ريبورتاج..الفرار من الفاشر.. رحلة الشقاء برائحة الموت
تاريخ النشر: 11th, November 2025 GMT
تينيه (تشاد)أ ف ب": فقد السوداني منير عبد الرحمن والده المنتسب الى الجيش، والذي كان يُعالج في مستشفى بالفاشر، خلال الرحلة المضنية لبلوغ تشاد، حيث بدأت طلائع الفارّين تصل بعد نحو أسبوعين من سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة الواقعة في إقليم دارفور.
فرّ عبد الرحمن من الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في 25 أكتوبر، مع هجوم قوات الدعم عليها بعد محاصرتها لأكثر من عام.
ويروي الفتى البالغ 16 عاما بتأثر بالغ كيف اقتحم عناصر الدعم السريع المستشفى السعودي حيث كان يرقد والده للعلاج من إصابة تعرض لها أثناء المعارك قبل أيام قليلة.
ويقول إن المسلحين "نادوا سبعة ممرضين الى غرفة. سمعنا صوت إطلاق رصاص، ورأينا الدم يسيل أسفل الباب".
على منصات التواصل الاجتماعي، انتشر فيديو يُرجح أن يكون لعملية القتل هذه، التقطه عناصر من الدعم السريع، كما الكثيرمن المقاطع المصوّرة التي وزّعوها بعد دخولهم المدينة التي انقطعت عنها الاتصالات بالكامل.
وأفادت الأمم المتحدة بوقوع مجازر وعمليات اغتصاب ونهب ونزوح جماعي للسكان إبان سقوط الفاشر في 26 أكتوبر. ووصفت شهادات عدة، مدعومة بمقاطع مصورة نشرتها قوات الدعم على منصات التواصل، فظائع في المدينة التي كانت آخر معقل رئيسي للجيش في دارفور.
سارع عبد الرحمن، مثل عشرات الآلاف من سكان الفاشر، الى الفرار. ولقي والده حتفه بعد أيام على الطريق الى تشاد.
وبعد نحو أسبوعين على سقوط الفاشر، بدأت أولى دفعات الفارّين تصل الى مخيم تينيه الموقت في تشاد، بعد السير لأكثر من 300 كيلومتر في ظروف صعبة.
- دماء تسيل - ويُجمع اللاجئون الذين تحدثت إليهم فرانس برس، على أن القصف على الفاشر اشتد اعتبارا من 24 أكتوبر، قبل أن يقتحمها عناصر الدعم السريع.
واضطر كثيرون من السكان لتمضية أيام في ملاجئ من دون مؤن أو غذاء كافٍ.
ويقول حامد سليمان شوغار إن القوت الوحيد كان "قشور الفول السوداني"، الى حين الفرار في 26 أكتوبر.
ويروي الرجل البالغ 53 عاما انه "في كل مرة كنت أخرج فيها لتنشق الهواء، كنت أرى جثثاً إضافية في الشارع، تعود غالبا لسكان أعرفهم من الحي".
استغل شوغار المصاب بإعاقة "بسبب مليشيات الجنجويد في العام 2011"، هدوءا نسبيا ذات ليلة للفرار من الفاشر، ونقل على عربة شقت طريقها بين الركام والجثث في المدينة، من دون إنارة وبأقل مقدار من الجلبة لعدم لفت انتباه عناصر الدعم السريع.
وبينما كانت مصابيح العربات التابعة لهؤلاء تخرق عتمة الليل، سارع محمد أحمد عبد الكريم وزوجته وأولادهما الستة للاحتماء في منزلهم، وذلك بعد يومين على فقدان العائلة الطفل السابع جراء قصف بطائرة مسيّرة.
ويقول عبد الكريم (53 عاما) الذي يخفي خلف نظارتيه السوداوين عينا يسرى فقدها قبل أشهر جراء القصف "رأينا أكثر من عشر جثث، كلها لمدنيين، وكان دمها يسيل".
- خندق الجثث - كانت منى محمد عمر (42 عاما) تهرب مع أطفالها الثلاثة، عندما سقطت قذيفة على مقربة من المجموعة.
وتقول باكية "عندما استدرت رأيت جثة عمتي وقد استحالت أشلاء. غطيناها بمئزر وواصلنا.. مشينا من دون أن ننظر الى الخلف مطلقا".
لدى بلوغه جنوب الفاشر عند الخندق الذي يطوّق المدينة، شاهد حامد سليمان شوغار جثثا متراكمة "كانت تملأ نصف الخندق البالغ عرضه مترين وعمقه ثلاثة أمتار". الا أن تقدير عددها، أكان بالعشرات أم المئات، كان يستحيل خلال الليل، خصوصا وأن الخندق يمتد على مد البصر.
أما سميرة عبدالله بشير (29 عاما)، فاضطرت للنزول في الخندق ذاته حتى تواصل طريقها، وهي تحمل ابنتها البالغة عامين، ومعها طفلاها الآخران البالغان سبعة أعوام و11 عاما.وتوضح "كان علينا تجنب الجثث لئلا ندوس عليها".
- المغادرة لا تنهي المعاناة - لا تنتهي معاناة الفارّين بمجرد مغادرتهم المدينة، فخارج حدودها تبدأ محنة جديدة. فعند كل نقطة تفتيش على الطريقين الرئيسيين اللذين يسمحان بتركها، تتحدث شهادات الهاربين عن أعمال عنف واغتصاب وسرقة.
وأفاد شهود بأنه توجب عليهم دفع مبالغ مالية عند نقاط التفتيش، راوحت بين 500 ألف ومليون ليرة سودانية عند كل منها (ما بين 700 و1400 يورو).
وتحدث آخرون عن أن عناصر الدعم السريع يستهدفون مجموعات محددة. ويوضح شاهد وصل لتوّه الى تينيه "يقولون أنتم عبيد.. وضعوا بعض الرجال جانبا وجرّدوهم من ملابسهم وأطلقوا النار عليهم عشوائيا".
وفي حين يصعب تحديد عدد السودانيين الذين وصلوا الى تشاد حاليا، تقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن عددهم سيصل الى "90 ألف شخص خلال الأشهر الثلاثة المقبلة".
ويشير أميني رحمني المسؤول عن برنامج منظمة "أطباء بلا حدود" في تينيه، الى "عمليات نقل (أشخاص) جارية للمساعدة في تخفيف الازدحام في مخيم تينيه الموقت واستقبال لاجئين جدد".
وأشار الى أن أعداد الوافدين "ما زالت تزداد بشكل طفيف، لكننا مستعدون لتكثيف استجابتنا وتعزيز فرقنا".
وعلى الجانب السوداني، وبعدما انسحبت من شمال دافور عقب هجمات بالمسيّرات على المرافق الطبية خلال الأسبوعين الماضيين، تخطط "أطباء بلا حدود" لإعادة نشر فرقها في الأيام المقبلة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: عناصر الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
البرهان يزور نازحي الفاشر في الدبة بعد فرارهم من "الدعم السريع"
زار رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، السبت، نازحين الفاشر الموجودين بمدينة الدبة بالولاية الشمالية، بعد أيام من فرارهم من المدينة عقب استيلاء قوات الدعم السريع عليها.
وبث مجلس السيادة عبر صفحته الرسمية بمنصة فيسبوك، مقاطع فيديو تظهر تفقد البرهان مراكز إيواء نازحي الفاشر بمدينة الدبة ولقائه بالنازحين.
وفي 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، استولت قوات الدعم السريع على الفاشر، حيث ارتكبت مجازر بحق مدنيين وفق مؤسسات محلية ودولية، كما أقر قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" بحدوث "تجاوزات" في المدينة، مدعيا تشكيل لجان تحقيق.
وفي السياق، أفادت وكالة الانباء السودانية "سونا" أن البرهان اطلع على مستوى الخدمات المقدمة للنازحين بمراكز الإيواء في الدبة، حيث أكد اهتمام الدولة بمعالجة قضايا النازحين وتمكينهم من العيش الكريم.
وشدد البرهان على أن "الحكومة تضع قضية النازحين في سلم أولوياتها".
ووجه كل الأجهزة الحكومية المعنية بـ"ضرورة توفير الخدمات الضرورية للنازحين والعمل على إزالة كل المعوقات التي تعترض ممارسة حياتهم الطبيعية"، وفق الوكالة.
وأشار البرهان إلى المعاناة التي واجهها النازحون والانتهاكات التي تعرضوا لها من قبل "المليشيا الإرهابية" في الفاشر، مشيدا بروح التكافل الاجتماعي السائدة في المجتمع السوداني.
وبوقت سابق السبت، قال وزير الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية السوداني معتصم أحمد صالح، في مؤتمر صحفي عقده بمدينة بورتسودان شرقي البلاد، إن "الدعم السريع" تنكل بالمحاصرين في الفاشر، واصفا ما يحدث هناك بأنه "كارثة إنسانية".
وذكر صالح أن الفاشر "لا يزال فيها مواطنون محاصرون ومنعتهم المليشيا (قوات الدعم السريع) من المغادرة، وتمارس جميع أشكال التنكيل في حقهم"، بحسب وكالة الأنباء السودانية.
وفي وقت سابق السبت، أعلنت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بالسودان (أهلية) في بيان، أن 3 آلاف و240 أسرة نزحت من مدينة الفاشر إلى منطقة طويلة غربي البلاد.
ويشهد السودان منذ أبريل/ نيسان 2023، حربا دامية بين الجيش و"الدعم السريع" أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص.
ومن أصل 18 ولاية بعموم البلاد، تسيطر "قوات الدعم السريع" حاليا على جميع ولايات إقليم دارفور الخمس غربا، عدا بعض الأجزاء الشمالية من ولاية شمال دارفور، لا تزال تحت سيطرة الجيش، الذي يسيطر على معظم مناطق الولايات الـ13 المتبقية بالجنوب والشمال والشرق والوسط، وبينها العاصمة الخ