الشركات الصينية في العراق.. بين الكلفة الرخيصة والشفافية الغائبة
تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT
6 أغسطس، 2025
بغداد/المسلة: تندفع شركات النفط الصينية المستقلة بقوة نحو العراق، مستثمرةً تراجع الحضور الغربي وصعود نموذج اقتصادي يستند إلى الكلفة المنخفضة وسرعة التنفيذ، وهو ما يتناغم مع احتياجات عراق يعاني من ضغط داخلي متصاعد لتسريع المشاريع النفطية، وبيئة إدارية تتداخل فيها المصالح الرسمية مع الولاءات السياسية والمكاسب الشخصية.
وتبدو هذه الشركات الصغيرة، مثل “جيو-جايد بتروليوم” و”تشونغمان” و”أنتون”، وكأنها وُلدت خصيصاً لهذا النوع من البيئات: لا تدقيق غربي صارم، ولا رقابة مؤسسية شاملة، ولا معايير شفافة تُعيق التفاهمات الخلفية. وهي معادلة تُغري أطرافاً داخل العراق، ممن رأوا في غياب الأضواء الإعلامية والرقابة الدولية على تلك الشركات فرصة لاستقطابها، لا على أساس الكفاءة أو التقنية، بل على قاعدة تقاطع المصالح وتبادل المنافع، بما يشمل الرشاوى والعمولات، التي يسهل تمريرها تحت بنود عقود مرنة ومتشعبة.
وتنقل تقارير داخلية في وزارة النفط شكوكاً متزايدة بشأن مدى التزام هذه الشركات بالمعايير الفنية، إذ تُتهم بالاعتماد الكثيف على الموظفين الصينيين وتهميش الطاقات العراقية، فضلاً عن تخفيض كلف الحفر بشكل غير مفهوم أحياناً، في ظل صمت إداري يُثير الريبة، ويعزز مخاوف من شبكات فساد تجد في هذه الشركات ملاذاً آمناً بعيداً عن المحاسبة الغربية.
وإذا كانت الحكومة العراقية قد اتجهت إلى العقود القائمة على تقاسم الأرباح لتجاوز جمود النماذج القديمة، فإن الواقع الميداني يكشف عن طبقة من المتنفذين باتت ترى في الشركات الصينية المستقلة وسيلة لتأمين مكاسب شخصية عبر اتفاقيات تفتقر إلى الشفافية وتُدار بأطر تفاوضية غير معلنة، حيث يجري التلاعب في التكاليف، وتُمنح الامتيازات لمن يضمن تمرير العمولات.
وتكمن المفارقة في أن هذه الشركات التي تُسوّق نفسها على أنها أكثر التزاماً وانضباطاً وسرعةً، تتحول فعلياً إلى أدوات في منظومة تكرّس الفساد البنيوي، مستفيدة من ضعف المؤسسات الرقابية، وغياب الإرادة السياسية في فرض معايير حقيقية للتقييم الفني والاستثماري.
وفي ظل هذا الواقع، يبقى الرهان مفتوحاً: هل ينجح العراق في تحقيق أهدافه الطموحة برفع الإنتاج إلى 6 ملايين برميل يومياً، أم أن تحوّل قطاع النفط إلى ساحة مساومات بين شركات تبحث عن ربح سريع ومسؤولين يبحثون عن عمولات، سيُبقي البلد رهينة نمط تنموي هشّ لا يستند إلى العدالة أو الكفاءة؟
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: هذه الشرکات
إقرأ أيضاً:
نخيل الجنوب يموت واقفًا على ضفاف الملح ويبحث في الصحراء عن أمل
4 أغسطس، 2025
بغداد/المسلة: يدفع تزايد ملوحة شط العرب المزارعين في جنوب العراق إلى تغيير جغرافي قاسٍ، حيث تهاجر النخيل من ضفاف الماء التاريخي إلى عمق الصحراء، مدفوعة بندرة المياه العذبة وتحوّلات المناخ، في مشهد يعكس الأزمة المائية الأشد التي تواجهها البصرة منذ عقود.
ويستند هذا التحوّل إلى واقع مرير، إذ تُظهر صور جوية نخيلًا ميتًا ومحترقًا في المزارع المهجورة بمحافظة البصرة نهاية يوليو الماضي، بعدما تجاوزت نسبة الملوحة في بعض القنوات 33 ألف ميلي موز، وهي نسبة قاتلة للنباتات، وفق ما أكده المزارع يالي سالم ثجيل الذي قال إن “الماء لم يعد يُسقي نخلة ولا ينعش شجرة”.
ويُعيد التاريخ نفسه بمرارة، فقد بدأ النزوح الزراعي منذ سنوات، كما روى عبد الواحد الشاوي الذي انتقل عام 2010 من أبي الخصيب إلى صحراء الشعيبة، وصرّح بأن “المدّ الملحي في 2018 دقّ آخر مسمار في نعش الزراعة النهرية”. وأوضح أن إنتاجه اليومي في ذروة الموسم يصل إلى طن من التمور، مؤكدًا أن “الماء الجوفي ثابت، لا يزيد ولا ينقص، والنخل في الصحراء أقوى إنتاجًا من نخيل النهر”.
ويعكس ذلك توجّهًا جديدًا في الزراعة الصحراوية، مدعومًا بتقنيات الري بالتنقيط واستخدام المياه الجوفية معتدلة الملوحة، كما أفاد مدير قسم النخيل في مديرية زراعة البصرة جاسم محمد ضمد، الذي أشار إلى أن نسبة ملوحة المياه الجوفية في بعض المناطق الصحراوية تتراوح بين 2000 إلى 3000 ميلي موز، وهي مستويات مقبولة نسبيًا للزراعة عند تقنين الاستهلاك.
وتشهد منصات التواصل نقاشًا متصاعدًا حول “هجرة النخل”، إذ غرّد الناشط البيئي علي كاظم (@AliK_Earth) قائلاً: “شط العرب صار شط الملح… نخيلنا تهجّر، وأراضينا صارت بيضاء من الملوحة لا من النقاء”.
بينما كتب الناشط عبد الرحمن المشعل (@almisha3l) تعليقًا على صورة من مزارع الزبير: “النخيل يعود حيًا من رمال الصحراء… العراق الصحراوي أصبح أكثر خضرة من الجنوب المائي”.
ويضع هذا التحول علامات استفهام حول فعالية الاتفاقيات الدولية، فبالرغم من توقيع اتفاقية إدارة المياه بين العراق وتركيا في أبريل 2024، لم تصل بعد أي مؤشرات ملموسة على تحسّن تدفقات المياه في البصرة، ما يجعل مستقبل الزراعة في الجنوب رهينة بالصحراء لا بالنهر.
ويواجه العراق أزمة مائية غير مسبوقة، إذ أفادت وزارة الموارد المائية في يوليو 2025 بأن واردات المياه من تركيا وسوريا انخفضت بنسبة 70% مقارنة بالمتوسط السنوي في العقدين الماضيين، مما يعيد تشكيل الخارطة الزراعية، ويهدد الأمن الغذائي والمائي معًا.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author AdminSee author's posts