ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في عددها الأخير، أن الرئيس دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يستهلان محادثات بدأت اليوم الجمعة في ولاية ألاسكا بأهداف متضاربة للغاية وُصفت بأنها "عالية الرهانات"، حيث بدا كل طرف منهما ساعيًا لتحقيق أهداف متباينة بشأن الحرب في أوكرانيا.

وأوضحت الصحيفة، في سياق مقال تحليلي أعده مراسلوها في ألاسكا، أن ترامب يأمل في تحقيق ما عجز عنه عبر الاتصالات الهاتفية، وهو بناء شراكة مباشرة مع الكرملين لإنهاء الصراع، بينما يأتي بوتين بهدف الحفاظ على علاقته الجيدة بترامب، مع مواصلة مساعيه لترسيخ نفوذ موسكو على كييف.

ورغم أن ترامب قلل في البداية من أهمية اللقاء واصفًا إياه بـ"اجتماع جسّ نبض"، إلا أنه- حسبما أبرزت الصحيفة- صعّد في الأيام الأخيرة من خطابه، معلنًا عزمه حث بوتين على قبول وقف إطلاق النار، تمهيدًا لإحياء مفاوضات السلام المتعثرة منذ أشهر.

وفي حال موافقة بوتين، يخطط ترامب لدعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى ألاسكا لإجراء محادثات معمقة حول اتفاق سلام طويل الأمد، يشمل تنازلات إقليمية وضمانات أمنية لكييف، إضافة إلى صفقات أسلحة أمريكية. أما إذا رفض بوتين، فقد هدّد ترامب بـ"عواقب شديدة للغاية"، من بينها فرض عقوبات على كبار مشتري النفط الروسي مثل الصين أو حتى انسحاب واشنطن من مسار السلام وترك موسكو وكييف لمواصلة القتال الذي أودى بحياة مئات الآلاف.

مع ذلك، حذر مراقبون تحدثوا إلى الصحيفة من أن محاولة ترامب الموازنة بين إرضاء كييف وأوروبا من جهة، وتعزيز علاقاته مع بوتين من جهة أخرى، قد تجعله يخسر الطرفين.

من جانبه، أكد بوتين أنه سيطرح خلال القمة قضايا التجارة وضبط التسلح، مع حرص موسكو على فصل ملف أوكرانيا عن أي صفقات اقتصادية مع واشنطن، بينما يربط ترامب بين إنهاء الحرب وإمكانية تطوير العلاقات الاقتصادية.

وقال بوتين خلال اجتماع مع مساعديه في الكرملين أمس الخميس إن الولايات المتحدة تبذل "جهودًا حثيثة وصادقة لوقف الأعمال العدائية وحل الأزمة والتوصل إلى اتفاقيات تخدم مصالح جميع الأطراف المعنية في هذا الصراع".

واعتبرت "وول ستريت جورنال" نصًا في مقالها أن هذه القمة تعد اختبارًا حقيقيًا لإرادة الطرفين، خاصة في ظل تقاطع المصالح وتناقض الأهداف وحرص كل منهما على تجنب انهيار العلاقات، ولو مؤقتًا.

وستُعقد القمة في قاعدة "جوينت بيس إلمندورف-ريتشاردسون"، التي استخدمها الجيش الأمريكي خلال الحرب الباردة لمراقبة الاتحاد السوفييتي، وتستضيف حاليًا مقاتلات تتولى متابعة الدوريات العسكرية الروسية قرب الأجواء الأمريكية.

ومن المقرر أن يعقد ترامب وبوتين مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا في ختام القمة، لكن ترامب أكد أمس الخميس أنه سيتحدث للصحافة منفردًا إذا فشلت المفاوضات، وربما لا يقدّم إحاطة للحلفاء. وأوضح في مقابلة إذاعية:" سوف نتصل بالرئيس زيلينسكي إذا كان الاجتماع جيدًا، أما إذا كان سيئًا فلن أتصل بأحد، وسأعود إلى الوطن".

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن بوتين ظل، منذ بداية عملياته في أوكرانيا عام 2022، متمسكًا بمطالبه المتمثلة في الاحتفاظ بالأراضي التي تسيطر عليها روسيا وتمثل نحو 20% من مساحة أوكرانيا وأن تتخلى كييف عن دعمها العسكري من الغرب وتعلن الحياد.

وتابعت أن ترامب وفريقه يعترفون بصعوبة المهمة، إذ قال وزير الخارجية ماركو روبيو الثلاثاء الماضي، في إشارة إلى الأشهر الطويلة من الاتصالات بين الرئيسين عبر الهاتف أو الوسطاء:" لم نصل بعد إلى ما نريده، لذلك يشعر الرئيس بأنه يجب أن ينظر إلى الرجل وجهًا لوجه".

من جهتها، حذرت توري تاوسيج، التي عملت في البيت الأبيض خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن في ملف الشئون الأوروبية، من أن لقاء ترامب-بوتين قد يُنظر إليه على أنه "يالطا 2.0"، في إشارة إلى قمة عُقدت عام 1945 واقتسمت فيها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي مناطق النفوذ بعد الحرب العالمية الثانية. وأضافت أن أي قمة بلا استراتيجية منسقة بعناية مع كييف والحلفاء الأوروبيين "لن تقرّب الحرب من نهايتها". كذلك، تتباين مقاربات الزعيمين بشكل حاد- حسب وصف الصحيفة- فترامب يرى نفسه رجل صفقات يستخدم عنصر المفاجأة والحدس لمحاولة حل أعقد العقد الجيوسياسية.

أما بوتين فيُصوّر نفسه استراتيجيًا بارعًا يجري تعديلات تكتيكية عند الحاجة، لكنه لا يحيد عن هدفه البعيد المدى المتمثل في إخضاع أوكرانيا. ويستعد لمثل هذه اللقاءات بأسلوب منهجي، مستفيدًا من خبرة تراكمت على مدى 25 عامًا في الحكم طوّر خلالها أساليب متعددة لإرباك خصومه.

وأكدت الصحيفة الأمريكية أن استراتيجية ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض تمثلت في محاولة استمالة بوتين والضغط على زيلينسكي لإنهاء الحرب، حتى إنه وبّخ الرئيس الأوكراني خلال اجتماع في المكتب البيضاوي في فبراير الماضي. واستغرق الأمر عدة أشهر وعددًا من المكالمات الهاتفية غير المثمرة مع بوتين قبل أن يغيّر ترامب مساره، مانحًا بوتين مهلة انتهت الجمعة الماضية للتوصل إلى اتفاق سلام أو مواجهة عقوبات جديدة على صادرات النفط الروسية وشركائها التجاريين.

ومنذ المحادثات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وروسيا في السعودية خلال فبراير، أخذت موسكو تروّج لصفقات محتملة مجزية مع واشنطن في مجالات الطاقة والمعادن الاستراتيجية واستكشاف الفضاء، بل وأرسلت مسئولين إلى العاصمة الأمريكية للضغط من أجلها. وقال جون بولتون، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الثالث لترامب قبل أن يتحول إلى أحد أبرز منتقديه: "كلما تمكن بوتين من توسيع نطاق الحديث بما يجعل ترامب يشعر بأن السحر القديم مع فلاديمير قد عاد، كان ذلك أفضل بالنسبة له".

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: بوتين ترامب أوكرانيا زيلينسكي وول ستریت جورنال

إقرأ أيضاً:

يتحدثون كثيرًا ولا ينجزون شيئًا.. ترامب ينتقد قادة أوروبا ويدعو أوكرانيا لتنظيم انتخابات

في وقت تتعثّر فيه محاولات التوصل إلى اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلسلة من المواقف الحادة ضد قادة أوروبا معتبراً أنهم "ضعفاء" وعاجزين عن التعامل مع الحرب المستمرة على حدودهم الشرقية، ورأى أنه لم تعد هناك ديمقراطية في أوكرانيا.

خلال حديثه إلى صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، وجّه ترامب انتقادات مباشرة للقادة الأوروبيين، متهماً إياهم بأنهم "يتحدثون كثيراً ولا ينجزون شيئاً"، وأن معظم دولهم "تتدهور" وقادتهم "ضعفاء". وقال إن أوروبا "لا تعرف ما الذي تفعله"، سواء في التجارة أو في إدارة الحرب، وإن التمسّك بـ"الصواب السياسي" يجعلها في موقع ضعف.

وأضاف أن القارة ليست قادرة على قيادة الملف الأوكراني، وأن الحرب تحوّلت إلى أزمة "كبيرة جداً بالنسبة لأوروبا"، التي "لا تتعامل معها بشكل جيد".

واعتبر ترامب أن روسيا باتت في موقع تفاوضي أقوى "بلا أي شك"، بوصفها دولة أكبر بكثير، مؤكداً أن الحرب ما كانت لتندلع لو كان هو رئيساً. وحذّر من أن النزاع كان يمكن أن يتحول إلى حرب عالمية ثالثة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "ذلك لن يحدث الآن".

كما انتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قائلاً إنه لم يقرأ بعدُ المقترح الأخير لاتفاق السلام، مضيفاً: "الكثير من الناس يموتون، لذا سيكون من الجيد لو قرأه".

الرئيس فولوديمير زيلينسكي والرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، في 17 أكتوبر 2025. Alex Brandon/ AP

وقال ترامب إنّ الانتخابات "لم تجري منذ وقت طويل" في أوكرانيا، معتبرًا أن غيابها يعني أن "الأمور وصلت إلى حد لم تعد فيه ديمقراطية"، داعياً كييف إلى تنظيم انتخابات.

وذهب أبعد من ذلك بالقول إن أوكرانيا "يجب أن تبدأ بقبول أمور معينة"، مضيفاً: "عندما تكون خاسراً… وهو خاسر… فعليه أن يقبل الأشياء". وعند سؤاله إن كانت كييف قد خسرت الحرب، قال إن أوكرانيا خسرت قبل وصوله إلى الرئاسة أراض واسعة، وإن المنطقة التي خسرتها "باتت أكبر وأوسع".

وأشار أيضاً إلى أن التوتر الشخصي العميق بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزيلينسكي يجعل أي صفقة سلام "صعبة للغاية".

Related ترامب يمنح شركة إنفيديا الضوء الأخضر لبيع رقائق "H200" إلى الصينباريس وبرلين ولندن: موقف موحّد دعمًا لزيلينسكي وتشكيك في خطة ترامب للسلامزيلينسكي يخرج من اجتماع لندن بمقترح معدَّل للسلام مع روسيا.. فهل سيحظى بموافقة ترامب؟ دعم أوروبي لزيلينسكي

جاءت مقابلة ترامب بعد ساعات قليلة من لقاء زيلينسكي بقادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا في لندن لمناقشة النسخة الأخيرة من مقترح ترامب للسلام، حيث برزت مقاربة أوروبية ترى أن دعم زيلينسكي أمر أساسي، بالتوازي مع التشكيك في بعض تفاصيل المقترح الأمريكي الذي يطرحه ترامب كصيغة محتملة لإنهاء الحرب.

زيلينسكي يلتقي بقادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا في لندن، 8 ديسمبر 2025. Thomas Krych/ AP

وبحسب ما صدر بعد الاجتماع، لم يُظهر زيلينسكي أي استعداد للتخلي طوعاً عن أراضٍ أوكرانية، على عكس ما يطالب به ترامب وبوتين. وقال: "تُصر روسيا على أن نتخلى عن أراضٍ، لكننا لا نريد التنازل عن أي شيء. حتى الآن لا يوجد أي حل وسط".

وعُقد الاجتماع الأوروبي على خلفية فشل محادثات واشنطن–موسكو، وعدم إحراز أي تقدم في لقاءات كييف وواشنطن. ولا تزال الخلافات قائمة حول الضمانات الأمنية ومنع غزو روسي جديد، في ظل رغبة دول أوروبية بنشر قوات داخل الأراضي الأوكرانية كعامل ردع، وهو ما ترفضه موسكو.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • يتحدثون كثيرًا ولا ينجزون شيئًا.. ترامب ينتقد قادة أوروبا ويدعو أوكرانيا لتنظيم انتخابات
  • فشل خطة السلام الأمريكية فى أوكرانيا
  • ستارمر يعلنها من داونينغ ستريت: بريطانيا مع أوكرانيا… والغرب أمام اختبار وحدة جديد
  • كان على بوتين أن يقبل صفقة ترامب قبل أن يهزمه انهيار الاقتصاد الروسي
  • لماذا يظل السلام في أوكرانيا أملا بعيد المنال؟
  • موسكو: بوتين وويتكوف ناقشا بشكلٍ متعمق سبل التسوية في أوكرانيا
  • الخارجية البريطانية تلتقي روبيو في واشنطن لبحث السلام في أوكرانيا وغزة
  • نجل الرئيس الأمريكي: ترامب قد ينسحب من دعم أوكرانيا
  • تقرير: أوكرانيا على "حافة الانهيار" وبوتين لن يتراجع
  • مسؤول سابق بالبيت الأبيض: ترامب فشل في استغلال الحرب للضغط على موسكو