أبوظبي تسهم في تعزيز التحوّل العالمي نحو النقل الذكي
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
هالة الخياط (أبوظبي)
تواصل إمارة أبوظبي تعزيز موقعها في طليعة المدن التي ترسم ملامح مستقبل النقل الذكي على مستوى العالم، من خلال منظومة متكاملة تجمع بين التقنيات المتقدمة، والإطار التشريعي المرن، والبنية التحتية الرقمية المتطورة.
ومع تسارع وتيرة الابتكار في مجالات القيادة الذاتية والذكاء الاصطناعي، تُحوّل العاصمة الإماراتية رؤيتها الطموحة إلى واقع ملموس، يجعل من التنقل المستدام والآمن جزءاً من الحياة اليومية لسكانها وزوّارها على حدٍّ سواء.
وتبرز إنجازات الإمارة، من مشروع المركبات الذاتية في جزيرتي ياس والسعديات، إلى تشغيل التاكسي الجوي الكهربائي، وإطلاق مجمّع صناعة المركبات الذكية في مدينة مصدر، كدلائل على انتقال أبوظبي من مرحلة التجربة إلى مرحلة الريادة التشغيلية العالمية. هذا التوجّه لا يعكس فقط نجاحاً تقنياً، بل يعبّر عن رؤية استراتيجية شاملة تقودها القيادة الرشيدة، نحو اقتصاد قائم على المعرفة، وتنمية مستدامة، ومدينة ذكية قادرة على مواكبة المستقبل.
من التجربة إلى التشغيل الفعلي
ما بدأ كمشروع تجريبي محدود في عام 2022، أصبح اليوم جزءاً من واقع الحياة في العاصمة. فقد سجّلت المركبات ذاتية القيادة آلاف الرحلات في جزيرتي ياس والسعديات عبر تطبيق «أوبر»، حيث يمكن للمستخدمين طلب سيارات ذاتية القيادة تديرها شركة «وي رايد» العالمية، في تجربة جعلت أبوظبي من بين المدن القليلة في العالم التي توفِّر خدمات النقل الذاتي بشكل تجاري. ومنذ إطلاق الخدمة، تم تنفيذ أكثر من 40 ألف رحلة قطعت مسافة تجاوزت 600 ألف كيلومتر، في نقلة نوعية تؤكد انتقال المشروع من مرحلة الاختبار إلى التشغيل الفعلي. وخلال عام واحد فقط، تضاعف أسطول المركبات ثلاث مرات، مع التوسع إلى جزيرتي الريم والمارية، بما يعكس تصاعد الطلب على خدمات التنقل الذكي وثقة الجمهور بها.
منصة عالمية للبحث والابتكار
في أكتوبر 2023، شهدت مدينة مصدر، إطلاق مجمّع صناعة المركبات الذكية وذاتية القيادة بتوجيهات سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي.
ويُعدّ المجمع أول بنية تحتية من نوعها في المنطقة، تحتضن الشركات والمراكز البحثية المتخصصة في حلول التنقل الذكي براً وبحراً وجواً، ليكون مختبراً مفتوحاً للابتكار والتطوير.
ويضم المجمّع بيئة متكاملة لتجارب الأنظمة الذاتية، مع تسهيل عمليات الترخيص والاختبار، إلى جانب تحفيز الاستثمار في مجالات البحث والتطوير، بما يعزّز مكانة أبوظبي كمركز عالمي لتقنيات المستقبل.
تشريعات تواكب المستقبل
وفي خطوة تنظيمية نوعية، أصدر سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، قراراً بتشكيل مجلس الأنظمة الذكية ذاتية الحركة برئاسة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن زايد آل نهيان، للإشراف على تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية لهذا القطاع الحيوي.
ويعمل المجلس على وضع سياسات وتشريعات تُسهِّل الاستخدام الآمن والفعّال للأنظمة الذاتية، ودعم الاستثمارات في تقنيات النقل الذكي، بما ينسجم مع هدف الإمارة الطموح للوصول إلى اعتماد 25% من إجمالي الرحلات على وسائل النقل الذكية بحلول عام 2040.
الذكاء الاصطناعي والتنقل المستدام
تؤكد الدكتورة فاطمة أوتي، أستاذ مشارك في كلية الابتكار التقني بجامعة زايد، أن التطورات التي تشهدها أبوظبي تمثّل نموذجاً متقدماً للتكامل بين التكنولوجيا والبحث العلمي والسياسات العامة، قائلةً: «من منظور أكاديمي، تُعدّ إنجازات أبوظبي في تطوير أنظمة النقل الذكي والأنظمة الذاتية من أكثر النماذج تقدماً وتنظيماً في المنطقة، إذ تجمع بين التقنية، والبحث، والتشريع لخلق منظومة نقل آمنة ومستدامة تتماشى مع أهداف الإمارات في الابتكار والاستدامة».
وتضيف: «تُظهر التجربة الإماراتية أن أنظمة النقل الذكي لا تعزّز الكفاءة التشغيلية فحسب، بل تُسهم في بناء اقتصاد معرفي مستدام، يُولّد فرصاً جديدة في مجالات الروبوتات، وتحليل البيانات، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي».
محرك للاقتصاد
يمثّل الاستثمار في النقل الذكي، ركيزة أساسية في استراتيجية أبوظبي لتنويع الاقتصاد وتطوير القطاعات القائمة على الابتكار.
وتشير التقديرات إلى أن قطاع المركبات الذكية والمستقلة (SAVI)، سيسهم بنحو 22 مليار درهم في الناتج المحلي للإمارة بحلول عام 2045، وسيوفر أكثر من 16 ألف وظيفة نوعية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة. وترى الدكتورة أوتي أن «توسيع نطاق أنظمة النقل الذكي يُعزّز الإنتاجية ويقلل التكاليف التشغيلية ويجذب الاستثمارات الأجنبية في التقنيات المتقدمة»، مشيرة إلى أن «أبوظبي باتت نموذجاً رائداً في تحويل نتائج الأبحاث العلمية إلى تطبيقات عملية تدعم كفاءة النقل والسلامة العامة».
الحياد الكربوني
وتأتي مبادرات النقل الذكي ضمن منظومة متكاملة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
فمن خلال أنظمة القيادة الذاتية والتواصل بين المركبات (V2V) والمركبات والبنية التحتية (V2I)، تُسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في خفض الانبعاثات وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة.
كما تمكّنت الإمارة من دمج حلول النقل الكهربائي والبيانات الذكية لتحقيق توازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة.
وتوضح الدكتورة أوتي في هذا السياق: «من خلال مشاريعي البحثية، أعمل على تطوير أُطُر ذكية تربط بين القيادة الآمنة وتقليل البصمة الكربونية، ضمن منظومة دعم القرار القائمة على البيانات، وهو ما يرسّخ ريادة أبوظبي في تطبيق النقل المستدام علمياً وعملياً».
التنقّل المتكامل
لا يقتصر الابتكار في أبوظبي على النقل البري فقط، فالإمارة تتوسّع في تطبيق الأنظمة الذاتية على المستوى البحري والجوي أيضاً.
ففي المجال البحري، تشغّل مجموعة موانئ أبوظبي السفينة الذكية «سيفين غرين»، التي تعمل بالطاقة الكهربائية المتجددة أو بالوقود الحيوي، وتنتج 10% فقط من انبعاثات السفن التقليدية.
أما في النقل الجوي، فتتقدّم أبوظبي بخطى ثابتة نحو تشغيل التاكسي الجوي الكهربائي من خلال شراكات مع شركات عالمية مثل «آرتشر للطيران» و«جوبي للطيران» و«إيهانغ»، حيث شهد مطار البطين في يوليو 2025 تشغيل أولى الرحلات التجريبية للطائرة العمودية الكهربائية «ميدنايت» التابعة لشركة آرتشر للطيران.
وتُمهِّد هذه المشروعات لمرحلة جديدة من النقل الجوي الذكي بين مطار زايد الدولي وجزيرة ياس وعدد من الوجهات الحيوية، بما يُرسِّخ مكانة الإمارة كأول مدينة في المنطقة تطبّق منظومة نقل متعددة الوسائط.
أسبوع الأنظمة ذاتية الحركة
وتمثّل استضافة أسبوع أبوظبي للأنظمة ذاتية الحركة من 10 إلى 15 نوفمبر الجاري تتويجاً لهذه الجهود، إذ يهدف الحدث إلى عرض أحدث الإنجازات في مجال النقل الذكي، واستعراض التجارب التشغيلية الأولى من نوعها في المنطقة. وتقول فاطمة الحنطوبي، رئيس قسم تخطيط خدمات النقل في مركز النقل المتكامل: «تُجسِّد استضافة أبوظبي لأسبوع الأنظمة ذاتية الحركة التزام الإمارة الراسخ بتعزيز مكانتها كمركز عالمي لتطوير وتطبيق تقنيات النقل الذكي والمستدام، كما تمكّن القطاع الخاص والمبتكرين من اختبار حلولهم في بيئة تشغيلية حقيقية». وتضيف: «الحدث يشكّل منصة استراتيجية تجمع الباحثين والمصنّعين وصنّاع القرار والمستثمرين، بما يُسهم في إطلاق شراكات جديدة وتحفيز الأبحاث التطبيقية، ودعم القدرات الوطنية في مجالات تحليل البيانات وأنظمة السلامة والتحكم الذكي بالمركبات».
السباقات المستقلة
وضمن فعاليات الحدث، تستعد العاصمة لاستضافة دوري أبوظبي للسباقات المستقلة والمسيّرة، حيث تتنافس مركبات ذاتية القيادة بسرعات تتجاوز 300 كيلومتر في الساعة، بالاعتماد على خوارزميات ذكاء اصطناعي متطورة. ويُعدّ هذا الحدث منصة علمية لتطوير تقنيات الأنظمة الذاتية وتطبيقاتها في مجالات العلوم والهندسة والتكنولوجيا، ويعزّز مكانة أبوظبي كمركز عالمي للبحث والابتكار في هذا المجال.
الفرص
ومن خلال التخطيط الاستباقي والاستثمار في الكفاءات الوطنية، تواصل إمارة أبوظبي تعزيز الشراكات البحثية والتطبيقية بين القطاعين العام والخاص، تسريع التحول نحو النقل الكهربائي منخفض الانبعاثات، وتطوير مهارات الكوادر الوطنية في مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، إضافة إلى استكمال الربط بين النقل البري والبحري والجوي عبر منظومة رقمية موحّدة.
عاصمة الذكاء المستدام
من خلال هذه المشاريع والمبادرات، تُرسِّخ أبوظبي مكانتها كأول عاصمة في المنطقة تبني منظومة متكاملة للنقل الذكي والأنظمة الذاتية براً وبحراً وجواً، مدعومة بإطار تشريعي متقدّم وبنية رقمية متطورة.
وبينما تتجّه المدن العالمية نحو مستقبل التنقل المستدام، تتقدّم أبوظبي بخطى واثقة لتقود هذا التحوّل، مجسّدة رؤيتها في أن يكون الابتكار والتكنولوجيا حجر الأساس لبناء مدن ذكية قادرة على تحقيق التوازن بين التقدم الاقتصادي والحفاظ على البيئة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: أبوظبي التاكسي الجوي جزيرة ياس مصدر النقل الذكي الذكاء الاصطناعي الذکاء الاصطناعی بن محمد بن زاید ذاتیة القیادة ذاتیة الحرکة النقل الذکی فی المنطقة فی مجالات من خلال
إقرأ أيضاً:
«سياحة أبوظبي» تُعزز شراكتها مع «إكسبيديا» خلال سوق السفر العالمي
أبوظبي (الاتحاد)
عزّزت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي شراكتها مع مجموعة «إكسبيديا»، إحدى أبرز وكالات السفر الإلكترونية في العالم، لاستقطاب المزيد من الزوّار من الأسواق الرئيسية ذات الأولوية، دفعاً للنمو السياحي المستدام في الإمارة.
وخلال فعاليات معرض سوق السفر العالمي 2025 في لندن، وقّع صالح محمد الجزيري، مدير عام السياحة في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، وجينيفر أندريه، نائب رئيس تطوير الأعمال في إعلانات مجموعة «إكسبيديا»، اتفاقية تمتد لعدة سنوات تُحدد أطر التعاون الموسع بين الجانبين، وتشهد إطلاق حملات إعلانية ومبادرات ترويجية موجهة في 15 سوقاً رئيسياً عبر منصات وتطبيقات المجموعة، بما في ذلك «إكسبيديا» و«فربو» و«هوتيلز.كوم»، لتعزيز الوعي بالمقومات السياحية والثقافية الاستثنائية في أبوظبي، ودعوة المسافرين من مختلف أنحاء العالم لاستكشاف تجاربها المتنوعة.
وتأتي هذه الخطوة امتداداً للنجاح الكبير لحملة «بطاقة عطلة الشمس المشرقة»، التي أطلقتها دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي بالتعاون مع مجموعة «إكسبيديا» خلال معرض سوق السفر العربي 2025. وتركّز الشراكة الموسعة على تكثيف الحملات الترويجية، وترسيخ مكانة أبوظبي كوجهة متميّزة، مع إبراز ثقافتها الغنية، ومعالمها وعروضها المُلهمة.
وقال صالح محمد الجزيري: «تدعم الشراكات الاستراتيجية مع رواد قطاع السفر العالمي، مثل مجموعة «إكسبيديا»، رؤيتنا الطموحة طويلة المدى الرامية إلى تحقيق نمو مستدام في مختلف الأسواق السياحية. ويُسهم هذا التعاون الموسع في تعزيز حضور أبوظبي على خريطة السياحة الدولية، ويسلط الضوء على تجاربها الثقافية والترفيهية الفريدة، ونواصل جهودنا لتقديم أبوظبي للعالم كوجهة نابضة بالحياة تُرحب بالجميع على مدار العام، بما يفتح آفاقاً جديدة لازدهار قطاع السياحة في الإمارة».
وتضع هذه الشراكة أبوظبي في صدارة «قائمة أمنيات» المسافرين الباحثين عن عطلات لا تُنسى من خلال الترويج لعروضها عبر شبكة علامات ومنصات «إكسبيديا».
وتُركّز المبادرات القادمة على زيادة عدد الزوار خلال موسم عطلات الشتاء وما بعده، عبر حملات استراتيجية تستعرض تنوّع التجارب السياحية والثقافية والترفيهية في أبوظبي، وتتيح وصولاً سهلاً ومتكاملاً إلى خدمات الحجز الأساسية للرحلات الجوية والفنادق والرحلات البحرية والجولات السياحية في الإمارة.
من جانبها، قالت جينيفر أندريه: يسعدنا توسيع شراكتنا مع دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، وإبراز ما تتميّز به الإمارة من ثقافة أصيلة، ومعالم طبيعية خلابة، وجاذبية سياحية على مدار العام، ونقل رسالتها إلى المسافرين من جميع أنحاء العالم، وعن طريق إطلاق حملات شاملة عبر كافة علاماتنا، نُسهم في تكريس مكانة أبوظبي وجهةً عالميةً رائدةً، ونجعل زيارتها وحجز رحلاتها وتجاربها الاستثنائية عبر منصاتنا وتطبيقاتنا أكثر سهولة وسلاسة من أي وقت مضى.