أبطال الصفوف الأمامية.. نساء نيجيريا في مواجهة شلل الأطفال
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
في أحياء نائية من العاصمة النيجيرية أبوجا، تسير أوكاريا جوزيف، البالغة من العمر 29 عاما، حاملة صندوق تبريد مليئا بلقاحات شلل الأطفال.
تخترق الأزقة الضيقة والمنازل ذات الأسقف المعدنية المغطاة بالغبار، ساعية للوصول إلى مئات الأطفال قبل غروب الشمس. مهمتها واضحة: ألا يُترك أي طفل دون حماية من الفيروس الذي شلّ حياة الآلاف في البلاد سابقا.
ورغم إعلان منظمة الصحة العالمية خلو نيجيريا من فيروس شلل الأطفال عام 2020، لا تزال سلالة مشتقة من الفيروس تُعرف باسم (cVDPV) تهدد المجتمعات التي تعاني من ضعف التغطية اللقاحية.
هذه السلالة تظهر عندما يتحوّر الفيروس الضعيف المستخدم في اللقاح وينتقل في بيئات غير محصنة بشكل كاف.
في ظل استمرار التحديات الأمنية في شمال البلاد، ووجود مقاومة مجتمعية في بعض المناطق، باتت النساء العاملات في مجال الصحة، مثل أوكاريا، يشكلن خط الدفاع الأول ضد المرض.
بفضل عوامل ثقافية ودينية، يُسمح لهن بالدخول إلى المنازل والتواصل مع الأمهات، في حين يُمنع الرجال غالبا من أداء هذه المهام.
تقول أوكاريا "أجلس مع الأمهات، أستمع إليهن، وأعرف كيف أقنعهن. هذه هي هديتي".
في ولاية بورنو، التي تعاني من تمرد جماعة بوكو حرام، يُنظر إلى العاملين الصحيين الذكور بريبة، إذ يُشتبه أحيانا في تعاونهم مع السلطات.
حتى النساء لا يسلمن من الشكوك، حيث تنتشر شائعات تربط اللقاحات بالعقم أو بأنها مؤامرة غربية.
توضح عائشة، إحدى العاملات في مدينة مايدوغوري "يعتقد البعض أن اللقاح يمنع الإنجاب. نواجه هذه الأفكار بالصبر والتوعية المستمرة".
تقوم العاملات الصحيات بزيارات متكررة وتنظيم جلسات حوارية غير رسمية لبناء الثقة وتفنيد الشائعات.
ورغم أن مكافأة الحملة الواحدة لا تتجاوز 12 ألف نيرا (نحو 8 دولارات)، وهو مبلغ زهيد مقارنة بحجم الجهد المبذول، تواصل هؤلاء النساء عملهن بدافع الإيمان برسالتهن الصحية والإنسانية.
لم يقتصر أثر هذه الحملات على الصحة العامة، بل امتد ليشكل نواة لتمكين اقتصادي للنساء. فبعضهن، مثل أمينات أوكيتي، استطعن تأسيس مشاريع صغيرة، كالبيع في الأسواق أو تربية الدواجن، مستفيدات من الثقة المجتمعية التي اكتسبنها خلال عملهن الصحي.
إعلانتقول أوكيتي "عندما يثق الناس بك في صحة أطفالهم، يثقون بك في أمور أخرى أيضا".
تجربة نيجيريا في مكافحة شلل الأطفال، بقيادة نسائية، أصبحت نموذجا يُحتذى به عالميا، فقد ساهمت البنية التحتية التي أُنشئت لمكافحة الفيروس في دعم برامج صحية أخرى، مثل رعاية الأمومة والاستجابة للأوبئة.
لكن التحديات لا تزال قائمة. فالمعلومات المضللة، وانعدام الأمن، واستمرار ظهور حالات متفرقة، كلها عوامل تهدد جهود الاستئصال الكامل للفيروس.
تختم كريستيان موندواتي، ممثلة اليونيسيف في نيجيريا، بالقول "هؤلاء النساء لا يؤدين دورا وظيفيا فحسب، بل يمثلن رائدات تغيير حقيقي في مجتمعاتهن. لقد فتحت حملات التلقيح أمامهن طريقا نحو القيادة والاستقلال المالي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات شلل الأطفال
إقرأ أيضاً:
وفاة بشلل الأطفال في غزة تعيد القلق إلى سكان القطاع بعد عام على تسجيل أول إصابة
قبل نحو عام، سُجّلت أول إصابة بشلل الأطفال في غزة منذ 25 عامًا، ما أعاد المخاوف من المرض إلى الواجهة، في وقت أسهمت فيه الحرب وسوء التغذية والتلوث الحاد لمياه الشرب في تفشيه مجددًا، مثيرًا قلق المؤسسات الدولية لما يمثله من تهديد لصحة الأطفال. اعلان
أفادت وسائل إعلام فلسطينية، الأربعاء، عن وفاة الطفل محمد صلاح رجب قديح من سكان مدينة خان يونس نتيجة إصابته بمرض شلل الأطفال المتصاعد.
في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قالت الأمم المتحدة إن أكثر من نصف مليون طفل في قطاع غزة تلقوا الجرعة الثانية من لقاح شلل الأطفال، مستكملين بذلك برنامج التطعيم المطلوب، ليصبح 94% من الأطفال دون سن العاشرة محميين من هذا المرض المُهَدِد للحياة.
لكن في أبريل/ نيسان الماضي، قالت وزارة الصحة في غزة إن إسرائيل تمنع إدخال تطعيمات شلل الأطفال لأكثر من 40 يوماً ما يعيق جهود تنفيذ المرحلة الرابعة لتعزيز الوقاية من المرض.
وقالت إن 602,000 طفل يتهددهم خطر الاصابة بالشلل الدائم والاعاقات المزمنة ما لم يتم إدخال التطعيمات.
عام على ظهور شلل الأطفال
نهاية يوليو/ تموز 2024، كُشف عن فيروس شلل الأطفال في عيّنات أُخذت من مياه الصرف الصحّي في غزّة، بعد مضي تسعة أشهر على الحرب الدائرة.
حينها وعلى الرغم من عدم تسجيل أية حالات إصابة بشلل الأطفال، قال مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إن "المسألة هي مسألة وقت ليس إلا قبل أن يطال المرض آلاف الأطفال غير المحميين، إن لم تُتخذ إجراءات فورية بصدده. فالأطفال دون سن الخامسة معرضون للخطر، وخاصة الرضع دون سن الثانية لأن الكثيرين منهم لم يُلقّحوا خلال الأشهر التسعة من الصراع".
بعدها بأيام في 22 أغسطس/ آب، أصبح طفل يبلغ من العمر 10 أشهر مصابًا بشلل الأطفال في غزة أول حالة مؤكدة من المرض القاتل يتم اكتشافها في القطاع منذ 25 عاماً.
نجحت الجولة الأولى من حملة التطعيم في الوصول إلى 559 ألف طفل دون سن العاشرة على مدى ثلاث مراحل في جنوب ووسط وشمال قطاع غزة في الفترة من 1 إلى 12 سبتمبر/ أيلول، تخللتها "هدنات إنسانية" محلية اتفقت عليها إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
بحسب الأمم المتحدة، يوفر الأفراد ذوو المناعة المنخفضة أو المعدومة للفيروس فرصة لمواصلة الانتشار واحتمال التسبب في المرض. وتخلق البيئة الحالية في غزة - بما فيها الاكتظاظ في الملاجئ والبنية التحتية المتضررة بشدة للمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية - ظروفا مثالية لمزيد من انتشار فيروس شلل الأطفال.
وفقاً لتحديث صدر عن منظمتي اليونيسف والصحة العالمية في فبراير/ شباط الماضي، لم يتم الإبلاغ عن أي حالات إضافية لشلل الأطفال منذ أن أصيب الطفل الأول في أغسطس/ آب 2024. لكن العينات البيئية الجديدة التي تم جمعها من دير البلح وخان يونس في ديسمبر/ كانون الأول 2024 ويناير/ كانون الثاني 2025، تؤكد انتقال فيروس شلل الأطفال. والسلالة التي تم اكتشافها مؤخرا مرتبطة جينيا بفيروس شلل الأطفال الذي تم اكتشافه في قطاع غزة في يوليو/ تموز 2024.
Related حملة تطعيم شلل الأطفال في غزة تصل إلى نهايتها اليومباكستان تطلق حملة تطعيم لحماية 45 مليون طفل من شلل الأطفالإصابات بقصف إسرائيلي على مركز تطعيم ضد شلل الأطفال في غزة وحزب الله يصعد هجماته بالصواريخ والمسيراتأمراض أخرى تفتك بالأطفال
ليس شلل الأطفال وحده ما يشكل الخطر على الأطفال في غزة. مطلع أغسطس/ آب الحالي، أعلنت وزارة الصحة في غزة وفاة 3 أطفال بالشلل الرخو الحاد ومتلازمة "غيلان باريه"، محذرة من تصاعد وصفته بأنه خطير في حالات الإصابة بالشلل والمتلازمة بين الأطفال في قطاع غزة، نتيجةً الإصابة بالتهابات غير نمطية وتفاقم وضع سوء التغذية الحاد.
وقالت إن الفحوصات الطبية كشفت عن وجود فيروسات معوية غير شلل الأطفال، ما يؤكد وجود بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية بشكل خارج عن السيطرة.
وأوضحت الوزارة أن حالتين من الوفيات الثلاث، لطفلين لم يتجاوزا 15 سنة، توفيا بعد فشل محاولات إنقاذهما بسبب عدم توفر العلاج اللازم جراء الحصار.
ومتلازمة "غيلان باريه" هي حالة يهاجم فيها الجهاز المناعي للجسم، الأعصاب ويمكن أن تسبب ضعفًا أو خدرًا أو شللاً، وعادة ما تشمل الأعراض الأولى الشعور بضعف ووخز في اليدين والقدمين، ويمكن أن تنتشر هذه الأعراض بسرعة وربما تؤدي إلى الشلل، وهي حالة طبية طارئة في أخطر أشكالها، ومعظم الأشخاص المصابين بها يحتاجون إلى علاج في المستشفى.
الجوع يقتل الأطفال أيضاً
قالت وزارة الصحة الفلسطينية، الأربعاء، إنه خلال الـ24 ساعة الماضية سجلت 8 حالات وفاة نتيجة "المجاعة وسوء التغذية"، من بينهم 3 أطفال، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 235 حالة وفاة من بينهم 106 أطفال.
وقال برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، الأربعاء إن الجوع وسوء التغذية في غزة وصلا إلى أعلى مستوياتهما منذ بدء هذا الصراع في أكتوبر/ تشرين الأول/ 2023.
وقال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فيليب لازاريني إن 100 طفل لقوا حتفهم في غزة بسبب سوء التغذية والجوع، بالإضافة إلى التقارير التي تفيد بمقتل أو إصابة أكثر من 40 ألف طفل في القصف والغارات الجوية.
جاء ذلك على منشور على موقع إكس، بدأه لازاريني بجملة: "آخر التطورات بشأن الحرب على الأطفال والطفولة في غزة".
وقال المسؤول الأممي إن 17 ألف طفل على الأقل غير مصحوبين بأسرهم أو انفصلوا عنهم، وأن مليون طفل مصابون بالصدمات وخارج التعليم.
وأضاف: "يجب ألا يصمت أحد عندما يموت الأطفال أو يُحرموا بقسوة من المستقبل، أينما كان هؤلاء الأطفال بما في ذلك غزة".
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة