الدقم.. المدينة التي تُصنع لتُعاش
تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT
سهام بنت أحمد الحارثية
harthisa@icloud.com
تشهد الدقم اليوم لحظة فارقة في مسيرة تطورها؛ إذ لم تعد تُرى كمنطقة اقتصادية فحسب؛ بل كمفهوم متكامل يجسّد مستقبل المدن في سلطنة عُمان، فمن خلال الرؤية الطموحة التي تقودها الحكومة، والدعم المتواصل من مؤسسات الاستثمار الوطنية والخاصة، تتحول الدقم تدريجيًا إلى مدينة متكاملة للحياة والعمل والاستدامة؛ حيث تلتقي الصناعة بالطبيعة، والاقتصاد بالابتكار، والإنسان بالفرص.
ما تحقق في البنية الأساسية خلال السنوات الماضية من الميناء والمصفاة والمطار والمنطقة الصناعية يمهّد اليوم لمرحلة أكثر عمقًا تتعلق بالإنسان نفسه. الدقم لم تعد وجهة للصناعات الثقيلة فقط؛ بل أصبحت محورًا للتنمية المتوازنة التي تجمع بين المعيشة الذكية، والسياحة المتكاملة، والاقتصاد الأخضر، وهو ما يجعلها نموذجًا وطنيًا لتطبيق رؤية "عُمان 2040" على أرض الواقع، خصوصًا في ربط التنمية الاقتصادية بجودة الحياة.
ويأتي تركيز "منتدى الدقم الاقتصادي 2025" في نسخته الثانية، على محور السياحة المتكاملة وتطوير أنماط الحياة؛ ليؤكد أن المدينة تتجه نحو صناعة التجربة السياحية الشاملة، وليس مجرد إنشاء المنشآت؛ فالدقم تمتلك مقومات فريدة من نوعها: سواحل خلابة تمتد على عشرات الكيلومترات، طبيعة بحرية نادرة، ومناخ معتدل، وهي عناصر يمكن أن تجعل منها وجهة عالمية للسياحة البيئية والبحرية والعلاجية وسياحة الأعمال.
لكن ما تحتاجه المرحلة المقبلة هو بناء منظومة متكاملة من المشاريع العقارية والسياحية التي تخلق مجتمعات نابضة بالحياة، يعيش فيها السكان والزوار في انسجام مع البيئة المحلية والثقافة العُمانية الأصيلة.
وبصفتي مطوّرة عقارية، أرى أن مستقبل الدقم الحقيقي يكمن في تحويلها إلى مدينة تُصمَّم لتُعاش لا لتُزار فقط.
المشروعات القادمة يجب أن تتجاوز مفهوم المباني إلى خلق أنماط حياة جديدة تتسم بالحداثة والراحة والاستدامة فتطوير الواجهات البحرية، والمناطق الترفيهية، والمجتمعات الصديقة للمشاة، والمنتجعات البيئية، سيجعل من الدقم مدينة متكاملة تجذب المقيمين والمستثمرين والزوار في آنٍ واحد.
وتُعد مشاريع الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر من أهم التحولات التي ستعيد رسم ملامح الدقم خلال العقد المقبل؛ فوجود مشروعات كبرى في هذا المجال يعزز من مكانة الدقم كمنصة إقليمية للابتكار البيئي والصناعات المستدامة، ويجعلها متوافقة مع توجهات الاقتصاد العالمي نحو الحياد الكربوني. وهذا يفتح أمام المستثمرين والمطورين فرصًا جديدة لتصميم مشاريع سياحية وصناعية تتكامل مع منظومة الطاقة النظيفة وتُجسّد مفهوم "المدينة الخضراء".
إنَّ مستقبل الدقم لن يُقاس بعدد المصانع أو الموانئ فقط؛ بل بقدرتها على تحقيق توازن بين الاستثمار وجودة الحياة. ومع تنامي الاهتمام العالمي بالمدن الذكية والمستدامة، أرى أن الدقم تملك كل المقومات لتكون أول مدينة عمانية تعكس هذا المفهوم بشكل عملي مدينة تجذب الاستثمار لا بحجمها فقط، بل بقيمتها، وبقدرتها على أن تكون بيئة حقيقية للحياة والإبداع.
وفي العقد المقبل، ستتحول الدقم- إن شاء الله- من مشروع تنموي إلى رمزٍ لعُمان الحديثة؛ مدينة توازن بين الإنسان والمستقبل، بين البحر والصحراء، وبين الطموح والواقعية.
إنها ليست وجهة اقتصادية فحسب؛ بل حلم وطني يُبنى بخطى ثابتة نحو الغد.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
منتدى الدقم الاقتصادي يرسخ مكانة الدقم في التوسع الحضري والتصنيع المتقدم والسياحة المستدامة
اختتمت اليوم أعمال منتدى الدقم الاقتصادي 2025 الذي نظمته الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، تحت شعار " الدقم تقود التغيير" وتناول المنتدى في يومه الثاني خمس جلسات ناقشت عدد من الموضوعات منها: فن المرونة، والتصنيع في عالم سريع التغير في عالم الأعمال، وتنمية البنية الاساسية الحضرية في الدقم، والتقنيات الذكية، وترسيخ مكانة الدقم كمدينة رائدة في التوسع الحضري، وتمكين المجتمعات من خلال التنمية السياحية.
وأكدت جلسات اليوم الثاني أن المنتدى جاء ليرسخ الدور الريادي لسلطنة عُمان في مجالات الطاقة المتجددة، والتصنيع المتقدم، والسياحة المستدامة، وتطوير المدن الذكية، بما يتماشى مع " رؤية عمان 2040".
وفي الكلمة الختامية، أكد المهندس أحمد بن على عكعاك، الرئيس التنفيذي للمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم أن المنتدى شكّل منصة مهمة لاستعراض التطور السريع والإمكانات المتنوعة التي تتميز بها الدقم كمدينة واعدة تجمع بين الصناعة والسياحة والخدمات والابتكار، مشيرًا إلى أن حجم الاستثمارات التراكمية البالغ 16.4 مليار ريال عُماني يعكس الثقة الكبيرة التي يوليها المستثمرون العالميون للدقم كوجهة ذات قيمة عالية للنمو المستدام والفرص الواعدة.
وأضاف أن الهيئة تعمل لتكون الدقم رافدًا لتحقيق استراتيجيات التنمية المستدامة مؤكدًا أن الحوار البنّاء الذي شهدته جلسات المنتدى اسهمت بإبرازعلى الإمكانات الكبيرة والمزايا التنافسية التي تتمتع بها المنطقة.
مؤكدًا أن الحوارات والاتفاقيات التي شهدها الحدث تمثل خطوة جديدة نحو تعزيز بيئة الاستثمار وتحفيز الشراكات الاستراتيجية في مختلف القطاعات.
خمس جلسات
واستهلت جلسات اليوم الثاني، بجلسة حول فن المرونة - التصنيع في عالم سريع التغيرفي عالم الأعمال، واستعرض المتحدثون خلالها كيف تتصدر منشآت التصنيع في الدقم مشهد "فن المرونة"، من خلال تقليص زمن الوصول إلى السوق بنسبة تصل إلى 50%، وزيادة رضا العملاء بنسبة 30%.
وناقش الخبراء كيف يسهم الذكاء الاصطناعي وتقنيات إنترنت الأشياء وتحليلات البيانات في خلق بيئات تصنيع لا تكتفي بالتفاعل، بل تتنبأ. كما استعرضوا العلاقة المتغيرة بين الأتمتة والخبرة البشرية، وكيف يمكن لثقافة الابتكار أن تُحوّل التقلبات إلى قوة تنافسية..
وعلى الجانب اللوجستي، استعرض المتحدثون كيف يُسهم موقع الدقم، وكفاءة الإجراءات الجمركية، والبنية الاساسية في بناء سلاسل توريد مرنة ومتكاملة إقليميًا. كما ناقشوا كيف تُسرّع الشركات العُمانية من دورات تطوير المنتجات لتقديم حلول أكثر دقة واستجابة.
فيما ناقشت الجلسة الثانية: "التطوير من الصفر والتفكير الإبداعي - تصميم البنية الاساسية الحضرية في الدقم"، وتناولت كيف يُشكّل التفكير الريادي ملامح البنية الاساسية في الدقم - من الأصول الصلبة مثل النقل والطاقة واللوجستيات، إلى البنية الاساسية التي تُعزز المجتمعات، والمرونة والاستدامة.
وجاءت الجلسة الثالثة بعنوان: "التقنيات الذكية: ترسيخ مكانة الدقم كمدينة رائدة في التوسع الحضري وجاهزيتها للمستقبل"، وتناولت هذه الجلسة كيف يمكن للدقم أن تقود المنطقة في مجال التحضر المستقبلي، من خلال تبني الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبنية الاساسية الذكية.
وأكد المتحدثون بالجلسة أن الدقم تتمتع بموقع فريد يمكّنها من وضع معايير جديدة للحياة الحضرية الذكية، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، وتحسين جودة الحياة، بما يتماشى مع طموحات الاستدامة ، كما استعرضت هذه الجلسة نماذج عالمية ملهمة، حيث تنشر المدن شبكات طاقة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وأنظمة تنقل ذكية، وتصاميم حضرية متجاوبة مع المناخ، بهدف تقليل الانبعاثات، وتعزيز قابلية العيش.
فيما جاءت الجلسة الرابعة تحت عنوان: "استقطاب المواهب: العيش والعمل والترفيه"، وناقش المتحدثون في هذه الجلسة: كيف يمكن للمدن أن تتحول إلى بيئات جاذبة للمواهب - أماكن يختار فيها المهنيون ورواد الأعمال، العمانيون والدوليون، أن يبنوا حياتهم. وما الذي يجعل المدينة وجهة للإقامة، لا مجرد محطة للعمل؟ وكيف يمكن للدقم أن تلهم الناس للبقاء، والانتماء، والازدهار؟
وأشار المشاركون إلى أن الدقم تبرز كمركز اقتصادي ديناميكي، وأن نجاحها لا يعتمد فقط على البنية الاساسية والاستثمار، بل على قدرتها على استقطاب ألمع العقول، وإقناعهم بالقدوم من أجل الفرص، والبقاء من أجل نمط الحياة، وبناء مستقبلهم المهني والعائلي في قلب المدينة..
ثم جاءت الجلسة الخامسة والأخيرة لليوم الثاني تحت عنوان: "تمكين المجتمعات من خلال التنمية السياحية"، وأوضحت كيف تشكل الدقم هويتها السياحية الخاصة، وكيف يمكنها تسخير تراث مجتمعاتها العريقة لجذب المسافرين المحليين والإقليميين والدوليين؟ وكيف تضمن أن تبقى التنمية السياحية أصيلة، مستدامة، وشاملة؟ وأشار الخبراء إلى أنه مما يميز سلطنة عمان سياحيا تاريخها العريق النابض، وثقافتها الأصيلة، وتقاليدها الغنية.
وشهدت جلسات المنتدى على مدى اليومين تفاعلا كبيرا من الحضور سواء من حيث طرح الأسئلة وطرح العديد من النقاط المختلفة، بالاضافة إلى طرح بعض الأفكار، مما أثرى النقاش .
الجدير بالذكر بأن المنتدى شكل أحد أبرز الفعاليات الاقتصادية والتي تعنى بتسليط الضوء على الخطط الإستراتيجية الحالية للمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، والمساهمة والتخطيط في رسم مستقبل المنطقة على المديين (القريب والبعيد). وقد جاء المنتدى ليُرسّخ مكانة الدقم كواحدة من أبرز الوجهات العالمية للاستثمار المستدام والابتكار والسياحة وتطوير أنماط الحياة.