تبدو موازين الحرب التجارية بين واشنطن وبكين أكثر ميلا نحو الصين، وفق ما أكدت مجلة إيكونوميست التي اعتبرت أن بكين "تعلمت التصعيد والرد بالمثل بفاعلية تضاهي أميركا"، بل إنها "تختبر نظاما جديدا من القواعد التجارية العابرة للحدود، يغيّر مسار الاقتصاد العالمي".

وتأتي هذه التطورات بينما يستعد الرئيسان دونالد ترامب وشي جين بينغ للقاء محتمل في كوريا الجنوبية نهاية الأسبوع الجاري، وسط توتر غير مسبوق بين أكبر اقتصادين في العالم، إذ كثّفت واشنطن قيودها على تصدير التكنولوجيا وهددت برفع الرسوم، في حين ردّت الصين بفرض قيود على معادن الأرض النادرة الحيوية لصناعة التكنولوجيا.

تفوّق تكتيكي صيني

وأشارت إيكونوميست إلى أن الصين تمكنت، بعد 6 أشهر من التصعيد، من التنفس اقتصاديا أكثر من أميركا، لثلاثة أسباب هي:

القدرة على على امتصاص الضغط الأميركي ومهارتها في الرد

فبعد فرض إدارة ترامب ما سُمّي "رسوم يوم التحرير" في أبريل/نيسان الماضي، تراجع البيت الأبيض عنها عقب هبوط وول ستريت، كما تراجع ترامب عن تهديده بفرض رسوم 100% على الواردات الصينية بعد قيود بكين على معادن نادرة.

وترى المجلة أن هذه التراجعات أثبتت ما يسميه بعض منتقدي ترامب "تَردّده المزمن"، مشيرة إلى أن الإجراءات القصوى ضد الصين تضر بالاقتصاد الأميركي ذاته.

وأضافت أن من يروّجون لفكرة أن الصين "في أزمة" يتجاهلون حقيقة أن سوقها المالي ارتفع هذا العام بنسبة 34% بالدولار الأميركي، أي ضعف ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأميركي.

وتقول إيكونوميست إن بكين طوّرت خلال المواجهة الحالية نموذجا جديدا للعلاقات التجارية يقوم على "الهيمنة التصعيدية"، أي امتلاك القدرة على الردع المتبادل دون الانهيار.

فقد ردّت على فرض رسوم على سفن الحاويات الصينية برسوم مماثلة على الموانئ الأميركية، ولوّحت بتحقيقات احتكارية ضد شركات مثل "غوغل" و"كوالكوم" و"إنفيديا". كما امتنعت عن شراء فول الصويا الأميركي الذي بلغت صادراته للصين 12 مليار دولار في العام الماضي، مما أضرّ بقاعدة ترامب الانتخابية الزراعية.

إعلان  تنويع أسواقها وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة

وتضيف المجلة أن بكين باتت تستخدم موقعها في سلاسل التوريد العالمية لتجعل نفسها "لا غنى عنها"، بينما تعمل على تقليل اعتمادها على المكونات الأجنبية، وقد ارتفعت صادراتها الإجمالية بأكثر من 8% حتى سبتمبر/أيلول، رغم انخفاض الصادرات إلى أميركا بنسبة 27%.

التسلّح بسياسات تجارية صناعية واستغلال أدوات غير تقليدية

الصين استخدمت أدوات مثل قيود تصدير المعادن النادرة وصادرات التكنولوجيا، وهي أدوات تضغط على الجانب الأميركي وتحدث تغيّراً في قواعد اللعبة.

بكين واجهت العقوبات بفرض قيود على معادن نادرة تشكل أساس الصناعة التكنولوجية الحديثة (رويترز)تحول إستراتيجي وتعزيز للقيادة

وبحسب إيكونوميست، فإن الحرب التجارية لم تضعف الحزب الشيوعي الصيني بل قوّته، إذ منحت الرئيس شي جين بينغ مبررا لتعزيز توجهه القومي الصناعي.

وتقول المجلة إن "تنمّر ترامب" على الصين جعل كثيرين داخلها يرون أن مشروع شي لبناء "قوة صناعية تكنولوجية" كان استباقا ذكيا لعالم معادٍ. ويُتوقع أن يكرّس الاجتماع القيادي للحزب هذا الأسبوع خطة خمسية جديدة تعمّق التوجه الصناعي التقني للدولة.

وتحذّر إيكونوميست من أن انتصار الصين في هذه الحرب لا يعني أن أحدا يربح فعلا، إذ إن "تسليح" القوة الاقتصادية من الجانبين يهدد النظام التجاري العالمي بأكمله. وتختم بالقول إن "الصين قد تكون كسبت معركة ترامب، لكن انسحاب القوتين من مبدأ التجارة الحرة يجعل الجميع خاسرين في نهاية المطاف".

 

 

 

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

بعد الجدل حول إعلان ريغان.. ترامب يصعّد الحرب التجارية مع كندا ويرفع الرسوم 10%

من المقرر أن يحضر ترامب وكارني حفل عشاء على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "أبيك" في كوريا الجنوبية الأربعاء.

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، السبت، عزمه رفع الرسوم الجمركية على السلع الكندية بنسبة 10% إضافية، في تصعيد جديد للتوتر التجاري بين البلدين على خلفية إعلان كندي مناهض للرسوم استخدم تصريحات قديمة للرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان.

ويأتي القرار بعد يومين فقط من إعلان ترامب إنهاء جميع المحادثات التجارية مع كندا، واتهامه حكومة مقاطعة أونتاريو بشن حملة "زائفة".

وكتب الرئيس الأميركي على منصته "تروث سوشال" أثناء توجهه إلى ماليزيا للمشاركة في قمة قادة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان): "كان يجب سحب إعلانهم على الفور، لكنهم سمحوا بعرضه الليلة الماضية خلال بطولة وورلد سيريز للبيسبول، رغم علمهم أنه زائف".

وأضاف ترامب: "بسبب تحريفهم الخطير للحقائق وتصرفهم العدائي، سأرفع الرسوم الجمركية على كندا بنسبة 10% إضافية فوق ما يدفعونه الآن".

الإعلان الكندي، الذي أنتجته حكومة مقاطعة أونتاريو، تضمن اقتباسات من خطاب إذاعي ألقاه ريغان عام 1987 حذّر فيه من تداعيات الرسوم الجمركية المرتفعة على الاقتصاد الأميركي. وأبرز الإعلان قول ريغان: "الرسوم الجمركية المرتفعة تؤدي حتماً إلى ردود فعل انتقامية من الدول الأجنبية وإشعال حروب تجارية شرسة".

Related ترامب يفرض عقوبات على رئيس كولومبيا ومقربين منه وبيترو يردّ: "يريد نفط فنزويلا وغويانا""فخور بمنحكم هذه الفرصة".. ترامب يتراجع عن نشر قوات فدرالية في سان فرانسيسكومنشور قديم على مواقع التواصل وموقف من إسرائيل يشعلان استجوابًا حادًا لمرشح ترامب سفيرًا لدى الكويت

في المقابل، اتهمت "مؤسسة ريغان" في منشور على منصة "إكس" الحكومة الكندية باستخدام مقاطع صوتية ومرئية للرئيس الراحل "بشكل انتقائي"، مشيرة إلى أنها "تراجع خياراتها القانونية" بشأن الإعلان. وردت حكومة أونتاريو بأنها ستسحب الإعلان الاثنين لتمهيد الطريق أمام استئناف المفاوضات.

من جانبه، قال رئيس الوزراء الكندي مارك كارني في خطاب الأربعاء إن "الولايات المتحدة رفعت رسومها الجمركية إلى مستويات لوحظت آخر مرة خلال فترة الكساد الكبير"، محذراً من تداعيات اقتصادية أوسع على الصناعات الكندية.

ومن المقرر أن يحضر ترامب وكارني حفل عشاء على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في كوريا الجنوبية الأربعاء المقبل، إلا أن ترامب أكد أنه لا يعتزم عقد لقاء ثنائي مع نظيره الكندي.

وعلى الرغم من أن نحو 85% من السلع بين الولايات المتحدة وكندا معفاة من الرسوم الجمركية بموجب اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، فإن الرسوم التي فرضتها إدارة ترامب على قطاعات مثل الصلب والألمنيوم والسيارات كانت لها آثار سلبية على الشركات الكندية وأدت إلى خسارة آلاف الوظائف.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • بعد الجدل حول إعلان ريغان.. ترامب يصعّد الحرب التجارية مع كندا ويرفع الرسوم 10%
  • الممثل التجاري الأميركي: المحادثات مع الصين مهدت للقاء بين ترامب وشي
  • الخزانة الأمريكية تعلن اختتام الجولة الثانية من المحادثات التجارية مع الصين في كوالالمبور
  • دوافع خفية وراء التصعيد الأميركي في فنزويلا.. مع علاقة بكين؟
  • مسؤول بالخزانة الأميركية: المحادثات التجارية مع الصين بناءة
  • آخر تطورات الحرب التجارية بين أمريكا والصين
  • وزير التجارة الصيني: بكين وواشنطن قادرتان على تسوية الخلافات التجارية
  • الصين: بإمكان بكين وواشنطن إيجاد سبل لتسوية خلافاتهما التجارية
  • إعلان ريغان يفجّر غضب ترامب.. الرئيس الأميركي يعلن إنهاء المفاوضات التجارية مع كندا