صراحة نيوز- النائب الكابتن زهير محمد الخشمان

لم يكن استرداد الحكومة لمشاريع قوانين ضريبة الأبنية والأراضي، والضمان الاجتماعي، والوساطة لتسوية المنازعات المدنية مجرد خطوة إجرائية لإعادة الصياغة، بل كان اعترافًا ضمنيًا بأن النصوص التي أُرسلت إلى مجلس النواب بصيغتها الأخيرة لم تكن مؤهلة لتصبح قوانين تمس حياة ملايين الأردنيين.

من يقرأ تلك المشاريع بتمعن، بعيدًا عن العناوين البراقة التي رُوّجت لها، يدرك أنها افتقرت إلى جوهر العدالة، وتجاهلت متطلبات الشفافية، وأهملت المشاركة المجتمعية التي تشكل صمام الأمان لأي تشريع.

مشروع قانون ضريبة الأبنية والأراضي الذي جاء تحت لافتة التحديث الضريبي، بدا في تفاصيله أقرب إلى خطة ذكية لتوسيع قاعدة الجباية عبر الانتقال من القيمة الإيجارية إلى القيمة السوقية في التقدير، دون أن يضع معايير ملزمة تمنع التقديرات التعسفية أو المتباينة. الأخطر من ذلك أن المشروع منح وزير الإدارة المحلية صلاحيات واسعة لإصدار التعليمات التنفيذية بعيدًا عن رقابة البرلمان، وهو ما يشكل انحرافًا صريحًا عن مبدأ الفصل بين السلطات، ويخلق تشريعًا موازيًا يكرس المركزية ويقوض دور الحكم المحلي. غياب المشاركة الحقيقية لأصحاب المصلحة في صياغة النصوص، وعدم مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية، يجعل من تطبيقه بصورته المقترحة تهديدًا للسلم الاجتماعي، خاصة للفئات الوسطى والمتدنية التي ستتحمل العبء الأكبر.

أما مشروع تعديل قانون الضمان الاجتماعي، فقد حمل في طياته تراكمات سنوات من التعديلات الجزئية والمجزأة التي تمت دون حوار وطني شامل، فأضعفت منظومة الحماية الاجتماعية وضيّقت نطاق التغطية، وسمحت بممارسات أرهقت الصندوق وهددت استدامته. الأرقام هنا لا تكذب: الفوائض المالية تراجعت بشكل ملحوظ، سبعة وعشرون في المئة من المتقاعدين خرجوا بتقاعد مبكر من القطاع العام، ومحفظة استثمارات المؤسسة تحولت إلى أداة لتمويل الخزينة بدل أن تكون محركًا لمشاريع إنتاجية تخلق فرص عمل وتوسع قاعدة الاشتراكات. التهرب التأميني في القطاع المنظم وغير المنظم يلتهم موارد المؤسسة، فيما أكثر من نصف العاملين في الأردن ما زالوا خارج مظلة الضمان، إما بسبب العمل في الاقتصاد غير الرسمي أو بفعل الاستثناءات القانونية. هذه ليست مجرد أرقام جافة، بل مؤشرات على مسار يهدد حقوق الأجيال الحالية والقادمة إذا لم تُتخذ قرارات جريئة تعيد للمؤسسة استقلاليتها، وتحمي أموالها، وتوسع نطاق الشمول ليشمل الجميع.

مشروع قانون الوساطة لتسوية المنازعات المدنية، الذي كان من المفترض أن يكون خطوة نحو عدالة أسرع وأقل تكلفة، كاد أن يتحول إلى عبء إضافي على المتقاضين. النصوص المقترحة فرضت الوساطة إلزاميًا في بعض الحالات، دون سقف زمني ملزم أو ضمانات لرسوم منخفضة، ما كان سيجعلها عائقًا جديدًا بدل أن تكون أداة لتخفيف الضغط عن المحاكم. العدالة لا تتحقق بإضافة حلقات جديدة في سلسلة الإجراءات، بل بإزالة ما هو غير ضروري منها، وضمان أن يكون أي بديل للتقاضي التقليدي أكثر إنصافًا وسرعة وشفافية.

استرداد هذه المشاريع الثلاثة يمنح الحكومة فرصة نادرة لتصحيح المسار، لكنه في الوقت نفسه يضعها أمام اختبار حقيقي: هل ستكتفي بتعديل الصياغة وتغيير بعض العبارات قبل إعادة إرسالها إلى البرلمان، أم ستفتح باب الحوار الوطني الواسع، وتستمع إلى الخبراء، وتقرأ نبض الشارع، وتكتب نصوصًا توازن بين مصلحة الدولة وحقوق المواطن؟ التجارب السابقة علمتنا أن التشريع الذي يولد في غرف مغلقة، دون رقابة مجتمعية، ينتهي دائمًا إلى فجوة ثقة أكبر، وإلى أزمات لا تُحل بالقوانين بل بالشارع.

إن هذه اللحظة ليست فرصة لإصلاح نصوص فحسب، بل لإعادة تعريف فلسفة التشريع في الأردن، بحيث تصبح القوانين أدوات لحماية الناس وتمكينهم، لا لفرض مزيد من الأعباء عليهم. فالقانون الذي لا يشعر المواطن أنه يقف في صفه، حتى لو كان محكم الصياغة، يظل نصًا بلا روح، وأحرفًا بلا ثقة. والمطلوب اليوم أن نعيد الروح إلى التشريع، ونكتب نصوصًا على ضوء الشمس، تُبنى على الدستور، وتحترم عقل المواطن، وتستجيب لحاجاته قبل أن تخدم أي حسابات أخرى.

المصدر: صراحة نيوز

كلمات دلالية: اخبار الاردن عرض المزيد الوفيات عرض المزيد أقلام عرض المزيد مال وأعمال عرض المزيد عربي ودولي عرض المزيد منوعات عرض المزيد الشباب والرياضة عرض المزيد تعليم و جامعات في الصميم ثقافة وفنون نواب واعيان علوم و تكنولوجيا اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي نواب واعيان تعليم و جامعات منوعات الشباب والرياضة ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا زين الأردن أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام

إقرأ أيضاً:

فتح: تصريحات الحكومة الإسرائيلية بشأن شرقي القدس تحمل خطورة بالغة

قال الدكتور ماهر النمورة المتحدث باسم حركة فتح إنه يتم النظر بخطورة بالغة تجاه تصريحات وزير المالية الإسرائيلى والذي يتحدث بدعم ومساندة من رئيس حكومة اليمين بنيامين نتنياهو، والذي يؤكد أن هناك نوايا لتوسيع المستوطنات على حساب الشعب الفلسطيني، والتي تمتمد من شرقي القدس وإقامة منطقة صناعية في هذه المنطقة.

مخرجات مؤتمر حل الدولتين

وأضاف خلال مداخلة هاتفية عبر قناة «Ten» أن تلك التصريحات تأتي في الظروف التي يستعد العالم فيها في التوصل إلى حل الدولتين من خلال مخرجات مؤتمر حل الدولتين الذي انعقد في نيويورك بدعوة عربية سعودية وفرنسا، وتزامن مع كم الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية.

مستشار بالأمم المتحدة: تصريحات نتنياهو عن “إسرائيل الكبرى” إفلاس سياسيتونس: تصريحات نتنياهو عن "إسرائيل الكبرى" محاولة لتصفية القضية الفلسطينية

وأشار إلى أن تلك التصريحات الآن في هذه الظروف تؤكد بأن هذه الحرب مستمرة ومتوازنة مع حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

طباعة شارك نتنياهو بنيامين نتنياهو القدس فتح حركة فتح الشعب الفلسطيني

مقالات مشابهة

  • تفاصيل إعداد قانون للذكاء الاصطناعي بالتعاون بين الحكومة ولجنة الاتصالات
  • قرارات الحكومة اليوم الاحد … تفاصيل
  • اكتمال مشروع خط نقل المياه الجديد الذي يهدف إلى تحسين إمداد المياه لضاحية الكلاكلة
  • إمام أوغلو: الحكومة أسيرة نظام فاسد وميزان العدل في تركيا مائل!
  • إصلاح 90% من الأضرار التي لحقت بشبكات الكهرباء جراء الحرائق في بلدة كسب بريف اللاذقية
  • رئيس الحكومة اللبنانية: نحذر من التصرفات اللامسؤولة التي تحرض على الفتنة
  • ما هي قرارات الحكومة الجديدة بشأن الإيجار القديم والشقق البديلة؟
  • اللجنة التشريعية بمجلس النواب تناقش مشروع قانون الاستثمار مع وزير الاستثمار
  • فتح: تصريحات الحكومة الإسرائيلية بشأن شرقي القدس تحمل خطورة بالغة