الإمام المؤسِّس أحمد بن سعيد البوسعيدي
تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT
هلال بن عامر بن علي القاسمي
جَلسَ مع والدي بعض الرجال وتناولوا نزاعًا على زعامة إحدى القبائل، وكان والدي يسمعهم وقليلًا ما يرد عليهم، ثم ذهبوا بدون أن يكون لوالدي موقف واضح، فسألته لماذا كان مُعرضًا عن نقاشهم؛ فردَّ عليّ بقوله: "ومن يكن قد طلب الرئاسة فليحتمل لمضض السياسة"، فعَلِقَت هذه المقولة في ذهني منذ ذلك اليوم.
كبرتُ وخضتُ عُباب الحياة، وغصت في أعماق كتب التاريخ، وفي يوم وأنا أقرأ في كتاب "الفتح المبين" لابن رزيق عن سيرة الإمام ناصر بن مرشد وما فعله وما قام به وما كابده، وأكملت حتى حدث الافتراق في القرن الثامن عشر الميلادي، وشبَّت الحروب الأهلية، وعصفت بعُمان حتى كادت أن تكون فريسةً للغُزاة، خرج رجل من أعماق المجتمع العُماني، فالتقف الرماح الطائرة، والسيوف الحادة الهاوية، والسهام المنطلقة، وقبض بقبضته الصلدة تلك الأيادي التي ما فتئت الحرب، واضطرمت في قلوبها نار الوغى، وكان الرؤساء يطاح بهم واحدًا تلو الآخر، الرقبة التي تخرج فوق الرؤوس تُقطع، والخوف والذعر والرعب فك فمه الرهيب ليلتهم كل من قال إني أطلب الرئاسة، عندها تذكرت مقولة والدي التي أخذها من كتاب جوهر النظام لنور الدين السالمي، فمن هذا الرجل وما ميزته؟
زحفت الجحافل المسلحة، يقتل الجار جاره، والصاحب صاحبه، حتى باتت عُمان ساحة تصفيات وقتل ورعب، وبين تلك الجيوش المتحطمة تنغرس جيوش أجنبية، فتسير في عُمان كالسيل الجارف، تساق النساء للقتل، ويقتل الأطفال هونًا، وتدمر البيوت والعمارة، وتخرب المدن والقرى التي بناها الأئمة السابقون، ويُقتل العلماء غدرًا وجهرًا، وتهتز عُمان كلها بين مقتول ومهجَّر ومسروق وسبيَّة.. وفي صحار المدينة الرائعة، المدينة التي طالما كانت رمزًا للمقاومة، المدينة الساحرة بجمالها ورجالها وعنفوانها، ينادي رجل من بين الأنقاض، اثبتوا لدحر الغزاة، كان شابًا حاسمًا نشطًا، تلمع من بين ثناياه النجابة والفطنة والسياسة، وفي عينيه نظرة صقر حادَّة مكرَّسة بالشجاعة والقوة، وما سمعت صحار ذلك الرجل حتى التفت حوله، وكوَّنت القوة الثابتة التي ستشع منها أنوار تضيء عُمان.
كان ذلك الشجاع هو أحمد بن سعيد بن أحمد البوسعيدي جد سلاطين البوسعيد الذين حكموا عُمان منذ منتصف القرن الثامن عشر إلى اليوم، انطلق نحو الغزاة وغسل صحار منهم بالثبات والسياسة، وهربوا بلا رجعة، وشمر السواعد، وأقام القواعد وسار مجاهدًا نحو توحيد عُمان، وفي عام 1154هـ -حسب ابن رزيق- كان انتقال الحكم إلى الإمام أحمد بن سعيد، وقبل أن نخوض في حكمه تداركتني ذاكرتي عن يوم بركا، حين كان السائل لا يمر في سوق بركا وإلا يسمع النداء أن جميع الناس يعملون في تجهيز مأدبة لرؤساء ووجهاء الغزاة، كانوا يستنكرون ذلك في أنفسهم ويقولون: "هؤلاء يجب أن يقادوا للقتل لا للولائم والعزائم"، والسائل يسأل من أمر لهم بهذا الإكرام، والجواب إنه الوالي أحمد بن سعيد! وما أن اكتملت الموائد حتى اجتمع وجهاء الغزاة ودخلوا حصن بركا، فدقت الطبول والمنادي ينادي: ألا من له وتر أو ثأر من هؤلاء الغزاة فليأخذه..
حوى الإمام أحمد بن سعيد سجايا عدَّة منها ذكرها ابن رزيق في كتابه وهي من العجب والإعجاب ما يثير في النفس الاعتزاز، وما كان يخرج الإمام أحمد من الرستاق إلا ويأمر صنَّاع الحلوى أن يحضروا حلوى في علاقات فيأخذها معه حتى يبلغ بركا، وعند بيت النعمان يجلس هناك فيتوافد عليه الفقراء والأطفال والضعفاء فيوزعها لهم كلها، ثم يجلس ليفد الناس إليه ويتلقاهم بالتسليم والبشاشة، يسمع شكواهم ويقضي حاجتهم، وينصفهم من ظالمهم، ثم يمضي إلى مسقط فما أن يصل مطرح يصطف الناس فقراؤهم ومساكينهم ويأمر العسكر برفق المسير لتسلّم عليه الرعية، ويرد عليهم السلام، وعندما يصل إلى مسقط تتوافد الوفود يقضي حوائجهم بصدر واسع ووجه مستبشر.
ويضيف ابن رزيق ولما خلصت بيعة الإمامة للإمام الحميد أحمد بن سعيد من أهل عُمان، وانقادوا له طوعًا بأزمة الإذعان، وما أحد عنه من أهل الإنصاف تخلى لما رأوه للإمامة أهل، أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأظهر العدل والإنصاف، ورتب قواعد السلطنة بأحسن ترتيب، وهذبها بأبلغ تهذيب، ومدحه الشاعر الضرير العبسي بعدة قصائد قال في إحداها:
يا أحمد الناس اسمًا // وأعدل الناس حكمًا
وأكبر الناس عقلًا // وأكثر الناس حلمـًا
وأوسع الناس جودًا // وأغزر الناس فهمًا
يا أحمد بن سعيد // ذو عنده المجد نما
خبر الأئمة طـرًّا // ذو صار للبخل خصمَا
وقد شمل ظل الإمام أحمد بن سعيد خارج القطر العُماني، وخارج مملكته التي تشمل سواحل من الخليج العربي ومناطق شتّى من شرقي أفريقية، وفي خارج تلك المملكة امتد ظله وكافأته الدولة العظمى حينها، أي الدولة العثمانية بما حفظ لها مكانتها وممتلكاتها، حينما هوجمت البصرة عام 1170هـ الموافق 1756م، ونُصبت سلسلة كبيرة في شط العرب، وأرسل أهل العراق استنجادهم بالإمام أحمد حتى تواترت عليه كتبهم، جهز الإمام عشرة مراكب كبار، ومن المراكب الصغيرة الكثير، وما يقارب عشرة آلاف رجل، وأمرهم بالزحف إلى فك الحصار والانتصار، فلما بلغوا البصرة ورأوا تلك السلسلة الضخمة، دفعوا إليها المركب "الرحماني" فقطَّعها جذاذًا، وهبط الشجعان على الغزاة هناك، كما يهوي العقاب على الفرائس، فتركوهم بين مستنجد وأسير وقتيل، وضعوا فوقهم السيف حتى لاذوا بالهروب، وطلبوا العفو والسلم، ونصروا إخوانهم أهل البصرة وعادوا إلى عُمان بالنصر.
سمع السلطان العُثماني بما فعله الإمام في نجدة أهل البصرة، فأمر واليه في البصرة أن يدفع للإمام أحمد بن سعيد الخراج أو المكافأة؛ كل أحد يحب أن يسميها باسم، لكنها عنوان للصداقة، والمحبة، والاعتزاز، والفخر بين الامبراطوريتين آنذاك.
سار الإمام سيرة الإحسان والتمام في أهل عُمان، وفيمن هم تحت حكمه من سواحل السند وأفريقية، وحفظ للدولة هيبتها، وأحسن الجوار حتى بلغ عند الناس الملاذ الأول الذي يُنتصر به، وهو الذي قضى على القرصنة التي مارسها بعض التجار في بحر العرب وقطع تجارة الأرز، ما حدا بملك النواب بدلهي التي كانت عاصمة للدولة المغولية المسلمة، بأن يرسل الهدايا تعبيرًا عن شكره للإمام في عُمان.
إن من تشرَّب في أيام السلم الحكمة والعلم، وركب بساط الجد والحزم، وتناول المجتمع عمقه وسطحه، وافترش التراب، ونام تحت الشجر، وسافر ماشيًا بين القرى والمدن، ونال من الشجاعة أن يدافع عن حقه، ويطارَد حتى يبلغ مبلغ الخائف، فيناله الإكرام، وتقرأه العيون، وتقره الألسن قبل أن يكون له مقام، وما أن يراه صاحب الجلالة والسلطان حتى يبعثه بين رجاله والٍ وأمير، لهو بحق سيعرف كيف يقبض الخطام، وكيف يبني الدولة من الحطام، وأنه من يحتمل مضض السياسة وإن طلب الرئاسة، إنه رجل تسربل ثوب السياسة، وتشبع من ماء الرئاسة، حتى أضحى به الحال بين أن يكون نائمًا في مغارة هاربًا أو بين أن يمسك الزمام، ويخاطر بروحه ويخوض غبار الحروب، فما ترك للخوف سيادة، وقام مقامَ الرئيس القائد، الذي بحق قام من الغبار ليحافظ على أمجاد بلاده، فأقام دولة ألبوسعيد التي امتدت إلى يومنا، خاضت عرصات الأحوال، وثبتت يوم الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، حين تهاوت الدول، وتساقطت الجيوش، حين انهارت أكبر الامبراطوريات، وتناولت مكر الماكرين من الغرب وغيرهم؛ بحكمةٍ وسياسةٍ منقطعة النظير، وما هي بغريبة عليهم، فأهل عُمان تشربوا الصبر والتجلد، وما جبال عُمان إلا عنوان لرجالها، وما العروبة التي تمخضها العواصف إلا جبل وبحر، وصحراء يتوه من يدخلها، العرب بالإسلام هم السماء وهم الأرض فإن انحسر يومهم سيأتيه المد دومًا.
وفي ليلة الخميس من شهر ذي القعدة عام 1188هـ، فاضت روح الإمام أحمد بن سعيد إلى بارئها، تاركة خلفها أرضا شاسعة، وصفحة في سجل نقرأه اليوم، مليئًا بعبق الحرية، وأمجاد أبيَّة، وإضاءات تضيء الوجود فخرًا وعزًا وسرورًا، إننا نعيش تلك الأيام من خلال القراءة، ولكننا عشنا عهد السلطان قابوس الذي كان عهده نقلة نوعية، ونهضة تنموية، ومسرَّةٍ بعد مضرَّة، وفرحة بعد عسرة، فخَلَفهُ ابن عمه الماجد سليل الإمام أحمد بن سعيد؛ السلطان هيثم بن طارق آل سعيد بن سلطان بن أحمد بن سعيد، لتضاف صفحة أخرى من صفحات العراقة في دولة البوسعيد المجيدة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أحمد الجناحي لاعب الفهود يؤكد لـ «العرب»: «تو الناس» عن الفوز بالدوري
سنقاتل من أجل اللقب وجماهيرنا تستحق الفرحة
الفوز على القطراوي كان مهماً لتثبيتنا في الصدارة
10 محترفين ليس مضراً للاعب المواطن
التواجد في قائمة مونديال 2026 حلم أسعى لتحقيقه
قبل جولتين من نهاية القسم الأول بدوري نجوم بنك الدوحة للموسم الجاري 2025ـ 2026 يتصدر فريق الغرافة ترتيب الدوري برصيد 22 نقطة بفارق 4 نقاط عن اقرب منافسيه نادي الشمال في المركز الثاني، وكان للفوز الأخير للفهود أمام القطراوي مفعول كبير ومهم لتثبيت الفريق على القمة والاستمرار بها، في إطار رحلة الفريق للتتويج باللقب بعد
سنوات مع المدرب البرتغالي بيدرو مارتينيز، ومن ابرز اللاعبين في صفوف الفهود اللاعب أحمد الجناحي الذي يمثل عنصرا رائعاً في صفوف الفهود وأيضا منتخبنا الوطني وكان من المساهمين في الوصول لكأس العالم 2026 التي ستقام في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك ولذلك حرصت «العرب» على الالتقاء باللاعب للحديث معه حول مستوى الفريق وصدارة ترتيب دوري النجوم، مؤكداً أن من المبكر الحديث أن الفريق الاقرب للدوري ولكن بالتأكيد هو من اهم أهداف هذا الموسم لاستعادة اللقب الغائب منذ سنوات، وأيضا هناك رغبة لاستمرار حصد البطولات بعد الفوز بلقب أغلى الكؤوس النسخة القادمة.
◆ بداية.. صدارة للغرافة بدوري النجوم ما رأيك؟
¶ بالتأكيد كفريق مثل الغرافة طموحنا هو لقب الدوري، ولله الحمد نحن حالياً في صدارة الدوري ولكن حتى الآن «تو الناس» أن نقول إن اللقب قريب ولكن الصدارة مستحقة عطفاً على الأداء والانتصارات التي حققها الفريق والذي كان آخرها على احد المنافسين وهو نادي قطر بهدفين مقابل هدف.
◆ هل الفوز على قطر كان مهما لتأكيد جدارتكم بالصدارة؟
¶ نعم.. لأن نادي قطر وقتها كان فارق النقاط بيننا بسيطا ولذلك الفوز كان مهماً رغم الصعوبات التي واجهتنا في المباراة من ضمنها البطاقة الحمراء.
◆ ارتفاع واضح في مستواك في الأعوام الماضية وتألق كبير.. ما السر؟
¶ أولا اشكر الله سبحانه وتعالى على التألق وإشادة الجميع بمستواي، ولكن هذا الشكل والأداء راجع إلى ثقة الجهاز الفني بي واللاعبين والجهاز الفني والإداري ومجلس الإدارة وأنا لاعب دائما أتطلع للأفضل، وأنا شخصيا اعشق الحصول على الألقاب والبطولات ودائما أتعطش للفوز بها.
◆ كنت من العناصر التي ساهمت في تأهل العنابي للمونديال..هل حلمك القادم التواجد بالمونديال؟
¶ في البداية أؤكد أنني سعيد للغاية أنني كنت جزءا وعنصرا من اللاعبين الذين تواجدوا في قائمة التأهل للمونديال وإسعاد جماهيرنا الوفية، وحالياً سأقاتل وأقدم كل ما بوسعي واستمر في العمل لتحقيق حلم التواجد في القائمة النهائية في مونديال 2026.
◆ على عكس الدوري المحلي هناك تراجع كبير للغرافة في الآسيوية.. بما تفسر؟
¶ البطولة الآسيوية الأخطاء بها ممنوعة، وفي اللقاء الأول أمام الشارقة كنا متقدمين ولكن بعض الأخطاء أوقعتنا في الخسارة، ولكن ما زال الأمل قائما وطموحنا التأهل للدور المقبل وسنقاتل لتحقيق الأمر.
◆ كلاعب مواطن.. هل 10 محترفين مفيد أم مضر لكم؟
¶ بالعكس تواجد 10 لاعبين في صالح اللاعبين المواطنين لتقديم أداء مميز، والدوري هذا الموسم أفضل وأقوى من الموسم الماضي لان المواطنين يريدون إثبات انفسهم في أنديتهم وأيضا لمدرب المنتخب الوطني للتواجد في العنابي في مونديال 2026.
◆ خوسيلو سيغيب لفترة طويلة عن صفوف الغرافة.. مدى تأثير غيابه على هجوم الفهود؟
¶ خوسيلو لاعب مميز والمعروف ومن أفضل اللاعبين في الدوري وغيابه بكل تأكيد صعب باعتباره أن عنصر رائع وغيابه خسارة لنا ولكن بإذن الله لدينا من يصنع الفارق.
◆ أخيراً.. رسالتك للجماهير الغرفاوية؟
¶ نحن في صدارة الدوري وطموحنا اللقب ومنذ سنوات لم نحقق لقب الدوري ولذلك رسالتي لهم أن يواصلوا الدعم والحضور بقوة لنا في المدرجات وبإذن الله سنبيض الوجه ونسعدهم باستمرار، وجماهيرنا تستحق الفرحة.