بورتسودان، القاهرة.. “ورطة” بدر وتاركو
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
بعد أن تمنعت السُلطات المصرية ورفضت الاستجابة لنداءات الآلاف من العالقين ولم تتجاوب مع خطابات رسمية من الجانب السوداني ، عادت بعد أن وصلت الحرب في الجزء الجنوبي من وادي النيل شهرها الخامس إلى الموافقة على إستئناف الرحلات الجوية بين البلدين، وهو أمر رغم أنه تأخر كثيراً دون إبداء أسباب إلا أنه وجد ارتياح كبير وسط العالقين السودانيين بمصر خاصة المرضى وكبار السن وغيرهم من الذين لايمكنهم السفر عبر الطريق البري الرابط بين البلدين.
وما إن وافقت السُلطات المصرية على إستئناف رحلات الطيران بين البلدين عبر مطاري بورتسودان والقاهرة سارعت شركتي تاركو وبدر إلى الإعلان عن تسييّر الرحلات واستعادتا ذاكرة مايقترب من الثلاثون رحلة كانت الشركتين تسييرها أسبوعياً بين الخرطوم والقاهرة قبل الحرب.
وعقب يوم واحد من إعلانهما إستئناف الرحلات مضت شركة مصر للطيران بعيداً على ذات الطريق ولم تكتفي بزفّ البشري لعملائها بل طرحت أسعار التذاكر وحددت موعد الرحلات التي يفترض أن تبدأ يوم الأحد، واحدثت الشركة المصرية ربكة في أروقة تاركو وبدر بتحديدها زمن الرحلات وهو الأمر الذي لم تتمكن من فعله لإجراءات تخص الجانب المصري بالإضافة إلى خفض سعر التذكرة الى 460 دولار.
فإذا بدأت الشركة المصرية رحلاتها قبل تاركو وبدر يعني هذا استحوازها منفردة على أكبر حصة من سوق النقل الجوي بين البلدين وبما تمتلكه مصر للطيران من طائرات كبيرة يمكنها نقل إعداد مُقدرة من المسافرين وهو الذي سيكون خصما على بدر وتاركو إذا لم يستأنفا رحلاتهما في ذات توقيت تشغيل مصر للطيران.
اما التحدي الثاني الذي يواجه تاركو وبدر يتمثل في تواتر أنباء عن صدور توجيه من القنصلية المصرية ببورتسودان بأن يكون السفر على مصر للطيران من اشتراطات الحصول على التأشيرة وحدوث هذا يعني حرمان بدر وتاركو من الركاب في رحلاتهما من بورتسودان وهو أمر حال حدوثه من شأنه أن بتسبب لهما في خسائر مالية وربما يدفعهما للعدول عن فكرة إستئناف الرحلات بين البلدين.
أما أكثر التحديات الشائكة التي يتوقع أن تواجه بدر وتاركو تكُمن في تحديد مصر للطيران 460 دولار سعر للتذكرة وهو مبلغ لايمكن للشركتين تجاوزه بالزيادة، كما أن ذات المبلغ إذا اضطرت بدر وتاركو لبيع التذاكر استناداً عليه فإنه سيطرح الكثير من الأسئلة حول أسباب إرتفاع أسعار تذاكر رحلاتهما إلى محطات قريبة مثل جدة وغيرها وانخفاضها لرحلات القاهرة.
وخلاصة الأمر فإننا ننحاز إلى جانب المسافر السوداني في أن تنخفض الأسعار بين بورتسودان والقاهرة حتى الي ما دون 460 دولار، ولكن في ذات الوقت فإن مصلحة تاركو وبدر وهما شركتين سودانيتين تفرض على سلطة الطيران المدني بالسودان التحرك من أجل معرفة الأسباب التي حالت دون تحديد السلطات المصرية موعد رحلات بدر وتاركو حتى الآن بالإضافة إلى الاستفسار عن حقيقة حصر سفر حملة التأشيرات على مصر للطيران وذلك لمنع احتكار الرحلات للشركة المصرية وهو أمر إذا حدث يعني زيادتها أسعار التذاكر مستقبلا لعدم وجود منافس وهذا يضر المسافر السوداني.
كتب:رئيس التحرير
طيران بلدنا
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: بین البلدین مصر للطیران
إقرأ أيضاً:
تصريحات الإسلاميين ضد واشنطن تعيد إنتاج العزلة الدولية
تصريحات الإسلاميين ضد واشنطن تعيد إنتاج العزلة الدولية
صلاح شعيب
جاء رد رئيس الوزراء الجديد لحكومة بورتسودان حول العقوبات الأميركية مدرعاً بالتحدي المتسرع، ومغالطاً لادعاء الولايات المتحدة. ومع ذلك يُفهم هذا الرد في سياق تأكيد د. كامل إظهار الولاء المطلق لمرؤوسيه الجدد. فبيانه من جهة أخرى عزز حديث كثير من المحللين بأنه لن يكون إلا “تمامة عدد”، وأنه لن يخالف نهج التفكير السياسي الحالي لدى المؤيدين لسلطة الجيش. ذلك في وقت كان يتوقع الآخرون أن كاملاً سيستخدم لهجة تصالحية مع المجتمع الدولي، ومن خلالها يستطيع دفع الاتهامات ضد بورتسودان بمزيد من التروي، والتعقل الدبلوماسي.
د. كامل ما أهمته مخاطبة الرأي العام السوداني منذ تعيينه ليطلع الناس على خطته، والتي كان من المتوقع أن قد يتوفر ضمنها الرد الهادئ على الاتهامات الأميركية بشيء من الحذر. ذلك حتى يستطيع الحفاظ عللى طريق سالكة مع إدارة ترمب تمهد لحوارات أعمق ليس فقط حول التهم الأميريكية، وإنما تتناول دور واشنطن المؤثر في إيقاف الحرب، وإعادة بناء السودان، هذا إذا كان الدكتور حريصاً على وضع حد لمعاناة شعبه جراء الحرب، أكثر من حرصه على مناوءة الرغبة الاميركية في الضغط على قيادة البرهان، وقاعدته المذهبية.
مع خروج د. كامل لأول مرة للعلن بذلك البيان بعد تعيينه رئيساً الوزراء لاحظنا وجود تصريح للمؤتمر الوطني مهره أحمد هارون حول الموضوع، وكذلك تصريحات غاضبة لقادة إسلاميين مؤيدين للحكومة، وبعض من جماعة البراء بن مالك. وعبر لغة التصريحات لمحنا تجاوز رد التهمة إلى استخدام لهجة أيديولوجية أعادتنا إلى أجواء التسعينات. إذ كانت حكومة الترابي من الوهلة الأولى قد أعلنت بأن أميركا، وروسيا، مرة واحدة، سيدنو عذابهما، واستوردت الخرطوم حينذاك كل المتطرفين العرب، والمسلمين، اليمينيين، واليساريين، الذي فجروا في عدائهم نحو واشنطن.
ولاحظنا أيضاً في تصريحات القادة الإسلاميين أنه بدلاً عن تقصير الغضب نحو الولايات المتحدة في الشأن المعني فقد شمل عدداً من الدول الأوروبية بوصفها وراء الحرب، كما قال أحد قيادات المؤتمر الوطني البارزين وسط هذه الحرب.
إذن فمن الواضح أن الاستراتيجية التي ستتبناها بورتسودان في التعامل مع مجمل الغرب الحضاري سوف تستند على موروث الحركة الإسلامية الذي كما نعلم يستند على حيثيات أيديولوجية تُستخدم في لحظات التوتر، وتنخفض في لحظات شبيهة بلحظة تهديد الرئيس بوش: “إما معنا أو ضدنا”. ونذكر أن النظام الإسلاموي المنحل وقتها قد ترك كل أدبياته العدائية الموجهة لأميركا “المستكبرة”، وانخرط طائعاً متذلفاً، في تعاون استخباراتي غير مسبوق مع إدارة بوش الابن.
الآن الوضع مختلف. فحكومة بورتسودان تكافح بالكاد للحصول على الشرعية القارية، والتي كان تعيين كامل يعني محاولة للتسوية مع الأفارقة، والعالم. ويبدو أن ترحيب الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، بتعيين د. أكمل سوف يتبخر أكثر فأكثر كلما ما واصلت بورتسودان، والإسلاميون، من خلفها في دفع العلاقة إلى مرحلة التصادم، والإصرار على مواصلة الحرب في حال فهمنا بأن الاتهام الاميركي موظف كعصا لإيقافها.
د.كامل تذاكى في بيانه حتى يعزز العلاقة بينه وبين دعاة الحرب بعربون موقفه الحكومي الذي يجرى مجرى الموقف الإخوانجي في منازلة الولايات المتحدة بالحدة الدبلوماسية في التصريحات. ولكنه في خاتم المطاف سوف ينتهي فعله في أحضان الحركة الإسلامية التي أعقبت قيادات منها تعيينه بتجريب ابتزازه. فكثير من الإسلاميين رفضوا منحه المنصب، ووصفوه بأنه فحاطي، وجمهوري، وعلماني، كما قال الجهادي الداعشي ناجي مصطفى.
هذا الموقف الدبلوماسي الصدامي المجرب تجاه الغرب أورث البلاد ما انتهت إليه من تدمير في وحدتها بانفصال الجنوب، ووصولها إلى طريق سياسي وعر أنتج الحرب كنتيجة لسياسات مسبقة عمقها نظام البشير.
ما نستطيع أن نقراه من بيان رئيس الوزراء، وتصريحات قادة الحركة الإسلامية إزاء الاتهام الأميركي لحكومة بورتسودان باستخدام السلاح الكيماوي، هو أن نهج الكيزان الدبلوماسي لم يتغير، وأنه ما يزال يحكم مناطق سيطرة الجيش.
فإذا وضعنا في الاعتبار تصريحات ياسر العطا السابقة ضد كينيا، والإمارات، وتشاد، فإن دبلوماسية البرهان ستجد نفسها في طريق مسدود في ظل ما يُلمح بوجود رغبة شعبية سودانية، ودولية، لإيقاف الحرب. ولعل المزيد في التوغل لاستعادة الموروث الدبلوماسي للمؤتمر الوطني سيدعم فرص تحجيم الجيش من الوصول إلى غاياته بإنهاء الحرب ميدانياً. بل إن هذا التصعيد غير المحسوب جيداً من جانب القادة الإسلاميين المؤيدين للحرب ضد الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، سوف يعزز من محاصرة فرص الجيش في التسليح متى ما عمقت بورتسودان رغبتها في معاكسة هذه التطلعات الدولية للتسوية السلمية للنزاع السوداني الذي يغذيه كوادر المؤتمر الوطني المنحل.
واشنطن بثقلها الدولي، وتاثيرها الحتمي على بعض حلفائها الداعمين للجيش، بحاجة إلى التعامل معها برشد دبلوماسي، وتواصل سياسي، لتفنيد اتهامها الجديد للجيش، إذا كانت بورتسودان حريصة على عدم مناكفة إدارة ترمب بلغة حادة. وبغير هذا الرشد الدبلوماسي فإن سلطة البرهان الباحثة عن شرعية قارية، ودولية، ستواجه تحديات جمة. أما مساعي د. كامل خارجياً فستحصد في هذه الحالة السراب، لا محالة.