9 سنوات على مجزرتي الصالة الكبرى وعرس سنبان.. جرائمُ محفورةٌ في الذاكرة!
تاريخ النشر: 8th, October 2025 GMT
وبالعودة إلى شريط الذكريات المليء بالأسى، فقد كان يوم التاسع من شهر أُكتوبر سنة 2015م، كابوسًا على قرية "سنبان" بمنطقة "عنس" بمحافظة ذمار؛ فالمنازل التي كانت عامرة بالأفراح والمسرات، تحولت في لحظات إلى مأتم وبكاء وحزن.
في تفاصيل المأساة؛ استشهد أكثر من 50 مدنيًّا معظمهم من الأطفال والنساء في قصفٍ لطيران العدوان الأمريكي السعوديّ المتوحش، وأُصيب أكثر من 35 آخرين ومن بين الشهداء العريسان وعروستاهما، وقد كانت هذه الجريمة فاجعة بكل ما تعنيه الكلمة للشعب اليمني الذي لم يتوقع على الإطلاق أن تصل السعوديّة إلى كُـلّ هذا القبح والتوحش والدناءة.
وبينما كان اليمنيون يتذكرون بعد عامٍ تمامًا هول ما حدث من قصف لعرس سنبان، كان العدوانُ الأمريكي السعوديّ الصهيوني يحضر لجريمة أكثر قبحًا ووحشية، ويبحثُ هذه المرة ليس عن قاعة أفراح، وإنَّما عن قاعة عزاء، ليضاعف مأساة اليمنيين ويعمق من جراهم.
واختار العدوان يوم الـ 8 من أُكتوبر عام 2016م، ليكون الأشد إيلامًا وقسوة على اليمنيين خلال مسيرة العدوان الغاشم عليهم، حَيثُ استهدف بطيرانه الحاقد قاعة عزاء بعد أنَّ تجمع الآلاف من المدنيين لتقديم العزاء في وفاة الشيخ "علي الرويشان" والد اللواء "جلال الرويشان"، وزير الداخلية آنذاك.
أكثر من ألف مواطن ما بين شهيدٍ وجريح، قيادات عسكرية وازنة، حيث استشهدت أمين العاصمة السابق "عبد القادر علي هلال" ومن بين الشهداء، أطفال، شباب في كامل أناقتهم، انتقلوا إلى جوار ربهم، في جريمةٍ ليس لها مثيل في تاريخ الإنسانية.
قاعة العزاء كانت مكتظة بالناس الذين توافدوا لتقديم واجب العزاء لأسرة "آل الرويشان"؛ وفجأةً أطلق الطيرانُ صواريخَه على الحاضرين، لتتحول القاعة إلى كومة خراب، وتفحّمت جثثُ البعض؛ فقد البعض قدمَيه، والبعض الآخر فقد بصرَه، والبعض مات بفعل الدخان الكثيف، والغازات السامة المتصاعدة عن القنابل الأمريكية المحرمة.
الفاجعة كانت تملأ المكان، وصنعاء حينها كانت تدور من هول الصدمة، وقلوب اليمنيين تتمزق لهول ما رأت وشاهدت عبر شاشات التلفزة، المستشفياتُ أطلقت نداءً للتبرع بالدم؛ فخرج الجميع للتبرع بالدم؛ فيما كانت صنعاء حزينة كئيبة غير مستوعبة ما حَـلَّ بها من دمار وخراب، وتوحش لا مثيل لها من قبل العدوان الأمريكي السعوديّ الصهيوني الغاشم.
ويمكن القول إنَّه لولا التغطية الإعلامية الواسعة والمكثّـفة لطُمست هاتان الجريمتان، وخُصُوصًا مجزرة القاعة الكبرى التي كانت القنوات تبث معظم تفاصيلها بشكلٍ مباشر، وهو ما مثّل عاملاً إضافيًّا في تخليد هاتين المجزرتين في ذاكرة الشعب اليمني إلى جانب صدور بيانات الإدانة والاستنكار بشكلٍ كبير جِـدًّا على المستوى المحلي والدولي من مختلف الجهات كمنظمة الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة ومنظمات حقوق الإنسان والعديد من الدول العربية والأجنبية والكثير من الحركات والأحزاب والتجمعات الرسمية والشعبيّة والشخصيات المختلفة على مستوى العالم.
كما أنَّ التغطية الإعلامية لهاتين المجزرتين وصدور التقارير وبيانات الإدانة والاستنكار بشكلٍ كبير وعلى مستوى واسع ساهم في إبراز فداحة هاتين المجزرتين وبالتالي تخليدهما، كما ساهم أَيْـضًا في إبراز الصورة الحقيقية الإجرامية والبشعة لدول تحالف العدوان وفضح زيف أهدافها المعلنة من شن العدوان على اليمن، لا سِـيَّـما أنَّ قيادة تحالف العدوان العسكرية وتحت ضغط بيانات الإدانات والاستنكار الواسعة قد أقرت بارتكاب هاتين المجزرتين ووعدت بالتحقيق والمساءلة لمن قالت بأنّهم قد تسببوا في ارتكابها بالخطأ بحسب مزاعم البيانات الصادرة عن المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف الهمجي على اليمن.
ورأى قانونيون أنَّ محاسبةَ المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الإنسانية بحق المدنيين خلال الحروب والصراعات والانتصار للضحايا يعد من أهم المبادئ التي كفلتها الشرائع السماوية وأرستها قواعدُ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان كمبادئَ هامة وحقوق أصيلة وهدف من أهداف قيام منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة، وهذا ما أقره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتّفاقيات والمعاهدات الدولية ودساتير الدول وقوانينها، وهذا أمر جيد من الناحية النظرية لكن المشكلة تكمن في إمْكَانية تحقيق هذه المبادئ؛ فواقع المجتمع الدولي اليوم يجعل من الصعوبة تحقيق هذه المبادئ وتطبيقها على الواقع.
ويوضح مراقبون أنَّ الواقع القائم يجعل من الانتصار لمظلومية الشعب اليمني بمحاسبة المجرمين والانتصار للضحايا المدنيين الأبرياء بعيدة المنال في الوقت الراهن ومن الصعب تحقيقه؛ لأَنَّ المنظومة الدولية المعنية بتعزيز وحماية حالة حقوق الإنسان وتحقيق العدالة حول العالم محكومة بقواعد وإجراءات وطرق محصورة وضعتها دول الهيمنة العالمية المتحكمة بقراراتها وفق أساليب وحدود معينة، وبالتالي فَـإنَّ إمْكَانية الوصول إلى المحاسبة والعدالة محكومة بتوجّـهات ورغبات هذه الدول المهيمنة على القرار الدولي وإجماع الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا.
والمعلوم للجميع أنَّ أمريكا وبريطانيا تمثلان الرأس المدبر والقائد المباشر صاحب القرار في شن العدوان على اليمن ويشتركان بصورٍ مباشرة وَغير مباشرة في ارتكاب جميع الجرائم بحق الشعب اليمني، والذي تكشف أكثر على مدى عامين كاملين من "طوفان الأقصى"، وهو ما يعني عدم إمْكَانية الوصول إلى تحقيق العدالة والانتصار لمظلومية الشعب اليمني عبر منظومة الأمم المتحدة وعبر مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية المسؤولة عن تحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين والانتصار للضحايا جراء الحروب وذلك في ظل هيمنة أمريكا وبريطانيا على قرارها والتي لا يمكن أن توافق على محاسبة نفسها.
وأشار مراقبون إلى أنَّ هناك طُرُقًا ووسائلَ أُخرى يمكنُ من خلالها التوجّـُه بدعاوى محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم ذات البُعد الدولي الإنساني التي تمثل جرائمَ حرب وكذا تقديم دعاوى التعويض المالي للضحايا وذلك عبر محاكم بعض الدول الأُورُوبية التي تنص تشريعاتها على اختصاصها بنظر بعض الجرائم وفق مبدأ الوَلاية القضائية العالمية في بعض الجرائم.
وَهذا الطريق رغم إمْكَانية سلوكه على المستوى النظري؛ فهو بالواقع لا يمكن أنَّ يتم الوصول من خلاله إلى تحقيق العدالة الكاملة؛ لأَنَّ معظم الدول التي تعمل محاكمها وفق مبدأ الولاية القضائية الدولية تتصادم مع مبدأ الحصانة الدولية الممنوحة لفئة معينة من مسؤولي الدول، وهؤلاء غالبًا بلا شك قد يكونون هم المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية أثناء الحروب، وحصانتهم الدولية هذه تمثل عائقًا أمام مبدأ الولاية القضائية الدولية لمحاكم قضاء بعض الدول.
في المحصلة؛ وتعد هذه المجزرة التي ارتكبها التحالف بسلاح وقرار أمريكي، بحسب منظمة "هيومن رايتس" التي أكدت أنَّ السلاح المستخدم أمريكي الصنع من نوع "Paveway ll GBU-12" بوزن 225 كيلوغرام موجهة بالليزر نوع "MK82" ، جريمة حرب متكاملة الأركان وفقًا للقانون الدولي الإنساني؛ وعلى الرغم من كُـلّ هذا، لا ينبغي علينا السكوتُ ونسيانُ ما حَـلَّ بنا من مآسٍ وآلام، وفي مقدمة ذلك جريمتا "سنبان والصالة الكبرى"، حتى لا تدخل الجريمتان عتمةَ النسيان!
المسيرة
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: تحقیق العدالة الشعب الیمنی
إقرأ أيضاً:
ترحيب فلسطيني بالإجماع الدولي على تنفيذ فتوى محكمة العدل الدولية بشأن "أونروا"
رحبت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لفحوى الفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية بشأن التزامات الاحتلال الإسرائيلي، القوة القائمة بالاحتلال، تجاه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والدول الأخرى في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، حيث دعمته 139 دولة وصوتت ضده 12 دولة وامتنعت 19 دولة عن التصويت.
وأكدت وزارة الخارجية وفق بيان صدر عنها، مساء اليوم الجمعة وأذاعته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) ، أن القرار يعلي من جديد مكانة القانون الدولي ومرجعية النظام متعدد الأطراف في مواجهة السياسات غير القانونية التي تُقوّض الأمن والسلم الدوليين وتنتهك الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني.
وشددت على أن التصويت الجامع على هذا القرار هو الرد الدولي الصحيح على ما قامت وتقوم به إسرائيل ضد "أونروا"، والمنظمات الأممية العاملة في فلسطين المحتلة، وتصرفها العدواني الأخير برفع علم الاحتلال مكان العلم الأمم المتحدة في انتهاك للقانون الدولي واتفاقية الحصانات للأمم المتحدة، وللفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية.
وأشارت إلى أن هذا القرار يشكل محطة مهمة لتعزيز دور الأمم المتحدة في حماية الشعب الفلسطيني، وضمان احترام التزامات القوة القائمة بالاحتلال، ولا سيّما ما يتعلق بفتح الممرات الإنسانية، وتأمين الحاجات الأساسية، ووقف جميع الإجراءات التي تعيق عمل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في الأرض الفلسطينية المحتلة، خصوصا في قطاع غزة، ووقف المجاعة.
وقالت: إن دولة فلسطين تشكر الدول التي دعمت هذا القرار باعتبار أن الأهمية الحقيقية لهذا القرار تكمن في تنفيذه الفوري والكامل، وفي تحمل المجتمع الدولي مسئولياته القانونية والأخلاقية.
ودعت الخارجية الفلسطينية، جميع الدول الأعضاء، والمنظمات الإقليمية والدولية، إلى دعم الجهود الرامية لتنفيذ القرار، واتخاذ ما يلزم من إجراءات سياسية وقانونية لضمان المساءلة ومنع الإفلات من العقاب، وتعزيز دور "أونروا" والأمم المتحدة في حماية الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق السلام العادل والدائم القائم على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.