لماذا تعيش النساء أطول من الرجال؟ .. علماء ألمان يكشفون السر
تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT
في بحث علمي حديث نُشِر في مجلة Science Advances، كشف فريق من العلماء الألمان عن أدلة تشير إلى أن الفوارق في متوسط العمر بين الجنسين ليست مجرد صدفة، بل هي نتاج تفاعل بين العوامل الوراثية، واستراتيجيات التزاوج، والبيئة التطورية.
تشير الدراسة إلى أن في غالبية فصائل الثدييات، تعيش الإناث مدة أطول من الذكور.
الباحثون اعتمدوا على قاعدة بيانات تضم سجلات بيطرية وأنظمة معلومات الحيوان في الحدائق (في الأسر)، ما مكنهم من مقارنة الفروقات في متوسط الحياة بين الجنسين عبر مئات الأنواع.
أحد التفسيرات التي يطرحها البحث هو ما يُعرف بـ “فرضية الجنس غير المتماثل” (heterogametic sex). في الثدييات، تمتلك الإناث زوجين من كروموسوم X، في حين يملك الذكور كروموسوم X وكروموسوم Y، ما يجعلهم عرضة أكثر للطفرات الضارة التي قد تُعبّر إذا لم يكن هناك نسختان متماثلتان. ولكن الدراسة تشير إلى أن هذا العامل لا يفسر كل الفوارق، خاصة في بعض الفصائل التي تنحرف عن النمط العام.
إلى جانب التأثير الوراثي، يلعب التنافس على التزاوج (الانتقاء الجنسي) دورًا مهمًا في الفجوة بين الجنسين. ففي كثير من الثدييات التي تتبع أنماطًا تزاوجية تنافسية، يتحمّل الذكور تكلفة أكبر في تطوير صفات تستقطب الإناث (مثل الحجم أو الأسلحة الدفاعية)، مما قد يقصر عمرهم.
كما أن دور الأبوة والأمومة قد يؤثر، إذ إن الإناث في كثيرٍ من الأنواع تستثمر في تربية النسل، وهو قد يكون مرتبطًا انتخابيًا بعدد من الضغوط التطورية التي تعزز بقاء الإناث لفترات أطول.
في الأسر مقابل البريةمن المثير أن الفارق في الأعمار لم يختفِ حتى في البيئات المحمية كحدائق الحيوان، حيث تنخفض عوامل الإجهاد والتهديد الخارجي. بيد أن الفارق غالبًا ما يكون أقل وضوحًا من تلك الموجودة في الحياة البرية.
هذا يُشير إلى أن العوامل الوراثية والاختيار الجنسي تُمثّل قاعدة ثابتة للفرق في العمر، فيما تُعد البيئة مضيفة لتقوية الفوارق أو تضعفها.
وبحسب العلماء، يُظهر هذا البحث أن الفرق في متوسط العمر بين النساء والرجال ليس مبتورًا من العوامل الاجتماعية أو السلوكيات فحسب، بل أن جذوره تمتد في تاريخ التطور وعملية الانتقاء الطبيعية. وقد لا تختفي هذه الفوارق حتى مع تقدم الطب وتحسّن ظروف المعيشة، لأنها موزعة في أعماق بنية الحياة البيولوجية لبعض الكائنات، بما في ذلك البشر.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دراسة جديدة لماذا تعيش النساء أطول من الرجال علماء ألمان إلى أن
إقرأ أيضاً:
فخ العُمر والخبرة
سعيد المالكي
بينما يقف الكثير من شباب البلد، ذكورًا وإناثًا، على قارعة طريق البحث عن عمل، منتظرين بصيص نور في نفقٍ لا يعرفون نهايته، يتذكّر جيلُنا مشاهد كانت تبدو عادية تمامًا: نتخرَّج، نبتسم، نحتفل، ثم نحمل شهاداتنا إلى وظيفة كريمة تنتظرنا وكأننا أبناءها الضالّون الذين عادوا.
كانت شهادة التخرج بالنسبة لمعظمنا بطاقة عبور، أما اليوم فقد أصبحت لدى البعض مجرد شهادة ربما توضع في أحد أدراج المنزل أو لإرفاقها في موقع إلكتروني للحصول على العبارة الشهيرة: سنوافيكم بالرد في حال توافرت شواغر مناسبة!
وللإنصاف، فالحكومة تبذل ما بوسعها لاحتواء أعداد الخريجين الجدد وتوفير مسارات توظيف في مختلف مؤسسات القطاع الحكومي العام دون تعجيز أو اشتراط خبرات مسبقة. إلّا أن الكثير من شركات القطاع الخاص إذا لم تكن جميعها، تبتكر من الشروط التعجيزية ما لا يعرفها علم الرياضيات.
تبدأ الحكاية بإعلان توظيف جذّاب مكتوب بخطّ عريض وبألوان براقة: فرص عمل للشباب! فيفرح الشاب أو الشابة، ويتفاءل، وربما يشعر بأن الحياة ما زالت تُخبّئ شيئًا طيبًا، إلى أن يصل إلى الشرط الذي يقول: خبرة ثلاث سنوات على الأقل.
هنا يُصبح الإعلان أشبه بمقلب اجتماعي مقصود: أنت خريج جديد، لكنك مطالب بخبرة لا يمتلكها سوى من سبقك بثلاث سنوات. ومع ذلك، قد يستطيع بعض الشباب التحايل على هذا الفخ: عمل مؤقت هنا، انسحاب هناك، تنقل من مكتب إلى آخر، أو ببساطة تفعيل زِر الواسطة!
وأحيانًا يتطور المقلب ويُؤجَّل إلى حين يتقدم الشاب أو الشابة للوظيفة المعلن عنها، ويتم قبوله لدخول الاختبار الخاص بها وينجح فيه، حتى تأتيه الصفعة والمفاجأة: أنت ناجح، لكن للأسف عمرك راسب!
وهذا هو ما يسمى بالفخ الأكبر؛ ذلك الشرط الأسطوري الذي أصبح الصخرة التي تتحطم عليها أحلام آلاف الباحثين عن عمل: "ألّا يتجاوز عمر المتقدم 25 عامًا".
يا إلهي! وكأن عمر المرء هو الدليل الوحيد على كفاءته. أو كأن الشباب يمتلكون خاصية تسريع الزمن دون علم البشرية، أو ربما -من باب الدعابة السوداء- أنهم يتعمّدون رفض فرص العمل الكثيرة جدًا- التي لا نراها- فقط كي يتخطّوا شرط العمر ويلقون اللوم على الشركات بعد ذلك!
كيف يمكن مراوغة هذا الفخ؟ هل بتزوير العمر؟ مستحيل، فذلك يعني تزوير شهادة الميلاد، وربما شهادة تطعيم الطفولة معها. هل باختراع جهاز يوقف العمر أثناء انتظار الوظيفة؟ أو لقاحٍ جديد لتثبيت العمر مخصّص للباحثين عن عمل؟ أم هل المطلوب أن يعود الباحث عن عمل إلى رحم أمّه لإعادة حساب السنوات من جديد؟
هل تناسى من يتفنن الآن في وضع العراقيل أنه مرّ بمرحلة الشباب والبحث عن عمل؟ أم أنه وُلِد خبيرًا؟ وما ذنب من قضى نصف عمره محاولًا وطارقًا كل الأبواب، ثم تأتيه الصفعة: تجاوزتَ السِنَّ المطلوب!؟ وكيف سيكسب الشباب خبرة الثلاث سنوات وهم أصلًا غير مقبولين بدونها؟
باختصار.. يريدون موظفًا عمره 23 عامًا ولديه 10 سنوات من الخبرة بعد التخرج. وإن لم تتوفر هذه الخلطة السحرية، فأنت، ببساطة، خارج المنافسة. معادلة خيالية، ويطلبون منا أن نتعامل معها كحقيقة.
ولأننا لا نملك رفاهية الانتظار حتى تخترع البشرية جهازًا يعيد العمر إلى الخلف أو يضاعف الخبرة بلا عمل، يبقى الحل الحقيقي بيد الشركات نفسها: أن تعيد النظر في شروطها، وأن تدرك أن الوطن لا يُبنى بالموظف الخارِق الذي لا وجود له، بل بشبابٍ تُمنح لهم الفرص ليصبحوا خبراء الغد.
أما أن نواصل الدوران في حلقة خاوية: لا نوظفك لأنك بلا خبرة، ولن نمنحك الخبرة لأنَّ عمرك لم ينتظر؛ فهذه وصفة مثالية لإنتاج جيل كامل يقف أمام أبواب الشركات لا ليدخل؛ بل ليتفرّج على الإعلانات التي كُتبت لهم نظريًا، وتعرقلهم عمليًا. وهي وصفة جيدة لخلق الاحتقان والتوتر والاضطراب لدى الشباب، ينعكس سلبًا على المجتمع قبل أن ينعكس عليهم.
رابط مختصر