شبكة منظمة تتصيد الزائرين وبخاصة صغار السن
الدم نبض الحياة، والسبيل الوحيد الذى يبقى المريض على قيد الأمل ورجاء الشفاء، لكنه فى واقعنا المرير أصبح سلعة تباع وتشترى فى أروقة المستشفيات وأمام بوابات الطوارئ، حيث يتربص السماسرة بحاملى الأحزان والفقر ليحولوا دم الإنسان إلى تجارة سوداء لا تعرف رحمة.
فى هذه الأسواق المظلمة، لا يحتاج الجانى إلى سلاح، فالفقر والاحتياج هما أقوى الأسلحة، يجبر الفقير على التنازل عن دمائه بثمن زهيد لا يعكس أبداً قيمة ما يبيعه، يعرض عليه مبلغاً لا يتجاوز مئات الجنيهات، ليجد هذا الدم بعد ذلك طريقه إلى جيوب السماسرة الذين يبيعونه بأسعار مضاعفة، دون أن يشعر البائع بأى حماية أو رعاية صحية بعد التبرع.
هذه الجريمة ليست فردية أو استثناء، بل شبكة سرية تشتبك أذرعها داخل المستشفيات نفسها، حيث يشارك بعض العاملين بتسهيل خروج أكياس الدم، مقابل حصتهم من الربح، فيما تغيب الرقابة وتغلق أعين المسئولين عن هذا الانتهاك الخطير.
الأكثر فظاعة أن هذه التجارة، تمتد إلى الأطفال والمراهقين الذين يستدرجون تحت ذرائع التبرع، ليسحب منهم الدم فى ظروف غير صحية، معرضين حياتهم لمخاطر قاتلة.
الدم يتجدد، لكنه لا يشفى من جراح استغلاله، ومع كل كيس دم يباع فى السوق السوداء، يباع ضمير مجتمعنا، وتنكسر إنسانية كانت يوماً تحمى الضعفاء.
هذه ليست مجرد تجارة، إنها جريمة قتل بطىء، دم الفقراء يسرق فى صمت، وحياة المرضى يضحى بها لمصلحة السماسرة بلا رقيب ولا رحمة.
فى قصر العينى… «تجارة الدم» بلا خوف ولا رقيب
صحفى «الوفد» يخترق أوكار السمسرة داخل المستشفى الجامعى العريق
لم تكن هذه زيارتى الأولى إلى مستشفى عام، لكنها كانت الأكثر قسوة وصدمة، حملت أسئلتى ورغبتى فى كشف المستور، وسرت بخطى ثابتة نحو الحقيقة، وكانت البداية من داخل أحد أعرق المؤسسات الطبية فى مصر، «قصر العينى».
عند بوابة المستشفى، لا شىء يوحى بالخطر، مرضى على الأرصفة، وسيارات إسعاف تدخل وتخرج، ومارة يمضون دون أن يلتفت أحد، لكن فى عمق المكان، هناك سوق سرى نابض يدار بمنتهى الاحتراف، لا تراه العين بسهولة، لكنه حاضر بقوة لمن يملك الجرأة على الاقتراب.
وبينما كنت أمر بجوار بنك الدم، استوقفتنى امرأة تجلس على مقعد خشبى، ليست موظفة، ولا ترتدى زياً يدل على صفتها، لكنها تراقب كل من يدخل أو يخرج، وبخاصة الشباب، التفتت إلى قائلة:
«تعالى يا ابنى… فى مريض محتاج نقطة دم، ومش هتخسر حاجة، وهنأكلك وجبة حلوة كمان».
بادرت بالرفض، لكنها كانت أسرع فى المناورة، وهمست بصوت منخفض:
«ما تاخدش الوجبة… تاخد فلوس؟ أحسن تجيب اللى نفسك فيه».
سألتها متعمداً: «هتدينى كام؟».
ردت بثقة: «خد 200 جنيه».
قلت لها بسخرية: «أنا عايز ألف جنيه».
وهنا كانت المفاجأة... وافقت دون نقاش.
«موافقة... تدينى كيسين دم، وانت لسه شاب، ولو عندك صحاب هاتهم، وأنا هراضيك، وكلنا هنرزق من فضل الله».
لحظة صمت واندهاش، لكنها كانت كافية لأدرك أننى لست أمام حالة فردية أو اجتهاد شخصى، بل أمام منظومة كاملة تدير عملية سمسرة الدم داخل أحد أكبر مستشفيات الدولة.
هذا ليس مشهداً من فيلم خيالى، بل حقيقة موجعة تحدث يومياً، وتمر جوارنا دون أن نراها، تجارة الدم، وربما ما هو أفظع، تحدث داخل «قصر العينى» تحت مرأى ومسمع من الجميع، وكأن الجسد البشرى بات عملة رائجة، لا فرق فيها بين حياة أو موت.
من يحمى هؤلاء؟ من يقف وراء هذه المرأة؟ هل هناك شبكة؟ ومن المسئول عن هذا الانهيار الأخلاقى والصحى؟ وهل اكتفى قصر العينى بلعب دور «السلخانة»، أم أن هناك جرائم أكبر تدبر فى الخفاء؟
«الوفد» تبدأ تحقيقاً صحفياً جريئاً لكشف ما يجرى فى الكواليس... من دماء تباع، إلى أجساد تستغل، إلى صفقات تبرم على حساب أرواح البسطاء.
إن الدم فى مصر لم يعد ينزف فى ميادين المعارك... بل يباع فى المستشفيات العامة.
الحقيقة خلف أكياس الدم
فى زيارتى لبنك الدم بمستشفى قصر العينى، التقيت بأحد الموظفين الذين يعملون خلف الكواليس، وسألته عن كيفية تخزين الدم الذى يتم سحبه من المتبرعين والمرضى، تحدث الموظف بصراحة الذى رفض ذكر اسمه، «بعد السحب، يتم رص أكياس الدم فى ثلاجات صغيرة مثل ثلاجات الرحلات ويتم جرها على الأرض بسبب وزنها الزائد، ثم تصعد إلى غرف الثلاجات فى أعلى مبنى بنك الدم، حيث تكتب الفصائل والتواريخ ويتم حفظها».
وأضاف الموظف، بصراحة، المرضى والمواطنون قد يرون طريقة تخزين أكياس الدم أحياناً بشكل غير لائق وغير إنسانى بسبب التكدسات، لكن الواقع الحقيقى أن هناك إجراءات للحفظ، رغم أن الوضع الحالى لا يرقى إلى المستوى المطلوب.
ومع ذلك لا يخفى الموظف قلقه من أن بنك الدم فى القصر العينى يعانى نقصاً فى البنية التحتية، قائلاً: «الوضع الحالى لا يصلح أصلاً لحفظ دم المواطنين بأمان تام، نأمل أن يتم تطوير البنك وتحسين الإمكانيات، لأن صحة المرضى وأرواحهم تستحق بيئة أفضل كثيراً».
الكلمات تكشف أزمة نظام تخزين الدم فى أكبر مستشفى عام فى مصر، حيث يعانى البنك اكتظاظاً فى الأكياس وافتقاراً للتجهيزات الحديثة، ما يضاعف معاناة المرضى الذين يعتمدون على هذه الخدمة الحيوية.
هذه المعاناة تدق ناقوس الخطر بضرورة تدخل الجهات المختصة لتحديث بنية بنك الدم وضمان جودة التخزين، حماية لحياة المرضى من مخاطر إضافية لا داعى لها.
معاناة «حامد» تكشف الوجه القاتم للطب
التقيت بحامد إبراهيم فى مستشفى الدمرداش، وجهه يحمل ملامح القلق والإرهاق، جاء يبحث عن ثلاثة أكياس دم لشقيقه الذى أصيب فى حادث سير مأساوى نقل على إثره إلى مستشفى قطاع عام بعد نزيف دموى حاد كاد يفقد حياته.
قال «حامد» بصوت مثقل بالهم «بدأت رحلة البحث عن أكياس الدم من المستشفى الأولى إلى الثانية، لكن الوضع صعب جداً، فالدم لا يخرج من بنك الدم إلا فى حالتين فقط، إما أن تكون كمية الدم المطلوبة ضعف الحاجة، أو تكون هناك وساطة كبيرة تساعد على ذلك» ويومياً توجد حملات أمام محطات المترو للتبرع بالدم بشكل منتظم فى عربات التبرع، لكن عندما يتعلق الأمر بشقيقى، لا أحد يستجيب.
وروى كيف أن ذهاب المرضى إلى المستشفيات للحصول على الدم يتحول إلى معركة مع واقع مرير، حيث يطلب منهم جلب متبرعين أو وسطاء، قال بحسرة، «لما مريض يروح عشان يجيب دم، لازم يجيب له واسطة أو حد يتبرع باسمه، وهذه الوساطات هى التى تحرك الأمور، أما الناس البسطاء فلا صوت لهم».
وتابع «حامد»: «أحياناً أسمع عن أشخاص يحتاجون إلى الدم فى مستشفيات قريبة، لكن لا يستطيعون تأمينه، وهذا ما يسبب وفاة الكثير من المرضى قبل أن تصلهم المساعدة».
وقال فى سياق حديثه، «الدم الذى يفترض أن يكون متوافراً فى بنوك الدم الحكومية بأسعار رمزية أو مجاناً، يتحول إلى سلعة نادرة ومكلفة بسبب الفوضى وسوء الإدارة، إضافة إلى وجود شبكة السمسرة التى تستغل حاجة المرضى وأسرهم».
اختتم «حامد» حديثه بنداء مفعم بالألم: «أين هى المسئولية؟ ولماذا لا نرى دعماً حقيقياً من الدولة لتوفير الدم للمرضى دون تعقيدات؟ دم شقيقى وأرواح الآلاف غير قابلة للبيع أو للمساومة».
قال الدكتور أحمد.م، استشارى خدمات نقل الدم، إن تخزين الدم عملية دقيقة تخضع لمعايير صارمة، تبدأ بالحفاظ على درجة حرارة كريات الدم الحمراء بين 2 و6 درجات مئوية، وتجميد البلازما عند-18 درجة أو أقل، مع تحريك الصفائح الدموية بشكل مستمر فى درجة حرارة الغرفة.
وأضاف أن مدة الصلاحية لا تتجاوز 42 يوماً للدم الكامل، و5 أيام فقط للصفائح، مشدداً على أن أى إخلال بدرجات الحرارة أو تكديس الأكياس بشكل غير منظم يهدد صلاحية الدم وسلامة المريض.
وفى السياق، أوضح الاستشارى أن الثلاجات مزودة بأجهزة قياس حرارة رقمية تتم مراجعتها يومياً، وأنه لا يجوز بأى حال تخزين الدم فى أماكن غير مجهزة أو غير معقمة، مؤكداً أن هذه الضوابط «ليست رفاهية، بل مسألة حياة أو موت».
جريمة موثقة بنص رسمى
وبحسب المادة السادسة من القانون رقم 5 لسنة 2010 بشأن تنظيم زراعة الأعضاء البشرية، فإن المشرع المصرى كان حاسماً فى تجريم أى شكل من أشكال الاتجار فى الأعضاء، حيث يحظر التعامل فى أى عضو من أعضاء جسم الإنسان أو جزء منه أو أحد أنسجته على سبيل البيع أو الشراء أو بمقابل أياً كانت طبيعته.
كما شدد القانون على أنه لا يجوز أن يترتب على زرع العضو أى فائدة مادية أو عينية للمتبرع أو ورثته من المتلقى أو ذويه، بل ذهب القانون إلى أبعد من ذلك، حين نص صراحة على أنه يحظر على الطبيب المختص البدء فى إجراء عملية الزرع إذا علم بوجود مخالفة لأى من هذه الأحكام.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المستشفيات قصر العيني أکیاس الدم قصر العینى بنک الدم الدم فى
إقرأ أيضاً:
ضوابط مهمة.. خطوات الحصول على إذن فسح الأدوية المقيدة للمسافرين
أوضحت الهيئة العامة للغذاء والدواء خطوات وإجراءات الحصول على إذن الفسح الشخصي للأدوية المحتوية على مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية، التي تكون بحوزة المسافرين القادمين إلى المملكة أو المغادرين منها.
يأتي ذلك في إطار حرصها على تسهيل سفر المرضى وضمان سلامة الإجراءات.
أخبار متعلقة "الغذاء والدواء" تحدد آلية الخارطة الحرارية لمناطق التخزين والمركبات وحاويات النقلأبرزها منع العبوات المستعملة.. 6 ضوابط تحكم صناعة الحلوى الخليجية-عاجلعاجل: لون متجانس والخلو من الآفات.. اشتراطات جديدة للخضراوات المجمدة سريعًاوأكدت إتاحة جميع المعلومات المتعلقة بالخدمة عبر منصتها الإلكترونية "نظام الأدوية المقيدة".
ويمكن للمسافر إنشاء حساب شخصي وتعبئة البيانات اللازمة، وتقديم طلب فسح إلكتروني يتضمن بيانات المريض وتفاصيل الرحلة والمرفقات المطلوبة مثل الوصفة أو التقرير الطبي وصورة الدواء وإثبات الهوية.إضافة أكثر من دواءوتتيح الخدمة إضافة أكثر من دواء واحد، مع إدخال بيانات دقيقة تشمل الاسم التجاري والمادة الفعّالة والتركيز والكمية أو حجم العبوة، إلى جانب رفع المستندات التي تثبت الحاجة الطبية لهذه الأدوية، سواءً تخص المسافر أو إذا كانت تخص مريضًا آخر.
ويمكن متابعة حالة الطلب إلكترونيًا، إذ تُصنف الطلبات إلى "مرسل" أو "مقبول" أو "مرفوض" أو "غير مكتمل".
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } الغذاء والدواء تبين آلية الحصول على إذن فسح الأدوية المقيدة للمسافرين - واس
ويأتي هذا التوضيح استمرارًا لدور الهيئة في تنظيم دخول وخروج الأدوية المقيدة بما يحفظ حقوق المرضى ويمنع إساءة استخدامها، مع ضمان سهولة الوصول إلى الخدمة إلكترونيًا في أي وقت ومن أي مكان، بما يسهم في تسهيل رحلة المرضى المسافرين دون الحاجة لإجراءات إضافية.دليل إذن الفسح الشخصي للمسافرلمزيد من المعلومات عن آلية فسح الأدوية المحتوية على مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية، يمكن الاطلاع على دليل المستخدم لخدمة إذن الفسح الشخصي للمسافر في نظام الأدوية المقيّدة" عبر الموقع الإلكتروني للهيئة هنا.