14 غشت، 2025

بغداد/المسلة:تتبدى ملامح المذكرة العراقية الإيرانية الأخيرة كامتدادٍ لاتفاقات الحد الفاصل بين الشراكة الأمنية المؤقتة والتفاهمات السياسية الدائمة، حيث سعى العراق إلى تأطيرها في سياق “التعاون الحدودي” دون أن يذهب إلى حد الاعتراف بها كاتفاقية أمنية ملزمة.

ويكشف هذا التعريف الحذر عن رغبة بغداد في إبقاء مساحة للمناورة الدبلوماسية، خصوصاً أمام جمهور داخلي منقسم وضغوط خارجية متباينة.

وتأتي الإشارة إلى اتفاق آذار/مارس 2023 كتثبيت لسردية الاستمرارية لا القطيعة، فالمحتوى المعلن للمذكرة يكرر أهداف تحييد المعارضة الكوردية الإيرانية ونزع سلاحها وإبعادها عن خط التماس الحدودي، وهي بنود سبق أن أنهت عملياً موجة القصف الإيراني لمواقع المعارضة في كردستان العراق. غير أن إعادة تغليفها بمسمى “مذكرة تفاهم” يمنح بغداد مخرجاً خطابياً أمام شركاء غربيين، وفي مقدمتهم واشنطن، القلقة من أي التزامات أمنية عميقة مع طهران.

وذكّر بيان صادر عن مكتب مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي مساء الأربعاء بأن العراق وإيران وقعا في آذار/مارس 2023 شراكة تتعلق “بأمن الحدود والإجراءات الخاصة بتحييد المعارضة الكوردية الإيرانية” التي لجأت إلى إقليم كردستان العراق المتمتع بالحكم الذاتي.

وأضاف أنه جرى “تحويل” هذه الشراكة إلى مذكرة تفاهم لها “نفس المحتوى الخاص بأمن الحدود والتعاون الأمني وما يخص المعارضة الإيرانية الكوردية بأحزابها الخمسة”.

وتتزامن زيارة علي لاريجاني، وما حملته من توقيع المذكرة، مع مشهد إقليمي مرتبك بفعل حرب غزة المستمرة منذ 22 شهراً، والتي أعادت خلط أوراق التحالفات وأضعفت قدرة إيران على إدارة جبهات النفوذ من لبنان إلى العراق.

ويكتسب المسار العراقي أهمية مضاعفة هنا، فهو ليس مجرد ملف حدودي، بل جزء من معادلة النفوذ التي ترى فيها طهران عمقاً استراتيجياً، فيما تعتبرها واشنطن اختباراً لمدى استقلالية القرار الأمني في بغداد.

ويتصاعد الجدل الداخلي العراقي على خلفية مشروع قانون مؤسسي لقوات الحشد الشعبي، حيث يراه خصوم إيران توسيعاً لنفوذها عبر أدوات الدولة، بينما تراه القوى الحليفة لطهران تكريساً لـ”الشرعية الوطنية” لقوة أسهمت في هزيمة تنظيم داعش. وتدخل المذكرة في هذا المناخ كمؤشر على طبيعة التوازنات التي تحاول الحكومة العراقية صياغتها، بين التزاماتها الإقليمية ومقتضيات شراكتها مع الولايات المتحدة، التي أعلنت صراحة رفضها لأي تشريع يحوّل العراق إلى “دولة تابعة”.

وفي جوهر المشهد، تبدو المذكرة أكثر من مجرد إجراء حدودي وأقل من اتفاقية استراتيجية، لكنها تحمل دلالة سياسية على قدرة العراق – أو عجزه – عن ترسيم خط واضح بين أمنه الوطني ومشاريع النفوذ المتنافسة على أرضه.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

لفك الاختناقات المرورية.. تحويل مسار جسر حيوي وسط بغداد

لفك الاختناقات المرورية.. تحويل مسار جسر حيوي وسط بغداد

مقالات مشابهة

  • بغداد تفرمل الجدل: مذكرة تفاهم مع طهران لا اتفاقية ملزمة
  • العراق في فرن القيظ… وملفات الفساد تزداد سخونة
  • السفارة الإيرانية ترد على أمريكا: العراق وإيران دولة واحدة عمودها “خميني وخامنئي”
  • السفارة العراقية في واشنطن: العراق ليس تابعاً لسياسة أي دولة
  • مذكرة التفاهم العراقية الإيرانية تفجر تحذيرات أمريكية
  • الخارجية الأمريكية عن الاتفاقية الأمنية العراقية الإيرانية: نرفض أي تشريع يتعارض مع أهدافنا
  • لفك الاختناقات المرورية.. تحويل مسار جسر حيوي وسط بغداد
  • على خط النار والمفاوضات.. أبعاد التحرك الإيراني نحو العراق ولبنان
  • من بغداد إلى بيروت.. لاريجاني و خرائط جديدة لمحور الممانعة