سودانايل:
2025-05-11@13:27:35 GMT

شجرة بِيضَا: قد تَنتَقمُ الأشجارُ ويَبتسم الجنود

تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT

للسفر مفعول مدهش، يذيب الحواجز، مع كل خطوة على الطريق تزول الريبة والخوف ويحل محلهما صفاء يجعل شركاء المركبات أسرة واحدة؛ أو هكذا نحن علاقاتنا هشّة ومتماسكة تنهار في لحظة انفعال وغضب لكن سرعان ما تجذبنا أغنية شعبية تشدنا من الأطراف إلى المركز، ثم تُبَعثرنا قِطَعاً صغيرة على القرى البعيدة والمدن الهامشية وأشباح الجبال والبيوت الطينية الصغيرة والأكواخ التي تنبض بالحياة.

أقوياء، نُقاوم محن الإنسان والطبيعة، نبني ونهدم حتى تنتهي الرحلة. أما رحلتنا إلى الجبال الآن فقد بدأت تخصب، بدأنا بالحديث عن الأشجار وحال الناس والبؤس الذي خيَّم على البلد وطالت أنيابه وأظفاره مَا ومَن بظاهر وباطن الناس والتربة وأعالي الجبال. بدأ الرجل الأكبر الجالس معنا بالمقعد الخلفي حكايته مع مطاردة تسوية المعاش، ضحكنا من المقالب وطول الرجاء والأمل الذي انتهى به معنا في المركبة، وفي مقعدها الخلفي، وعند مشارف الجبال أخذ صوته يتهدّج، أشار بيده إلى جوالات الفحم المرصوفة على جانب الطريق وانساب يحكي؛ حكى عن أيامه في مصلحة الغابات وعن زوجاته وابنته الطبيبة، ثم بدأ يحكي عن الجنود واجتياح الأشجار وقتلها ثم حرقها. قال إن الأشجار لها قلبٌ وعقل، تضحك مع الأطفال والطيبين من البشر، وتبكي مع ومن الجنود والعاصفة والمطر، تمنح ثمارها وعصارتها بمحبة لمن يستحق، وتُشرع أسلحتها الخاصة في وجوه الأشرار، ثم تموت واقفة. تطاردهم بلعناتها بعد موتها فتعود في الليل وتدخل من نوافذهم وتستوي على فرشهم، تطعنهم في العيون والقلوب وتبكي ويبكون.. وقال فيما قال عن "شجرة بيضا":
(كان أقواهم وأغلظهم طبعاً، لا يبتسم أبداً، شرير وحاقد وذو رائحة نتنة، أطلق النار على قطٍّ برّي في الرأس فتبعثر اللحم والمخ وضرَّجت الدماء الأشجار وعَلقت قطع اللحم ورشاش المخ بالصخور، تَرَكَنا خلفه ثم دخل إلى الغابة يحمل فأسه، اقترب من الشجرة ثم هوى على ساقها بالفأس فصرخت الشجرة، صرخت صرخة اهتزَّت لها أركان الغابة والجبال والأشجار، سمعها المسافرون في الطرق البعيدة وسكان السفح وقمة الجبل، وتفزَّعت لمسمعها الطيور وتدحرجت الصخور وانفجرت المياه من باطن الأرض، وعصفت رياحٌ لها نواح كنواح الثاكلات، وقال:
مَرَقت موية قدر تملا برميلين، اتدَّفقت من قلب الشجرة وسالت.. حمرااااااا.
وقال:
أصابه منها رشاش في عينيه ورأسه وكفيه وساقيه والقدمين (جسمه كلو بِقَى يِنزّ، ود الكلب، جَدَع الفاس وجرى.. هَسِّي حايم مَرَّة لابس ومَرَّة عَريان، ياكل من الكوشة مع الغنم وبراميل المستشفى (ود أم ز....).
قبل أن تستوي العربة ثم تتوقف في أعالي الجبال كان يشير بيده على كل شجرة نلمحها:
ديك شجرة دليب.. تتمايل شجرة الدليب وتلعب الريح بخصلاتها وثمارها، لم تأخذ حجمها الطبيعي بعد لأنها لم تنضج، هي الآن في حجم بيض النعام. نترك شجرة الدليب خلفنا، ثم تلوح في الأفق أشباح أشجار كئيبة المنظر فيقول:
داك شجر الزقّوم.. الناس بخافو منو -نوع من الصبار- عنده لبن زي لبن العشر لكنه سامّ.
سألته عن شجرة لاحت تشبه التبلدي، متقزّمة وملتصقة بالصخور، عارية إلا من زهور حمراء فائقة الجمال فقال:
(دي شجرة (سِم) .. مافي زول بقرب منها).. ثم أردف:
أعمل حسابك دي عروس الشيطان الما بعرفها يقول ملاك. ثم ضحك وضحكنا. بعدها واصل:
الشاحنات تجيب عساكر وتشيل حطب وفحم.. ياخي واحد منهم قطع شجيرة تِك قدير دا!! -وقارب ما بين كفيه دلالة على صغر حجم الشجرة- ثم أشار إلى شجيرة هجليج صغيرة طولها أقل من ذراعين..
ودعتهم عندما توقفت العربة أمام بوابة السجن، نزل السائق حمل حقيبتي إلى البوابة واوصي أحد الجنود:
- الأستاذ دا قريبنا جاي يقابل ضيف عندكم.
كنا، قبل أن أبرح العربة، قد تبادلنا أرقام الهواتف والعناوين وقال الذي في مثل عمري:
كان ما لقيت طريقة ترجع اتصل نجي نسوقك تبيّت معانا وتقوم دغش.. شكرتهم وودَّعتهم بحرارة، استقبلني الجندي الذي أوصاه السائق أحسن استقبال ثم قادني إلى مكتب المأمور الذي أحسن استقبالي، وأرسل أحد النزلاء لإحضار الشاي والقهوة وصديقي السجين الذي، عند حضوره، أفسح لنا المأمور المجال وترك لنا مكتبه لساعة من الوقت، حكى لي خلالها عن جمال الطقس ومرارة الحبس، ونقلت له أخبار أسرته والأهل والأصدقاء ثم دفعت له بـ(كيس) صغير فيه بعض الملابس والأدوية ومعجون الأسنان وصابون معطر من النوع الذي يحبه، وجنيهات قليلة مما فاض عن مصاريف العودة. ودّعته بعدها وشكرت المأمور والجنود، ثم عرّجت من السجن على سوق المدينة الذي وجدته يفيض بالجنود والنسوة اللاتي افترشن الأرض، أمام كل واحدة مشغولات يدوية من الجلد وأواني الفخار المختلفة وكثير من الثمار المحلية؛ عرديب وقنقليز ونبق ودوم وأم قليقلة و.... أشياء لا تحصى.. جلست أنتظر المركبات بعريشة صحبة نفر قليل من الرجال، وإلى جواري جنديّ مدَّ إلي يده بسكين غريبة نصلها أطول من المعتاد، مشغولة ومزركشة، مقبضها أسود على رأسه شوكة طويلة بدت لي مثل مخرز أو منقاش، وقال يُعدّد وصفها ويشكر صانعها:
دي سكين طَلَبتَها طَلب، جبت حديدها براي عَزلتو عَزِل، ما في منها اتنين، دافع للصناعي خمسمية وخمسين جنيه!!
أعدتها له سريعاً وأنا أتظاهر بالإعجاب، وفي دوخلي سرت قشعريرة باردة قطعتُ سريانها بطلب كوبين من الشاي لي وله، لكنه شكرني وعكف يتأمل ويغازل أداته القاتلة في صمت، ولحسن الحظ لم يطل مكوثي بعد أن نَقدتُ أحد الكمسنجية ما يزيد قليلاً عن سعر التذكرة، أسرع ثم عاد ليبشرني بمقعد في حافلة بها كوكبة من النساء الجميلات وفتيان وفتيات -دلوكتهم رابطة فوق- وقال لي الكمسنجي:
حظك لقيت ليك مقعد في حافلة راجعة من شيلة عريس.
وفعلاً كانت ضربة من ضربات الحظ التي قلَّ أن يظفر المرء بمثلها، مع تحرك الحافلة انطلقت الزغاريد وصدحت الفتيات تقود جوقتهن امرأة في بداية العقد الرابع، ذات صوت شجيّ يخلب الألباب، وانسابت أغاني المناسبات السعيدة تمجّد العريس والجنود من الطرفين والخير والمحبة مع إيقاع الدلوكة المصاحب، والذي يهتزّ معه من بداخل الحافلة وخارجها من المارة والواقفين على الرصيف:
الحوش الكبير شايلنا
قود يا عبده سوق وصلنا
(كبلك كبلك كبلك.. كبلك)
يفور (السواق) و(يتدفق) ويهتزّ ويضع يده على آلة التنبيه فترسل نغمات تجاري اللحن والكلمات، وفي فورة الحماسة يتماوج لحنٌ ويرتفع إيقاع أغنية أخرى:
أنا قلبي شالوه الناس الخدر
عندي دستور وما بقبل عذر
وعلى طول الطريق ظلَّت الأغنيات تتدفق وتُشعل رقة الصوت والكلمات والفتيات والفتيان، وعند نقاط التفتيش يرفع الجنود أغطية الرؤوس والأسلحة، يحيّون الصوادح وترتفع أصوات الجنود:
أبشر.. أبشر...
تطبع على محياهم ابتسامات كانت غائبة في هذه البقع الحارقة للأجساد والأرواح، تقابلها النسوة بالزغاريد فتكون تأشيرة مرور إلى القلوب وإلى المدينة القريبة.
قلت لجاري بالمقعد، وهو رجل كهلٌ مثلي، وأشرت بيدي من النافذة إلى شجيرات (العوير) تفتَّحت زهراتها البنفسجية الجميلة، وقبل أن أنبس بحرف جاءني صوته الأجش:
الله يقطع العوير ويقطع يومه.. ما منه فايدة إلا يصيب بالكساح.. وحتى وردته ما فيها ريحة..).
هربت من كلماته إلى النافذة وإلى قمم الجبال فعادني صوت جاري (رجل الغابات المعاشي) بالعربة الصغيرة، عندما كنّا في منتصف الرحلة وشاهدنا على جانب الطريق قافلة صغيرة من الأطفال في عمر مدارس الأساس، نصف عراة حفاة، يحملون بأياديهم الصغيرة كتبهم المدرسية ويضحكون؛ كانت الدنيا في تلك اللحظة ملء أياديهم يضحكون ويطاردون أشباح بعضهم البعض، فيهرب أحدهم إلى باطن الغابة ثم يعود يجرّ خلفه شجيرة صغيرة يناوش بها الصبيان، ويلوّح بها في وجه العربة. قال رجل الغابات:
ديل عيال الله.. يقوموا زي الشوك في الغابة، يجيبوهم تلت المسافة ويقطعوا التلت وحيدهم، وكان حظَّهم ضَرَب عربات الجيش ترفعهم في التلت اللخير..
ثم واصل:
يجيبوهم للتطعيم والقراية في زمن الهدنة... الحيكومة بت الكلب..).
توقَّفت الحافلة عند نقطة تفتيش أخيرة وانطلقت زغرودة قَسَمت قلبي إلى نصفين، وهدهدني صوت الجميلات من باطن الحافلة:
الحوش الكبير شايلنا
قود يا عبده سوق وصلنا

بدرالدين حمزة
مارس 2019

mamoun.elfatib1982@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

شجرة الخيزران وحبل الله وزوال الظالمين

#سواليف

#شجرة_الخيزران و #حبل_الله و #زوال_الظالمين

#الشيخ_كمال_الخطيب


????شجرة الخيزران
✍️لقد ورد ذكر الشجر والأشجار في القرآن الكريم في آيات كثيرة وسور عديدة كقول الله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} آية 24 سورة إبراهيم، وقوله سبحانه: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} آية 18 سورة الفتح، وقوله سبحانه: {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} آية 35 سورة النور، وقوله سبحانه: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} آية 6 سورة الرحمن.
✍️ومع اختلاف أسماء وأنواع وفوائد وثمار وورق هذه الأشجار التي هي بملايين أنواعها والتي خلقها إلٰه واحد سبحانه، إلا أن شجرة منها فيها من الغرابة والدهشة ما فيها، إنها شجرة الخيزران عمومًا وشجرة الخيزران الصينية خصوصًا.
✍️إن كثيرًا من النباتات ما أن تضع بذرتها في الأرض وإذا بها تنمو بعد أيام أو أسابيع ثم تكبر وتكبر وتأكل من ثمرها بعد أسابيع. وإن أشجارًا قد تأكل من ثمرها بعد سنة من زرعها، لكن شجرة الخيزران الصينية فما أن تضع بذرتها أو فسيلتها في الأرض، فإنها بعد أسابيع تخرج برعمًا صغيرًا ثم يتوقف هذا البرعم عن النموّ. تمرّ أيام وأسابيع والفلاح يسقي الماء ويزيل الحشائش بالمبيدات والبرعم على حاله، وتمّر سنة وسنتان ولا تغيير، ومن ليس له خبرة فإنه حتمًا سيقرر اجتثاثها من الأرض لأن كل التعب عليها بلا فائدة فهي متوقفة عن النموّ.
✍️تمرّ خمس سنوات متواصلة والبرعم على حاله، وإذا بها تأتي المفاجأة في السنة الخامسة حيث يبدأ البرعم بالنموّ ثلاثة أقدام يعني مترًا واحدًا كل يوم، ليصل ارتفاعها خلال شهر واحد إلى ثلاثين مترًا ويزيد، لماذا وأين يكمن السر؟ لأن شجرة الخيزران تكون خلال هذه السنوات تضرب جذورها في الأرض عميقًا فتنمو الجذور إلى أسفل استعدادًا لتكون قادرة على مواجهة الريح والعواصف الهوجاء لما تبرعم وتورق ويرتفع ساقها عاليًا فلا تقتلعها الرياح والعواصف.
???? #شجرة_الإسلام
✍️وإنها كلمة التوحيد وإنه الإسلام الذي شبّهه الله بأنه ضارب جذوره في أعماق الأرض مثل شجرة النخيل بينما ساقه شاهق في السماء عصيّ على العواصف والرياح {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} آية 24 سورة إبراهيم.
✍️إنه الإسلام الذي يحاول الأقزام والصغار من أبنائه وأعدائه أن يتطاولوا عليه وأن يستهدفوه في محاولة لاقتلاعه واستئصاله والقضاء عليه. إنهم عبثًا يحاولون لأن جذور الإسلام ضاربة عميقًا في وجدان القلوب أبناء الأمة. إنه الإسلام كما قال ووصفه الخطيب الإدريسي: “إذا حاربوه اشتد وإذا تركوه امتد”. نعم إنهم الأعداء الأغبياء إذا حاربوا الإسلام فإنه يزداد صلابة وقوة، لأنه مثل تلك الشجرة في حوارها مع ذلك الظالم الذي ظنّ أنه يستطيع اقتلاعها والقضاء عليها، كما وصف ذلك الحوار الشاعر أحمد مطر في أبياته الرائعة:
قطفوا الزهرة، قالت: من ورائي برعم سيثور
قطعوا البرعم قالت: غيره ينبض في رحم الجذور
قلعوا الجذر من التربة، قالت: من أجل هذا اليوم خبأت البذور
✍️إنه الإسلام فرح أعداؤه أنهم انتصروا على أبنائه في الأندلس وأخرجوهم من هناك بعد حكم ثمانية قرون ظانين أن شمس الإسلام قد غابت إلى الأبد، ولكنهم ما لبثوا أن سمعوا ورأوا كيف ترفرف رايات الإسلام على عاصمة الدولة البيزنطية وتحويلها إلى إسطنبول وبداية وصول المسلمين العثمانيين إلى قلب أوروبا من جهة الشرق بعد أن كانوا قد أخرجوا من جهة الغرب.
✍️وإنه الإسلام الذي فرح أعداؤه بإسقاط الدولة العثمانية التي أذلّت كبرياء أوروبا وألغوا الخلافة الإسلامية في العام 1923، وظنّوا أن شمس الإسلام قد غابت إلى الأبد، ولكنهم ما لبثوا بعد خمس سنوات وتحديدًا في العام 1928 أن تظهر جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي ما لبثت أن وصل خيرها وإشعاع أنوارها إلى كل العالم الإسلامي بل إلى أرجاء المعمورة كلها، لتكون نواة وشجرة الصحوة الإسلامية العالمية المباركة.

لقد سئل الإمام الشافعي رحمه الله: “كيف نعرف أهل الحق في زمن الفتن؟ قال: اتبع سهام الباطل فإنها ترشدك إليهم”.
✍️وإنه الإسلام ظنّ أعداؤه وعملاؤهم من أبنائه أنهم قد ضربوا ضربتهم القاصمة بإفشال ثورات الربيع العربي في العام 2011 عبر التآمر والإجهاض على هذه الثورات، ولكنهم سيرون بأم أعينهم أن مكرهم سيبور، وأن إرهاصات وبشائر إعصار إسلامي قادم سيطيح بكل هذه العكاكيز من أنظمة الخيانة والفساد والظلم، وما تآمرهم على غزة وحصارها وتجويعها إلا صورة من صور قطع أي برعم يمكن أن ينمو على هذه الشجرة.
✍️ما أكثرها الإرهاصات والبشائر التي تري الدنيا كلها أن الإسلام قادم، وأن صولته وجولته آتية، وأن الصبيان الذين يحملون فؤوسًا بها يحاولون اجتثاثه فإنهم عبثًا يحاولون. إنه الإسلام مثل شجرة الخيزران يظن أعداؤه الأغبياء أن ذلك البرعم الصغير لا حياة فيه وأنه توقف عن النموّ، وأن الاسلام قد شيّع إلى مثواه الأخير، ولا يستيقظ هؤلاء من غفلتهم وغبائهم إلا وقد انتصب الإسلام مثل ساق شجرة الخيزران بل مثل المارد الذي راح يتململ ليفرّوا أمامه مثل الأقزام بل مثل الفئران إلى جحورهم وهم يعضّون أصابع الندم، ولكن ولات حين ندامة.
???? اعتصموا بحبل الله واقطعوا حبال الناس
✍️نحن في زمان لم يعد يخفى على عاقل أن حربًا دينية عقائدية سافرة يخوضها أعداء الأمة على أبنائها، وإن كان من بين أبناء الأمة عاقّون وأشقياء ارتضوا أن يحملوا خناجر سامة غادرة يطعنون فيها أمهم أمة الإسلام في الصدر وفي الظهر.
✍️ومع الإعداد والأخذ بالأسباب في مواجهة قوى الشرّ، كثيرة هي الأسماء متعددة الرايات، لكنها الحاجة الأكثر لصدق العلاقة مع الله تعالى والاعتماد عليه والاعتصام بحبله، لأن اعتمادنا على الله بحق وصدق، فإنه الاعتماد على القوة العظمى التي تصغر أمامها قوة الأقزام. إننا مطالبون بإخلاء قلوبنا من كل ثقة بالعباد لملئها وليحلّ محلها الاعتماد والتوكل على الله وحده. وإننا مطالبون بأن نقطع الحبال مع كل الناس لنجعل الحبل الوحيد الذي نمسك به ونعتصم به هو حبل الله سبحانه، خاصة وأنه لا خيار للعبد إلا بحبلين اثنين، حبل الله وحبل الناس {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} آية 112 سورة البقرة. وإنه ضعف الإيمان وقلة اليقين أن يعتصم المسلم بحبل الناس الذي هو مثل خيط العنكبوت بل أضعف ويترك حبل الله القوي المتين.
✍️ فها هو نبي الله إبراهيم في اللحظة الحرجة والحاسمة وقد قيّده قومه ووضعوه في المنجنيق ليلقوه في النار، فإنه قطع كل الحبال مع الناس، فلم يتودد ولم يتوسّل ولم يساوم على عقيدته، وإبقاء اعتصامه وتمسكه بحبل الله وحده وهو يقول: “حسبنا الله ونعم الوكيل”.
وهكذا فعل عليه السلام يوم أمره ربه سبحانه أن يذهب بزوجته هاجر وابنه إسماعيل إلى صحراء قاحلة ويتركهما هناك ليس معهما إلا بعض ماء وغذاء، فإنه عليه السلام امتثل لأمر ربه سبحانه وقطع الحبال والآمال من أهل الأرض واتصل بحبل الله وحده {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} آية 37 سورة إبراهيم.
✍️ومثل إبراهيم فإنها زوجته المؤمنة هاجر يوم تركها إبراهيم ورجع فنادته قائلة: آالله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لن يضيعنا. إنها قطعت حبالها مع كل من هو سوى الله حتى من زوجها إبراهيم، وأمسكت بحبل الله وحده.
✍️ومثل هاجر المؤمنة أم إسماعيل، فإنها أم موسى عليه السلام يوم كانت بين خيارين اثنين، إما سكين فرعون يفصل رأس طفلها عن جسده وإما أن تمتثل أمر الله بإلقائه في البحر وهناك ستكون نجاته وسلامته، وهكذا فعلت وقد اختارت حبل الله وأمر الله ونِعم ما اختارت. إنه حبّ الله الذي من أمسك به واعتصم به فإنه يكون قد أمسك بحبل الله المتين وآوى إلى ركنه الشديد، مثلما قال وآوى لوط عليه السلام لما خذله قومه بل خذلوه {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ} آية 80 سورة هود. وما أجمل وأصدق ما قال الشاعر:
واشدد يديك بحبل الله معتصمًا فإنه الركن إن خانتك أركان
من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفيه شرّ من عزّوا ومن هانوا
✍️نعم إذا اعتصمت بحبل الله سيحقق الله لك ما كان يظنّ أنه مستحيل، كما قال الشاعر الآخر:
سيفتح الله بابًا كنت تحسبه من شدة اليأس لم يُخلق بمفتاح
???? ويل لك أيها الظالم
✍️لما رجع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه من هجرته إلى الحبشة قال له ﷺ: “ما أعجب شيء رأيت؟ قال: رأيت امرأة على رأسها مقتل -سلة من القش- وهي بلغتنا الشعبية قبعة فيها طعام، فمرّ فارس يركض فأذراه -أوقعه على الأرض- فجعلت المرأة تجمع طعامها وتقول: ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من الظالم، أي ويل لك من يوم الحساب بين يديّ الله رب العالمين، فقال النبي ﷺ تصديقًا لما قالت المرأة: لا قدّست أمة لا يأخذ لضعيفها من شديدها وهو غير متعتع”.
✍️ فإذا كان هذا حال من كان عندها طعام فأراد متجبّر ظلوم أن يتسلى بها وهو يركب مزهوًا على فرسه بينما هي تمشي على قدميها وتحمل سلة القش فيها طعام أولادها فأسقط السلة والطعام عن رأسها فتناثر أرضًا، فكيف يكون حال من منع الطعام والشراب والدواء من أن يصل إلى أبناء شعبنا في غزة وقد حاصرهم برًا وبحرًا وجوًا، وقد أخذ منهم الجوع كل مأخذ، فأكلوا ورق الشجر وشربوا الماء الملوث، ومن لم تقتله قذائف دبابات جيش إسرائيل وصواريخ الطائرات فإنه مات من الجوع والمرض. فويل ثم ويل ثم ويل له، والويل كذلك لمن كان شريكًا في الحصار من العرب والمسلمين الجيران الذين لو أرادوا كسر الحصار لكسروه. إنه السيسي المجرم عدو الله الذي تصطف آلاف الشاحنات على الجانب المصري لمعبر رفح، لكنه يمنع إدخالها ليكون شريكًا في الحصار والموت جوعًا لأهل غزة المظلومين.
✍️ قال الإمام الشافعي: “إنها آية في القرآن هي سهم في قلب الظالم وبلسم على قلب المظلوم، قالوا وما هي؟ قال: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} آية 64 سورة مريم”. وقال مصطفى الرافعي: “إن دموع المظلومين هي في أعينهم دموع ولكنها في يد الله صواعق يضرب بها الظالم”. ويقول الأستاذ حسان شمسي باشا: “فإذا كان هذا حال دموع المظلومين فكيف بدمائهم وأرواحهم؟”، وكيف بمن دمّر الظالم بيوتهم وانتهك حرماتهم وأهدر إنسانيتهم؟ وكيف وكيف.
✍️ فهل يصدق عاقل أن هذه الحياة ستنتهي دورتها بأن يموت المظلوم مظلومًا متحسرًا مقهورًا ويرحل عنها، وكذلك يرحل الظالم منتشيًا ملوثة يديه بدماء الأبرياء وتنتهي الحكاية من غير حساب ولا قصاص، معاذ الله!!!
يا من مددتم إلى الرحمن أيديكم لقد وقفتم بمن لا يغلق البابا
ستبلغون أمانيكم بقدرته هذا هو الله من ناداه ما خابا
????اللهم إنا مغلوبون، اللهم إنا مظلومون، اللهم إنّا على بابك فخذ لنا حقنا ممن ظلمنا وبغى علينا يا رب العالمين.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة وفقاً لأدقّ التوقّعات .. ( 4.8 ) دنانير زيادة التضخم لمتقاعدي الضمان 2025/05/09

مقالات مشابهة

  • لكني كتبت الأشجار بالخطأ.. ديوان جديد للشاعر نجوان درويش
  • قتلى ومصابون بحادث سير في سريلانكا
  • طقس صحو خلال الأسبوع.. وتوقع أمطار على الجبال
  • الحرارة سترتفع بشكل ملحوظ على الساحل وفوق الجبال... هكذا سيكون طقس الأيام المقبلة
  • إدانة رجلين لقطعهما شجرة
  • إعادة تشغيل بئرين في السويداء ترويان نحو 840 دونماً من الأشجار
  • سي إن إن تؤكد: المهاجرون لم يرحّلوا إلى ليبيا، والطائرة العسكرية لم تُقلع نحو مصراتة
  • مبادرة نوعية بصفوى.. زراعة 70 شجرة توت بالحديقة و50 للأهالي
  • شجرة الخيزران وحبل الله وزوال الظالمين
  • مصطفى بكري: بعض الأطراف تحاول استغلال قضية ياسين لإثارة الفتنة