في تجربةٍ روائية أولى لا تقل جرأة عن فيلمه التسجيلي «أمل»، يقدّم المخرج محمد صيام فيلمه الأحدث «كولونيا» (My Father’s Scent)، ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان الجونة السينمائي في دورته الثامنة، كمحاولة غير تقليدية لاختبار حدود العلاقة بين الأب والابن، لنكتشف معهما خبايا الحاضر المثقل بالخذلان، والماضي الذي لم يكتمل.

ليلة واحدة تدور فيها الأحداث كانت كفيلة بأن تضعنا داخل مساحة خانقة من المشاعر، حيث تتكشف الخلافات بينهما، وتعود الذكريات، ونختبر معهما إمكانات المصالحة وفرصها بعد زمنٍ من الغياب والجفاء.

ينافس الفيلم أكثر من عشرة أفلام ضمن المسابقة الروائية الرسمية، التي تضم أعمالًا أولى مثل فيلم «وين ياخدنا الريح» للمخرجة آمال القلاتي، وأخرى لمخرجين أكثر خبرة وتجربة، من بينهم جيم جارموش بفيلمه «أب، أم، أخت، أخ»، الذي حصد الأسد الذهبي من مهرجان فينيسيا قبل أسابيع، ليُعرض في «الجونة» بحضور النجمة كيت بلانشيت، وهو ما يجعل طريق الفيلم المصري نحو الجوائز ليس بالأمر الهيّن.

يجمع «كولونيا» بين الموهوب أحمد مالك والممثل الفلسطيني كامل الباشا، بمشاركة مميزة من مايان السيد. ولا يكتفي الفيلم بسرد قصة عائلية متوترة، بل يسعى إلى تفكيك مفهوم الأبوة نفسه، ويدخلنا – في صورة مضطربة لا تقلّ تعقيدًا عن علاقة الابن بوالده المريض – إلى معاني الوفاء والإخلاص والتضحية، وكيف يمكن للابن أن يرى في والده ظلّ إنسان لم يعد قادرًا على الحضور.


الحيلة الزمنية في سرد الأحداث خلال يومٍ واحد تُضفي على دراما الفيلم قدرًا من التوتر والانغلاق، وتكرّس الإحساس بالاختناق البصري والدرامي، من خلال كادراتٍ ضيقة خشنة، ومكانٍ متهالكٍ يوحي بالعطب والإنهاك، لتوليد مزيد من التوتر في مساحةٍ مظلمة تتقاطع فيها الذاكرة بالذنب، والمواجهة بالصمت، والحنين بالجفاء.

هنا أب غاضب أثقلته الخسارات، يعشق الصمت والسكون، ممثلٌ كبير لا تنقذه لكنته المصرية المرتبكة أحيانًا، لكنه يحمل اضطرابًا صارخ الوضوح، وإجاباتٍ غير مكتملة لم ينجح الفيلم في تفسيرها أمام تمرد نجله وتساؤلاته، في أجواءٍ يبالغ فيها الإيقاع العام في التمهّل، ويختزل بعض مللها المونتير أحمد حافظ بمهارة.

إنها لغة محمد صيام السينمائية وبصمته الخاصة التي اختار أن يروي من خلالها حكايته، لينطلق بالعرض العربي الأول للفيلم من «الجونة» بمزيدٍ من الاختناق البصري والشكلي المتماشي مع اختناق أبطاله. ورغم فقر تصميم الإنتاج، فإن الفيلم يقدّم تجربة فنية مختلفة، قد لا تجعله منافسًا قويًا في شباك التذاكر، لكنها ربما تجد دعمًا في وجود منتجه المخضرم محمد حفظي.

إنه صراع لا يمكن اختزاله في إطارٍ عائلي ضيق، بقدر ما هو غياب للفهم بين جيلين، وتباين في أنماط التفكير والانحيازات الفكرية، لكلٍّ منهما عالمه الخاص وتصوراته عن الآخر. ومع قرار خوض المصارحة والمصالحة، يدخل كلٌّ منهما رحلة بحث عن الذات، متجاوزًا ما يظنه تشوهات الطرف الآخر.
 

طباعة شارك فيلم كولونيا أحمد مالك مهرجان الجونة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: فيلم كولونيا أحمد مالك مهرجان الجونة

إقرأ أيضاً:

إسحق أحمد فضل الله يكتب: (كوشة تحت أضلعي)

عبد العزيز…..
لعله ماتيس وماتيس رسام. تشتهر له. لوحة (الصرخة) والصرخة لوحة فيها وجه امرأة …امرأة تفتح فمها بصرخة ….صرخة تكاد من حدتها ان تمزق قماش اللوحة
واللوحة تخلد وتشتهر لأن كل أحد يريد أن يصرخ الصرخة هذه…
فى اليابان رجل يفزعه الغرق بين مليار شخص وكل منهم هو نسخة من كل شخص. والرجل يقرر ان يتميز بشىء. والرجل يظل يحمل فى جيبه قنبلة. ويشعر بانه ينفرد بشىء. الى يلفته الزحام يوما فى طرف الشارع وهناك يجد رجلا ممزقا….انفجرت قنبلة كان يحملها فى جيبه.
ولوحة فيها صف محشور من الناس. ويغطيهم غطاء بلاستيكى. وكلهم بائس يائس تعس. وفى اللوحة رجل ينفلت من الصف بقوة باصرار بحزم لكن الغلاف البلاستيكى يمنعه
اللوحة تشتهر لان كل احد يرى فيها وجوده وحكايته
ورواية سارتر. الاخرون هم الجحيم تشتهر لانها تصف ما يجده كل احد من كل احد.
والرياضة والمنافسات التى تبلغ من القسوة ما لا يمكن تصوره…
وفى العالم هذا جاءت بذور الحنظل الذى يتمدد فى حياتنا الان
وجاء( الغاء) كل ما صحب الانسان فى تاريخه كله( العيب….الحرام…الخجل….المجاملات للاخرين)
جاء علم النفس….وعلم النفس كل ما فيه هو انه يقول لك….لا تمتنع عن شىء. افعل كل ما توسوس به نفسك….انت مريض ان منعت نفسك عن. شىء
ما هى صفات السياسة الان
…….
قال. ولكنا فى السودان لا نفعل
ومن يجيبه يقول لانك فى السودان حيث هناك امك وخالتك وخالك. و…
قال الاول وكانه يشهد لقول الثانى ان هيكل يقول
قال لى عبد الناصر. هل تؤمن بوجود بعث بعد الموت؟
قال…الثقافة الغربية بعد ان ابنعدت الاله. واجهت مشكلة حقيقة الموت
قال
لهذا. ابتكروا….دقيقة الوقوف حدادا. وابتكروا. الذكرى السنوية. والخطب. والسير الذاتية
نقول هذا يا عبد العزيز. لان من يدير حياتنا الان هو العالم الكافر
ولاننا لا نستطيع مقاومة عدو. الا بعد معرفته

إسحق أحمد فضل الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/07 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة أطفال كلوقي: ضمير الانسانية الغائب ودموع النشطاء الزيف2025/12/07 لماذا إهدار دم إبن عمك واخوك من أجل عيال دقلو !2025/12/07 الكوزنة والإرهاب بالتصنيف2025/12/07 رئيس الوزراء والكفاءة وضريبة الدخل2025/12/07 مزايدات كتاب الجنجويد البائسة2025/12/07 وئام شوقي تشرح خبث اللغة وافتقارها إلى البراءة2025/12/07شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات لماذا الهجوم على قوات درع السودان ؟ 2025/12/07

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • طرح البوستر الرسمي لفيلم كولونيا بطولة أحمد مالك
  • إجمالي إيرادات فيلم فيها إيه يعني أمس
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (كوشة تحت أضلعي)
  • تعلن محكمة زبيد أن الأخ نبيل محمد الأنباري تقدم بدعوى انحصار وراثة
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس…)
  • كم جمع فيلم قصر الباشا في آخر ليلة؟
  • فيلم السادة الأفاضل يشهد ارتفاعًا في مستوى إيراداته بآخر ليلة
  • حصريًا.. عرض فيلم "فيها إيه يعني" على يانجو بلاي الخميس المقبل
  • عرض فيلم كولونيا بطولة أحمد مالك وكامل الباشا فى مهرجان البحر الأحمر السينمائي.. الليلة
  • آخر إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" في شباك التذاكر