القدس المحتلة- أعلنت الشرطة الإسرائيلية، مساء اليوم الأحد، العثور على المدعية العسكرية العامة السابقة، يفعات تومر يروشالمي، على قيد الحياة وبصحة جيدة، بعد ساعات من اختفائها في منطقة تل أبيب.

وكانت السلطات الإسرائيلية قد أطلقت عملية بحث واسعة بمشاركة وحدات من الشرطة والجيش، عقب العثور على سيارتها فارغة ورسالة يعتقد أنها وداعية، مما أثار شبهات حول محاولتها إنهاء حياتها.

ويأتي ذلك بعد أيام من إقالتها من منصبها على خلفية تسريب مقاطع مصورة من قاعدة "سدي تيمان" في صحراء النقب، تظهر اعتداء جنسيا وتعذيبا بحق أسير فلسطيني، وهو ما أثار جدلا واسعا في الرأي العام حول ممارسات جيش الاحتلال وجرائمه والتستر عليها.

واعتبرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن استبعاد المدعية العسكرية وما تبعها من ضجة يعكس عمق الأزمة داخل المنظومة العسكرية والقانونية الإسرائيلية، في ظل الاتهامات بالتستر على انتهاكات وجرائم حرب في قطاع غزة.

وقال ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي ومسؤولون في أجهزة التحقيق إن يروشالمي امتنعت عن التحقيق في عدد من الملفات الحساسة التي تعد من "أخطر القضايا" خلال الحرب، مبررة ذلك بأسباب إجرائية، في حين يرى المطلعون أنها رضخت لتحريض سياسي وضغوط متواصلة من وزراء وأعضاء كنيست من التيار اليميني المتطرف.

ضغوط وتخويف

وبحسب ما نقلت صحيفة "هآرتس" عن ضباط في الاحتياط، فقد شعرت المدعية بأنها "مهددة ومطاردة سياسيا" عقب موجة من التحريض العلني ضدها من جانب أوساط يمينية تتهم النيابة العسكرية بمحاولة "تجريم الجنود" خلال الحرب.

واختارت يروشالمي -وفق ضباط الاحتياط- التريث أو الإغلاق الفعلي لملفات التحقيق تجنبا لمواجهة مباشرة مع المتشددين من معسكر اليمين المتطرف الذي يشكل الأساس في ائتلاف حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.

إعلان

وكشف مصدر أمني مطلع أن أداء المدعية العسكرية أثار تساؤلات واسعة داخل المؤسسة الأمنية، خصوصا بعد مقتل 15 من أفراد الطواقم الطبية في غزة بنيران الجيش الإسرائيلي خلال مارس/آذار الماضي.

وأوضح المصدر لصحيفة "هآرتس" أن "الحدث موثّق بالكامل، والجميع يعلم أنه ليس جيدا من الناحية الأخلاقية أو القانونية أو العملية" مؤكدا أن لجنة التحقيق الميداني أوصت بإحالة الملف إلى الشرطة العسكرية ولكن لم يفتح أي تحقيق حتى الآن.

وأضاف أن يروشالمي تجنبت الخوض في ملفات حساسة خوفا من التحريض ضدها، متسائلا "أين كانت عندما استخدم الجيش المدنيين دروعا بشرية؟ وأين كانت عندما منع إدخال المساعدات أو فجّر الجامعات والمستشفيات؟".

وأشار المصدر إلى أن التحريض الواسع ضدها في شبكات التواصل من قبل نشطاء معسكر اليمين المتطرف شل قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة، وجعلها تتجنب التعامل مع القضايا التي قد تصنّف كجرائم حرب ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة.

الادعاء العسكري الإسرائيلي يمتنع عن التحقيق بجرائم حرب ارتُكبت في غزة (الجيش الإسرائيلي)مطالبات بالتحقيق

أجمع محللون إسرائيليون على أن ما جرى يكشف تآكل استقلالية الجهاز القضائي العسكري، وتزايد نفوذ اليمين المتطرف في منع أي محاسبة داخلية على انتهاكات الجيش في غزة، خصوصا في ظل القلق من الملاحقات الدولية.

وبحسب قراءة المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، فإن قضية الأسير الفلسطيني الذي تعرض للتعذيب والاعتداء الجنسي في قاعدة "سدي تيمان" تعد من أكثر الملفات انفجارا داخل إسرائيل، إذ تحولت إلى رمز لصراع أعمق بين ما يوصف بـ"العدالة العسكرية" وحماية "صورة الجيش".

وطالب بعض الوزراء، من بينهم شخصيات قريبة من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بإغلاق الملف وعدم المساس بالجنود الذين سماهم "الأبطال" في حين حذرت جهات قانونية من أن التستر على الجريمة قد يضع إسرائيل في مرمى القضاء الدولي.

وأشار المحلل العسكري إلى أن هناك حوادث عديدة لم يُفتح فيها تحقيق رسمي، وذلك رغم وجود شبهات قوية بارتكاب مخالفات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، بينها استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية في غزة.

ويرى أن امتناع يروشالمي عن التحرك القانوني يأتي في إطار سياسة ممنهجة لتقليل الأدلة العلنية التي يمكن أن تستخدم ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ويعتقد أن تداعيات هذه القضية تتجاوز البعد القانوني، لتطال العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة السياسية، إذ يظهر أن الجيش الإسرائيلي نفسه أصبح ساحة صراع أيديولوجي بين التيارات الدينية والقومية والعلمانية.

ويقول هرئيل "بينما تطالب منظمات إسرائيلية بالتحقيق والمساءلة، يصر اليمين المتطرف على أن الوقت ليس مناسبا للحديث عن الأخلاق زمن الحرب".

زامير فقد ثقته بالمستوى القانوني في الجيش على خلفية استقالة المدعية العسكرية (الجيش الإسرائيلي)فضيحة

وصف يوسي يهوشوع المحلل العسكري بصحيفة "يديعوت أحرونوت" قضية المدعية العسكرية المقالة بأنها "زلزال قانوني وأخلاقي غير مسبوق" مؤكدا أن تداعياتها تتجاوز كونها مجرد أزمة إعلامية إلى أزمة ثقة عميقة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

إعلان

وأوضح أن يروشالمي "أقيلت فعليا من منصبها بقرار من رئيس الأركان إيال زامير، رغم تقديمها استقالة معدة مسبقا" مشيرا إلى أن الأيام المقبلة قد تشهد سابقة خطيرة تتمثل في "فتح تحقيق جنائي ضدها بتوجيه من الشرطة".

وأشار المحلل العسكري إلى أن "رسالتها العلنية كانت محرجة، إذ تحملت المسؤولية دون الإشارة إلى كذبها على المحكمة العليا والمستشار القانوني للحكومة والجمهور الإسرائيلي" مبينا أنها أضرت بثقة الجمهور في النظام العسكري والقضائي.

وكشف التحقيق أن 8 ضباط على الأقل كانوا على علم بتسريب المشاهد المصورة في معتقل سدي تيمان، لكنهم اختاروا الصمت خوفا من قائدتهم، في وقت أخفت فيه يروشالمي الحقيقة عن المستشارة القانونية للحكومة والمحكمة العليا والكنيست، مدعيةً أنه "لا يمكن تحديد مصدر التسريب".

ويختم يهوشع بأن المؤسسة العسكرية تواجه الآن تحديا لإعادة ترميم ثقة الجمهور، إذ يبحث رئيس الأركان عن مدعٍ عام عسكري جديد من خارج المنظومة الحالية، في محاولة لإعادة تأهيل الجهاز القانوني للجيش بعد هذه الفضيحة التي هزت أركانه.

شكوك في النزاهة

من جانبه، اعتبر المحلل العسكري أمير بار شالوم أن استقالة المدعية العامة كشفت عن أزمة ثقة خطيرة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، خاصة بين رئيس الأركان والجهاز القانوني التابع له.

وقال بار شالوم -في مقاله بموقع "زمان يسرائيل"- إن رئيس الأركان فقد الثقة تماما بمستشاريه القانونيين بعد سلسلة من الأخطاء والاتهامات المتعلقة بالتسريبات من داخل مكتب المدعية، مشيرا إلى أنه لم يعين نائبها خلفا لها "بسبب الاشتباه في اطلاعه أيضا على تفاصيل القضية".

وأشار إلى أن جوهر القضية لا يتعلق بالتسريب الإعلامي بحد ذاته، بل بالكذب الذي تلاه والتضليل من قبل المدعية، لافتا إلى أن "الأحداث جاءت في سياق حساس بعد اعتقال جنود احتياط متورطين في انتهاكات جنسية بقاعدة سدي تيمان، وما تبعها من هجوم سياسي واقتحام القاعدة من قبل نشطاء يمينيين وأعضاء كنيست".

ولفت بار شالوم إلى أن "التحقيقات العسكرية والاتهامات التي تلت التسريب ربما أنقذت إسرائيل من ملاحقة دولية" لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن القضية خلّفت شرخا عميقا داخل المؤسسة العسكرية، وأثارت شكوكا في نزاهة النظام القانوني بالجيش الإسرائيلي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات الجیش الإسرائیلی المدعیة العسکریة المؤسسة العسکریة المحلل العسکری الیمین المتطرف داخل المؤسسة رئیس الأرکان سدی تیمان فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

الاحتلال يعتقل المدعية العسكرية الإسرائيلية

صراحة نيوز-اعتُقلت المدعية العسكرية الإسرائيلية المقالة، يِفعات يروشالمي، والمدعي العام العسكري الرئيسي، بعد انتصاف ليل الأحد – الإثنين، على يد الشرطة الإسرائيلية، بشبهة التشويش على مجريات التحقيق في مسألة تسريب توثيق التعذيب بالأسير الفلسطيني من قبل 5 جنود إسرائيليين في تموز/ يوليو 2024.

وقبل ساعات من اعتقالها، كان قد عُثر على يروشالمي، مساء الأحد، وذلك بعد ساعات من أعمال بحث أُجريت بمشاركة قوّات من الشرطة الإسرائيلية والجيش، وفي ظلّ اشتباه كبير بوضعها حدّا لحياتها، قبل أن يتمّ التأكيد بأنها بخير، في وقت لاحق.

ويأتي ذلك، غداة إعلان المدعية العامة العسكرية، يفعات تومر يروشالمي، استقالتها من منصبها ثم أعقبها إعلان كاتس عن إقالتها بسبب الشبهات المنسوبة إليها، بتسريب توثيق التعذيب بالأسير الفلسطيني من قبل 5 جنود إسرائيليين في تموز/ يوليو 2024.

وأعلنت الشرطة الإسرائيلية، مساء اليوم، العثور على المدعية العسكرية “بصحة جيّدة”، بدون الإشارة إلى هويّتها، إذ ذكرت أن أعمال البحث عن المفقودة بمنطقة تل أببيب، قد اختُتمت بإيجادها، وهي بخير.

وقبل أن يُعثّر على المدعية العسكرية، قال الجيش الإسرائيليّ في بيان، إنه “في أعقاب ما نُشر عن البحث عن المدعية العسكرية الرئيسية، يفعات تومر يروشالمي، أصدر رئيس الأركان تعليماته إلى مديرية العمليات بتسخير جميع الوسائل المتاحة لجيش الدفاع الإسرائيلي، للبحث عنها في أقرب وقت ممكن”.

واختفت المدعية العامة العسكرية يروشالمي، خلال الساعات القليلة الماضية، فيما بدأت الشرطة والجيش الإسرائيلي، عملية بحث واسعة عنها في منطقة تل أبيب، بعد العثور على سيارتها فارغة هناك.

ووفقًا للتقارير، فقد “تركت رسالة” أيضًا.

وشاركت مروحية تابعة للشرطة الإسرائيلية في أعمال البحث، إلى جانب قوات من البحرية، التي قامت بعمليات مسح واسعة في المياه، إلى جانب وحدات الكشف التابعة للجيش الإسرائيلي، باستخدام طائرات مسيّرة.

وأبلغت عائلة المدعية العسكرية المُقالة، الشرطة بغيابها.

وكان من المقرر استجواب يروشالمي في الأيام المقبلة، لاحتمال ارتكابها “جرائم تتعلق بالاشتباه في عرقلة إجراءات التحقيق، ونشر مواد سرية، والإدلاء ببيان كاذب”.

ويُشتبه في تورّط يروشالمي في تسريب الفيديو من “سديه تيمان” وتغاضيها عن التحقيق في الأمر، وكذبها بشأنه على رئيس أركان الجيش الإسرائيليّ، والمحكمة الإسرائيلية العليا، والمتهمين، والجمهور بأكمله.

وكان وزير الأمن الإسرائيلي السابق، يوآف غالانت، قد صرّح، الأسبوع الماضي، بأن يروشالمي “كذبت عليّ عمدًا”، عندما سألها عن سبب تعثُّر التحقيق في التسريب المذكور.

وفي وقت سابق اليوم، قال ضباط إسرائيليون كبار إن المدعية العامة العسكرية المستقيلة، امتنعت عن فتح تحقيقات في عدد من الحوادث يُشتبه بأنها تشكّل مخالفات جسيمة للقانون الدولي وترقى إلى “جرائم حرب” ارتكبها الجيش الإسرائيلي خلال حرب الإبادة على قطاع غزة، وذلك في ظلّ ضغوط وتهديدات من اليمين المتطرف على خلفية قضية تعذيب الأسير والاعتداء عليه جنسيًا في قاعدة “سديه تيمان”.

وتعود جريمة الاعتداء إلى تموز/ يوليو 2024، في آب/ أغسطس من العام ذاته، تم تسريب مقطع مصوّر يوثّق اعتداء جنود في قوات الاحتلال على معتقل فلسطيني داخل مركز الاحتجاز في قاعدة “سديه تيمان” العسكرية، جنوبي البلاد.

وذكرت تقارير إسرائيلية حينها، وقد بثّت بعضها مثل القناة الفيديو، أن التوثيق صُوّر بعد أيام من توقيف عدد من الجنود للاشتباه بارتكابهم جريمة اغتصاب بحق المعتقل نفسه.

ووفق التسجيل، بدا المعتقلون الفلسطينيون مطروحين أرضًا وأيديهم مقيّدة وأعينهم معصوبة، قبل أن يُقتاد أحدهم جانبًا من قبل مجموعة من جنود الاحتياط من وحدة تُعرف باسم “القوة 100”.

وبحسب التقرير، حاول الجنود التغطية على أفعالهم برفع الدروع التي كانوا يحملونها لحجب ما يجري عن الكاميرات المثبتة في المكان.

وتضمن التوثيق الجريمة المنسوبة إلى الجنود، وهي “الاغتصاب”، علما بأن المعتقل المستهدف، وهو من قطاع غزة، نُقل بعد ساعات إلى المستشفى وهو ينزف من جروح وصفت بـ”المعقدة”، وأفاد الأطباء بأنها ناجمة عن “دخول جسم غريب إلى جسده”.

في المقابل، حاولت مصادر إسرائيلية رسمية تبرير الحادثة بالزعم أن المعتقل ينتمي إلى “قوات النخبة في حماس”، لكن القناة نفسها أوضحت أنّ التحقيقات أظهرت أنه لم يشارك في عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وليس من عناصر النخبة، فيما ذكرت شعبة الاستخبارات العسكرية (“أمان”) أنه يعمل شرطيًا في جهاز مكافحة المخدرات التابع لحماس، من دون تقديم أدلة تؤكد تلك الادعاءات.

وجاء فتح التحقيق الجنائي في ظل الضغوط داخل إسرائيل من مسؤولين وأعضاء كنيست دافعوا عن جنود الاحتياط المتورطين في الاعتداء، ورفضوا تقديمهم للمحاكمة. فيما تركّز الخطاب العام في إسرائيل على مسألة التسريب بدل الجريمة الموثقة فيه.

مقالات مشابهة

  • بعد «الفيديو المسرب».. كواليس اعتقال سلطات الاحتلال للمدعية العسكرية المستقيلة يروشالمي
  • يروشالمي وسولماش تحت الحجز على خلفية عرقلة التحقيق
  • الاحتلال يعتقل المدعية العسكرية الإسرائيلية
  • الكنيست الإسرائيلي يجمد مناقشة فضيحة سدي تيمان بعد أزمة المدعية العسكرية
  • انتهاكات وجرائم حرب.. إقالة المدعية العسكرية تكشف أزمة خطيرة داخل الجيش الإسرائيلي
  • انتحار أحد أقدم كبار ضباط الجيش الإسرائيلي بسبب الحرب
  • هآرتس: تهديدات اليمين منعت المدعية العسكرية من التحقيق بجرائم حرب بغزة
  •  اعتقال 30 إسرائيليا بتهمة التجسس لصالح إيران منذ بداية الحرب
  • بسبب تسريب فيديو «سديه تيمان» .. استقالة المدعية العسكرية بـ إسرائيل