لأضرار كبيرة في السودان، وتفاقمت خسائره بسبب ارتباطه بقطاعات أخرى تعرضت لدمار كبير مثل شبكات الكهرباء، فقد حد انقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من 70 % من مناطق البلاد، من قدرة السكان على شحن هواتفهم وقلل بالتالي من ساعات الاتصال بشبكة الإنترنت.
وتتراوح خسائر البنية التحتية ما بين 180 إلى 200 مليار دولار، بشكل مباشر، وخسائر غير مباشرة تفوق 500 مليار دولار، أي نحو 13 مرة من ناتج السودان السنوي البالغ متوسطه نحو 36 مليار دولار.
وفقد قطاع الاتصالات في السودان أكثر من نصف مستهلكيه المقدر عددهم بنحو 30 مليون من مجمل سكان البلاد البالغ تعدادهم نحو 48 مليون نسمة، منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، أو بسبب الحرب الدائرة في البلاد.
وفي السياق نفسه، قُتل 15 مدنيا على الأقل برصاص قوات “الدعم السريع”، يوم السبت الفائت، خلال مغادرتهم الفاشر في ولاية شمال دارفور، وجاءت “عملية القتل استجابة لدعوات قادة بارزين في تحالف “تأسيس” بهدف إفراغ المدينة من السكان باعتبارها منطقة نزاع نشطة، وأعلنت القوة المشتركة صدها لهجوم جديد نفذته “الدعم السريع” على الفاشر”.
فيما دعا رئيس حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي، الهادي إدريس، سكان الفاشر إلى مغادرتها، كما اعترض على إيصال المساعدات الإنسانية إلى داخل المدينة.
وحددت قوات “الدعم السريع” وحلفاؤها في ائتلاف “تأسيس” منطقة قرني الواقعة في البوابة الغربية لمدينة الفاشر، نقطة تجميع للقادمين من عاصمة شمال دارفور، على أن يتم نقلهم بعد ذلك إلى مناطق كورما وطويلة، وهي مواقع تسيطر عليها حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور والمجلس الانتقالي بزعامة الهادي إدريس.
واستجاب للدعوات التي أطلقها حلفاء “الدعم السريع” لإفراغ مدينة الفاشر من السكان، عدد محدود من الشباب بسبب الضغوط المعيشية، لكنه تم الغدر بهم وقتلهم بصورة بشعة.
واندلعت الحرب في السودان، في 15 أبريل 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في مناطق متفرقة من السودان، ما أثّر على الخدمات الصحية والأوضاع المعيشية للسودانيين خاصة في تفاقم أزمة النزوح داخليا وخارجيا.
وكالة سبوتنيك
إنضم لقناة النيلين على واتساب