مونيكا وليم تكتب: المشاركة السياسية في انتخابات مجلس النواب ترسيخ دعائم الدولة
تاريخ النشر: 11th, November 2025 GMT
على الصعيد المقارن، تؤكد التجارب الديمقراطية الراسخة حول العالم، من الكونجرس الأمريكي إلى البرلمان البريطاني (ويستمنستر)، على أن برلمانًا قويًا وفعالًا هو حجر الزاوية لرسوخ الدولة الحديثة وضمان استقرارها وتقدمها و ضمان التوازن والفصل بين السلطات وذلك بالنظر إلي أن الفاعلية التشريعية هي التعبير الأبرز عن مبدأ الفصل بين السلطات.
وبالتالي عندما يمارس البرلمان دوره التشريعي والرقابي بصرامة وحيادية، فإنه يحيد تراكم السلطة في يد الهيئة التنفيذية، وهو ما يضمن عدم الاستبداد ويحمي حقوق وحريات الأفراد.
ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، يُعتبر مجلس العموم المحرك الاساسي للحياة السياسية، إذ يسن القوانين ويراقب أداء الحكومة، ويملك صلاحيات حجب الثقة عنها متى انعدمت الكفاءة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يمارس الكونجرس بغرفتيه سلطات تشريعية ورقابية متوازنة مع السلطة التنفيذية، ما يضمن توازن القوى ويحول دون تركز السلطة في يد جهة واحدة. كذلك في فرنسا، يمثل البرلمان ضمانة لاستمرار الحياة الديمقراطية من خلال الرقابة الدورية على الحكومة واعتماد السياسات العامة وفقًا لمصلحة الأمة.
إلى جانب ذلك، فإن شرعية القوانين واستدامتها التي تولد من رحم مناقشات مستفيضة داخل البرلمان، والتي تمثل مختلف أطياف المجتمع وتنظر في مصالحها المتعارضة، وتكون أكثر شرعية وقبولًا لدى المواطنين، وبالتالي أكثر استدامة وتطبيقًا على المدى الطويل، وأيضًا تضمن آلية المحاسبة الدورية التي تجعل من البرلمانات الفعالة آلية مؤسسية ودورية لمحاسبة الحكومة على أدائها، مما يدفع السلطة التنفيذية نحو تحسين الكفاءة والشفافية والاستجابة لمتطلبات الشعب، إن غياب هذه المحاسبة يقود إلى إهدار الموارد وضعف الأداء.
واستناداُ علي ما تم تناوله، وفي السياق المصري، منذ إقرار الدستور المصري الجديد، احتل مجلس النواب مكانة محورية في النظام السياسي بوصفه السلطة التشريعية التي تمتلك صلاحيات واسعة في سنّ القوانين ومراجعتها ومناقشة الموازنة العامة للدولة، فضلًا عن ممارسة دوره الرقابي على أداء الحكومة ومساءلة المسؤولين التنفيذيين.
ويتكوّن المجلس من عدد من الأعضاء المنتخبين يمثلون كافة المحافظات والدوائر الانتخابية، بما يعكس تنوع المجتمع المصري وثراءه الثقافي والاجتماعي، ويُعد هذا التمثيل الواسع تجسيدًا لمبدأ العدالة في توزيع السلطة التشريعية بين أبناء الوطن.
تتلاقى هذه الدروس مع الخصوصية الوطنية، إذ يشكل مجلس النواب منبرًا جامعًا للتعبير عن الإرادة العامة، ومؤسسة أساسية في مسار التنمية والإصلاح، إن دوره الرقابي يسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة داخل الجهاز التنفيذي، بينما يسهم نشاطه التشريعي في تطوير البيئة القانونية لجذب الاستثمار، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحسين الخدمات العامة.
فمشاركة المصريين في انتخابات مجلس النواب المصري خليطًا معقدًا بين الواجب الوطني والتغييرات البنيوية في طبيعة النظام السياسي لضمان التنوع الاجتماعي والفكري والسياسي ، لاسيما أن المجلس لم يكن مجرد أداة لتمرير القوانين، بل منبرًا حقيقيًا للنقاش والتعددية.
فهو محطة مفصلية في الحياة السياسية والتشريعية للبلاد، إذ تمثل التجربة الأبرز للمشاركة الشعبية المباشرة في صناعة القرار وتوجيه المسار التشريعي والرقابي للدولة، لتصبح مؤشرًا على مدى نضج الحياة الديمقراطية وفاعلية المؤسسات السياسية في البلاد.
لذا، تتميز تجربة انتخابات مجلس النواب في مصر بكونها تجربة تراكمية ومتطورة، حيث شهدت العملية الانتخابية في السنوات الأخيرة تنظيماً محكماً وإقبالاً متزايداً من المواطنين في الداخل والخارج. وقد حرصت الدولة على توفير الضمانات اللوجستية والقانونية لضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها، بما في ذلك تسهيل مشاركة ذوي الإعاقة وكبار السن، وتوسيع دور البعثات الدبلوماسية في تمكين المصريين بالخارج من التصويت.
وعند استقراء هيكل مجلس النواب فهو يتشكل وفقًا للدستور والقوانين المنظمة، من عدد من الأعضاء ينتخبون بطريق الاقتراع السري العام المباشر، بالإضافة إلى عدد من الأعضاء المعينين من قبل رئيس الجمهورية لضمان تمثيل أوسع للخبرات والكفاءات. ويعتمد هيكل المجلس على نظام انتخابي يجمع بين القائمة المطلقة والنظام الفردي، وهي محاولة للتوفيق بين ضمان التمثيل الواسع للأحزاب والتكتلات السياسية، وبين إتاحة الفرصة للمرشحين المستقلين والمرأة والشباب.
وفي النهاية، فإن انتخابات مجلس النواب في مصر تمثل تجربة ديمقراطية متجددة تؤكد أن المشاركة الشعبية الواعية هي الضمانة الحقيقية لاستمرار الإصلاح السياسي والتنمية الشاملة. فكل صوت يُدلى به في هذه الانتخابات هو خطوة نحو مستقبل أكثر تمثيلاً وعدالة واستقراراً.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدولة الحديثة مجلس النواب السلطة التشريعية انتخابات مجلس النواب انتخابات مجلس النواب
إقرأ أيضاً:
عبد الله المغازي: انتخابات النواب استحقاق دستوري يرسخ الحياة السياسية
أكد الدكتور عبدالله المغازي، أستاذ القانون الدستوري، أن انتخابات مجلس النواب تُعد استحقاقًا دستوريًا مهمًا، ومن الاستحقاقات التي يُعول عليها في بناء الحياة السياسية خلال الفترة المقبلة من خلال إصدار التشريعات والقوانين.
وقال خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي محمد جوهر، في التغطية الخاصة لانتخابات مجلس النواب 2025 على قناة «صدى البلد»، إن إجراء الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها يُعد تطبيقا صحيحًا للدستور المصري، ويمثل نجاحًا كبيرًا للدولة المصرية التي تُحيط بها صراعات من جميع الجهات.
وأضاف أن مؤسسات الدولة المصرية والقيادة المصرية حرصت على أن تتم الاستحقاقات في مواعيدها، وهو ما يُعد نجاحًا كبيرًا، موضحًا أن الناخبين متواجدون أمام اللجان، خصوصًا في محافظات الصعيد التي تشهد انتخابات قوية وكبيرة.
وأوضح الدكتور المغازي أن محافظات الصعيد تشهد حضورًا واضحًا للعائلات والطبيعة القبلية، وكذلك محافظات غرب الدلتا مثل الإسكندرية والبحيرة ومطروح، مما يعكس حرص المواطن المصري على المشاركة رغم الظروف الاقتصادية وبعض الإشكاليات المتعلقة ببعض المرشحين.