رحيل صنع الله إبراهيم الأدب العربي يخسر أحد أعلامه
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
أحمد عاطف (القاهرة)
ودّعت الأوساط الثقافية المصرية والعربية، أمس، الأديب الكبير صنع الله إبراهيم، الذي توفي عن عمر ناهز 88 عاماً، إثر إصابته بالتهاب رئوي حاد، حيث كان يعالج في أحد مستشفيات القاهرة، ليخسر الأدب العربي أحد أبرز أعمدته، وأكثر أصواته جرأة.
وعي مبكر اكتسبه صنع الله إبراهيم، إذ كان والده حريصاً على توفير الكتب له منذ الصغر.
وقال الناقد الأدبي، سيد محمود، إن صنع الله إبراهيم يُعد رمزاً للكِبرياء في الأدب العربي، وواحداً من أبرز الكتّاب الذين مزجوا بين الإبداع الأدبي والوعي السياسي، وقد تميز باستخدام الجوانب التسجيلية والتوثيقية، والاعتماد على الأرشيفات التاريخية لتوليد سرد روائي متماسك، مما أضفى على أعماله بعداً واقعياً عميقاً.
وأضاف محمود، في تصريح لـ «الاتحاد»، أن اطلاع صنع الله المبكر على الأدب العالمي، واستلهامه لأسلوب «كافكا» بروح عربية، مكّنه من تقديم أجواء تاريخية مشبعة برؤية نقدية، موضحاً أن هذا الاستخدام الفني المبتكر جعل أعماله تحظى بشعبية واسعة بين القراء، لما جمعته من عمق فكري وقرب من الوجدان العام.
وحظي الأديب الراحل بتقدير دولي كبير، إذ نال جائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2004، وجائزة كفافيس للأدب عام 2017، تكريماً لمسيرته التي تجاوزت ستة عقود. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الثقافة الثقافة المصرية الأدب مصر القاهرة الأدب العربي صنع الله إبراهیم
إقرأ أيضاً:
القول المأثور بين الأدب العربى والإنجليزى
منذ فجر التاريخ، والإنسان يسعى إلى تقطير التجربة فى عبارة واحدة ومن هنا ولد القول المأثور، ذلك الكائن اللغوى العجيب الذى يجمع بين عمق الفكرة وخفة العبارة، فيتجلى فى العربية بوصفه «حكمة» أو «مثلاً سائراً»، وفى الإنجليزية ضمن عائلة الـaphorism- adage proverb. وعلى اختلاف الأسماء، فإن الروح واحدة: أن يقال القليل ويفهم الكثير.
ارتبط القول المأثور فى التراث العربى بالشعر والخطابة، إذ رأى العرب أن البلاغة فى الإيجاز: «خير الكلام ما قل ودل». وتفيض كتب الميدانى والجاحظ وابن قتيبة بحكم صافية كالماء الزلال: «قيمة كل امرئ ما يحسن»، «من سكت سلم»، «من جد وجد». ولم تكن هذه الأقوال مجرد عبارات تردد، بل منظومة تربوية وذاكرة جمعية تختزن خبرة الأمة فى جملة يسهل أن تتناقلها الألسنة.
ومع أن الحكمة العربية تعنى بتهذيب النفس وتقوية العزيمة وترسيخ القيم، فإن الحكمة الغربية اتخذت طريقاً آخر؛ فهى مرآة لذكاء العقل وسخريته من ذاته. فمن بيكون صاحب «المعرفة قوة» إلى أوسكار وايلد ومارك توين، تحول الـaphorism فى الغرب إلى أداة لزعزعة المسلمات وكشف الأوهام، لا لتثبيت الأخلاق فقط بل لتحرير الفكر. ويكفى أن نقرأ لوايلد قوله: «أستطيع مقاومة كل شيء إلا الإغراء»، أو لمارك توين: «حين تجد نفسك فى صف الأغلبية، فقد آن الأوان أن تتوقف وتفكر»، لنعلم أن الحكمة هنا تمرين على الشك أكثر منها درساً فى اليقين.
ورغم هذا الاختلاف، يبقى القول المأثور فى الثقافتين شرارة صغيرة قادرة على إشعال غابة كاملة. غير أن الأقوال المأثورة فى أدبيات الغرب تميل إلى الخفة والمفارقة اللاذعة، بينما تصر شقيقتها العربية على إضفاء عطر البلاغة ووقار الحكمة. ولئن خرجت الحكمة العربية من أفواه الشعراء والحكماء، فإن نظيرتها الإنجليزية قد تولد فى نكتة عابرة أو جملة مسافرة بين كتاب وفيلم وحساب تويتر.
فى زمن الميمات memes ظهر للقول المأثور ابن مراهق متمرد صاخب، يسىء السلوك حيناً ويبرق بحكمة خاطفة حيناً آخر: قط يحدق فى الفراغ فيغدو فيلسوفاً، أو لافتة طريق تنقلب درساً فى التفكير. ولو أدرك الجاحظ هذا العصر لخصص له فصلاً بعنوان: «السخرية حين تنفلت من يد الحكمة».
ومهما تباعدت اللغات، يبقى سر الجملة القصيرة واحداً: نصغى إليها لأن العمر ممتد، أما الوقت فقصير. والحكمة لا تعنى بتصحيح المعرفة فقط، بل بهز يقيننا قليلاً وفتح كوة فى جدار المألوف.
وهكذا تتابع الكلمة البليغة رحلتها عبر العصور، معلنة أن الومضة الخاطفة كثيراً ما تغنى عن خطبة طويلة — فخير الكلام ما قل ودل.