يشهد السودان واحدة من أشد الأزمات التعليمية في العالم، حيث يعيش ملايين الأطفال والأسر النازحة ظروفا قاسية، حرمت جيلا كاملا من حقه في التعليم، وسط حرب أدت إلى انهيار المؤسسات التعليمية وتفاقم المعاناة الإنسانية في مختلف أنحاء البلاد.

وقال نسمي مانيغات، المبعوث السامي للشراكة العالمية من أجل التعليم، إن السودان يواجه "أحد أكثر الظروف العصيبة في العالم"، مشيرا إلى أن نحو 14 مليون طفل أصبحوا خارج المدرسة، في أكبر أزمة من نوعها على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وأوضح في حديثه للجزيرة، أن هذه الأرقام "تفطر القلب"، وتعكس واقعا مأساويا لعائلات نازحة تكافح من أجل البقاء، بينما يفقد أطفالها فرص التعلم والحياة الطبيعية.

وأضاف مانيغات، أن المجتمع الدولي مطالب بأن يبذل أقصى جهده لمعالجة هذا الوضع الكارثي الذي يهدد مستقبل أمة بأكملها.

أزمة عالمية

وأشار إلى أن الأزمة التعليمية في السودان لم تعد قضية محلية أو إقليمية فحسب، بل تحولت إلى أزمة عالمية تستدعي استجابة دولية منسقة، لافتا إلى أن مجلس إدارة الشراكة العالمية من أجل التعليم يضم ممثلين عن المجتمع الدولي والقطاع الخاص والحكومات، وجميعهم يعملون من أجل احتواء الموقف.

وأضاف أن الشراكة العالمية قدّمت للسودان تمويلا بـ60 مليون دولار قبل عامين، لكن الحل لا يقتصر على الدعم المالي وحده، بل يتطلب تعاونا وثيقا مع المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية لضمان استمرار التعليم رغم التحديات.

وبيّن أن الأمل لا يزال قائما، إذ تظهر شجاعة أولياء الأمور والمعلمين الذين يواصلون أداء مهامهم في الميدان رغم أجواء الحرب، مؤكدا أن "الإيمان بقوة التعليم هو ما يمنعنا من الاستسلام"، داعيا إلى توحيد الجهود لضمان حصول كل طفل على حقه في التعلم.

قوة خارقة

ولفت إلى أن التعليم ليس ترفا في ظل النزاعات، بل هو "قوة خارقة" قادرة على إنهاء الحروب وبناء السلام الدائم، موضحا أن منظمات دولية، منها الشراكة العالمية من أجل التعليم، تعمل اليوم على حشد الشركاء الدوليين لاتخاذ خطوات عملية من أجل مستقبل أفضل للسودان.

إعلان

وفي تقديره، فإن الاستثمار في التعليم يمثل حجر الزاوية لأي نهضة أو تعافٍ وطني، مضيفا أنه "كما في هايتي التي عانت أزمات متلاحقة، فإن الطريق نحو الحل يبدأ من التعليم".

وشدد على أن السودان بحاجة إلى استثمار عاجل وشامل في البنية التعليمية لضمان حماية الأطفال من دوامة الجهل والفقر والعنف، مؤكدا أن تجاهل هذا الملف سيقود إلى فقدان جيل كامل ويقوّض أي أمل في استقرار البلاد.

وعاود المبعوث الأممي التأكيد على أن العالم مدعو للوقوف إلى جانب الشعب السوداني في معركته من أجل التعليم، معتبرا أن دعم المدارس والمعلمين والطلاب ليس مجرد عمل إنساني، بل هو استثمار مباشر في مستقبل السودان والمنطقة بأسرها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات من أجل التعلیم إلى أن

إقرأ أيضاً:

انقسام حول مقترح أميركي لهدنة إنسانية بالسودان

الخرطوم – تصاعد الجدل في السودان حول مقترح تقدمت به الولايات المتحدة للجيش وقوات الدعم السريع ويتعلق بهدنة إنسانية في البلاد لمدة 3 أشهر، وسط تباين في مواقف الأطراف الفاعلة في المشهد وتفاؤل حذر من واشنطن بإمكانية الموافقة عليها.

ومنذ أسبوع، يوجد وفدان من الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع في واشنطن، حيث تسلما مقترحا من الإدارة الأميركية بشأن هدنة إنسانية تستمر 3 أشهر ويتم خلالها فتح الممرات الإنسانية لإيصال المساعدات إلى المتضررين من الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل/نيسان 2023.

وقال مسعد بولس كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون العربية والأفريقية، إن الولايات المتحدة تعمل على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار إنساني في السودان لمدة 3 أشهر قابلة للتمديد، مشيرا إلى أن المحادثات مع طرفي الصراع تسير بتقدم ملحوظ رغم التعقيدات الميدانية.

وأشار بولس، خلال لقاء مع صحفيين سودانيين ومصريين في مقر السفارة الأميركية بالقاهرة أمس الاثنين، إلى وجود ترحيب أوّلي من الطرفين (الجيش السوداني والدعم السريع)، وأن الجهود الأميركية تتركز حاليا على إنهاء تفاصيل الاتفاق، ضمن خطة تمتد 9 أشهر، كما ورد في بيان  المجموعة الرباعية (الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات).

وفي رده على سؤال حول إمكانية تكرار السيناريو الليبي في السودان، شدد على أن الولايات المتحدة ترفض تماما فكرة الحكومات الموازية، مؤكدا أن بلاده تدعم وحدة السودان. وقال "نخشى تكرار النموذج الليبي بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق واسعة من دارفور، لكننا نؤمن بأن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لاستقرار السودان".

مستشار ترامب للشؤون الإفريقية مسعد بولس يلتقي عددا من صحفيي السودان.. ما أبرز النقاط التي تم طرحها؟ pic.twitter.com/I9t4ZlEbxO

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 3, 2025

دراسة المقترح

وكشفت مصادر رسمية سودانية للجزيرة نت أن الحكومة تسلمت المقترح الأميركي الذي حمل تفاصيل حول ما ورد في خطة المجموعة الرباعية للسلام في السودان والتي طرحتها في 12 سبتمبر/أيلول الماضي.

إعلان

ورجّحت المصادر -التي طلبت عدم الافصاح عن هويتها- أن يعقد مجلس الأمن والدفاع برئاسة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان اجتماعا طارئا خلال 24 ساعة لدراسة المقترح الأميركي بشأن الهدنة والرد عليه.

وذكرت المصادر ذاتها أن الهدنة الإنسانية كانت مطروحة أصلا لمعالجة الأوضاع في الفاشر عندما كانت محاصرة ويموت مواطنوها جوعا قبل أن تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

كما أن المقترح -حسب المصادر- ضمن حزمة كاملة للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار والدخول في مفاوضات بشأن ترتيبات أمنية وعسكرية، وأن للحكومة خطة في هذا الشأن سلمتها للأمين العام للأمم المتحدة منذ مارس/آذار الماضي تستند إلى "إعلان جدة" الموقع بين الجيش والدعم السريع في مايو/أيار 2023.

وكان وزير الإعلام السوداني خالد الأعيسر قال لقناة الجزيرة مباشر، السبت الماضي، إن الحكومة لا تثق في قوات الدعم السريع ولا في قدرتها على الالتزام بأي اتفاق، مشيرا إلى أنها استغلت هدنة "اتفاق جدة" لتجهيز قواتها ومواصلة هجماتها على المدنيين.

وأفاد أن "السودانيين لن يقبلوا بوجود مليشيا الدعم السريع في مستقبل البلاد، بعدما ارتكبت مجازر بحق المدنيين وأراقت دماء السودانيين في مدينة الفاشر".

خالد الأعيسر: الحكومة لا تثق بالدعم السريع ولا بقدرتها على الالتزام بأي اتفاق (الصحافة السودانية)ترحيب بلا تحفظ

وشدد الأعيسر على أن الحكومة ترفض أي اتفاق سلام لا يراعي مصالح الدولة السودانية ومطالبها المشروعة، موضحا أن أية تسوية يجب أن تضمن سيادة البلاد ووحدة مؤسساتها.

وأشار إلى أن الحكومة السودانية منفتحة على كل الخيارات المتاحة لتحقيق السلام، ومنها التفاوض من أجل إنهاء الحرب، بشرط "تجريد مليشيا الدعم السريع من سلاحها وفقا لخارطة الطريق التي طرحتها الحكومة".

وفي المقابل أعلن تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) الذي يتزعمه قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" ترحيبه بوقف شامل وغير مشروط للحرب الدائرة في البلاد، استنادا إلى ما طرحته المجموعة الرباعية.

وشدد التحالف، في بيان له، على ضرورة فتح ممرات إنسانية عاجلة، وإجراء تحقيقات عادلة وشفافة في جميع الانتهاكات والجرائم التي وقعت، "بعيدا عن التسييس والتوظيف الإعلامي".

من جانبه دعا التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) برئاسة عبد الله حمدوك، الطرفين إلى "تغليب صوت الضمير الوطني والتوقيع الفوري على اتفاق هدنة إنسانية، بهدف تخفيف المعاناة عن المدنيين الذين يعيشون تحت وطأة القتال، ويترقبون لحظة سلام توقف دوي السلاح".

وقال التحالف في بيان أمس الاثنين إن الهدنة الإنسانية يجب أن تكون نقطة انطلاق نحو وقف شامل للحرب وإنقاذ السودان من الانهيار، مشددا على أن هذه الخطوة تمثل بداية ضرورية لمسار السلام.

لا للهدنة المؤقتة

من ناحيته، يحذّر الكاتب والمحلل السياسي عثمان ميرغني من أن هذا النوع من الاتفاقات المؤقتة (هدنة إنسانية) قد يعيد إشعال الحرب بشكل أكثر عنفا، ما لم يُستكمل بخطوات سياسية جادة تنهي الأزمة من جذورها.

وفي حديث للجزيرة نت، يرى ميرغني أن وقف إطلاق النار المؤقت يُعد من أسوأ الخيارات الممكنة، إذ قد يؤدي إلى تجدد القتال بصورة أكثر حدة، أو ينهار قبل أن يدخل حيز التنفيذ، أو بعد فترة وجيزة من سريانه.

إعلان

ووفقا لميرغني، فإن الخيار الأمثل هو إنهاء الحرب بشكل كامل، باعتبارها أزمة سياسية دفع الشعب السوداني ثمنها الباهظ. ويُعد توفر الإرادة السياسية لدى الحكومة السودانية هو العامل الحاسم في تفعيل مسار الحل، الذي يمكن أن يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي.

أما وزير الإعلام السابق فيصل محمد صالح، فيرى أن غالبية السودانيين يدعمون ويؤيدون الهدنة وما يعقبها من وقف لإطلاق النار، "فهم سيحسبون موقفهم بناء على حالة الأمن والطمأنينة التي ستعود عليهم، ولن تكون لديهم أي حسابات أو أجندة سياسية".

ويوضح صالح، في منشور على صفحته بفيسبوك، أن مواقف الكثير من القوى السياسية والمدنية الرافضة للحرب هي الترحيب بالهدنة. كما أن "هناك مجموعات متحالفة مع الجيش وقريبة من البرهان ستؤيد أيضا هذه الخطوة".

وثمة مجموعات عدة -كما يقول صالح- ستعارض الهدنة، بعضها مدفوع بمصالح سياسية واقتصادية، وبعض آخر ليست لديه مصالح من هذا النوع، لكن لديه رؤية بأن البلد لن يستقر دون القضاء على قوات الدعم السريع، لهذا يؤيدون استمرار الحرب.

مقالات مشابهة

  • تحذير أممي من تفاقم أزمة الجوع في السودان
  • تقرير أممي يفضح منظومة تهريب السلاح للحوثيين: قرارات مجلس الأمن معطلة والإرادة الدولية غائبة
  • انقسام حول مقترح أميركي لهدنة إنسانية بالسودان
  • "اليونيسيف": 14 مليونًا من أطفال السودان خارج النظام التعليمي
  • تقرير أممي: انتشار المجاعة في الفاشر وكادوغلي بالسودان
  • تقرير أممي: الملايين يواجهون المجاعة في الفاشر وكادوغلي بالسودان
  • نادي الأسير: الاحتلال لم يتوقف عن إعدام فلسطينيين خارج نطاق القانون
  • مفوض أممي: التعليم في غزة وسيلة لمواجهة اليأس والصدمات النفسية
  • مبعوث «الإيقاد» يؤكد أهمية المفاوضات لحل الخلافات السودانية