القاهرة تجمع رواد العمارة العربية لصياغة مستقبل عمراني موحّد في عصر التحول الرقمي
تاريخ النشر: 24th, November 2025 GMT
استضافت القاهرة فعاليات مهرجان جوائز المعماريين العرب بمشاركة واسعة من قيادات الهندسة والعمارة من مختلف أنحاء المنطقة، في لقاء ركّز على مستقبل الهوية العمرانية العربية ودور الابتكار في عصر التحول الرقمي. وجاء الحدث ليجمع نخبة من الخبراء وصنّاع القرار في لحظة تشهد فيها القطاعات الهندسية تحديات اقتصادية وسياسية متشابكة، ما جعل الحوار حول التعاون العربي وتطوير نموذج حضاري موحد أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
وشدد جوزيف الحوارني، رئيس المهرجان، على أهمية الحفاظ على أصالة الفكر المعماري العربي في ظل المتغيرات المتسارعة، معتبرًا أن التوقف عن توثيق الإنجازات يهدد جوهر الإبداع. وأوضح أن الدفاع عن القلم والورقة ليس رفضًا للتحول الرقمي، بل حفاظًا على الجذور الفكرية للمهنة، مشيرًا إلى أن العمارة العربية الممتدة من الجزائر إلى القاهرة وبيروت وعمان تمتلك إرثًا لا يمكن اختزاله. ودعا إلى مراجعة التجارب المالية والتنظيمية في المؤسسات الهندسية العربية لتفادي أخطاء النماذج الغربية، مؤكدًا أن حضور المهرجان في القاهرة يعكس صلابة صوت المعماري العربي رغم الظروف المحيطة.
من جانبه، أكد الدكتور عادل الحديثي، رئيس اتحاد المهندسين العرب، أن ما تحقق من إنجازات داخل الاتحاد هو ثمرة جهود جماعية عملت في ظل تحديات مالية وإدارية كبيرة. وأشار إلى أن لقاءات المعماريين والمهندسين العرب تمثل امتدادًا لمسار طويل من التعاون، وأن النقاشات داخل اللجان التنفيذية تهدف إلى دعم العمل الهندسي العربي وصياغة آفاق مستقبلية أكثر تكاملًا بين الدول.
ورحّب المهندس طارق النبراوي، نقيب المهندسين المصريين، بالوفود المشاركة، معتبرًا أن وجودهم في القاهرة يمثل فرصة للاطلاع على التطورات العمرانية التي تنفذها مصر خلال السنوات الأخيرة. وأكد أن المرحلة المقبلة تتطلب تعزيز التعاون الهندسي العربي، مشددًا على أهمية العمل المشترك لدعم خطط التنمية في مختلف دول المنطقة.
وأشار اللواء مهندس محمود عرفات، الأمين العام لنقابة المهندسين المصرية، إلى أن المهرجان يعكس رؤية واضحة لمستقبل هندسي عربي يقوم على الابتكار والإبداع دون التخلي عن الأصالة. وأوضح أن تبادل الخبرات وتطوير الأدوات والتنسيق بين المؤسسات الهندسية العربية يمثل مسؤولية مشتركة لدعم الدور الحضاري للمهندس. وأكد الدكتور محمد هشام سعودي، وكيل النقابة، أن الهوية العربية كانت وما زالت عنصرًا أساسيًا في مسيرة البناء عبر العصور، معتبرًا أن التعاون وتطوير الأدوات الهندسية هو الطريق نحو مستقبل حضاري مشترك.
وبيّن الدكتور أحمد الزيات، رئيس شعبة الهندسة المعمارية، أن العمارة العربية أصبحت قوة مؤثرة على الساحة العالمية، وأن المهرجانات والمسابقات المعمارية تعد منصة مهمة لتعزيز حضور الهوية العمرانية عربيًا ودوليًا. وأكد أهمية تنظيم لقاءات دورية بين المعماريين العرب لتطوير نماذج بناء أكثر تعبيرًا عن خصوصية المنطقة.
وأكد محمد الصعيدي، الرئيس التنفيذي لشركة Brandit المنظمة للحدث، أن نجاح المهرجان جاء نتيجة تعاون وثيق بين مؤسسات حكومية وقطاع خاص، موجّهًا الشكر لرئاسة مجلس الوزراء، وجامعة الدول العربية، وعدد من الوزارات والجهات الداعمة. وأشار إلى أن الحدث صُمّم بروح شبابية تهدف إلى تمكين المواهب العربية الشابة، مؤكدًا أنهم الركيزة الحقيقية لنجاح المهرجان واستمراره.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المعماريين العرب الهوية العمرانية عصر التحول الرقمي المهرجان المواهب العربية إلى أن
إقرأ أيضاً:
إبراهيم الهدهد: العربية أوسع لغات العالم.. واختارها الله لرسالته لأنها تجمع المعاني في ألفاظ قليلة
عقد الجامع الأزهر، مساء أمس الثلاثاء، ندوته الأسبوعية ضمن «ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة» تحت عنوان: «ردُّ الغارة على اللغة العربية»، وذلك بحضور عدد من العلماء والباحثين وروَّاد الجامع، وبمشاركة الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، والدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات المساعد بجامعة الأزهر، وبإدارة الإعلامي إسماعيل دويدار، رئيس إذاعة القرآن الكريم.
وذلك برعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيّب، شيخ الأزهر الشريف، وبتوجيهات فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر.
وأوضح فضيلة الدكتور إبراهيم الهدهد، أن الحديث عن اللغة العربية يبدأ من خصوصية عظيمة ميّزها الله تعالى بها، فهي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، واصطفاها الله لتكون وعاء رسالته الخاتمة إلى العالمين. وبيّن أن من أولى النعم التي اختص الله بها نبيه المصطفى ﷺ ما ورد في قوله: «فضلت على الأنبياء بست»، وفي رواية: «أوتيت جوامع الكلم»، وهي دلالة واضحة على أن العربية تملك قدرة فريدة على جمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، ما يسهل حفظها وتناقلها، ويجعلها أقدر اللغات على حمل الخطاب الرباني الموجّه للإنسانية كلها.
وقال إن العرب عُرفوا بإيجاز يُحفظ عنهم، وإطناب يُفهم عنهم، موضحًا أن مقام الحفظ يقتضي اختصارًا، بينما يقتضي مقام الإفهام بسطًا، ولذلك جاءت العربية بخصائص تجعلها أصلح اللغات للتبليغ والهداية.
وأضاف أن اختيار الله لهذه اللغة دون غيرها لتكون لغة القرآن دليل على ما فيها من طاقة بيانية وإمكانات دلالية واسعة، فهي لغة قادرة على مخاطبة جميع الناس، واستيعاب المعاني الدقيقة في قوالب محكمة، كما دلّ عليه استعمال النبي ﷺ لجوامع الكلم وأسلوب القرآن المعجز.
وأشار فضيلته إلى أن أوسع دليل على تميّز العربية هو أرقام مفرداتها؛ فاللغة –بوصفه– «عملة فكرية» تُبنى منها الجمل والنصوص، وكلما اتسعت العملة اتسع البناء. وذكر مثالًا بقاموس «لسان العرب» بوصفه معجمًا متوسط الحجم يقع في 8 مجلدات، يحتوي كل مجلد منها على نحو 800 صفحة من القطع الكبير، في مقابل أوسع معجم إنجليزي وهو «أكسفورد» الذي لا يتجاوز ألف صفحة، وكذلك القواميس الفرنسية التي تدور في الحدود نفسها. وخَلُص إلى أن العربية –وفق هذا القياس– تتفوّق على اللغات العالمية بما لا يقل عن ستة أضعاف في ثراء مفرداتها، مما يعكس مكانتها كلغة قادرة على استيعاب العلوم والمعارف وحمل الرسالة الخالدة عبر العصور.
من جانبه، قال فضيلة الدكتور ربيع الغفير إن اللغة العربية ليست مجرد وسيلة تعبير أو أداة تواصل، بل هي هوية هذه الأمة وعماد هذا الدين؛ فهي القرآن والسنة، وهي اللسان الذي اصطفاه الله تعالى ليكون وعاء الوحي ولسان الدستور الخالد الذي يضيء للإنسانية طريق الهداية إلى يوم القيامة. وبيّن أن الدفاع عن العربية ليس ترفًا ثقافيًّا ولا ميلًا لغويًّا، بل هو دفاع عن أصل الدين نفسه؛ إذ كيف يمكن لمسلم أن يفهم آية من كتاب الله أو حديثًا من سنة نبيه وهو غافل عن اللغة التي نزل بها الوحي؟
واستشهد فضيلته بكلام الإمام الواحدي في مقدمة تفسيره «البسيط» بقوله: «من أراد أن يفسر القرآن فليتعلم النحو والأدب»، وهو نفسه ما قرره أبو حيان في «البحر المحيط»، والسيوطي في «الإتقان»، حين عدّ علوم اللغة العربية في مقدمة العلوم التي لا غنى عنها لفهم القرآن والسنة.
وأكّد الغفير أن ضعف العربية يؤدي بالضرورة إلى ضعف الفهم عن الله ورسوله، فمن لا يميّز الفاعل من المفعول ولا يعرف دلالات التقديم والتأخير ولا أسرار البيان، لا يسعه إدراك المعنى الحقيقي لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، ولا فهم نصوص المفسرين والفقهاء عبر التاريخ. وشدّد على أن إجادة العربية ليست مهارة لغوية فحسب، بل هي طريق لفتح أبواب التدبر في كتاب الله، واستشعار تجليات معانيه، وفهم أسرار الخطاب الشرعي كما أراده الله تعالى. وأشار إلى أن كل علم من علوم الشريعة—تفسيرًا كان أو فقهًا أو حديثًا—لا يُدرَك إدراكًا صحيحًا إلا من خلال إحكام أدوات اللغة العربية.
ثم تناول فضيلته تاريخ «الغارة على اللغة العربية» ووجّه الحضور والمستمعين إلى كتابٍ يُعدّ من أهم ما كُتب في هذا الباب، وهو «تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر» للدكتورة نفوسة زكريا.
وبيّن أن الشيخ محمود شاكر قال عن هذا الكتاب: «لو استطعت أن أجعل نسخة منه في كل بيت لفعلت»، لما يكشفه من حقائق خطيرة حول محاولات إضعاف العربية منذ بدايات القرن الماضي. وأوضح أن دعاة هدم الهوية أدركوا أن ضرب العربية هو أقرب طريق لضرب الدين، وهو ما نبّه إليه الإمام الشاطبي في «الموافقات» حين جعل فهم العربية شرطًا للاجتهاد الفقهي.
وأكد أن الحفاظ على العربية واجب على كل من ينتسب إلى هذا الدين ويتشرف بالنطق بلسانه.
وفي ختام الملتقى، أكّد الإعلامي إسماعيل دويدار، رئيس إذاعة القرآن الكريم، أن العربية هي الوعاء الحافظ لحضارة الأمة ومخزونها الثقافي، وأنها لغة الوحي والتنزيل، المحفوظة بحفظ كتاب الله. وأضاف أن العربية أقدم اللغات الحية، وأن الدفاع عنها دفاع عن هوية الإسلام ذاته، داعيًا إلى تعزيز حضورها في التعليم والإعلام والأسرة، وإلى دعم مثل هذه الملتقيات التي تُعيد الاعتبار للسان القرآن وتواجه موجات التهميش التي تستهدفه.