نزع سلاح حزب الله.. الهاوية تحدق في وجه لبنان
تاريخ النشر: 29th, August 2025 GMT
أعاد قرار الحكومة اللبنانية بتكليف الجيش إعداد خطة لحصر السلاح بيد الدولة فتح أحد أعقد الملفات التي تراكمت منذ انتهاء الحرب الأهلية، وهو سلاح حزب الله. فهذا السلاح، الذي وُلد في رحم الاحتلال الإسرائيلي للجنوب في ثمانينيات القرن الماضي، وتحوّل لاحقا إلى قوة إقليمية تتجاوز حدود لبنان، يجد نفسه اليوم أمام امتحان غير مسبوق.
وفي الداخل اللبناني، ينقسم المشهد بين رئاسة وحكومة تتذرعان بتعزيز صورة الدولة وسيادتها، وقوى سياسية ترى في القرار فرصة لإعادة التوازن، في مقابل حزب يعتبر السلاح ضمانة وجودية لا يمكن التنازل عنها. وبين هذه الأطراف، يقف لبنان على مفترق طرق خطير: إما أن يمضي في مسار نزع سلاح حزب الله بما يحمله من مخاطر احتراب أهلي، وإما أن يُبقي عليه رغم ما يجرّه من عزلة وضغوط خارجية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2اللقمة الأخيرة.. شرط بوتين لوقف الحرب في أوكرانياlist 2 of 2جيم مايتر للجزيرة نت: حرب جديدة على الأبواب ستحدد من سيسيطر على العالم!end of listالضغط الأميركي: بين العصا والجزرةيبرز الموقف الأميركي بوصفه محرّكا أساسيا لملف نزع سلاح حزب الله، إذ ترى واشنطن أن اللحظة الراهنة، بعد تصفية أغلب قيادة الحزب وقصف المنشآت النووية الإيرانية، تُمثِّل نافذة ذهبية ينبغي استغلالها لإعادة صياغة المشهد في لبنان، وتهميش حزب الله. وفي هذا السياق برز اسم توم باراك، المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا ولبنان، الذي برز منذ صيف 2025 بصفته مهندس الخطة الأميركية الجديدة تجاه لبنان بعد أن تولى الإشراف على الملف بدلا من مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط.
حمل توم باراك إلى بيروت ثلاث وثائق ومذكرات شكّلت أساس إستراتيجية واشنطن الجديدة تجاه لبنان، وتمحورت حول نزع سلاح حزب الله وفق جدول زمني واضح ومُلزِم، وتفكيك مؤسسة "القرض الحسن" الذراع المالية للحزب، والبدء الفوري بنزع سلاح المخيمات الفلسطينية، تحت لافتة حصر السلاح بيد الدولة.
إعلانعُرفت الوثيقة الأهم التي قدمها باراك في يونيو/حزيران 2025 للحكومة اللبنانية باسم "الورقة الأميركية لضمان ديمومة وقف الأعمال العدائية"، التي ناقشها اجتماع لمجلس الوزراء اللبناني في 5 أغسطس/آب، ثم أقرّها المجلس في جلسة أخرى بعد يومين. واستندت هذه الوثيقة إلى اتفاق الطائف وقرارَيْ مجلس الأمن 1559 و1701 اللذين أكَّدا حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
تضمنت الوثيقة خطة من مراحل متدرجة تنتهي بنهاية ديسمبر/كانون الأول 2025 لنزع سلاح حزب الله بشكل كامل، وتلزم الحكومة اللبنانية بصياغة جدول زمني لنزع سلاح الحزب، بحيث يبدأ خلال فترة تتراوح من 15 إلى 60 يوما بمصادرة الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة وصواريخ أرض جو، ثم يتدرج نحو السلاح المتوسط بما يشمل مدافع الهاون والقنابل اليدوية والمتفجرات. وفي المقابل، نصت الوثيقة على بعض الخطوات التي يُفترض أن تلتزم بها إسرائيل، مثل أن يبدأ جيش الاحتلال في اليوم 45 بالانسحاب التدريجي من النقاط الخمسة التي يحتلها في جنوب لبنان، ووقف الغارات الجوية.
ربط باراك هذه المطالب بسلسلة من الضغوط، فقد لوّح علنًا بأن أي تباطؤ حكومي لبناني في التنفيذ سيؤدي إلى تعليق الدعم الدولي، وحرمان لبنان من مساعدات إعادة الإعمار، وأشار إلى فتح المجال لإسرائيل كي تتصرف بحرية كاملة في الساحة اللبنانية، وأكد أن المفاوضات الأميركية – الإسرائيلية بشأن ترتيبات وقف إطلاق النار ستتوقف تماما ما لم تُظهر بيروت تقدما ملموسا. وبذلك، تحوّلت وثائق باراك إلى ما يشبه الإنذار النهائي، إما السير في طريق نزع سلاح حزب الله، وإما مواجهة عزلة دولية وضغوط إسرائيلية متصاعدة. وقد فهمت بيروت الرسالة بوضوح، وهي ضرورة ترجمة القرارات الحكومية إلى خطوات عملية.
من زاوية تل أبيب، يُمثِّل الوضع الراهن لحظة مثالية للتخلص من حزب الله. فالحزب تعرض لضربات قاسية، من أبرزها تصفية أغلب قياداته، وتدمير بنيته التحتية، وفقدانه خط إمداده مع سقوط نظام الأسد في سوريا. وقد اعتبرت إسرائيل أن عدم تدخل الحزب خلال حرب "الأيام الـ12" مع إيران دليل على تآكل قدرات الحزب.
وانطلاقا من ذلك، طرحت إسرائيل شروطا قصوى لنزع السلاح، فرضت مبدأ "خطوة مقابل خطوة"، وشددت على تفكيك ترسانة الحزب بالكامل قبل أي انسحاب لجيشها من الأراضي اللبنانية المحتلة أو وقف للغارات الجوية، كما تتحفظ على عودة سكان قرى الحد الأمامي في الجنوب اللبناني إلى أراضيهم، وطلبت إخلاء عدد من القرى اللبنانية على الحدود لتصبح منطقة عازلة بين البلدين.
إن هذه المقاربة الإسرائيلية تحمل مخاطر متنوعة، فالإصرار على شروط قصوى سيدفع حزب الله إلى التصلب، وربما التصعيد إذا شعر أن وجوده مهدد بالكامل. كما أن تجاهل هشاشة التوازن اللبناني الداخلي قد يؤدي إلى فوضى ستعود بالضرر على إسرائيل نفسها.
تقف الحكومة اللبنانية، بتركيبتها التكنوقراطية برئاسة نواف سلام، وقيادة الرئيس جوزيف عون، أمام منعطف جوهري: إما الامتثال للمطالب الأميركية والإقليمية شرطا لوقف اعتداءات إسرائيل والحصول على دعم من صندوق النقد والبنك الدولي ومن أطراف عربية، أو المخاطرة بالبقاء في عزلة مالية ودبلوماسية قد تعجّل بانهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة. وبجوار تلك الثنائية تبرز حسابات سياسية داخلية لا تقل أهمية، فالنخبة السياسية التي تتصدر المشهد الحكومي أرادت أن ترسل رسالة إلى الشارع اللبناني الغاضب من تردي الأوضاع بأنها تسعى لفرض هيبة الدولة، ورسالة ثانية إلى القوى المسيحية والسنية المناهضة لحزب الله بأنها غير خاضعة لفيتو الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل.
إعلانولذلك حرص نواف سلام على استخدام خطاب سيادي مرتفع السقف خلال لقائه مع علي لاريجاني، أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، سعيا لتأكيد أن القرار اللبناني بات خارج دائرة الوصاية الإيرانية. لكن الحكومة تدرك في الوقت ذاته أن أي محاولة لفرض نزع سلاح الحزب بالقوة قد يقود إلى حرب أهلية. ومن هنا جاء تكليفها للجيش بصياغة خطة نزع السلاح، بما يفتح الباب للتفاوض مع الحزب وحركة أمل على الجدول الزمني والآليات.
حزب الله: رفض القرار والتهديد بالحرب الأهليةمنذ اللحظة الأولى لصدور قرار مجلس الوزراء بحصر السلاح بيد الدولة، سارع حزب الله إلى إعلان رفضه القاطع له، واعتبر أن القرار "غير ميثاقي" لأنه اتُّخذ دون توافق وطني، فيما انسحب وزراء حزب الله وحركة أمل من الجلسة الحكومية التي ناقشت نزع السلاح. وبهذا المعنى، رفض الحزب الاعتراف بشرعية القرار من أساسه، وصرح في بيان رسمي بأنه سيتعامل معه كأنه غير موجود. وساق على لسان أمينه العام نعيم قاسم عدة دوافع لرفض القرار، وهي تدور حول أربعة محاور رئيسية:
المحور الوطني الأمني: أصر الحزب على أن سلاحه هو الذي دفع إسرائيل للانسحاب من جنوب لبنان في عام 2000، ومنع جيش الاحتلال في عام 2024 من احتلال الجنوب بالكامل فضلا عن الوصول إلى بيروت. وشدد على أن إسرائيل لم تنسحب بعد وقف إطلاق النار الأخير بالكامل من الأراضي اللبنانية، فما زالت تحتل خمس تلال حاكمة بالجنوب، فيما غاراتها الجوية مستمرة، وبالتالي فإن الحديث عن تسليم السلاح في ظل هذا الواقع يُعدّ استسلاما مجانيا لإسرائيل.
المحور الطائفي الهوياتي: يعكس خطاب قادة الحزب -من نعيم قاسم إلى نواب كتلة "الوفاء"- قناعة متجذرة بأن السلاح يُمثِّل ضمانة وجودية للطائفة الشيعية. وفي هذا السياق، تتكرّر في أحاديثهم عبارة "التسليم يعني الانتحار" أو "تسليم الشرف"، لتقديم السلاح بوصفه حدّا فاصلا بين حياة الطائفة وموتها. مع استدلالهم بما حدث للعلويين في منطقة الساحل بسوريا، وللدروز في السويداء. ومن خلال هذا الخطاب، يحاول الحزب تحويل النقاش من كونه ملفا سياسيا عسكريا إلى كونه مسألة وجود وبقاء للطائفة الشيعية.
المحور الإقليمي الإستراتيجي: يشدد الحزب على أن الأوضاع في سوريا غير مستقرة، وأن المنطقة قد تدخل في فوضى لا تُبقي ولا تذر، كما يتخوف من إشارات المبعوث توم باراك بإلحاق لبنان بسوريا الجديدة. كذلك يدرك الحزب أن أي تفكيك لترسانته سيُضعف إيران في معادلة الردع الإقليمي، ويعتبر أن الضغط يندرج ضمن توجه عام بنزع سلاح الجماعات والمكونات المحسوبة على طهران، فالحشد الشعبي يتعرض لضغوط لإعادة هيكلته ودمجه داخل بنية القوات المسلحة العراقية، فيما تعمل إسرائيل على قضم مساحات واسعة من الجنوب السوري، وفرض معادلة إخلاء المنطقة الممتدة من جنوب دمشق إلى الجولان من أي سلاح ثقيل.
محور التشكيك في الضمانات الأميركية: يعتبر حزب الله أن أي تعويل على واشنطن هو وهم، لذا يقول نعيم قاسم: "مَن يراهن على الضمانات الأميركية واهم، فهذه الضمانات لا تُعطي أمانا للبنان ولا تحميه من العدوان، بل تُقدَّم فقط لحماية إسرائيل ومصالحها. نحن لا نثق بوعود أميركا، ولا نقبل أن نرهن مستقبل لبنان بضمانات أثبتت الوقائع أنها مجرّد حبر على ورق". وأشار قاسم إلى اقتصار تعهد باراك في مواجهة أي خروقات إسرائيلية بالحصول على إدانة من مجلس الأمن. وبهذا التشكيك يسعى الحزب إلى تعزيز شرعية رفضه للقرار الحكومي وتبرير تمسّكه بالسلاح باعتباره الضمانة الوحيدة لأمن لبنان، وخارجيا، توجيه رسالة بأن الضغوط الأميركية تستدرج لبنان لتسليم أوراق قوته بما يمهد لإضعافه في مواجهة الطموحات التوسعية الإسرائيلية.
وفي مواجهة تلك الضغوط، أطلق الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم سلسلة من التصريحات التي شدد فيها على "أن كل مَن يطالب بتسليم السلاح، داخليا أو خارجيا أو عربيا أو دوليا، يخدم المشروع الإسرائيلي، مهما كان اسمه، ومهما كانت صفته… الحكومة اللبنانية تنفذ الأمر الأميركي الإسرائيلي بإنهاء المقاومة، ولو أدى ذلك إلى حرب أهلية وفتنة داخلية، وتتحمل مسؤولية أي انفجار داخلي، وأي خراب للبنان". وبهذا الخطاب، رفع قاسم السقف إلى حدّ إشهار شبح الحرب الأهلية بوصفها أداة ردع في وجه الحكومة والضغوط الأميركية.
رفضت إيران بشكل قاطع نزع سلاح حزب الله، فأعلن إيرج مسجدي، مسؤول التنسيق بفيلق القدس بالحرس الثوري، أن خطة نزع سلاح حزب الله هي خطة أميركية صهيونية، فيما وصف أكبر ولايتي، مستشار المرشد للشؤون الدولية، سلاح الحزب بأنه "رأس مال للبنان". وشكَّلت زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت في أغسطس/آب 2025 تتويجا لهذا الموقف. فخلال اجتماعاته مع الرئيس عون ورئيس الوزراء سلام، حاول لاريجاني تثبيت موقف يعتبر أن المقاومة خيار إستراتيجي للبنان، فيما أبلغ الرئيس عون ورئيس الحكومة ضيفهما بأن "قرار نزع السلاح شأن لبناني سيادي".
إعلانوفي العمق، تنظر طهران إلى سلاح الحزب من زاوية تتجاوز لبنان، حيث تعتبره ركيزة في معادلة الردع الإقليمي، إذ يظل الحزب قادرا على فتح جبهة الشمال ضد إسرائيل إذا اندلعت مواجهة كبرى. ومن هنا، تُقرأ في طهران أي محاولة لتفكيك ترسانة الحزب بوصفها جزءا من مشروع يستهدف حصارها، ومن ثم تشدد على مواصلة دعمها للحزب وتتعهد بمساعدته على ترميم ما لحق به من خسائر.
خيارات حزب اللهمنذ بدء تطبيق وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تجاوب حزب الله مع نزع سلاحه في جنوب نهر الليطاني سعيا لامتصاص الضغط الدولي والحصول على استراحة للتعافي وإعادة ترتيب أوراقه، فيما كرر مقولته التي تربط مسألة السلاح بالحوار الوطني حول "الإستراتيجية الدفاعية للبنان".
يدرك الحزب أن الدخول في مواجهة مباشرة مع الدولة اللبنانية، في ظل التوازنات الحالية، قد يؤدي إلى حرب أهلية مفتوحة تضره وتضر لبنان. ولذلك يُفضِّل إبقاء الباب مفتوحا للحوار، مع التلويح بالتصعيد دون الذهاب إليه، على أمل تغير المعطيات الإقليمية من قبيل اتضاح أبعاد ونتائج ملف المفاوضات الإيرانية الأوروبية والأميركية، وتبلور توجهات الإدارة الجديدة في سوريا.
ولكن مع صدور قرار الحكومة بنزع سلاحه، لجأ الحزب إلى التحرك الميداني المحسوب، فحرّك أنصاره في مسيرات ليلية بالدراجات النارية في الضاحية الجنوبية وبعض أحياء بيروت، في استعراض للقوة الشعبية، دون أن يذهب إلى حدّ التصعيد الواسع الذي يجرّ البلاد إلى صدام مباشر مع الجيش.
وسعى الحزب عبر هذه التحركات لتوجيه رسالة بأنه لا يزال قادرا على تحريك الشارع عند الحاجة، وأن أي محاولة جدية للمُضي في تنفيذ القرار الحكومي ستُواجَه بتوترات يصعب احتواؤها، فيما هدد أمينه العام بتوجيه المظاهرات مستقبلا نحو السفارة الأميركية. وقد ربط الحزب الحوار حول نزع سلاحه بانسحاب إسرائيل أولا من الجنوب ووقف اعتداءاتها على لبنان، وهو ما ترفضه واشنطن التي تشدد على نزع سلاح الحزب أولا قبل انسحاب إسرائيل.
المستقبل الغامضفي نهاية المطاف، تكشف أزمة نزع سلاح حزب الله عن مأزق لبناني يتجاوز ثنائية الدولة والمقاومة. فبينما يرى كثيرون في قرار حصر السلاح بيد الدولة خطوة نحو استعادة السيادة وبناء مؤسسات قادرة، يراه آخرون قفزا نحو المجهول قد يفتح الباب أمام صدام داخلي ويكشف لبنان أمام أخطار إقليمية وجودية.
فالحكومة اللبنانية تتحرك في ظل ضغوط اقتصادية خانقة، واشتراطات دولية صارمة، وتحاول إعادة ترميم صورة الدولة المنهكة، لكنها تدرك أن التنفيذ الكامل لأي خطة نزع للسلاح أمامه عقبات وتحديات داخل المجتمع نفسه، وربما في الجيش. أما حزب الله، فيتحرك تحت وطأة حسابات حساسة، فلديه بقايا ترسانة عسكرية بنى عليها معادلة الردع مع إسرائيل، وقاعدة مجتمعية تعتبر السلاح ضمانة وجود، وارتباط إستراتيجي بمحور إقليمي يرى في السلاح ورقة نفوذ لا يمكن التفريط بها مجانا.
من هنا، يبدو أن الطرفين، أي الحكومة وحزب الله، يشتركان في إدراك أن الاصطدام المباشر ليس خيارا واقعيا في اللحظة الراهنة. فالحكومة، رغم تشدد خطابها، لا تبدو مستعدة لدفع البلاد إلى مواجهة مفتوحة، والحزب، رغم رفضه القاطع، لا يسعى إلى تفجير الوضع من الداخل.
وهكذا، يجد لبنان نفسه مجددا أمام معضلة لا يمكن حسمها بقرار محلي صرف، ولا بفرض إرادة خارجية. وكما ارتبطت نشأة حزب الله وصعوده بتحولات كبرى في لبنان وإيران وفلسطين وسوريا، فمستقبل سلاحه يظل رهينة للتوازنات الإقليمية والدولية، أكثر من كونه نتاجا للتوازنات الداخلية. وفي ظل غياب تسوية شاملة تعالج جذور الأزمة، قد يبقى ملف حزب الله معلَّقا على حبال انتظار تحولات تُرسم خطوطها العريضة في عواصم الإقليم ومراكز القرار الدولي، لا داخل لبنان فقط.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات أبعاد الحکومة اللبنانیة السلاح بید الدولة نزع سلاح حزب الله معادلة الردع سلاح الحزب نزع السلاح توم باراک إلى بیروت نعیم قاسم فی مواجهة لا یمکن خطة نزع
إقرأ أيضاً:
عامان على طوفان الأقصى.. لبنان بين نار الجنوب وانقسام الداخل
بيروت- بعد مرور عامين على عملية "طوفان الأقصى" في الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما تزال ارتداداتها العميقة في الداخل اللبناني، كزلزال سياسي وأمني واجتماعي أعاد اختبار توازنات هشة وكشف عمق الانقسام حول معنى المقاومة وحدود الدولة.
فالحرب التي بدأت كحدث فلسطيني، تحولت سريعا إلى محطة إقليمية فاصلة أعادت خلط الأوراق من البحر إلى الحدود، وكان لبنان إحدى ساحاتها الأكثر سخونة، فمن الجنوب لم تهدأ الجبهة بين حزب الله وإسرائيل، بل تصاعد التوتر تدريجيا حتى بلغ حافة المواجهة الشاملة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2حماس وإسرائيل بعد عامين من طوفان الأقصىlist 2 of 2فورين بوليسي: العالم بعد السابع من أكتوبرend of listوفي الداخل، احتدم الجدل بين من يعتبرون الحزب ركيزة في معركة الرد على الاحتلال، وبين من يخشون أن يدفع لبنان المنهك ثمنا سياسيا واقتصاديا باهظا لا قدرة له على تحمله.
عامان مرا، تبدلت خلالهما أولويات الحكومة والبرلمان في لبنان تحت وطأة الأزمات المتلاحقة، من تشكيل سلطة تنفيذية جديدة إلى إعادة توزيع النفوذ بين القوى السياسية، لكن الملفات السيادية بقيت رهينة التجاذب والانقسام.
فهل دفعت الحرب الطبقة السياسية إلى إعادة تعريف مفهوم "الأمن الوطني" في ضوء تشابك الجبهات الإقليمية؟ وكيف أعادت التطورات الأخيرة رسم علاقة حزب الله ببقية القوى اللبنانية، بين من يراها شراكة اضطرارية في معادلة الردع، ومن يعتبرها هيمنة تعيق القرار الوطني المستقل؟.
إنها أسئلة تتجدد مع دخول لبنان عامه الثالث على وقع حرب لم تنته فعليا، بل تحولت إلى حالة استنفار سياسي وعسكري دائمة، تعيد رسم معالم الدولة وحدود دورها في بلد لم يعرف يوما استقرارا خارج دائرة الصراعات الإقليمية وتداعياتها.
يرى رئيس جهاز التواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور، في حديثه إلى الجزيرة نت، أن حزب الله لا يدافع عن لبنان بقدر ما يدافع عن المشروع الإيراني في المنطقة، معتبرا أنه الذراع الأبرز لهذا المشروع.
إعلانويضيف جبور أن الحزب "لا يمت بصلة إلى الأولويات اللبنانية أو إلى مفهوم السيادة الوطنية"، بل "يقود مشروعا انقلابيا على الدستور والدولة وألحق أضرارا جسيمة بلبنان وبموقعه العربي والدولي".
واعتبر أن "القول إنه يدافع عن لبنان غير دقيق، لأنه جزء لا يتجزأ من الحرس الثوري الإيراني، ووجوده في لبنان قائم بفعل ما يشبه الاحتلال الإيراني عبره، إذ يتحرك وفق أجندة إيرانية لا علاقة لها بالمصلحة اللبنانية".
ويتابع أن الحزب "ورّط لبنان في نزاعات منذ عام 1996 مرورا بحرب يوليو/تموز 2006، وصولا إلى حرب الإسناد عام 2023، فضلا عن مشاركته في القتال بسوريا واحتلاله بيروت عام 2008″.
ويرى جبور أن الحرب الأخيرة شكلت نقطة تحول مفصلية، إذ "أضعفت حزب الله وفتحت الباب أمام الدولة اللبنانية -ممثلة بالحكومة- لاتخاذ قرار بنزع السلاح غير الشرعي للمرة الأولى منذ عام 1990″، معتبرا أن هذا السلاح "استبقي بفعل الانقلاب الذي قاده حافظ الأسد وآية الله الخميني على الدستور اللبناني واحتلالهما الفعلي للبنان".
ويؤكد أن "طوفان الأقصى" كان محطة فارقة على المستويات الفلسطينية واللبنانية والسورية، بل وعلى مستوى محور الممانعة ككل، إذ "تلقت قوى الممانعة صفعة قوية وتهاوت أذرعها تباعا" على حد رأيه.
ويختم بالقول إن قيام دولة لبنانية فعلية يبقى مستحيلا في ظل استمرار الدور العسكري لحزب الله، مضيفا أن "الجناح العسكري للحزب الذي كان يجب أن يحل منذ اتفاق الطائف عام 1990 يدخل اليوم فصله الأخير، والمسار الإقليمي الحالي سيسمح للبنان بتطبيق دستوره واحتكار الدولة وحدها للسلاح".
من جانبه، يرى الكاتب السياسي صلاح تقي الدين، في حديثه للجزيرة نت، أن الأمين العام الأسبق لحزب الله السيد حسن نصر الله عندما أعلن "حرب الإسناد لغزة"، سارع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى التحذير من "جر لبنان إلى حرب مدمرة"، مؤكدا في الوقت نفسه على موقفه التاريخي الثابت في دعم القضية الفلسطينية.
ويشير تقي الدين إلى أن نتائج حرب الإسناد أظهرت عجز حزب الله عن مجاراة التفوق العسكري الإسرائيلي، إذ لم يتمكن من صد الغارات الكثيفة ولا الحد من دموية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مضيفا أن استهداف نصر الله شكل ضربة موجعة للحزب وأضعف تماسك قيادته، مما مهد الطريق أمام اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ويضيف أن المفارقة تكمن في أن إسرائيل، التي فشلت في تحقيق أي اختراق ميداني خلال الحرب، تمكنت بعد الاتفاق من احتلال 5 نقاط حدودية، واستمرت في تنفيذ اغتيالات داخل لبنان استهدفت من تشتبه بانتمائهم إلى الحزب، "من دون أي رد من حزب الله احتراما للاتفاق".
ويعتبر تقي الدين أن حرب الإسناد لم تحقق الردع، ولم توقف العدوان على غزة، في حين سقط آلاف الشهداء ودُمرت عشرات القرى وآلاف المنازل في بيئة الحزب الذي يواجه اليوم تحدي إعادة الإعمار.
أما في ما يتعلق بعلاقة الحزب التقدمي الاشتراكي بحزب الله، فيوضح تقي الدين أنها لم تتأثر سلبا بالحرب، بل على العكس، إذ بادر التقدمي إلى تنظيم عمليات إغاثة وإيواء لأبناء الجنوب الذين نزحوا إلى الجبل هربا من القصف الإسرائيلي، حيث قُدمت لهم المساعدات ولم تسجل أي حوادث بين الأهالي والنازحين.
إعلانسياسيا، يشدد تقي الدين على أن الحزب التقدمي الاشتراكي ما يزال متمسكا بدعمه للعهد والحكومة، ويؤمن بـ"حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية"، موضحا أن هذا الموقف، رغم امتعاض حزب الله منه، لم يؤد إلى قطيعة، إذ لطالما دعا جنبلاط إلى معالجة مسألة سلاح الحزب بالحوار الوطني، باعتباره السبيل الوحيد للحفاظ على الاستقرار الداخلي.
مساندة فلسطين مستمرةمن جهته، يؤكد مسؤول العلاقات الفلسطينية في حزب الله النائب السابق حسن حب الله، أن عملية "7 أكتوبر" كانت خطوة نفذتها المقاومة الفلسطينية بهدف تحرير الأسرى وتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال حب الله إن حزب الله "وقف دائما إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقه في استعادة أرضه وإقامة دولته"، مضيفا "خضنا خلال العام الماضي مواجهة استمرت شهرين، تعرضنا خلالها لعدوان كبير وخسرنا الكثير، لكنها لم تكن مواجهة صهيونية فقط، بل حربا دولية شملت ضغوطا وهجمات إعلامية وسياسية، ومع ذلك صمدنا وواصلنا دعم الفلسطينيين".
ويتابع حب الله "التزمنا لاحقا بالاتفاق الذي أبرمته الدولة اللبنانية، مع استمرار دعمنا للقضية الفلسطينية، ولكن بعيدا عن أي دعم عسكري، احتراما لموقف الدولة والتزاماتها. وبعد مرور عامين، نؤكد مجددا التزامنا بمساندة الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة".
وفي تقييمه للمشهد اللبناني، يرى حب الله أن لبنان لم يشهد في تاريخه إجماعا وطنيا حتى في قضايا التحرير والمقاومة، مستذكرا الاجتياح الإسرائيلي حين وصلت الدبابات إلى بيروت، ويقول "لم يكن هناك اتفاق حول دور المقاومة أو سلاحها، لكننا تحملنا الأعباء الوطنية ودافعنا عن أرضنا وشعبنا دون انتظار إجماع لبناني حول هذا الدور".