لجريدة عمان:
2025-11-19@17:43:43 GMT

فكر المكان.. مكان الفكر

تاريخ النشر: 19th, November 2025 GMT

فكر المكان.. مكان الفكر

ما زال عملاق الفكر الثقافي العربي إدوارد سعيد المتوفي عام 2003 موجودا بقوة في حياتنا، نحن الذين نبحث باستمرار عن الحقيقة التاريخية والإلهام الأدبي والانفتاح الذهني وتفكيك المركزية الثقافية الاستعمارية الأوروبية، وصدق ورصانة البحث التاريخي والانتصار لعدالة قضيتنا. كان سعيد رائدا لدراسات ما بعد الاستعمار وناقدا أدبيا واسع الاطلاع ولا تزال كتبه وخاصة (الاستشراق) تفعل فعلها في الأوساط الجامعية والثقافية الغربية والعربية.

تعرفت وجها لوجه على الراحل الكبير قبل عشرين عاما، وتلقيت على يديه درسا سريعا في الشارع، منتصف تسعينيات القرن الماضي عبر عبارات صادمة قالها لي وهو يجلس بسيارة واقفة أمام إشارة ضوئية، برام الله: (أنا لست قديسا يا بنيّ أنا مجرد باحث عن الحقيقة ومقاتل في جيشها، فلا تراني أبعد من ذلك، ربما أكون مخطئا أو مبالغا أو متحيزا، كن ابن الحقيقة بطريقتك)، كنت قد انحنيت على النافذة وقلت له بما معناه: أنت وفيروز ومحمود درويش وجهنا الحضاري والإنساني، نحن نحبك، فلم يرتح كثيرا لنبرة التقديس كما سمّاها في كلامي، أسابيع طويلة وأنا أفكر في عباراته لي، تعلمت منها كثيرا وصرت أحرص على أن أكون واقعيا وموضوعيا لا انفعاليا وعاطفيا في تفسيري لظواهر ثقافية وتاريخية في بلادنا والعالم. غيّرني لقاء الرصيف السريع، وأثّر على منهجي في التفكير، وجعلني أذهب إلى كتبه بحماسة عاقلة.

وقع في يدي قبل فترة كتاب سيرة غيرية عن سعيد (إدوارد سعيد أماكن الفكر) صادر عن المجلس الأعلى للثقافة والفنون في الكويت عام 2022 مؤلفها، هو الأمريكي تيموني برنن وهو أحد طلاب أدوارد سعيد ويعمل أستاذا للأدب المقارن والدراسات الثقافية في جامعة مينسوتا، مترجم الكتاب الذي يقع في أكثر من 500 صفحة من القطع الكبير هو محمد عصفور.

يكتب الأستاذ محمد شاهين في مقدمة الكتاب: (هذه المقدمة لن تفي المؤلف تيموني حقه لكني أود أن أضيف ملاحظات عامة فهذه الأسطر أولا وقبل كل شيء ألقت الضوء على سيرة سعيد خارج المكان وأضاءت كثيرا من الأماكن التي كانت بحاجة إلى التأويل، وفي الوقت نفسه ملأت الفراغ الذي كان سعيد نفسه ينوي ملأه بكتابة جزء ثان من السيرة وكأن المؤلف تيموني أخذ على عاتقه أن يشارك، صاحب السيرة في كتابة ما حالت الظروف دون إنجازه عندما كان على قيد الحياة).

هذا الكتاب ليس بالضبط سيرة غيرية عادية، هو لا يتحدث عن تفاصيل أو محطات حياة سعيد بشكل خاص، هو يركز على الأمكنة التي أنتجت إبداعه وغربته والتي شكّلت عقله النقدي الكبير، وهناك أيضا تركيز على شخصيات مهمة أثّرت على فكره وحوّلت عينيه إلى آفاق واسعة، كما أن هناك شخصيات تأثرت به، وآمنت بمنهجه الفكري واستلهمت منه طرق تحليله للعالم والكتب والتاريخ.

ضم الكتاب 12 فصلا، تبدأ بفصل الشرنقة ثم عدم الاستقرار والتلمذة في مدارس الصفوة والعميل السري وقبل أوسلو وعقل الأغيار ومن سايغون إلى فلسطين وفي مواجهة الآلهة الزائفة وبضع أفكار بسيطة والعالم الثالث يتكلم وشعبان في أرض واحدة والسباق مع الزمن.

ثمة هوامش جدا مهمة كمراجع للباحثين والمهتمين ويحتوي الكتاب على صور قديمة وجديدة لسعيد وأسرته وأصحابه وزملائه. على الغلاف الأخير، كتب الباحث الدكتور الشهير وليد الخالدي واصفا الكتاب بأنه يقدم صورة إدوارد سعيد بكل أبعادها، ويكشف الزوايا العديدة لحياته وأعماله التي يجلها الأقربون ويضيف الخالدي: إن تيموني برنن مؤلف الكتاب يعطينا فيه صورة رثائية مرهفة لشخصية من أبعد شخصيات القرن العشرين تأثيرا.

ليس عن أماكن الفكر هذا الكتاب فحسب، هو أيضا عن فكر الأماكن.

رحم الله إدوارد سعيد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إدوارد سعید

إقرأ أيضاً:

خنفر: هزيمة المشروع الصهيوني أقرب من أي وقت.. والرنتاوي: لا مكان لعباس وخليفته

قدّم كل من المفكرين عريب الرنتاوي، مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية، ووضاح خنفر، المدير العام السابق لشبكة الجزيرة ورئيس منتدى الشرق، قراءتين حادّتين للمشهد الفلسطيني خلال مشاركتهما في ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني الثالث في إسطنبول.

واتفق المتحدثان على أن المسارات التقليدية للحل قد انهارت تماماً، وأن القضية الفلسطينية تدخل لحظة تحوّل مفصلية، وسط تصدّع للنظام الدولي وتآكل شرعية القيادات القائمة.

وشدّد وضاح خنفر على أن "هزيمة المشروع الصهيوني باتت أقرب من أي وقت في التاريخ"، مؤكداً أن هذا الاستنتاج ليس "أمنيات" بل يستند إلى تفكك النظام الدولي الذي تأسست إسرائيل في ظله بعد الحرب العالمية الثانية.

ورأى خنفر أن الضغوط الجيوسياسية العالمية واهتزاز التحالفات الكبرى تفتح نافذة تاريخية غير مسبوقة أمام الفلسطينيين والمنطقة، داعياً إلى قراءة المرحلة بعيداً عن منطق التسويات التقليدية.


لا مسار تفاوضي
في المقابل، قدّم عريب الرنتاوي رؤية قاتمة تجاه مسار التفاوض وحل الدولتين. وقال إن "أي مسار تفاوضي مع هذا العدو رهان خائب"، لا سيما في ظل التحولات العميقة داخل إسرائيل نحو مزيد من التطرف والأيديولوجيا الإقصائية.

واتّهم الرنتاوي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله بأنها تعمّدت تعطيل الوحدة الوطنية منذ 7 أكتوبر 2023، مشيراً إلى أن "لا وحدة ولا مصالحة بوجود الرئيس محمود عباس وخليفته" في إشارة إلى حسين الشيخ.

وحذّر من أن المرحلة التالية قد تشهد إعادة تكييف السلطة بما يتوافق مع الشروط الأمريكية والإسرائيلية، وصولاً – بحسب تعبيره – إلى "قبول دولة على حدود رام الله والبيرة".

دعوة لبناء جبهة فلسطينية جديدة
اعتبر الرنتاوي أن التعلّق باجتماعات المصالحة المتناثرة (بكين 2، القاهرة 10، الدوحة 5…) هو مضيعة للوقت، داعياً بدلاً من ذلك إلى: خلق كتلة فلسطينية قوية، بناء جبهة وطنية عريضة وموحدة، ومنافسة القيادة الحالية على الشرعية.

ورأى أن حركة حماس تشكل العمود الفقري الثاني للنظام السياسي (بعد فتح)، لكنها "لا يجب أن تكون قطباً وحيدة"، داعياً إلى توسيع الاصطفاف ليشمل فصائل ومؤتمرات وشخصيات مستقلة، بما يقدّم عنواناً وطنياً بديلاً للفلسطينيين.

وفي رؤيته لإعادة بناء المؤسسات الوطنية، دعا الرنتاوي إلى إنشاء "وكالة فلسطينية عالمية" لرعاية شؤون الشتات، يحث يمكن تسجيل الفلسطينيين إلكترونياً لتمكينهم من المشاركة في القرار.

يشار إلى شخصيات وطنية فلسطينية أجمعت خلال مشاركتها في ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني الثالث على أهميّة تمثيل الفلسطينيين في الخارج وإشراكهم في القرار الفلسطيني، ومنع تهميشهم. 


مقالات مشابهة

  • الزمالك ينتظر حل أزمة القيد قبل حسم موقف طارق حامد
  • وفروا المكان وسهلوا المعدات.. النيابة تفضح المتهمين بتصنيع المخدرات بالتجمع
  • بالصور.. شاهدوا الخيمة التي سيلتقي فيها البابا مع شخصيات
  • جلسة صوت الفكر بالجبل الأخضر تناقش الأهمية الاقتصادية للأشجار والنباتات
  • وصول شحنة جديدة من «الكتاب المدرسي» إلى ميناء طرابلس
  • انتخابات صيدا.. منافسة بين 3 شخصيات بارزة
  • خنفر: هزيمة المشروع الصهيوني أقرب من أي وقت.. والرنتاوي: لا مكان لعباس وخليفته
  • الازمة الانتخابية تصاعدية والمعركة في مكان آخر
  • خالد النبوي: الغرور لا مكان له في قلب أي فنان