ردا على من ينتقدون موقفي من حرب غزة: أيدينا ملوثة بالدم
تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
أسمع كلما كتبت عن حرب غزة قراء موجوعين يتفقون معي في أغلب المواضيع، لكنهم يرون أنني أقسو على إسرائيل في الحكم أكثر مما ينبغي. فاسمحوا لي أن أقابلهم بشروطهم، وأفسر ما يحملني على الاعتقاد بأن الدعم الأمريكي لهذه الحرب كارثة أخلاقية وعملية تزداد الآن كارثية؛ إذ تخطط إسرائيل لتوغل كبير آخر في القطاع.
هذه بعض الحجج التي أسمعها ممن يختلفون معي اختلافا شديدا برغم حسن نواياهم:
ـ صحيح أن المعاناة في غزة هائلة، لكنك تلوم طرفا لا ينبغي أن يلام؛ فهذه الحرب بدأتها حماس، وبوسعها أن تنهيها غدا بالاستسلام، وتسليم أسلحتها، وإعادة الرهائن الذين لا تزال تحتجزهم.
في زياراتي إلى غزة على مدى السنين رأيت من حماس سوء حكمها، وكراهيتها للنساء وقسوتها. وكان لإسرائيل مبرر أخلاقي للرد على هجمة حماس المريعة في السابع من أكتوبر 2023. وكنت سأحتفل لو أنها أرغمت حماس على الخروج من غزة، ولكن هذا على أرجح التقديرات لن يحدث، وليس واضحا ما الهدف العسكري الذي ترمي إليه المجازر والتجويع اليوم.
لقد قال أكثر من ستمائة عسكري إسرائيلي متقاعد: «إن حماس لم تعد تمثل تهديدا استراتيجيا لإسرائيل». وحذّرت عائلات الرهائن الإسرائيليين من أن استمرار «الحرب غير النهائية دونما غرض» يهدد حياة أولئك الرهائن.
صحيح أن الحرب ستنتهي في حال استسلام حماس، وينطبق هذا أيضا على الطرف الآخر في أي حرب. لكن الأعداء نادرا ما ينصاعون، ولا يمكن أن يكون عدم رغبة حماس في الاستسلام مبررا لما فعلته إسرائيل بتواطؤ أمريكي، أي قتل ما يقدر بثمانية عشر ألف طفل، وتجويع السكان، وتدمير أحياء كاملة. فضلا عن أن في غزة -وفقا لتقريرات يونيسيف- أكبر نسبة من الأطفال مبتوري الأطراف في العالم.
لقد قمت بتغطية كثير من الحروب من خلال عملي، وتنفرد غزة بدمار لا غاية له؛ فـ70% على الأقل من مباني غزة قد تضررت أو تدمرت. زيدوا على ذلك حقيقة أن الولايات المتحدة تمد إسرائيل بالسلاح وغيره من أشكال المساعدة العسكرية، والغطاء الدبلوماسي، فيسهم ذلك في جهد حربي يحتوي سلسلة من الوقائع التي تبدو جرائم حرب في أرجح التقديرات.
ـ تستند إلى هذه الأرقام وكأنها معلومات لا جدال فيها. لكن رقم ثمانية عشر ألف طفل ميت يأتي من وزارة الصحة الخاضعة لإشراف حماس، فلماذا ينبغي أن نثق فيها؟ والتجويع أيضا عليه نزاع، فلماذا لا تعترف بأن الوضع على الأرض في غزة أشد ضبابية مما يزعم أصحاب الأيديولوجيات الجامدة؟
لقد تكلمت مع بعض أهل غزة، ومع أطباء، وعمال إغاثة عملوا هناك، وكلهم يتفقون على أن أهل غزة جائعون، ويموتون جوعا. وفي مرحلة ما ترقى محاولة تكذيب جوع غزة إلى إنكار واقع مخز.
صحيح أن منظمات الإغاثة تبالغ أحيانا ـ إذ بلغ التعجل ببعضها أن قالت في 2024 إن المجاعة قائمة بالفعل ـ لكن هذا سبب للشك الدائم، وليس لتأييد تأكيدات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو التي لا تخدم غيره.
حينما لقيت الطفلة هند رجب البالغة من العمر خمس سنين أو ستا مصرعها امتنعت عن الكتابة عنها؛ لأن إسرائيل أنكرت مسؤوليتها، ولم أكن واثقا في من ينبغي أن أصدق. ثم ظهرت معلومات إضافية تعضد القول بأن القوات الإسرائيلية هي التي قتلت هندا، وستة من أقاربها، والمسعفين الذين حاولوا إنقاذها. وثمة وقائع كثيرة على هذه الشاكلة من قبيل مصرع خمسة عشر من عمال الطوارئ في مارس، بما يجعل مصداقية إسرائيل غير متماسكة.
أما عن عدد القتلى فهذه الأرقام بالفعل غير مؤكدة؛ إذ يعتقد كثير من الخبراء أنها تقلل فعليا من الإجمالي. إذ ذهبت دراسة نشرت في مجلة (ذي لانسيت) إلى أن الحصيلة الرسمية لموتى غزة حتى يونيو 2024 تقلل الوفيات بنسبة 41%. وتقول يونيسيف: إن 80% ممن ماتوا جوعا في الحرب هم أطفال.
ـ أنت تنكر أن بعض أهل غزة قاموا بذبح وتعذيب إسرائيليين، ولكن الإسرائيليين الآن يطعمون أهل غزة. وترى أن الفشل الأخلاقي هنا من نصيب إسرائيل؟
أعتقد أن حماس ارتكبت جرائم حرب، لكن جرائم حرب أحد الأطراف في صراع لا تبرر للطرف الآخر جرائم الحرب.
لقد سعت إسرائيل خلال العام الحالي إلى تجاوز وكالات الإغاثة بتقديم الطعام من خلال منظمة غزة الإنسانية حديثة الإنشاء. وكانت النتيجة هي مصرع مئات الناس فيما هم يحاولون بشق الأنفس الحصول على طعام. وتعرض منظمة أطباء بلا حدود الأمر على النحو التالي: «هذه ليست مساعدات، وإنما هي قتل مدبّر».
ـ يتبع منتقدو إسرائيل معايير مزدوجة؛ فمهما يكن رأيك في سلوك إسرائيل في غزة فإن عددا أكبر من الأطفال قد ماتوا جوعا في مجاعة السودان، وعددا أكبر من الناس تعرضوا للذبح في حرب 2020-2022 في تيجاري بإثيوبيا. ومع ذلك؛ أين الغضب على السودان وتيجاري؟
عندكم حق، ولكن الحجة سارية في الوجهتين؛ فقد لقيت أعمال السابع من أكتوبر من الاهتمام العالمي أكثر مما لقي مصرع مئات الآلاف في تيجاري أو التقارير التي أفادت بتعرض مائة وعشرين ألف امرأة هناك للاغتصاب. لو أنكم تقولون: إن العالم مشغول بغزة انشغالا يفوق صراعات أخرى في العالم فهل لا يصدق هذا أيضا على المعاناة في إسرائيل؟
لقد سافرت مرتين خلال العالم الماضي؛ لتغطية مجاعة السودان، وأوافقكم الرأي على أنها جديرة بالمزيد من الاهتمام. لكن غزة تبدو أكثر شخصية بالنسبة لي؛ نظرا لما أدفعه من دولارات في الضرائب ـ أعني ضرائبنا في الولايات المتحدة ـ، ويبدو أنها تسهم في تجويع جماعي هناك.
ـ الأثر العملي لانتقادات إسرائيل هو مكافأة حماس، وتشجيع الهجمات المعادية للسامية على اليهود في أرجاء العالم. مصرع اثنين من العاملين في السفارة الإسرائيلية في مايو، والهجوم على أنصار إسرائيل في بولدر بكولورادو في يونيو، فمثل هذا يحدث حينما تستعمل انتقادات إسرائيل لغة تحريضية.
نعم، هذا يقلقني أنا الآخر؛ فالعنف ضد اليهود وأنصار إسرائيل لا يمكن تبريره قولا واحدا. وفي حين أننا نتألم للهجمات على الإسرائيليين الأبرياء، واليهود الأمريكيين، واليهود في أرجاء العالم؛ كيف يمكن ألا نشعر بمثل هذا الألم لموت أبرياء غزة؟ فالطفل الفلسطيني مكافئ للطفل الإسرائيلي والطفل الأمريكي. ولو أنكم لا تعنون إلا بحقوق الإنسان للإسرائيليين أو للفلسطينيين فأنتم في حقيقة الأمر لا تكترثون بحقوق الإنسان أصلا.
ـ بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر غزت الولايات المتحدة بلدين، وفي الحرب العالمية الثانية أحرقتم أيها الأمريكيون مدنيين في دريسدن وهيروشيما. والآن تدعون إلى ضبط النفس؟
صحيح. يميل الناس إلى المغالاة في رد الفعل حينما يعانون من الصدمة الناجمة عن هجمة. حدث هذا من الأمريكيين بعد 11/9، ومن الإسرائيليين بعد السابع من أكتوبر، ومن الفلسطينيين عبر عقود من التهجير المستمر. وفي حين أن المغالاة في رد الفعل على الصدمة تقدم تفسيرا، لكنها لا تمثل مبررا.
يحسب لبعض جماعات حقوق الإنسان والمواطنين الإسرائيليين أنهم تقدموا للاحتجاج على أهوال غزة، ويجب أن يكونوا مصدر إلهام لنا جميعا. وليس الأمر الأهم هو ما لو أننا مناصرون للإسرائيليين أم مناصرون للفلسطينيين، وإنما أن نكون مناهضين للمذابح والاغتصاب والتجويع.
واقع الأمر أنه لا يصح للولايات المتحدة في هذه الحالة أن تتذرع بصدمة ما بعد الإرهاب، ولا أجد لسلوكها أي تبرير. لقد قدم الرئيسان جو بايدن وترامب الأسلحة والغطاء الدبلوماسي لإدامة هذه المأساة، ورفضا أن يستعملا سلطة هذه الأسلحة لفرض إنهاء الحرب.
وعلى مدى عامين تقريبا يرى الأمريكيون ما يجري في غزة، غير أن قادتنا يساعدون القتل والتجويع الجماعيين؛ فغزة لا تمثل مأساة محتومة بعيدة عنا، ولكنها تمثل فشلا أخلاقيا وعمليا من جانبنا، فثمة دماء على أيدينا.
نيكولاس كريستوف من كتاب أعمدة الرأي في نيويورك تايمز منذ 2001
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يهاجم الاحتجاجات: تدعم موقف حماس
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد، إن الدعوات لوقف الحرب قبل تحقيق هزيمة كاملة لحركة حماس، تمثل تعزيزا لموقف الحركة وتأخيراً لإطلاق سراح الرهائن.
وأضاف نتنياهو خلال اجتماع حكومته، أن ذلك "يضمن تكرار أهوال السابع من أكتوبر ويدفع إسرائيل إلى حرب لا نهاية لها".
وجاءت تصريحات نتنياهو، بالتزامن مع إضرابات واحتجاجات واسعة شهدتها مدن إسرائيلية للمطالبة بالإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حماس في قطاع غزة منذ نحو عامين.
وشهدت تل أبيب وعدة مدن أخرى إغلاق طرق رئيسية، بينها طريق سريع في العاصمة، حيث رفع المتظاهرون الأعلام الإسرائيلية وأخرى صفراء ترمز للتضامن مع الأسرى.
وطالب المحتجون الحكومة بوقف الحرب في غزة فوراً، والدخول في مفاوضات لإبرام اتفاق يفضي إلى إطلاق سراح الرهائن، متهمين نتنياهو بتجاهل قضيتهم وتوسيع العمليات العسكرية في مدينة غزة.
وكانت عائلات الرهائن قد دعت إلى "يوم وطني لوقف مظاهر الحياة اليومية"، تعبيرا عن إحباطهم المتزايد من استمرار الحرب منذ 22 شهرا.
وتخشى العائلات من أن العملية العسكرية المرتقبة قد تهدد حياة نحو 50 رهينة ما زالوا في غزة، يُعتقد أن 20 منهم فقط على قيد الحياة.