واصل الجامع الأزهر، اليوم الثلاثاء، فعاليات ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، حيث ناقش الملتقى نظرة الإسلام إلى الآثار والحضارات القديمة، وذلك بحضور الدكتور عبد الرحمن فايد، الأستاذ بكلية العلوم الإسلامية، والدكتور مجدي عبد الغفار حبيب، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية السابق بكلية أصول الدين، وأدار اللقاء الإعلامي أبو بكر عبد المعطي.

باحثو الجامع الأزهر يتابعون سير الدراسة بالأروقة الأزهرية بالإسكندرية الجامع الأزهر يعقد ملتقى القراءات للختمة المرتلة برواية الإمام قالون عن الإمام نافع.. اليوم

وقال الدكتور عبد الرحمن فايد إن هناك فرقًا بين الأثر والوثن، فالأثر هو ما خلفته الأمم السابقة ليكون شاهدًا لها أو عليها، وقد يكون الأثر ماديًّا محسوسًا أو معنويًّا كالعلم النافع والعمل الصالح الذي يستمر أثره بعد وفاة صاحبه، مستشهدًا بقول النبي ﷺ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث»، موضحًا أن الآثار حين نطّلع عليها ونجد فيها ما يخالف عقيدتنا لا ننظر إليها من زاوية التقديس، وإنما من منظور حضاري وتاريخي يوثّق ما وصلت إليه الأمم السابقة.

وأشار إلى أن الوثن هو ما عُبد من دون الله اعتقادًا بقدرته على النفع أو الضر، وهو ما لم يجده الصحابة حين دخلوا مصر مع عمرو بن العاص، حيث لم يكن المصريون يعبدون هذه الآثار، بل كانت شاهدًا على حضارتهم.

وأوضح أن القرآن الكريم أشار إلى قيمة الأثر حين قال الله تعالى: «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، مبينًا أن النظر إلى الآثار لا يكون من باب التقديس، وإنما للاستفادة من قيمتها العلمية والحضارية، مثل معرفة المصريين القدماء بحركة الشمس والفلك والطب والعمارة، وهي علوم أقرّها الإسلام وشجّع على دراستها لأنها تُظهر آيات الله في خلقه.

وأكد الدكتور فايد أن المسلمين عندما فتحوا مصر لو وجدوا أهلها يعبدون هذه الآثار لهدموها على الفور، لكنهم أدركوا أنها شواهد حضارية لا تتعارض مع العقيدة، بل يمكن أن تكون مصدرًا للعلم والمعرفة.

ومن جانبه، أوضح الدكتور مجدي عبد الغفار حبيب، أن القضية الأساسية تكمن في تصحيح المفاهيم وإزالة الخلط بين التقديس والتدنيس، فليس كل ما هو مقدس يجب أن يُدنس، ولا ما هو مدنس يجب أن يُقدس، مشيرًا إلى أن النبي ﷺ قدّم نموذجًا في الفهم الصحيح عندما تعامل مع جبل أُحد بعد معركة أُحد رغم الهزيمة، فقال: «أُحُدٌ يُحبنا ونحبه»، ولم يأمر بطمس معالمه أو تغييره.

وأضاف أن الدفاع عن الحق يحتاج إلى معرفة صحيحة، مبينًا أن هناك أربع قواعد أساسية للتعامل مع الأمور وهي: من الخطأ أن يدافع عن الحق أهل الباطل، أو من لا يعرف الحق، أو من لا يحسن عرض الحق، أو من لا يعرف أساليب أهل الباطل. 

وشدد على أن من يمتلك زمام الكلمة يمتلك العالم، مؤكدًا أن تصويب المفاهيم يجب أن يتم بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن الإسلام لم يأتِ لطمس الحضارات، بل لاحتوائها وتصحيح مسارها، داعيًا إلى نظرة واعية للآثار والحضارات القديمة تقوم على الفهم الصحيح لا على الجهل أو التعصب.

يأتي ذلك وفق توجيهات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وباعتماد الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، وبإشراف الدكتور عبد المنعم فؤاد المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر، ود. هاني عودة مدير عام الجامع الأزهر.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأزهر الجامع الأزهر ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة الاثار الآثار والحضارات الإسلام الجامع الأزهر

إقرأ أيضاً:

أحمد علي سليمان: الصحابة احترموا آثار مصر وأكرموا أهلها

قال الدكتور أحمد علي سليمان، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إنه حينما أشرقت أنوارُ الإسلام على أرضِ الكنانة، مصر التي امتدحها الله -سبحانه وتعالى- صراحة وكناية، في كتابه العظيم -القرآن الكريم-، ودخلها الصحابةُ الفاتحون، لم يحملوا معهم معاولَ الهدمِ أو الكراهية؛ بل جاءوا برسالةِ التوحيدِ، والرحمةِ، والعلم،ِ والخير، والعمرانِ، والبناء، والتعايش، والسلام.


وأضاف «سليمان» في تصريح له: «قد تعلَّمنا في رحاب الأزهر الشريف قيم الإسلام السمحة، وتعلَّمنا فيه أن الصحابة الكرام -وهم أقرب الناس لسيدنا رسول الله (ﷺ)، وهم مَن عايشوا أنوار تنزل الوحي الشريف- هؤلاء الصحابة حينما دخلوا مصر رأوا الآثار المصرية القديمة والباهرة، ومن بينها: الأهرامات، وأبو الهول، والمعابد، والتماثيل، والمسلات، والبرديات الباهرة وغيرها، لم تمتد أيديهم إليها بالهدم أو التخريب أو الاستهانة؛ بل تعاملوا معها بوعي ورشد حضاري، باعتبارها تراثًا لحضارة نابغة في شتى المجالات... لم ينظروا إليها على أنها أصنام تُعبد من دون الله كلا... ولو كانت كذلك لمَا تركوها.


وتابع: وشتان بين الأصنام التي تُعبد من دون الله، وبين الآثار التي تتضمن في كثير منها النقوش والكتابات التي والمعلومات التي أفادت البشرية وما تزال تفيدها، كما حدث عندما تم فك رموز حجر رشيد؛ فهي إذنْ إرث حضاري ومعرفي يضيء الطريق أمام الفكر البشري، ويعرفنا بالتاريخ القديم وتطورات الحياة، ويثري الحضارة الإنسانية، وينقل الخبرات عبر العصور.


وأكمل: ومن هنا أؤكد للعالم كله أنّه لم يرد أي نصّ أو خبر يُفيد بأن أيّ أحد من الصحابة الكرام (رضي الله عنهم) تعدى على آثار مصر، كما فعلت بعض الأمم عند غزوها للبلاد، مثل: التتار والمغول الذين دمروا ما وصلوا إليه، بل وصل بهم الأمر إلى أن جعلوا المخطوطات جسورًا نعم جسورا وضعها في الأنهار ليعبروا عليها.

مدير معهد الآثار الألماني بالقاهرة: افتتاح المتحف المصري الكبير حدث مذهل يليق بعظمة الإنجازأنوشكا لـ (أ ش أ): افتتاح المتحف المصري الكبير يعكس قوة مصر وريادتها
وواصل: أما الصحابة الكرام، فقد تركوا هذه الآثار شاهدة على حضارة عظيمة سبقَتهم، ولتكون للعظة والاعتبار والتعلم واستلهام القوة والمنعة والعلوم والاتقان، ولم يقتصر احترامهم على الآثار فحسب، بل شمل أيضًا دور العبادة الخاصة باليهود والمسيحيين، فأبقوها كما هي، وحموها، وحثوا المسلمين على احترامها، وحمايتها، ومراعاة مكانتها التاريخية والدينية.


واستطرد: لقد نظر الصحابة -الذين شرَّفوا مصر- إلى هذه الآثار كبقايا من التاريخ الإنساني، وحضارة سامقة تميزت في القيم والمُثل والطب والهندسة والصناعات اليدوية والأنشطة الزراعة والتحنيط والفلك والفنون والعمارة... وغيرها، وفهموا روح الإسلام التي تُقدّر العلم والعمران، وتحترم التراث الإنساني، وتُعلي من شأن "الخلافة في الأرض"، كما جاء في قول الله تعالى: (...هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا...) (هود: 61)، أي طلب منكم عمارتها وتنميتها وتحقيق رقيها وتنميتها.


وأردف: لقد أثبت الصحابة العالم -عمليًّا- أنّ الإسلام جاء ليُكمِل لا ليبيد، وليبني لا ليهدم، فتعاملوا مع أهل مصر معاملةً راقية، فاحترموا عقيدتهم، وصانوا دماءهم وأموالهم وأعراضهم، ورمموا ما يحتاج من كنائسهم، وأعادوا بناء ما هدمه الرومان بمشورة كبار العلماء. 


وتابع: وهكذا دخل المسلمون مصر فلم يظلموا أهلَها، ولم يهدموا بناءً، ولم يبدِّلوا معلمًا من معالمها، بل تركوا آثارها قائمةً تُذكّر بعظمة من مضى.. وهكذا ظلَّت الأهراماتُ والمعابدُ والمسلاتُ شاهدةً على تسامح الإسلام وعدلِ الفاتحين، وعلى أن الحضارةَ الإسلاميةَ لا تُبنى على أنقاضِ غيرها؛ بل تنهلُ من تجاربِ الأمم وبما يتوافق مع صحيح الدين والفطرة، وتُضيف إليها روحَ التوحيدِ والرحمةِ والعلم والسلام.


وأشار إلى أنّه منذ دخول مصر في الإسلام، لم يثبت أن أحدًا عَبَدَ أثرًا أو تمثالًا فرعونيًّا على أرض مصر، ولن يكون، ولن تسمح مصر أبدًا بذلك، فالعالم يأتي من كل صوب وحدب ليشهد شموخ الحضارة المصرية القديمة، ولم يأتِ أحد لعبادة الأصنام كما يدعي الجهلاء والسفهاء.


ونوه بأن مصر التي شيَّدت الأهرامات، هي نفسها مصر التي أنشأت الأزهر الشريف الذي نشر نور الإسلام في أرض الله.. مصر التي فتحت العالم بالإسلام، ومنها انطلقت دولة تلاوة القرآن إلى أنحاء العالم، حافظت على الدين الحنيف ونشرته في كل أصقاع الأرض. ولا تكاد توجد بقعة على وجه الأرض إلا وفيها خريج أزهري ينشر الإسلام الصحيح، وينشر السلام والوئام في كل مكان من أرض الله.


وأكد أن مصر لم ولن تفعل ما يخالف شرع الله، تحمي تراثها، وتكرم ضيوفها، وتطور مواردها؛ لتحسن حياة الناس وتقليل البطالة، مشيرًا إل أن مصر ترسل رسالة تاريخية وحضارية للعالم، مفادها: أنَّ حضارتها العظيمة قامت وترعرعت على ضفاف نهر النيل، وتشهد لها بها الأمم جميعُها، وأنَّها لن تفرط في قطرة من حقوقها، وستظل منارةً لنشر السلام من أرضها، أرض السلام، وستواصل حفظ تراثها، ونشر قيم المحبة في كل مكان.


مصر بلد التسامح والتعايش


وذكر أن في مصر، أرض الحضارات والتسامح والسلام، كان التعايش بين مكونات الوطن نبراسًا للناس. ولذلك، حين قام أحد الولاة بهدم كنائس، رأى الإمام الليث بن سعد –شيخ مصر وإمامها وفقيهها ومحدِّثها– أنَّ ذلك بدعة تخالف تعاليم الإسلام، فكتب للخليفة فاستجاب الخليفة لطلبه بإعادة بناء الكنائس، وإضافة كنائس جديدة، تأكيدًا على روح العدل والعمران وحفظ التراث.


وألمح إلى أن أمير الشعراء أحمد شوقي (رحمه الله) يصوّر في قصيدته "قبر الوزير" حالة عظيمة من التسامح والتعايش، مستلهمًا التعددية والتنوع والقواسم المشتركة بين الناس في مصر. فالشاعر، بفصاحته وعمق رؤيته، وحكمته يذكّرنا بأن الرسالات السماوية لا تدعوان إلى الفرقة، بل إلى الاعتراف بحرية المعتقد، واحترام حقوق الجوار، ومواجهة الشدائد بروح من التعاون والتعاضد والمحبة والسلام. بقوله:
إنّ الذي خلقَ الحياة وضدَّها * جعلَ البقاءَ لوجههِ إكراما
قد عِشْت تُحدِثُ للنصارى أُلْفة ً * وتُجِدُّ بين المسلمين وئاما
الحقُّ أبلجُ كالصَّباح لناظرٍ * لو أَنّ قومًا حَكَّموا الأَحلاما
أَعَهِدْتَنَا والقِبْطَ إلاَّ أُمّة ً * للأَرض واحدة تَروم مَراما؟
نعلي تعاليمَ المسيحِ لأجلهم * ويوقِّرون لأجلنا الإسلاما
الدِّينُ للدَّيّانِ جلَّ جلالُه * لو شاءَ ربُّكَ وَحَّدَ الأَقواما
يا قومُ، بانَ الرُّشدُ فاقْصُوا ما جرى * وخُذوا الحقيقة، وانبذوا الأَوهاما
هذي ربوعكمُ، وتلك ربوعنا * مُتقابلين نعالج الأَياما
هذي قبوركمُ، وتلك قبورنا * مُتجاورينَ جَماجمًا وعِظاما
فبحُرمة المَوْتَى، وواجبِ حقِّهم * عيشوا كما يقضي الجوارُ كراما.


ولفت إلى أنه أمس السبت 1 نوفمبر 2025م –وفي عصر سطوة الذكاء الاصطناعي– شاهدنا حدثًا تاريخيًّا استثنائيًّا في القرن الحادي والعشرين، حيث أبهرتها مصر، أم الدنيا -التي جاءت ثم جاء بعدها التاريخ- بجمعها بين الماضي والحاضر والمستقبل، باحتفال مهيب لافتتاح المتحف المصري الكبير (لحضارة واحدة هي حضارة مصر القديمة)، بحضور عالمي من قادة وملوك وحكام معظم دول العالم.


ونبه على أن هذا المتحف هو رمز حضارة مصر العريقة، التي شيدت الأهرامات، وصانت التعددية والمكونات الاجتماعية، ونشرت الإسلام الحنيف في كل مكان؛ لتؤكد أن الحضارات تكمل بعضُها بعضًا، وأنَّ مصر ستظل منارة للعلوم والثقافة والآداب والتسامح عبر العصور.


وختم برسالة قائلاً: «تحية لكل من فكَّر وخطَّط ونفَّذ وجهَّز لهذا الحدث العالمي الكبير، بقيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورجال مصر المخلصين... تحيا مصر وتحيا الإنسانية».

طباعة شارك المتحف المصري المتحف المصري الكبير الآثار الأزهر مصر

مقالات مشابهة

  • ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر يناقش: "فتح مكة.. الحدث والعبرة" غداً
  • ملتقى الأزهر اليوم يناقش مفهوم السلام في الإسلام
  • سعد الدين الهلالي: النبي الذي نزل عليه الوحي منع هدم الآثار
  • سعد الدين الهلالي: الدولة المصرية القديمة كانت دولة موحدة
  • ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة يناقش نظرة الإسلامية إلى الآثار والحضارات القديمة.. غدًا
  • ملتقى الفقه بالأزهر اليوم يناقش مذهب الإمام أبي حنيفة في القضايا المعاصرة
  • ملتقى الجامع الأزهر يناقش إعجاز قصة يونس ودروس النجاة من الشدائد
  • أحمد علي سليمان: الصحابة احترموا آثار مصر وأكرموا أهلها
  • الجامع الأزهر يعقد ملتقى القراءات للختمة المرتلة برواية الإمام قالون عن الإمام نافع.. اليوم