قصص الرياضيين العظماء.. حين تتحوّل السيرة إلى مدرسة
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
السيرة الذاتية للرياضي ليست مجرد حكاية عن مجدٍ مضى، أو بطولاتٍ تحققت، بل هي مرآة تعكس رحلة الإنسان خلف الأضواء؛ رحلة الصبر، والفشل، والإصرار، وإعادة النهوض، وكتابتها للرياضيين ليست ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة توثيقية وتربوية تساهم في بناء وعي أجيالٍ جديدة من اللاعبين الشباب، وتمنحهم خارطة طريق واقعية؛ لما ينتظرهم داخل وخارج الملاعب.
من يقرأ سيرة”السير أليكس فيرغسون” بجزأيها مثلًا لا يرى فقط مدربًا صنع أمجاد مانشستر يونايتد، بل قائدًا عرف كيف يبني منظومة، ويقود أفرادًا مختلفي الطباع نحو هدفٍ واحد، يتعلّم القارئ من طريقته في إدارة النجوم، ومن فلسفته في ضبط النفس والقرارات الصعبة دروسًا في القيادة والإدارة، يمكن تطبيقها في مؤسسات الأعمال تمامًا كما في غرف الملابس؛ فالانتصار في الرياضة- كما في الإدارة- ليس وليد الموهبة فقط، بل ثمرة انضباط طويل الأمد وقراءة دقيقة للنفسيات والظروف .
ورغم هذا الوعي في العالم الغربي، يغيب التوثيق الجاد للسير الذاتية في الساحة الرياضية السعودية، وخصوصًا في كرة القدم؛حيث ينتهي صيت أجيال من النجوم الذين صنعوا الفرح الوطني في الثمانينات والتسعينات لم يكتبوا قصصهم بعد، أو لم تُكتب عنهم من منظورٍ إنساني واحترافي يوثّق التجربة بعمقها النفسي والاجتماعي، والنتيجة أن كثيرًا من اللاعبين الشباب اليوم يعرفون أسماء هؤلاء الرموز، لكنهم لا يعرفون كيف عاشوا، كيف تعلّقوا بحلمهم، ولا كيف واجهوا الصعوبات التي سبقت أضواء الملاعب؛ فقد غاب عن المشهد كتاب أو فيلم أو مذكرات يمكن أن تكون مصدر إلهام وتعلّم .
إن تحويل هذه السير إلى كتب، أو أفلام أو وثائقيات، كما حدث مع أعمال مثل (The Last Dance ) مايكل جوردان، يضيف بُعدًا بصريًا ووجدانيًا يجعل الحكاية أكثر تأثيرًا وخلودًا؛ فالرياضة تختزل صراعات الحياة في مساحةٍ محدودة من الزمن والمكان، وتتيح لنا رؤية الإنسان في لحظات قوته وضعفه، نجاحه وسقوطه.
من هنا، تصبح كتابة السير الشخصية للرياضيين السعوديين عملاً وطنيًا وثقافيًا بامتياز، لا يقتصر على التوثيق؛ بل يمتد إلى الإلهام وبناء القدوة؛ فحين نقرأ عن فيرغسون، أو جوردان، تصبح لدينا الرغبة في أن نقرأ عن يوسف الثنيان، أو ماجد عبدالله، أو أحمد جميل، وخليل الزياني، وعن الدروس الممكنة في القيادة، والانضباط، والوفاء، والعمل الجماعي. إنها مدرسة الحياة في قمصانٍ رياضية.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: محمد العمري
إقرأ أيضاً:
هل تصبح تركيا منافسا للصين في سباق المعادن النادرة العالمي؟
شكّل إعلان تركيا عن اكتشاف كميات ضخمة من المعادن النادرة عام 2022 تحديا جديدا للبلد الطامح إلى تعزيز إمكانياته الاقتصادية. فالاكتشاف لا يقل أهمية عن الرغبة الجدية في استثمار هذه الاحتياطيات وامتلاك تقنيات استخراجها، وهو ما قد يعيد تشكيل سلاسل الإمداد العالمية ويضيف ورقة مهمة لقائمة الأوراق الإستراتيجية التركية.
وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال اجتماع للحكومة في أنقرة طموح بلاده لتكون ضمن أكبر 5 منتجين لهذه المعادن، عبر استثمار ثاني أكبر منجم في العالم "بيليكوفا" في ولاية إسكي شهير.
وأوضح أن عمليات الحفر في 310 مواقع كشفت عن نحو 694 مليون طن من المعادن النادرة، وأن الحقل يضم 10 من أصل 17 عنصرا نادرا تشكل 12.5 مليون طن من هذه المعادن.
ورقة إستراتيجيةامتلاك تركيا لتقنية معالجة هذه المعادن سيشكل تحولا جوهريا في شكل الأسواق وفرصة لتكون بديلا للصين التي تحتكر 90% من الإنتاج العالمي المعالج. وتشمل المعادن النادرة 17 عنصرا أساسيا للتكنولوجيا الحديثة وتدخل في إنتاج أكثر من 200 منتج من السيارات الكهربائية والهواتف المحمولة إلى الأنظمة العسكرية المتطورة.
الأهمية التي جعلت الصين تمتلك ورقة إستراتيجية في مواجهة الولايات المتحدة قد تمنح تركيا بدورها فرصة لتعزيز قوتها الاقتصادية والصناعية عبر جذب المشترين الراغبين في كسر الاحتكار الصيني ودعم المنتجات البديلة القادمة من تركيا.
ويرى ياسين آجار الأستاذ المشارك في قسم المالية بجامعة "بيليجك شيخ أديب علي"، أن تطوير قدرات معالجة احتياطي "بيليكوفا" وتحويله إلى منتجات سيضيف مليارات الدولارات للاقتصاد التركي ويوفر فرص عمل عالية الجودة، كما يقلل من التبعية الخارجية في قطاعات مثل بطاريات السيارات الكهربائية وتقنيات الدفاع والطاقة المتجددة.
إعلانويشير آجار إلى أن المساعي التركية تتوافق مع جهود الولايات المتحدة وأوروبا واليابان لإنشاء سلاسل إمداد جديدة تكسر احتكار الصين. وبفضل موقعها الجيوسياسي واحتياطاتها، يمكن لتركيا أن تصبح مركز توريد بديل يخلق توازنا مهما في سياسات التسعير والإمداد.
أما الخبير الاقتصادي أوزغور أوزجان فيرى أن ربط تركيا بين مواردها في "بيليكوفا" وإنتاج الأكاسيد المعالجة سيمنحها فرصة لتكون مركزا إقليميا لأوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مستفيدة من الاتحاد الجمركي مع أوروبا وارتفاع الطلب المحلي على الإنتاج التكنولوجي والدفاعي.
اتخذت تركيا خطوات متسارعة للاستفادة من هذه الاحتياطيات، إذ أعلنت الحكومة عن تأسيس منشأة إنتاج تجريبية تابعة لشركة "إيتي معدن" التركية، ستعالج 1200 طن من الخام سنويا في المرحلة الأولى، مع تطويرها لتصبح مصنعا متكاملا لمعالجة كميات أكبر.
وأوضح أردوغان أن امتناع الدول المالكة لتقنية معالجة المعادن عن مشاركتها دفع بلاده للتعاون مع دول تمتلك الخبرة ومؤسسات متخصصة، مؤكدا أن ما تملكه تركيا من هذه المعادن لن يُمنح لأي دولة.
ويشير آجار إلى أن المنطقة المكتشفة تحتوي على عناصر مثل "اللانثانوم" و"السيريوم" و"النيوديميوم"، مما يعني أن تركيا يمكن أن تصبح لاعبا مهما ليس فقط في إنتاج الخام، بل في الصناعات عالية التقنية. وتستطيع المنشأة التجريبية في "بيليكوفا" حاليا معالجة الخام بطاقة أولية مع خطة لرفع قدرتها إلى 570 ألف طن سنويا.
التعاون أم المنافسةأعلنت تركيا منتصف الشهر الجاري، على هامش مؤتمر التعدين الدولي في مدينة تيانجين الصينية، توقيع مذكرة تفاهم مع الصين للتعاون في الموارد الطبيعية والتعدين، بحضور وزيري الطاقة في البلدين. وتهدف المذكرة إلى تعزيز التعاون الإستراتيجي في مجال المعادن الحيوية وعناصر الأرض النادرة، وفق وكالة الأناضول.
وعقب التوقيع، كتب بيرقدار على منصة "إكس" أن المذكرة تهدف لتطوير التعاون في التعدين وخاصة المعادن الحيوية التركية، على أن تتحول إلى مشاريع ملموسة قريبا.
لكن هذه المذكرة لا تعني تنازل الصين عن احتكارها لتقنيات معالجة المعادن النادرة، إذ تفرض قيودا صارمة على التصدير وتلزم بالحصول على موافقة وزارة التجارة الصينية خاصة للاستخدامات العسكرية.
وربما تسعى الصين من خلالها إلى تمهيد الطريق لاتفاقات لاحقة تحقق مصالحها وتمنع الولايات المتحدة من الوصول إلى المعادن التركية، بعد تداول أنباء عن تعاون محتمل بين أنقرة وواشنطن في هذا المجال.
ويرى آجار أن تركيا أمام خيارين: أن تكون دولة تستخرج وتصدر الخام فقط، أو أن تصبح مركزا للمعالجة والإنتاج والتصدير.
ويشدد على أهمية أن تكون "مزودا للتكنولوجيا" لا "بائعا للخام"، مشيرا إلى أن القوة الاقتصادية الحقيقية لهذه المعادن تكمن في معالجتها، ففي حين يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من أكسيد "النيوديميوم" الخام نحو 100 دولار، تتضاعف قيمته من 5 إلى 10 مرات عند تحويله إلى مغناطيس.
وتشكل المعادن النادرة عاملا حاسما في تعزيز القدرات التركية بمجالات الدفاع والاتصالات والسيارات الكهربائية، كما يسهم التركيز على إنتاج المغناطيسات ومحركات السيارات في تحقيق استقلال تكنولوجي أوسع.
إعلانأما الخبير الاقتصادي أوزجان فبرى أن استبدال المدخلات المستوردة سيقلل عجز الحساب الجاري، كما أن استثمارات مثل مشروع "بي واي دي" بقيمة مليار دولار لإنتاج 150 ألف سيارة سنويا ستوفر نحو 5000 فرصة عمل.
متطلبات الاستثمارتطوير مشاريع معالجة المعادن النادرة سيحتاج إلى مليارات الدولارات وإطار زمني يمتد لسنوات قبل الوصول إلى الإنتاج التجاري الكامل.
وبحسب دراسة لأكاديمية الاستخبارات التركية "إم آي إيه" (MIA) نُشرت في مايو/أيار 2025، فإن الهدف الإستراتيجي هو أن تصبح تركيا لاعبا عالميا في صناعة المعادن النادرة. وقد قُسّمت خارطة الطريق إلى 3 مراحل:
المرحلة الأولى (2025–2028): تركز على التحقق من حجم ونوعية الاحتياطيات وتشغيل المنشأة التجريبية للوصول إلى إنتاج أولي بمعدل 1200 طن سنويا. المرحلة الثانية (2028–2032): مرحلة التوسع، وتشمل إنشاء مصافٍ متكاملة وشراكات دولية لمعالجة 500 ألف طن وإنتاج 2500 طن من السبائك المغناطيسية للمركبات الكهربائية وتوربينات الرياح. المرحلة الثالثة (2032–2035): تركز على الاستثمار في خطوط تجميع المغناطيس ومحركات السيارات الكهربائية، وإعادة تدوير النفايات الإلكترونية، وتنويع الشراكات لضمان أمن الإمداد، مع رفع القيمة المضافة إلى 10 أضعاف وتحقيق نسبة 25% من المدخلات من مصادر معاد تدويرها.ويرى أوزجان أن امتلاك تقنية الفصل المتعدد المراحل لإنتاج العناصر عالية النقاء هو الحلقة الأهم، مشيرا إلى أن انضمام تركيا إلى منتدى "شراكة أمن المعادن" بعد عام 2024 يربطها بشبكات المعادن الحيوية الغربية.
مخاطر وتحدياتيعد نقص الخبرة الفنية أبرز التحديات أمام تركيا في مجال استخراج ومعالجة المعادن النادرة، إلى جانب ضخامة عمليات الفصل والتنقية والحاجة إلى تنويع الشراكات لتجاوز القيود الصينية رغم مذكرة التعاون الموقعة.
كما تبرز تحديات القبول البيئي والمجتمعي لما تتطلبه العمليات من إدارة دقيقة للنفايات المشعة، مما يستدعي شفافية عالية في الإدارة والتخلص الآمن.
ويحذر أوزجان من الاعتماد المفرط على بيع الخام فقط، لما لذلك من حساسية تجاه الصدمات الجيوسياسية وتقلبات الطلب والأسعار. كما يشير إلى أن الاستثمارات الضخمة المطلوبة لتشغيل خطوط المعالجة تحتاج إلى فترات سداد طويلة لضمان استدامة النمو في هذا القطاع الحيوي.