الطائفية وخطاب الكراهية في الخليج العربي
تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT
الطّائفيّة حالة انتمائيّة طبيعيّة في المجتمع البشريّ، كانت على شكل أديان أو مذاهب أو تشكلات ثقافيّة واجتماعيّة مرتبطة بحركة الاجتماع البشريّ، وهي من ألبسة الإنسان يكسبها عادة بعد ولادته عن طريق الأسرة أو البيئة الّتي ينشأ فيها، فهذه من خصوصيّات الإنسان كفرد أو جماعة، ولا يجوز انتهاكها قولا أو فعلا، أو تمييزه وإقصاؤه والتّنمر عليه لسبب الانتماء إليها، فلا يوجد فرد عادة عابر لهذه الانتماءات، فهو جزء من المحيط الّذي يعيش فيه انتسابا أو قناعة.
ودول الخليج العربيّ بعيدا عن مسمّياتها وتوزيعاتها الجغرافيّة الحاليّة ليست وليدة ما بعد النّفط، وتعدّديّتها الدّينيّة والمذهبيّة والثّقافيّة لم تولد نتيجة كثرة الهجرات العماليّة منذ منتصف القرن العشرين وحتّى اليوم، بل هذه التّعدّديّة موغلة في القدم، منذ آلاف السّنين، فالاجتماع البشريّ في الخليج حدوثه لم يكن قريبا كما يصوره بعضهم، حاصرا حضارات الشّرق الأدنى في أمكنة جغرافيّة معينة، بل له عراقته وتداخله منذ نشأة الحضارات الأولى، كما أنّه مؤثر كبير في تفاعل الأديان التّوحيديّة الحديثة، منذ الزّرادشتيّة وحتّى الأديان الإبراهيميّة وآخرها الإسلام الّذي انطلق من حجازها، وتفاعلت معه شعوب المنطقة بتعدّديّتها المذهبيّة، ورؤيتها الكلاميّة، وتنوعها الفقهيّ، واختلاف رؤيتها السّياسيّة.
ومع تكوّن الدّولة الوطنيّة الحديثة في دول الخليج العربيّ لابدّ من الممايزة ما بين الخصوصيّات الطّائفيّة، وما بين الشّأن العام كان على شكل دولة أو مجتمع تسودهم بيئة وأعراف واحدة، فهناك خصوصيّات دينيّة أو مذهبيّة أو طقوسيّة أو ثقافيّة، هذه لا تخضع للإثارة العامّة، أو المحاكمة اللّاهوتيّة اللّاغية للمختلف، أو للتّسييس أي استخدامها كأدوات سياسيّة، فهذه مكونات لها احترامها الذّاتيّ والقانونيّ، فانتساب الفرد إليها لا يرفع أن يكون مواطنا له حقوقه كذات لا كألبسة يلبسها مثل لباس انتمائه الطّائفيّ.
لهذا لا علاقة بين هذه الانتماءات والشّأن العام، لأنّ الشّأن العام مرتبط بذات المواطنة، لا بالخصوصيّات الطّائفيّة، والاعتقادات اللّاهوتيّة، والاختلافات الطّقوسيّة، فبقدر ما تكون هذا الخصوصيّات لها احترامها؛ إلّا أنّه لا يرهن بها الشّأن العام، فإن كان ذلك خرجنا من سعة الانتماء الطّائفيّ، إلى ضيق الانتماء، لندخل في دائرة الكراهيّة والصّراع اللّفظيّ، والّذي يشغل العقل الجمعيّ عن الاهتمام بالشّأن العام المعنيّ به، إلى قضايا تجعله يعيش صراعا لاهوتيّا وتأريخيّا وهميّا، لم يكن يوما ما خياره في الحياة، ولكن القدر الّذي ولد فيه جعله لباسا لابسا له، ومتميّزا به ظاهريّا عن غيره من الانتماءات الأخرى.
ثمّ علينا أن نمايز بين إيمان هذه الطّوائف والمذاهب بالحقّ المطلق، وبين السّلم المجتمعيّ في الخليج العربيّ، فإيمانك أنّ دينك أو مذهبك هو الصّورة الوحيدة لمراد الله؛ هذا حقّك، كان عن اقتناع أو تقليد، لكنّه لا يتجاوز الشّأن الذّاتيّ من حريّة المعتقد وممارسة الطّقوس والتّعبير عن الرّأي، فإذا تجاوز هذا المقدار، ورهنت به الشّأن العام، هنا لن يكون الشّأن العام مرهونا بالسّلم المجتمعيّ، ولن تكون الدّولة الوطنيّة متعلّقة بالذّات الإنسانيّة، بل سيدخلها في صراعات طائفيّة ومذهبيّة، وإقصاءات لأسباب لاهوتيّة أو ثقافيّة أو قبليّة أو مناطقيّة، وشرارتها تبدأ باسم الغيب وما يتشكّل حوله من دين أو مذهب، ثمّ يتمدّد الصّراع قبليّا ومناطقيّا بحكم انتماءاتها الطّائفيّة إلى الدّين والمذهب، وقد يتمدّد باسم الدّولة ذاتها، ليسود المنطقة الصّراع الّذي يقود إلى نمو الميلشيّات لأسباب طائفيّة، ثمّ الاحتراب والصّراع الّذي يقود المنطقة إلى الفقر والتّخلّف والضّعف الأمنيّ والعسكريّ والسّياسيّ بشكل عام.
وما حدث مؤخرا من جدل طائفيّ عقيم في وسائل التّواصل الاجتماعيّ خصوصا منصّة (×)، وإن كان لا قيمة له في نظري مع وجود سياسات خليجيّة حكيمة مؤمنة بذات المواطنة؛ بيد أنّ صعود مثل هذه الخطابات بين حين وآخر مؤشر سلبيّ إن لم ينتبه له باكرا، سوف يتطوّر مستقبلا بتمدّده في التّفكير الجمعيّ، وهذا يؤثر سلبا في حركة الاستقرار والتّنمية في المنطقة، لأنّ العقل الجمعيّ المتأثر بخطابات الكراهيّة قد تكون دائرته اليوم بسيطة، لكنّه غدا يتمدّد في دوائر أكبر في الدّولة، ويتجاوز توغله في المؤسّسات المدنيّة إلى المؤسّسات الأمنيّة والعسكريّة، كتمدّده كما أسلفت من جانبه الطّائفيّ البسيط إلى جانبه القبليّ والمناطقيّ بشكل أكبر.
في مواجهة مثل هذه الخطابات المولدة للكراهيّة، والمؤثرة في السّلم المجتمعيّ في الخليج العربيّ، وهي مضرب المثل في الوئام الاجتماعيّ بشكل عام، لمواجهتها لسنا بحاجة أن تواجه بالسّب والشّتم والشّخصنة والتّلفيق، كما أنّه لسنا بحاجة إلى إثارة العاطفة بالقصائد المهيّجة، ولا تضخيمها طائفيّا ومذهبيّا، وصناعة شخوص دينيّة نتصارع حولها في دولة مدنيّة مدارها القانون وذاتيّة الإنسان، وقد تجاوزت الحدّ الخليجيّ، ليدخل فيها من هو خارج حدودنا الخليجيّة لأغراض حزبيّة وسياسيّة، بعضهم قد يكون صادقا أمينا، ولكن هناك من يحمل أغراضا مبطنة أيضا لإشعال نار الكراهيّة والنّزاع في هذه المنطقة.
إنّ دائرة التّعقل تستلزم منّا أن لا نكون عنصر إثارة دوما، لمقطع من هنا، أو تغريدة من هناك، فإن كان كذلك؛ فهناك خلل في البنية المجتمعيّة ذاتها، وفي تطوّر التّفكير المجتمعيّ، أمام قضايا أولى وأهم بالاهتمام، ممّا نعطي لمثل هذه الشّخوص الطّائفيّة مساحة من الظّهور، ولما تنشره مساحة أوسع للانتشار، وقد يكون هذا بغيتها، نحن بحاجة اليوم إلى تأسيس معرفيّ مؤثر في العقل الجمعيّ يربط الإنسان بذات المواطنة، لا بالشّخوص والرّموز، ولا بالطّوائف والمذاهب، ولا بالقبائل والمناطق، ومثل هذه الحوادث يجعل من المؤسّسات المعنيّة في دول الخليج أن تخلق مراجعات يحمي أمنها واستقرارها وتنميتها من جهة، وفي الوقت ذاته تحفظ الخصوصيّات الفرديّة والانتماءات الثقافيّة والطّائفيّة، وفق استراتيجيّة موحدة غايتها حفظ السّلم المجتمعيّ، وتقليم خطابات الكراهيّة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الخلیج العربی فی الخلیج الکراهی ة الد ولة
إقرأ أيضاً:
محافظ الشرقية يشيد بجهود وحدة السكان في تعزيز الوعي المجتمعي
أشاد المهندس حازم الأشموني، محافظ الشرقية، بالجهود المكثفة التي تبذلها وحدة السكان بالديوان العام، بالتعاون مع مختلف الجهات التنفيذية، في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية (2023–2030)، التي تستهدف تنمية الأسرة المصرية والارتقاء بجودة حياة المواطن.
وأكد المحافظ أن وحدة السكان أصبحت نموذجًا للعمل الجماعي المنظم الذي يهدف إلى تحسين المؤشرات السكانية، وتعزيز الوعي المجتمعي بمختلف القضايا التي تمس حياة المواطنين، من خلال برامج توعوية ومبادرات ميدانية تغطي جميع مراكز المحافظة.
وأوضحت المهندسة لبنى عبد العزيز، نائبة المحافظ، أن نجاح الجهود التنموية يتطلب تكامل الأدوار بين الأجهزة التنفيذية المختلفة، مشيرة إلى أهمية استمرار عقد الندوات والاجتماعات الدورية، وإطلاق القوافل الطبية والدينية والتوعوية لمواجهة التحديات السكانية، والتقليل من آثارها السلبية على خطط التنمية الشاملة.
وأضافت أن محافظة الشرقية تولي اهتمامًا كبيرًا بملف السكان، من خلال التركيز على نشر ثقافة الوعي، وتمكين المرأة، وتحفيز الشباب للمشاركة في جهود التنمية، بما يتماشى مع أهداف الدولة في تحسين جودة الحياة لجميع المواطنين.
من جانبها، أوضحت ريهام رجب، مديرة وحدة السكان بالديوان العام، أن الوحدة نفذت خلال شهر سبتمبر سلسلة من الأنشطة والمبادرات بالتنسيق مع وحدة السكان المركزية بوزارة التنمية المحلية، وبالتعاون مع عدد من الشركاء منهم مديريات التضامن الاجتماعي، الشباب والرياضة، الصحة، والطب البيطري، إلى جانب برنامج "مشروعك" وجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ووحدات تكافؤ الفرص وحماية الطفل وحقوق الإنسان، وجامعة الزقازيق، والمجلس القومي للمرأة، ومكتبة مصر العامة، وفرع ثقافة الشرقية، ومبادرة "أيادي مصر".
وأشارت إلى أن تلك الجهود أثمرت عن تنفيذ العديد من المبادرات والندوات التوعوية في مختلف مراكز المحافظة، حيث تم تنظيم مبادرات “حروف من نور” و”ثقافتنا في معرفتنا” و”تحدث معه” و”حلها في تدويرها” و”شبابنا مستقبلنا”، بالإضافة إلى إطلاق عدد من القوافل الطبية والخدمية التي استهدفت تقديم خدمات مجانية للسيدات ومتابعة الحوامل وتنظيم الأسرة، فضلاً عن حملات لمكافحة العدوى والتوعية بالصحة الإنجابية في مراكز الحسينية، كفر صقر، فاقوس، مشتول السوق، بلبيس، ومنيا القمح.
كما تضمنت الأنشطة تنفيذ ورش عمل ضمن مبادرة “التمكين الاقتصادي والشمول المالي” في عدد من المراكز، بهدف دعم المرأة اقتصاديًا وتعزيز مشاركتها في سوق العمل، بما يسهم في رفع مستوى المعيشة وتحقيق التنمية المستدامة.
وأكدت رجب أن وحدة السكان تسعى من خلال هذه المبادرات إلى بناء وعي مجتمعي متكامل يربط بين قضايا التنمية والسكان، عبر مشاركة فاعلة لمختلف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
ووجه محافظ الشرقية الشكر لكافة الجهات المشاركة في تلك الجهود، مؤكدًا استمرار المحافظة في دعم أنشطة وحدة السكان ومتابعة تنفيذ الخطط الميدانية على أرض الواقع، لتحقيق الأهداف المنشودة في ضبط النمو السكاني وتحسين مؤشرات التنمية في جميع مراكز المحافظة.