لماذا لا نبني المسجد؟ الإسلام والتكلفة السياسية في العاصمة اليونانية
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
رغم وجود مساجد في أماكن أخرى من اليونان فإن العاصمة لم يشيد فيها مسجد رسمي منذ انتهاء الحقبة العثمانية بالقرن الـ19، في حين استخدمت بنايات المساجد القليلة التي بقيت من ذلك العهد في أغراض أخرى.
وافتتح أول مسجد رسمي في أثينا عام 2020، بعد انتظار دام عقودا طويلة، وبتمويل مباشر من الحكومة اليونانية، ويستوعب المسجد 350 شخصا، بينهم 300 في قاعة الصلاة الأساسية الخاصة بالرجال، ونحو 50 شخصا في قاعة صغيرة للنساء.
جاء التصميم متواضعا بشكل لافت: بلا مئذنة أو قبة، ودون أي حضور معماري إسلامي تقليدي؛ مما عكس حرص الدولة على الحد من الرمزية الدينية للمسجد وتقديمه كمرفق وظيفي أكثر منه رمزا حضاريا أو دينيا.
وصدر حديثا كتاب "لماذا لا نبني المسجد؟ الإسلام والتكلفة السياسية وممارسة الديمقراطية في اليونان" للباحث ديميتريس أنطونيو، ويحلل الكتاب قضية الإسلام في اليونان الحديثة.
يبدأ الكتاب من لحظة استقلال اليونان عن الدولة العثمانية في عام 1821، ليكشف عن تاريخ طويل من غياب المسجد الرسمي في العاصمة اليونانية، رغم وجود مئات الآلاف من المسلمين فيها.
يروي الباحث ديميتريس أنطونيو، عبر دراسة إثنوغرافية معمقة، كيف تداخلت السياسات الحكومية، والهواجس القومية، والاعتبارات الدينية، لتجعل من بناء مسجد في أثينا مسألة معلقة لنحو قرنين من الزمن.
تبين فصول الكتاب أن الحكومات اليونانية المتعاقبة كثيرا ما وعدت الجالية المسلمة بإنشاء مسجد مركزي، إلا أن الوعود كانت تتلاشى أمام خوف السياسيين من "دفع ثمن سياسي باهظ"، أو بسبب مقاومة قطاعات واسعة من السكان، وخاصة الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية التي تماهت بعد سقوط الدولة العثمانية مع الهوية الوطنية وجعلت من الإسلام دينا "غير متوافق" مع هذه الهوية.
وفي غياب مسجد رسمي، اضطر المسلمون في أثينا لأداء شعائرهم لعقود طويلة داخل مصليات غير مرخصة مثل الشقق والأقبية والمرائب، في ظل غياب الاعتراف القانوني والمؤسسي بهم.
يتتبع أنطونيو مسار تأجيل بناء مسجد أثينا منذ القرن الـ19، حيث وضعت أولى الخطط لبنائه عام 1890، لكنها تعطلت بفعل معارضة قوية من المجتمع الأرثوذكسي والقوميين وكذلك عراقيل إدارية واقتصادية متكررة.
إعلانيولي الكتاب اهتماما خاصا لمحاولة بناء المسجد في ضاحية فوتانيكوس مطلع الألفية الجديدة: فمشروع عام 2006 الذي خصص له موقع في أرض تابعة للبحرية، واجه في الحال موجة من الاحتجاجات والدعاوى القضائية، خصوصا من رجال الدين أمثال المطران سيرافيم، الذي وصف المسجد بأنه "تهديد للبنية الأرثوذكسية" و"جزء من مخطط لأسلمة البلاد".
ويكشف أنطونيو عن الدور المركب للكنيسة الأرثوذكسية، التي لم تعلن رفضا صريحا لكنها ضغطت -بشكل رسمي وغير رسمي- لإبعاد المسجد عن مركز المدينة كي لا "يستفز المشاعر العامة".
كذلك كان السياسيون مترددين في اتخاذ موقف مؤيد خوفا من فقدان التأييد الشعبي أو إثارة مخاوف القوميين، مما جعل المشروع يتعثر مجددا بسبب ما يسميه الكتاب "التكلفة السياسية".
ويتناول الكتاب أيضا تأثير المجتمع المحلي؛ فكثير من الأهالي قادوا حملات رفض جماعية أو أثاروا مخاوف بشأن تغيير "الطابع الثقافي" للحي، مما أدى لتعطيل المشروع مرارا.
ورغم أن الإرادة الشعبية والأغلبية البرلمانية في أوقات متعددة كانت تؤيد المضي فيه، بقي المسجد معلقا لفترة طويلة وتحول إلى قضية جدلية يراهن عليها بعض السياسيين والإعلاميين ويستخدمونها لكسب نقاط في الخطاب العام.
واحدة من أكثر أفكار الكتاب عمقا هي تحليل مفهوم "التكلفة السياسية"، أي أن السياسيين يحسبون الربح والخسارة قبل اتخاذ القرار، ويفضلون أحيانا عدم الفعل لتجنب الجدل، خصوصا إذا تعلق الأمر بمشروع حساس كإنشاء مسجد في العاصمة.
ويربط أنطونيو ذلك بنمط واسع من عمل الديمقراطيات الحديثة: إذ يمكن لأقلية قوية ومؤثرة أن تخلق حالة من الشلل في صنع القرار، فيضطر المسؤولون لتأجيل المشاريع عاما بعد عام.
وفي إطار الأنثروبولوجيا السياسية، يطرح الباحث مفهوم "الديمقراطية بوصفها حالة انتظار"، حيث السياسة تميل إلى ترحيل القضايا الصعبة بدلا من مواجهتها.
أصبح المسجد قضية تتجاوز الدين والعمران لتكون مرآة لطبيعة العملية الديمقراطية في اليونان، وتبرز حدود التعددية عندما تصطدم بتراث من الشك والتمييز.
غياب المسجد لعقود كان شاهدا على سياسة الإقصاء والتجاهل، أما بناؤه أخيرا فتم بصيغة حل وسط: مبنى متواضع بلا رمزية دينية وفي منطقة صناعية بعيدة عن المركز. هكذا شعر كثير من المسلمين أن نجاح المشروع منقوص، وأن المسجد الجديد لا يمثل تطلعاتهم كمكون معتبر من المجتمع.
من الناحية السياسية، استفاد بعض الساسة والإعلاميين من استمرار القضية دون حل؛ فقد بنوا خطاباتهم وهوياتهم العامة على هذه المسألة، سواء بالدفاع أو بالرفض.
ويصوغ الكاتب فكرة "إنتاجية المخططات غير المنجزة"، حيث يصبح المشروع المعلق مصدرا للفائدة والمكاسب لبعض الأطراف حتى وإن لم ينفذ فعليا. ويحث أنطونيو القارئ في أكثر من موضع على تأمل العلاقة المعقدة بين إرادة الأغلبية وقدرتها على التحول إلى واقع ملموس في ظل نظام ديمقراطي حديث، مع التأكيد على دور الإعلام في تشكيل الرأي وإبطاء التغيير.
View this post on Instagramفي الحوارات الإعلامية، شدد أنطونيو على أن قضية المسجد تظهر استفادة بعض الأطراف من بقاء الأمور معلقة، وأنها نموذج لفهم ديناميات الحكم الرشيد والتغيير البطيء في الديمقراطيات المعاصرة.
إعلانأما ممثلو الجالية المسلمة فأكدوا أهمية هذا التأريخ الأكاديمي لمعاناتهم الطويلة، مع أمل ألا يتكرر سيناريو المماطلة في المستقبل إذا طرح بناء مسجد أو مؤسسة إسلامية عامة جديدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات فی الیونان فی العاصمة مسجد رسمی فی أثینا مسجد فی
إقرأ أيضاً:
وكيل أوقاف الإسكندرية يدعو إلى بذل أقصى الجهود في خدمة بيوت الله
أكد الدكتور نجاح عبد الرحمن راجح، مدير مديرية أوقاف الإسكندرية، أهمية أن يكون الإمام قدوة حسنة في سلوكه وأدائه، وأن يتحلى بالوقار والحكمة في تعامله مع جمهور المصلين، داعيًا الجميع إلى بذل أقصى الجهود في خدمة بيوت الله ورسالتها السامية.
وخلال أداء شعائر صلاة الجمعة، أصدر راجح عددًا من التوجيهات والتعليمات للأئمة والعمال بمختلف إدارات المديرية، وذلك في إطار المتابعة الدائمة والحرص المستمر على حسن أداء العمل الدعوي بالمساجد، واستعدادًا لأداء شعائر صلاة الجمعة.
وأكد وكيل الوزارة على ضرورة الالتزام التام بتعليمات الوزارة في الانضباط والالتزام بالوقت المحدد للخطبة، وحسن إعدادها بما يتناسب مع موضوعها الأسبوعي، مع الالتزام بالمنهج الوسطي الأزهري في الطرح والأداء، والتركيز على إبراز القيم الأخلاقية والمجتمعية التي تسهم في بناء الإنسان وتنمية الوعي العام.
كما شدد على الاهتمام بنظافة المساجد وتجميلها وتهيئتها لاستقبال المصلين في أبهى صورة، مؤكدًا أن المسجد بيت الله ويجب أن يكون عنوانًا للنظام والنقاء والجمال.
واختتم توجيهاته بالدعاء أن يجعل الله أعمال الجميع خالصةً لوجهه الكريم، وأن يحفظ مصر وأهلها، مؤكدًا أن رسالة المسجد هي رسالة بناء ووعي وإصلاح، تنطلق من منابر الدعوة الراشدة تحت مظلة وزارة الأوقاف، وتحت رعاية الدكتور أسامة السيد الأزهري، وزير الأوقاف.