قرار مجلس الأمن وغزة بين رفض الوصاية الدولية وحماية حق المقاومة
تاريخ النشر: 20th, November 2025 GMT
لا يتعامل الفلسطينيون مع قرارات مجلس الأمن بوصفها نصوصا قانونية مجردة، بل كوقائع قد تعيد تشكيل حياتهم وحدودهم ومستقبل قضيتهم. القرار الأخير المتعلق بغزة تحت عناوين "الاستقرار" و"الإعمار" لم يُستقبل كخطوة تقنية لإنهاء الحرب فحسب، بل كمنعطف يمكن أن يكرّس نمطا جديدا من الوصاية الدولية على جزء حيوي من الجغرافيا الفلسطينية، ويعيد تعريف طبيعة الصراع نفسه.
في جوهر الرفض الفصائلي، تُقرأ صيغة القرار كجزء من مسار أوسع لتحويل القضية الفلسطينية من قضية تحرر وعودة وإنهاء استعمار استيطاني إلى "ملف إنساني/أمني" تُديره منظومات دولية وإقليمية. اللغة المستخدمة ـ من "قوات استقرار" و"آليات مراقبة" و"تقارير دورية" و"ترتيبات أمنية واقتصادية" ـ تعكس مقاربة ترى في غزة منطقة أزمة تحتاج إلى إدارة، لا أرضا محتلة تحتاج إلى تحرير. حين يصبح الحديث منصبا على شكل القوة الدولية وتركيبة اللجان وآليات الرقابة، يتراجع إلى الخلف النقاش حول الاحتلال والحصار والاستيطان وحق العودة، ويتحوّل الاحتلال إلى خلفية صامتة بينما تتصدّر المشهد مفردات "الاستقرار" و"إدارة الوضع الميداني".
الخوف في الحالة الفلسطينية أن تتكرّر الصيغة نفسها في غزة: قوة دولية تدخل تحت عنوان الحماية، ثم تتحوّل بمرور الوقت إلى سلطة أمر واقع تتحكم بالمعابر والحدود والمشاريع، وتشرف على الإعمار وإعادة الهيكلة الأمنية، وتتّخذ من غزة كيانا شبه مستقل له نظامه الأمني والاقتصادي الخاص. حينها يكون الخطر مضاعفا: تكريس فصل سياسي وجغرافي بين غزة والضفة، وخلق بنية وصاية دولية تُعيد إنتاج السيطرة على القطاع في صيغة جديدة وإن تغيّرت الشعارات والأسماء.أحد أبرز عناصر الجدل يتعلّق بفكرة نشر قوة دولية أو إقامة إدارة انتقالية واسعة الصلاحيات في غزة. من حيث الشكل، قد تبدو "الحماية الدولية للمدنيين" مطلبا منطقيا بعد حجم الكارثة الإنسانية، لكن التساؤل الفلسطيني الأساسي هو: من يحدّد تفويض هذه القوة؟ ولصالح من تعمل عمليا؟ التجارب الدولية في البوسنة وكوسوفو وتيمور الشرقية تُقرأ فلسطينيا بوصفها تحذيرا لا نموذجا؛ إذ تحوّل الوجود الدولي هناك إلى إدارة طويلة الأمد كرّست الانقسام أو جعلت القرار السيادي مرتهنا لهيئات فوق وطنية، وأحيانا إلى سلطة فعلية تدير الأرض والاقتصاد والأمن لسنوات.
الخوف في الحالة الفلسطينية أن تتكرّر الصيغة نفسها في غزة: قوة دولية تدخل تحت عنوان الحماية، ثم تتحوّل بمرور الوقت إلى سلطة أمر واقع تتحكم بالمعابر والحدود والمشاريع، وتشرف على الإعمار وإعادة الهيكلة الأمنية، وتتّخذ من غزة كيانا شبه مستقل له نظامه الأمني والاقتصادي الخاص. حينها يكون الخطر مضاعفا: تكريس فصل سياسي وجغرافي بين غزة والضفة، وخلق بنية وصاية دولية تُعيد إنتاج السيطرة على القطاع في صيغة جديدة وإن تغيّرت الشعارات والأسماء.
في قلب هذا المشهد، يحتل ملف سلاح المقاومة موقعا مركزيا. فالقرار يتعامل مع هذا السلاح بوصفه "مشكلة أمنية" يجب تفكيكها أو تحييدها، لا كجزء من حق شعب واقع تحت الاحتلال في مقاومة من يحتل أرضه. من وجهة نظر فصائل المقاومة، لا يمكن فصل السلاح عن سياقه: احتلال قائم، حصار طويل، وغياب مسار جدي يضمن الحقوق الوطنية. لذلك يُنظر إلى أي ربط بين وقف العدوان أو الإعمار وبين نزع السلاح أو وصم المقاومة بالإرهاب على أنه تفريغ لحق المقاومة وتحويله إلى ملف أمني يُدار بالتمويل والضغط السياسي ومعادلات من نوع "هدوء مقابل إعمار" و"تسهيلات مقابل نزع سلاح".
مع ذلك، يبقى النقاش حول سلاح المقاومة أيضا شأنا فلسطينيا داخليا، لا يمكن اختزاله في الموقف من قرارات دولية. فهناك أسئلة مشروعة عن كيفية إدارة هذا السلاح، وربطه باستراتيجية وطنية متوافق عليها، والتوفيق بين فعاليته العسكرية وحماية المدنيين وتقليل الكلفة الإنسانية قدر الإمكان. إلا أن القرار الدولي المطروح يتجاهل هذه الأبعاد تماما، ويقفز مباشرة إلى اعتبار السلاح عائقا أمام "الاستقرار"، متبنيا سردية أمنية متقاربة مع نظرة الاحتلال أكثر مما تقترب من رؤية شعب تحت الاحتلال.
الانقسام في الموقف الفلسطيني من القرار لا يقف عند حدود "المقاومة في مواجهة المجتمع الدولي"، بل يمتد إلى الداخل الفلسطيني نفسه. فحركات مثل حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية تتعامل مع القرار باعتباره مقدمة لوصاية دولية وفصل لغزة عن الضفة، وتحذر من ربط القطاع بنظام أمني واقتصادي خاص يُدار دوليا أو إقليميا. في المقابل، تحاول السلطة الفلسطينية أن ترى في القرار فرصة دبلوماسية قابلة للتعديل، يمكن استثمارها لتعزيز موقعها التمثيلي ودورها في الإعمار والإدارة.
هذا التباين يعكس اختلافا في الرهانات لا في اللغة فقط. فالفصائل المقاومة تعطي الأولوية لحماية سلاحها ووحدة الأرض ورفض أي وصاية، بينما تراهن السلطة على توسيع هامش حركتها داخل النظام الدولي القائم ولو بثمن قبول بعض الترتيبات الانتقاصية. الخشية هنا من أن يؤدي هذا المسار الأخير إلى إعادة إنتاج نموذج "إدارة دولية ـ محلية مشتركة" رأيناه في تجارب أخرى، ولكن فوق أرض ما زال الاحتلال والاستيطان فيها حقيقة يومية.
لا ينحصر الجدل الفلسطيني حول قرار مجلس الأمن في سؤال "مع أم ضد"، بل في سؤال أعمق: هل يُراد لغزة أن تكون مدخلا لحل عادل أم بوابة لوصاية جديدة وتسوية منقوصة؟إلى جانب البعد الأمني والسياسي، يبرز البعد الاقتصادي كجبهة صراع أساسية. فالمساعدات والإعمار والتحكم في المعابر ليست شؤونا تقنية محايدة. من خلال السيطرة على تدفق الأموال والمواد، وعلى هوية الجهات المنفّذة للمشاريع، يمكن تحويل لقمة العيش إلى أداة ضغط لإخضاع المجتمع وإعادة تشكيل نخبه السياسية. استهداف وكالة الأونروا وتقليص دورها التاريخي تجاه اللاجئين ليس خطوة إدارية عابرة، بل مسّ بجوهر قضية اللاجئين وحق العودة. حين تصبح الإغاثة ورقة سياسية، والإعمار أداة ابتزاز، يتحول الاقتصاد إلى وسيلة لإعادة إنتاج التبعية وربط حياة الناس بإرادة الاحتلال والمنظومة المانحة.
في المقابل، يذكّر مؤيدو القرار بوقائع لا يمكن تجاهلها: اختلال ميزان القوى، الحاجة الفورية لوقف نزيف الدم، صعوبة تأمين تمويل دولي واسع خارج إطار أممي أو دولي منظّم، وخطر استمرار الحرب إذا رُفضت كل المبادرات. من وجهة نظرهم، قد يكون القبول بإطار دولي ناقص أقلّ سوءا من استمرار حرب مفتوحة ودمار شامل.
لكن الرافضين يردّون بأن التجربة الفلسطينية الطويلة مع "المجتمع الدولي" لا تشجّع على الثقة بحياده، وأن أي ترتيبات لا تمسّ جوهر الاحتلال ولا تفرض عليه انسحابا ووقفا للاستيطان ومحاسبة على جرائمه ستظل إدارة لأزمة لا حلا لها. القبول اليوم بصيغ وصاية، حتى لو تحت ضغط الضرورة الإنسانية، قد ينتج واقعا جديدا يفرض نفسه لاحقا ويُستخدم لتصفية عناصر أساسية من القضية.
لذلك، لا يتوقف الموقف الفلسطيني الناضج عند حدود الرفض، بل يتجه نحو طرح شروط وطنية لأي ترتيبات دولية تخص غزة، من بينها: مرجعية فلسطينية موحدة تشارك فيها القوى الأساسية؛ وتحديد وظيفة أي قوة دولية في حماية المدنيين وتسهيل المساعدات والفصل بين الأطراف دون أن تتحول إلى سلطة حكم؛ ووضع سقف زمني واضح لأي وجود دولي؛ وربط أي إطار أممي بآليات ملزمة لرفع الحصار ووقف الاستيطان والانسحاب من الأراضي المحتلة.
في المحصلة، لا ينحصر الجدل الفلسطيني حول قرار مجلس الأمن في سؤال "مع أم ضد"، بل في سؤال أعمق: هل يُراد لغزة أن تكون مدخلا لحل عادل أم بوابة لوصاية جديدة وتسوية منقوصة؟ الرفض الفصائلي يعكس خوفا حقيقيا من تحويل المعاناة الإنسانية إلى أداة لإعادة هندسة القضية. والتحدي الأكبر أمام الفلسطينيين يبقى في قدرتهم على بناء موقف وطني موحد يضع شروطا واضحة لأي تدخل دولي، بحيث يتحول من أداة لإدارة الصراع إلى رافعة لحقوق الشعب، لا إلى غطاء لتذويبها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الفلسطينيون مجلس الأمن غزة الاحتلال احتلال فلسطين غزة مجلس الأمن خطة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات صحافة رياضة سياسة مقالات سياسة اقتصاد صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مجلس الأمن قوة دولیة إلى سلطة دولیة ت فی سؤال فی غزة
إقرأ أيضاً:
الفصائل الفلسطينية عن قرار مجلس الأمن : وصاية دولية وفرض وقائع جديدة
#سواليف
عقبت #الفصائل_الفلسطينية، على #القرار_الأمريكي في #مجلس_الأمن القاضي بتشكيل #قوة_دولية في #غزة، مؤكدة أن القرار لا يرتقي إلى مستوى مطالب و #حقوق_الشعب_الفلسطيني السياسية والإنسانية، ويفرض #وصاية_دولية على قطاع غزة.
وقالت حركة حماس في بيان لها، لاحقا للتصويت على القرار الأمريكي، إن هذا القرار لا يرتقي إلى مستوى مطالب وحقوق شعبنا الفلسطيني السياسية والإنسانية، ولا سيما في قطاع غزة، الذي واجه على مدى عامين كاملين حربَ إبادةٍ وحشية وجرائم غير مسبوقة ارتكبها الاحتلال الإرهابي أمام سمع وبصر العالم، ولا تزال آثارها وتداعياتها ممتدة ومتواصلة رغم الإعلان عن إنهاء الحرب وفق خطة الرئيس ترامب.
وأكدت حماس، أن القرار آليةَ وصايةٍ دولية واضحة على قطاع غزة، وهو ما يرفضه شعبنا وقواه وفصائله، كما يفرض آليةً لتحقيق أهداف الاحتلال التي فشل في تحقيقها عبر حرب الإبادة الوحشية.
مقالات ذات صلةوأوضحت في بيانها، أن هذا القرار ينزع قطاعَ غزة عن باقي الجغرافيا الفلسطينية، ويحاول فرض وقائع جديدة بعيداً عن ثوابت شعبنا وحقوقه الوطنية المشروعة، بما يحرم شعبنا من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وقالت إن مقاومة الاحتلال بكل الوسائل حقٌّ مشروع كفلته القوانين والمواثيق الدولية، وإن سلاح المقاومة مرتبط بوجود الاحتلال، وأيّ نقاش في ملف السلاح يجب أن يبقى شأناً وطنياً داخلياً مرتبطاً بمسار سياسي يضمن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة وتقرير المصير.
واعتبرت أن تكليف القوة الدولية بمهام وأدوار داخل قطاع غزة، منها نزع سلاح المقاومة، ينزع عنها صفة الحيادية ويحوّلها إلى طرف في الصراع لصالح الاحتلال. وإن أي قوة دولية، في حال إنشائها، يجب أن تتواجد على الحدود فقط، للفصل بين القوات، ومراقبة وقف إطلاق النار، وأن تخضع بالكامل لإشراف الأمم المتحدة، وأن تعمل حصرياً بالتنسيق مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية، من دون أن يكون للاحتلال أيّ دور فيها، وأن تعمل على ضمان تدفّق المساعدات، دون أن تتحول إلى سلطة أمنية تلاحق شعبنا ومقاومته.
وأشارت حماس إلى أن المساعدات الإنسانية وإغاثة المنكوبين وفتح المعابر حقٌّ أساسي لشعبنا في قطاع غزة، ولا يمكن إبقاء المساعدات وعمليات الإغاثة في دائرة التسييس والابتزاز والإخضاع لآليات معقّدة، في ظل الكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي صنعها الاحتلال، والتي تتطلب الإسراع في فتح المعابر وضخّ كل الإمكانيات لمواجهتها عبر الأمم المتحدة ومؤسساتها، وفي مقدّمتها وكالة الأونروا.
وطالبت المجتمع الدولي ومجلس الأمن بإعادة الاعتبار للقانون الدولي والقيم الإنسانية، واتخاذ قرارات تُحَقّق العدالة لغزة وللقضية الفلسطينية، عبر الوقف الفعليّ لحرب الإبادة الوحشية على قطاع غزة، وإعادة الإعمار، وإنهاء الاحتلال، وتمكين شعبنا من تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
من جانبها، عبرت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين عن رفضها القرار الأمريكي الذي تبناه مجلس الأمن الدولي الليلة الماضية، لما يشكّله من وصاية دولية على قطاع غزة، وهو أمر ترفضه كل مكونات شعبنا وقواه، نظراً إلى أنه يهدف إلى تحقيق أهداف لم يتمكن الاحتلال من إنجازها عبر حروبه المتكررة. والأخطر من ذلك، أن هذا القرار يفصل القطاع عن باقي الأراضي الفلسطينية، ويفرض وقائع جديدة تناقض ثوابت شعبنا وتصادر حقه في تقرير مصيره، وعلى رأسها حقه في مقاومة الاحتلال الذي تجيزه كل الشرائع والأعراف والقوانين.
وأكدت الجهاد، أن حق شعبنا في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة هو حقّ كفله القانون الدولي، ويشكل سلاح المقاومة ضمانةً لهذا الحق. لذا، فإن أي تكليف لقوة دولية بمهام تشمل نزع سلاح المقاومة يحوّلها من طرف محايد إلى شريك في تنفيذ أجندة الاحتلال.
وقالت إن المساعدات الإنسانية وإغاثة المتضررين وفتح المعابر أمام القطاع المحاصر هو واجب إنساني؛ وإننا ندين تحويلها إلى أداة للضغط السياسي أو الابتزاز.
وأكدت أن فرض هيئة حكم أمريكية بمستوى دولي على جزء من شعبنا دون رضاه أو موافقته هو انتهاك للقانون الدولي الإنساني. وأردفت: لقد أغفل القرار معالجة الجوانب الأساسية للعدالة، متجاهلاً محاسبة مجرمي الحرب، وتحميل الاحتلال مسؤولية جرائمه المستمرة بحق شعبنا. كما تجاهل ضرورة رفع الحصار الجائر وإعادة وصل قطاع غزة بالأراضي المحتلة، ما يعكس دعماً لأجندة تهدف إلى تمزيق الجغرافيا الفلسطينية وتخدم أجندات الضم والتهجير التي ينتهجها الكيان.
بينما رحبت السلطة الفلسطينية باعتماد مجلس الأمن الدولي، مشروع القرار الأميركي بشأن غزة، الذي يؤكد تثبيت وقف إطلاق النار الدائم والشامل في قطاع غزة، وإدخال وتقديم المساعدات الإنسانية دون عوائق، ويؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة.
وأكدت، ضرورة العمل فورا على تطبيق هذا القرار على الأرض، بما يضمن عودة الحياة الطبيعية، وحماية شعبنا في قطاع غزة ومنع التهجير، والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال وإعادة الإعمار ووقف تقويض حل الدولتين، ومنع الضم، وفق ما جاء في بيان رسمية.