جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-11@15:54:07 GMT

عروش المجد والاصلاح

تاريخ النشر: 11th, November 2025 GMT

عروش المجد والاصلاح

 

 

 

محمد بن رامس الرواس

تُصاغ صفحات التاريخ بمداد المجد حين تتآخى الإرادة مع البصيرة، وتنهض القيادة الأمينة من بين الاختلافات لتعتلي عرش الإصلاح، ولقد كانت ولادة الدولة البوسعيدية في عام 1744م لحظة فارقة، لم تكن مجرد انتقال للسلطة؛ بل كانت توافقًا مُنتظرًا لأهل عُمان من نيران الفتنة.

حينها لمع اسم الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي كالشهاب، ليُعيد نسج خيوط الوحدة ويتبوأ عرشًا لم يكن من ذهب؛ بل كان عرشًا من ثبات وعزيمة.

لقد كان أول سلاطين الدولة البوسعيدية مصلحًا زاهدًا قائدًا يمتلك كافة صفات القائد البصير المستنير المستشير والمنقذ لوطنه لأجل استقراره؛ فأصبح المؤسس الذي كانت ترتقبه عُمان.

استفاد المؤسس الإمام أحمد بن سعيد من الإرث التاريخي الكبير للعُمانيين في علوم البحار؛ فحرص على إحياء الأسطول العُماني للدفاع عن الوطن؛ سواء داخليًا أو خارجيًا، وتجربة الإمام المُؤسِّس تمثلت في الإصرار والعزيمة للبناء والتشييد وانطلاقة نحو تكوين وطن استثنائي فأسس الدولة المكتملة بجميع مرافقها ومكوناتها وسعى نحو ذلك سعيًا حثيثًا صاحبه الصواب والنجاح بعون الله تعالى وفضله.

إنَّ التفرد الأسمى للدولة البوسعيدية لم يكمن في أنها لم تكتفِ بتثبيت قدمها على البر والبحر؛ بل اتخذت من الإصلاح عرشًا ومن البحار ساحة لسيادتها، وخلال عشرات العقود من الزمن اتسعت دولة البوسعيد لتصبح إمبراطورية بحرية، تنشر ظلالها من شواطئ الخليج العربي إلى أعماق المحيط الهندي، ولم يكتفِ سلاطينها بتجهيز الأسطول البحري العُماني للدفاع عن الوطن؛ بل جعلوه شريانًا تجاريًا وذراعًا سياسيًا، فكانت السفن العُمانية هي قوافل المجد والخير المتحركة في البحار والمحيطات، تحمل البضائع شرقًا وغربًا، ولم يكن امتداد الدولة البوسعيدية إلى زنجبار سوى شهادة خالدة على عبقريتها الجغرافية والسياسية؛ إذ حوّل السلاطين تلك الجزيرة الأفريقية الجميلة إلى عاصمة ثانية، ليُصبح العرش البوسعيدي مُرصَّعًا بجواهر الشرق والغرب معًا، مُبرهنًا على أن هذه الدولة تسعى لمد حضارتها إلى أبعد مدى، والناظر في سجلات حكم دولة البوسعيد، الذي يرى أنَّ التوسع ليس غايته بقدر ما هو حنكة بارعة وسياسة مُتوازنة.

لقد أدرك السلاطين الأوائل أن قوة الدولة تكمن في متانتها الاقتصادية لا في صليل سيوفها فحسب؛ فكانوا روادًا في تنظيم التجارة، فاتحين الأبواب للتبادل الحُر، ومُرسّخين لقواعد مالية جعلت من موانئهم نقاط جذب لا نقاط نزاع، وعلى الصعيد الخارجي، اختاروا طريق الحياد الحكيم والدبلوماسية الهادئة، فنسجوا علاقات ودٍّ مع القوى العظمى دون الوقوع في شِباك التبعية. وبهذا الفكر، تمكنوا من الموازنة بين المصالح المتضاربة، ليُبقوا على السيادة العُمانية مصانة والوحدة الوطنية عصية على الأعداء.

وفي ذروة المجد البحري، بزغ نجم السيد سعيد بن سلطان، الذي لم يكن حاكمًا؛ بل كان سيد البحار وباني الإمبراطورية الممتدة جوانحها شرقًا وغربًا، فلقد حوّل السيد سعيد- بعبقريته السياسية والتجارية- المحيط الهندي إلى بحيرة عُمانية، ونقل مركز الثقل إلى زنجبار، ليُصبح التاج البوسعيدي مرصعًا بجواهر الشرق وأفريقيا معًا؛ بل وامتدت علاقاته لتصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعقد معها علاقات دبلوماسية لا تزال إلى اليوم بعد أن حالف دول الغرب ووقع معهم المواثيق والمعاهدات.

لقد كانت هذه الخطوات الجريئة امتدادًا للإصلاح الاقتصادي، مُبرهنة على أن هذه الدولة البوسعيدية لم تعرف حدودًا لحضارتها إلّا حيث تنتهي حدود المجد، ولقد ورث السيد سعيد للأجيال من بعده إرثًا من النفوذ لا يُقاس بالسيوف؛ بل بإتقان فنون الإبحار والسياسة.

ثم تجلت عظمة العرش البوسعيدي في قدرته على تجديد ذاته بعد حقبة التحديات؛ ليصعد إلى سدة الحكم السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- حاملًا شعلة الإصلاح في عصر التحديث. لم يكن جلالته مُجرد قائد؛ بل كان مهندس الدولة العصرية التي قامت على أساس متين من الحكمة البوسعيدية القديمة؛ فربط بين عظمة الماضي ونور المستقبل. وقد أرسى سياسة الحياد الإيجابي والدبلوماسية الهادئة كدرع حقيقي لوحدة الأمة، محوّلًا عُمان إلى واحة سلام ونقطة التقاء للحوار العالمي، مؤكدًا أنَّ الحكمة في السياسة هي امتداد لليقظة الاقتصادية التي زرعها الأجداد.

واليوم.. تتواصل مسيرة العرش البوسعيدي، ويحمل لواء الإصلاح والتجديد فيه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ليُطلق النهضة المتجددة من ذات المنطلق: الوحدة والازدهار.

إنَّ قيادة السلطان هيثم الرشيدة هي خير دليل على أن ميثاق التأسيس لا يزال ساريًا، وأنَّ العرش البوسعيدي ليس مجرد رمز للحكم؛ بل هو سجل خالد لسلاطين توارثوا حكمة الائمة والسلاطين وبصيرة المصلحين الاخيار، فبنوا دولة تُبحر نحو المستقبل بعزيمة ثابتة ونظرة ثاقبة.

وختامًا.. إنَّ العشرين من نوفمبر يومٌ وطنيٌ بامتياز لارتباطه العميق بجذور الدولة البوسعيديّة؛ حيث تستحضر عُمان ذاكرتها التاريخية لتجسّد استمرارية النهج؛ فإرثُ التأسيس لم يكن لحظة عابرة؛ بل مشروع مُمتد تتواصل دلالاته في حاضر النهضة المتجدّدة التي يقودها اليوم بكل فخر واعتزاز حضرة صاحب الجلالة السُلطان هيثم بن طارق المُعظَّم، نصره الله وأعزه.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تعلن نيابة شرعب السلام الابتدائية بأن على/ ريان أبو فارع وعبدالحكيم سعيد الحضور إلى المحكمة

تعلن نيابة شرعب السلام الابتدائية بأن على/ ريان أبو فارع وعبدالحكيم سعيد الحضور إلى المحكمة

مقالات مشابهة

  • تعلن نيابة شرعب السلام الابتدائية بأن على/ ريان أبو فارع وعبدالحكيم سعيد الحضور إلى المحكمة
  • من فقدان الابن إلى الرحيل المفجع| قصة الفنان الشعبي إسماعيل الليثي بين المجد والوفاة
  • الدولة البوسعيدية ورسوخ الهوية الوطنية
  • دعوة إلى حفلة زواج سعيد
  • الإمام المؤسِّس أحمد بن سعيد البوسعيدي
  • إصابة تحرم إلياس البوسعيدي من إكمال منافسات رفع الأثقال.. والخنجري يدخل التحدي غدًا
  • نهائي السوبر المصري الليلة.. الأهلي والزمالك على موعد مع المجد
  • باسم مرسي: زيزو مش نجم الشباك في الأهلي
  • باسم مرسي: تسجيلي الأهداف في مباريات الأهلي سبب غضب جماهيره مني