رغم الانتكاسات.. سياسة المناخ ما زالت تحقق مكاسب
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
في الرابع من يوليو، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ما وصفه بـ"مشروع قانون واحد كبير وجميل" لحزبه، تضمن، ضمن أمور أخرى، خفضًا يقارب 500 مليار دولار من الاعتمادات الضريبية للطاقة النظيفة، وهي ركيزة أساسية في قانون خفض التضخم ( IRA) لعام 2022. إلى جانب القرار الأخير الذي اتخذته وكالة حماية البيئة بإلغاء لوائح المناخ التي وضعتها إدارة أوباما، فإن قانون خفض التضخم أكد عدم رغبة إدارة ترامب في الحد من الانبعاثات.
بالإضافة إلى خفض الانبعاثات، ساعد قانون خفض التضخم في دفع أكثر من 800 مليار دولار من الاستثمارات الخاصة في مجال الطاقة النظيفة والتصنيع. ورغم أن هذه الإعانات حظيت بدعم واسع من الرأي العام واستفادت منها بشكل كبير دوائر انتخابية جمهورية، حيث استقطبت نحو 80% من الأموال، إلا أن ذلك لم يمنعها من الوقوع تحت مقصلة إدارة ترامب التي استهدفت مسار الانتقال الأخضر.
على الرغم من هذه الخسارة الكبيرة، لا تزال أحكام المناخ في قانون خفض التضخم سارية. فقد ولد هذا القانون من رحم أكبر تحالف مناخي شهدته الولايات المتحدة على الإطلاق. وكما هو متوقع، كانت الجماعات البيئية والعلماء والتقدميون والصناعات الخضراء في طليعة الداعمين للسياسات الصديقة للمناخ. لكن اللافت أن القانون جذب إلى طاولة المفاوضات فاعلين صناعيين كبارًا لم يكن لهم دور تقليدي في هذا المجال، مثل شركات صناعة السيارات والمرافق العامة، بل وحتى بعض الشركات المصنعة كثيفة الاستهلاك للطاقة. انضمت هذه الشركات إلى المدافعين التقليديين عن سياسات المناخ للضغط على صانعي القرار من أجل تخصيص الأموال العامة لإزالة الكربون. ومن اللافت أن هذه الصناعات كانت من بين تلك التي تمتلك القدرة على إزالة الكربون؛ فهي قد تكون "ملوِّثة" اليوم، لكن مع الاستثمارات المناسبة يمكن أن تصبح خضراء خلال عقد أو عقدين.
كان كسب دعم هذه الصناعات "القابلة لإزالة الكربون" عاملًا حاسمًا في تمرير قانون خفض التضخم والسياسات المماثلة في الدول الغنية الأخرى. وحتى مع تراجع الولايات المتحدة عن بعض هذه المكاسب، ساعد الضغط الصناعي في تجنب فرض ضرائب جديدة على مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية، والحفاظ على جزء كبير من الإعانات الخضراء، بما في ذلك تلك المخصصة لمشروعات الطاقة الحرارية الأرضية والنووية، والبطاريات لتخزين الكهرباء، والتصنيع النظيف.
ومع ذلك، تبقى الولايات المتحدة حالة استثنائية. فالدول التي زادت إنفاقها على الطاقة النظيفة - مثل أستراليا وكندا وفرنسا وألمانيا والنرويج والمملكة المتحدة - لم تقلص هذا الإنفاق بالشكل الذي فعلته واشنطن، حتى عندما تراجع الدعم السياسي المحلي لسياسات المناخ. هذه الدول تدرك تمامًا قيمة الإعانات الخضراء في تمكين شركاتها من منافسة نظيراتها الصينية والاستحواذ على الأسواق الخضراء سريعة النمو، فضلًا عن مساعدة الشركات والأسر على تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية.
بين عامي 2019 و2024، بلغ الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة 8 تريليونات دولار، أي أكثر من ضعف ما استُثمر خلال العقدين السابقين. وكانت الإعانات المخصصة للطاقة النظيفة، مثل تلك التي نص عليها قانون خفض التضخم، عاملًا رئيسيًا وراء هذه القفزة، إذ شجعت الشركات على اغتنام الفرص الاقتصادية في الأسواق الخضراء سريعة النمو بدلًا من التمسك بنماذج الأعمال القديمة المعتمدة على الوقود الأحفوري.
الإلغاء الجزئي لهذه الإجراءات في الولايات المتحدة شكّل انتكاسة، لكن يمكن لصانعي السياسات في واشنطن وخارجها استخلاص العبر، وتصميم سياسات أكثر مرونة قادرة على استقطاب عدد أكبر من الفاعلين الصناعيين ضمن تحالف مناخي موسع.
قبل عشر سنوات، بدا تفادي تغيّر مناخي يهدد الحضارة هدفًا شبه مستحيل، إذ كانت التوقعات آنذاك تشير إلى احتمال ارتفاع حرارة الأرض بنحو أربع درجات مئوية مع نهاية القرن الحالي. ورغم أن أكثر أهداف خفض الانبعاثات طموحًا لا تزال بعيدة المنال، وتغير المناخ يتسبب بالفعل في أضرار بيئية وبشرية جسيمة، فإن إشراك بعض الصناعات الكبرى في استراتيجية فعالة أوجد أخيرًا مسارًا معقولًا نحو إزالة الكربون.
لم تكن العقبة الأساسية أمام العمل المناخي يومًا في المواقف العامة، أو المخاوف الاقتصادية بعيدة المدى، أو حتى فشل الدبلوماسية. فحتى حين يحظى العمل المناخي بتأييد الناخبين، يظل السياسيون يواجهون صعوبة في صياغة سياسات مناخية فعالة. وعلى الرغم من أن الاقتصاديين يجمعون على أن منع تغير المناخ يعود بفوائد اجتماعية تتجاوز تكلفته، وأن المجتمع الدولي نجح سابقًا في معالجة أزمات بيئية كبرى مثل ثقب الأوزون والأمطار الحمضية، فإن إزالة الكربون تخلق رابحين وخاسرين - والخاسرون المحتملون غالبًا ما يمتلكون نفوذًا هائلًا في دولهم.
وحتى إذا استفاد الاقتصاد ككل من سياسات مناخية مفيدة، وازدهرت الصناعات الخضراء، فإن العديد من القطاعات المعتمدة على الوقود الأحفوري لتحقيق أرباحها ستواجه تكاليف ومخاطر جسيمة. وقد أثبتت هذه القطاعات، على مدى عقود، قدرتها العالية على إبطاء أو منع التغيير.
في أواخر الثمانينيات، توحّدت الصناعات كثيفة الكربون، مثل السيارات وتعدين الفحم والتصنيع كثيف الطاقة، ضمن "التحالف العالمي للمناخ" لمعارضة المعاهدات المناخية الدولية. قادت هذه الصناعات حملة طويلة للتشكيك في علم المناخ ومقاومة أي قيود على الانبعاثات، واستغلت نفوذها السياسي والنقابي والتنظيمي لعرقلة التشريعات المناخية في الولايات المتحدة وإضعافها في أوروبا، بهدف تجنّب التكاليف، وحماية الوظائف، والحفاظ على مكاسب تقنيات الوقود الأحفوري.
لكن هذه الحسابات بدأت تتغير في أواخر العقد الأول من الألفية الجديدة، حين استثمرت الصين بكثافة في سلاسل توريد بطاريات السيارات الكهربائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، مراهنةً على توجه طويل الأمد نحو إزالة الكربون.
أدت الاستثمارات الصينية في تقنيات الطاقة النظيفة إلى خفض كبير في التكاليف، ما جعل إزالة الكربون عالميًا أكثر قابلية للتحقيق، وأتاح لشركات مثل BYD وCATL تصدر الاقتصاد المستقبلي الخالي من الانبعاثات. وبحلول أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، عززت الصين تفوقها التقني وسط تصاعد الضغط العالمي لتحقيق أهداف مناخية طموحة. هذا التلاقي بين الحراك السياسي والدوافع الاقتصادية ساهم في تفكيك تدريجي لتحالف الوقود الأحفوري في الدول المتقدمة، إذ وجدت الصناعات القابلة للتحول، مثل السيارات والمرافق والتصنيع كثيف الطاقة، أن إبطاء التحول الأخضر لم يعد يحميها، بل يهدد تنافسيتها ويعرضها لخسارة السوق أمام منافسين، خصوصًا الصينيين، مع تزايد الطلب على التقنيات منخفضة الكربون. استغل صانعو السياسات الفرصة لعرض دعم حكومي كبير للصناعات مقابل تبني التقنيات والممارسات الخضراء، مما أدى إلى تفكيك جزء كبير من التحالف المناهض لسياسات المناخ.
التقارب في المصالح دعم حوافز بايدن الضريبية للطاقة النظيفة، حيث تبنى خطة بقيمة تريليوني دولار لإزالة الكربون بهدف إنعاش ولايات التصنيع وكسب الريادة في مجالات المركبات الكهربائية والصلب المستدام وطاقة الرياح. عند توليه المنصب، حصلت مبادرات بايدن المناخية على دعم واسع، لكن الحزمة النهائية في قانون الحوافز الضريبية جاءت أقل من نصف الوعود، بفعل معارضة اقتصادية وسياسية، ورغم ذلك شكّل إقرار القانون مؤشرًا على تحوّل طفيف لصالح العمل المناخي.
اندفاع ترامب لدعم الوقود الأحفوري عزز موقف معارضي إعفاءات الطاقة النظيفة، لكن اعتدال بعض الجمهوريين ودعم ولايات مستفيدة من الاستثمارات الخضراء حالا دون تمرير إجراءات متطرفة كفرض ضرائب جديدة أو إلغاء الإنفاق على الطاقة النظيفة. اعترضت شركات السيارات والمرافق على خفض الإعفاءات الضريبية المرتبطة باستثماراتها في الطاقة النظيفة، لكن ضعف نفوذ التحالف الصناعي الأخضر حال دون حماية معظم أحكام القانون، ورغم ذلك مثّل تمديد بعض الإعفاءات مؤشرًا على تقدم ملحوظ.
لم يقتصر التوجه على الولايات المتحدة؛ إذ تبنت دول مثل أستراليا وكندا وألمانيا والاتحاد الأوروبي سياسات وحزم تمويل ضخمة لدعم الطاقة النظيفة وتشديد القيود على الانبعاثات، وهو ما يعد من أبرز التطورات المناخية العالمية منذ قمة ريو 1992، مدعومًا بتحالفات صناعية واسعة.
ومع ذلك، تظل هذه الاستراتيجية بعيدة عن الحل السحري. فقد أظهرت التخفيضات الأخيرة في الإعفاءات الضريبية الأمريكية للطاقة النظيفة محدودية تأثير التحالف الصناعي الجديد. كما أن هذه القطاعات ليست معنية بحماية المناخ في المقام الأول، بل بتحقيق الربح، وهي غالبًا ما تعارض السياسات البيئية التي قد تضر بعوائدها. ونتيجة لذلك، فإن السياسات المناخية التي تُصمم اعتمادًا على هذه القطاعات ستقود على الأرجح إلى وتيرة أبطأ من إزالة الكربون مقارنة بما تتطلبه الأهداف الطموحة. لكن، في المقابل، من الصعب تصور قدرة أي دولة صناعية على حشد الإرادة السياسية اللازمة للتحرك الجاد نحو إزالة الكربون والحفاظ عليه دون الحصول على دعم - ولو مشروط - من هذه الصناعات.
لتحسين الاستراتيجية في الولايات المتحدة، يحتاج دعاة المناخ وحلفاؤهم الصناعيون إلى استخلاص الدروس الصحيحة من تجربة قانون خفض التضخم. فرغم التخفيضات الأخيرة، بقيت بعض الأحكام الجوهرية، ولا سيما الحوافز الضريبية للتصنيع النظيف في مجموعة واسعة من الصناعات. في المقابل، لم تصمد الإعفاءات الضريبية لمشتريات المستهلكين - مثل السيارات الكهربائية أو الألواح الشمسية المنزلية - إذ ستنتهي صلاحيتها قريبًا. قبل إقرار مشروع القانون الجمهوري، هاجم سياسيون محافظون ووسائل إعلام يمينية هذه الحوافز، معتبرينها محاولة حكومية لتوجيه سلوك الأفراد. وكما هو الحال طوال نصف قرن من السياسات الصناعية الأمريكية، أثبتت الإجراءات التكنوقراطية المضمَّنة في قانون الضرائب أنها أصعب في التسييس أو الإلغاء من الحوافز الاستهلاكية المباشرة أو المنح الكبيرة لشركات محددة.
تأخر تنفيذ استثمارات قانون خفض التضخم وبناء المصانع حال دون تكوين قاعدة شعبية تدافع عنه، إذ ظهرت فوائده بعد ولاية بايدن. ولتجنب ذلك مستقبلاً، ينبغي تسريع التصاريح وتقليل البيروقراطية وصرف التمويل بسرعة، ما يحفز الاستثمارات الفورية ويخلق داعمين أقوى للسياسات الخضراء مع نضوج المشاريع.
لكن هناك خطرًا من استخلاص الدروس الخاطئة من إلغاء القانون. فقد جرى تقليص حوافز طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بينما استمرت الحوافز الموجهة للتقنيات الناشئة - مثل الطاقة الحرارية الأرضية والانشطار النووي المتقدم - مما أدى عمليًا إلى إضعاف السياسات التي يمكنها خفض الطلب على النفط والغاز بسرعة، مع الإبقاء على الابتكار الذي لا يشكل تهديدًا كبيرًا لمصالح قطاع الوقود الأحفوري. لا ينبغي أن ينتهي الأمر إلى قناعة بأن تمويل التقنيات الناشئة مجدٍ بينما دعم التقنيات الناضجة عديم الجدوى. على الأقل، يجب أن تحظى طاقة الرياح والطاقة الشمسية بمعاملة مساوية للوقود الأحفوري الذي حظي بدعم حكومي لعقود، خصوصًا بالنظر إلى دور الطاقة النظيفة في تحسين الصحة العامة وخفض الانبعاثات وتعزيز مرونة شبكات الكهرباء.
ومع تنامي الطلب على الكهرباء بفعل التوسع في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية، تزداد الحاجة الملحة لتوسيع قدرة طاقة الرياح والطاقة الشمسية، التي يمكن تشييد مرافقها بسرعة. دعم هذه المصادر يعد واحدًا من أقوى الأدوات المتاحة لصانعي السياسات لتحقيق المكاسب الاقتصادية والبيئية للطاقة النظيفة، ويستحق الاستثمار السياسي للدفاع عنه.
لا تزال الاستراتيجية التي أفرزت قانون خفض التضخم وبرامج الإنفاق البيئي العالمية تحمل إمكانات كبيرة لدفع سياسات المناخ، ورغم الانتكاسات الأمريكية الأخيرة التي ستزيد الانبعاثات وتقلص التفوق التكنولوجي، فإنها نجحت في نقاط جوهرية. أبرز هذه النجاحات كان تفكيك التحالف التقليدي لقطاع الوقود الأحفوري عبر منح كبار الفاعلين الصناعيين حوافز للتوافق مع أهداف إزالة الكربون، وهو مبدأ سيبقى ركيزة أساسية في أي سياسة مناخية ناجحة. فالمناخ ليس شأنًا بيئيًا بحتًا، بل هو أيضًا أداة لتعزيز الاستثمار وخلق فرص العمل وتحفيز النمو وزيادة القدرة التنافسية على المدى الطويل. استثمار هذه الفرصة الاقتصادية هو السبيل لبناء تحالف سياسي قادر على ضمان استمرارية التحول البيئي.
•نيلز كوبزوك عالم سياسي في جامعة كولومبيا ومركزها للاقتصاد السياسي، مع التركيز على المناخ والسياسة الاقتصادية.
•نشر المقال في Foreign Affairs
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الریاح والطاقة الشمسیة الولایات المتحدة قانون خفض التضخم الوقود الأحفوری للطاقة النظیفة الطاقة النظیفة إزالة الکربون سیاسات المناخ هذه الصناعات فی قانون
إقرأ أيضاً:
كيف تحوّلت سياسة ترامب الجمركية إلى «كابوس اقتصادي» للدول النامية؟
فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية مرتفعة على واردات الولايات المتحدة من العديد من الدول النامية، في سياسة أحدثت انقلاباً جذرياً على التوازنات التجارية التي كانت تستفيد منها هذه الدول لعقود، وأدت إلى إضعاف اقتصاداتها وزيادة الفجوة بين الشمال والجنوب.
الخلفية وتأثير الرسوم الجمركية
عبر سنوات طويلة، منحت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغنية امتيازات تجارية خاصة للدول النامية، خفضت بموجبها الرسوم الجمركية لتعزيز صادراتها إلى الأسواق العالمية، مما دعم نموها الاقتصادي.
لكن هذه السياسة تغيّرت مع إدارة ترامب، التي فرضت رسوماً جمركية مرتفعة تجاوزت في بعض الحالات 40% على سلع من دول مثل فيتنام، بنغلاديش، ميانمار، ولاوس، مقابل رسوم أقل على الشركاء التجاريين الأقوياء مثل اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي.
هذا التفاوت بين الدول كشف عن مزيج من الحسابات الاقتصادية والسياسية التي تقف خلف سياسات ترامب، ما أدى إلى زيادة معاناة الدول النامية التي تفتقر إلى القوة التفاوضية والتحالفات الاقتصادية، فأصبحت التجارة أداة لتعزيز مصالح القوى الكبرى على حساب فرص النمو في الدول الفقيرة.
تفاصيل الرسوم وأثرها المباشر
ميانمار ولاوس: فرضت عليهما رسوماً جمركية بنسبة 40%، مهددة صادراتهما من الأثاث والملابس إلى الولايات المتحدة، وهو ما قد يوقف نمو هذه القطاعات الحيوية.
الهند: أعلن ترامب رفع الرسوم الجمركية إلى 50% على خلفية خلافات بشأن واردات النفط الروسي.
دول أخرى: سوريا (41%)، العراق وصربيا (35%)، الجزائر (30%)، والبرازيل (50%) في سياق عقوبات سياسية.
يُذكر أن هذه الرسوم أثارت أزمة لدى الدول الفقيرة، لأنها تفقد بموجبها المزايا التي كانت تكفل لها النفاذ السهل إلى السوق الأميركية، ما ينعكس سلباً على اقتصادياتها، وعلى قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية.
وأوضح الدكتور محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية، أن الدول الغنية ترتبط باتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة تُخفض أو تعفي عنها الرسوم الجمركية، في حين تبقى الدول الفقيرة خارج هذه الاتفاقيات، فتُثقل صادراتها برسوم مرتفعة لحماية الصناعات الأميركية.
وأضاف عطيف في مقابلة مع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن ضعف القدرة التفاوضية للدول الفقيرة وعدم وجود تحالفات اقتصادية يجعلها عرضة لهذه السياسات غير المتكافئة، إضافة إلى اعتبار سياسي يتمثل في منح مزايا جمركية للدول الحليفة لواشنطن ورفعها ضد الدول المحايدة أو المتباعدة سياسياً.
بدوره، أكد الخبير التجاري ديفيد هينيج من المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي أن سبب تضرر بعض الدول بشكل كبير هو الفوائض التجارية الكبيرة التي تحققها مع الولايات المتحدة، والتي اعتبرها ترامب “تهديداً غير عادي واستثنائياً للأمن القومي والاقتصاد الأميركي”.
ويرى محمد رجائي بركات، خبير الشؤون الأوروبية، أن فرض الرسوم المرتفعة على منتجات الدول النامية يهدف إلى حماية الصناعات الأميركية والأوروبية من منافسة المنتجات منخفضة التكلفة، خاصة المصنّعة منها، بينما تظل المواد الخام التي تحتاجها الدول الصناعية منخفضة الرسوم لتعزيز استيرادها.
وأشار إلى أن اتفاقيات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والدول النامية تتضمن ترتيبات موسمية للرسوم الجمركية، تحمي الإنتاج المحلي الأوروبي في أوقات الوفرة، وتسمح بتصدير منتجات زراعية منخفضة الرسوم في الفترات التي يقل فيها الإنتاج.
كما لفت بركات إلى اتفاقيات الصيد البحري التي تتيح لسفن الاتحاد الأوروبي العمل في المياه الإقليمية للدول النامية مقابل مبالغ مالية غير عادلة، في حين تُفرض رسوم جمركية مرتفعة على صادرات هذه الدول البحرية، ما يقيد تطور قطاعها البحري.