خالد ابواحمد

لا يختلف السودانيون، مهما تباينت مواقفهم السياسية، على حقيقةٍ مركزية مفادها أن الحركة الإسلاموية منذ انقلابها ‏‏المشؤوم في 30 يونيو 1989 لم تكن تبحث عن رئيس دولة بقدر ما كانت تبحث عن واجهة عسكرية تُخفي ‏خلفها ‏مشروعها العقائدي الذي تحول فيما بعد إلى مشروع تدميري، ولهذا جاء العميد الركن آنذاك عمر حسن أحمد البشير ‏‏«واجهة» بحدّ الرتبة العسكرية لا بحدّ ‏الكفاءة أو الرؤية، فقد كان الاتفاق داخل الحركة واضحًا: منح البشير السلطة ‏بشرط أن يلتزم طاعةً عمياء للحركة ‏وأوامرها، وقد كتب البشير هذا التعهد بخط يده قبل الانقلاب، كوثيقة ملزمة تُقيّد ‏موقعه وتمنح الحركة ضمانةً كاملة ‏للسيطرة على البلاد‎.


وقد كشفت وثائق المفاصلة عام 1999 هذه الحقيقة حين رفع أحد قادة الحركة أمام عضويتهم نسخة من تلك الوثيقة ‏‏التي كتبها البشير بنفسه، مؤكّدًا فيها أنه «جندي في الحركة»، لا رئيسًا عليها. يومها كان القادة يجوبون الولايات ‏‏يشرحون لقواعدهم حقيقة صراع «القصر والمنشية»، مؤكدين أن البشير لم يكن يومًا صاحب قرار مستقل‎.‎
ولم يكن البشير يُخفي ذلك؛ ففي لقاء جمعه عام 1997 مع صحفيي الحركة بحضور أمين حسن عمر وغازي صلاح ‏‏الدين، سأله الصحفيون عن الفساد وغياب المؤسسات الرقابية، وعن العلاقة الملتبسة بين الحزب والدولة، فابتسم ‏‏البشير ابتسامته الشهيرة وقال: «يا جماعة أنا جندي في الحركة الإسلامية زيكم… وأنا ذاتي بتجيني التعليمات من ‏‏فوق». كانت تلك الجملة وحدها كافية لتكشف أن السودان في تلك السنوات كان محكوماً بحركة لا بدولة، وبحكومة ‏ظل ‏لا بحكومة وطن‎.‎
متى أصبح عمر البشير رئيسا..؟
أما السؤال الذي يلحّ شديدًا فهو‎ ‎متى أصبح عمر البشير رئيساً فعليًا يملك مفاتيح الدولة، لا مجرد مُنفّذ لأوامر ‏الحركة؟.‏
والحقيقة أن البشير لم يصبح رئيسًا «فعليًا» إلا بعد المفاصلة في ديسمبر 1999م، حين انقشعت أزمة الإسلامويين، ‏وتمّ ‏إبعاد د. حسن الترابي، وبرز علي عثمان محمد طه بوصفه مهندس المرحلة الجديدة، وقد أمسك الحُكم بيده وسلمه ‏لعمر ‏البشير. ومنذ تلك اللحظة صار مصير السودان مرهونًا بهذا الرجل. لكن التحوّل الأخطر جاء بعد حادثة مقتل ‏وزير ‏الدولة بالدفاع الفريق إبراهيم شمس الدين في 4 أبريل 2001م، يومها أوعز علي عثمان محمد طه للبشير بأن ‏يتزوج ‏أرملة شمس الدين، فتم الزواج، ومعه بدأ فصل جديد من السيطرة، وأصبح الرئيس يفعل في البلاد ما يشاء ‏وكيف ‏ما يشاء، بينما تولّت «الثلة الشيطانية» علي عثمان، وصلاح قوش، وعوض الجاز، وأسامة عبدالله وآخرون ‏العبث ‏بمقدرات الدولة، مستفيدين من تدفّق أموال البترول بلا رقيب، وتركوا مقاليد الحُكم في يد ‏(الرئيس) عمر ‏البشير. لذلك قلت إن الحركة الإسلاموية سلّمت السودان لعمر البشير شيكًا على بياض، ‏فقام بنقل جزء من أهله من ‏‏«حوش بانقا» جنوب شندي إلى ضاحية «كافوري»، وبدأت الثروات ‏تتدفق إليهم..!‏
في ديسمبر 2010 نشرتُ تقريرًا بصحيفة (الراكوبة) الإلكترونية استند إلى مصادر خاصة تحدّثت عن حساب خاص ‏‏بالبشير في بنك «لويدز»، فيه كان قد فُتح في مايو 1991 عبر سفير السودان في سويسرا مهدي إبراهيم، وكان ‏الحساب رقمياً بلا ‏اسم، كما هي حسابات الرؤساء والملوك. ‏
وبعد فترة تم تعيين د. إبراهيم ميرغني سفيراً للسودان في سويسرا، فأصبح مسؤولاً عن الحساب، وهذا السفير ‏تربطه ‏بعمر البشير علاقة قوية للغاية بدأت منذ أن درسا معًا المرحلة الوسطى بمدينة شندي. وإبراهيم ميرغني هو ‏السوداني ‏الوحيد في السلك الدبلوماسي الذي عُيّن سفيرًا في سويسرا مرتين (8 سنوات)، نسبةً لكونه أقرب ‏الشخصيات إلى ‏الرئيس عمر البشير، مما جعله الأنسب لمتابعة الحساب المصرفي الخاص بالرئيس.‏
ومن المفارقات أن القيادي الكبير في الحركة الإسلاموية د. إبراهيم أحمد عمر كان يضع مبلغ 17 مليون دولار ‏‏تخص الحزب الحاكم في حساب ابنه (إسماعيل)، وبعد وفاة الأخير نشأ خلاف حول ملكية المال بين أسرة أرملة ‏‏الفقيد ووالده القيادي في الحركة. وفي نهاية المطاف توصّلوا إلى تسوية. وعلى خلفية وفاة نجل القيادي، ‏وخوفًا من أي ‏التباس أو مشكلة، تم تسجيل حساب الرئيس في سويسرا رسميًا باسم ‏عمر حسن أحمد البشير بحضوره ‏شخصيًا‎، ‏وكان ذلك في عام 2000م.‏
من جندي إلى مالك مفاتيح الدولة
كانت تلك اللحظة بداية تحوّل البشير من «جندي» في الحركة إلى مالك مفاتيح الدولة، ومن منفّذ أوامر إلى ‏رجل يرى ‏السودان ملكه الخاص. انعكس ذلك في تأسيس شركات ضخمة باسم أشقائه وأبنائهم وأقربائه، ‏وانتشار إمبراطوريتهم ‏التجارية داخل السودان وخارجه، وفي تلك الأيام بنى البشير مسجدًا باسم والده في ‏كافوري، واشترت زوجته وداد ‏بابكر فللاً في «مشروع النخلة» بدبي، ونشر الزميل الاستقصائي عبدالرحمن ‏الأمين الوثائق الكاملة التي كشفت حجم ‏ثرواتها‎.‎
وحين تكون الدولة «شيكًا على بياض» في يد الرئيس، يصبح اللعب بأموال الشعب أمرًا اعتياديًا. ففي عام ‏‏2016 تم ‏افتتاح مستشفى «عمر البشير» في جيبوتي بكلفة 20 مليون دولار دفعتها الرئاسة مباشرة دون أي ‏إجراء رسمي، ‏وهي سابقة لا تحدث إلا في الدول المنهارة.‏
في تلك اللحظة كانت مأساة المستشفى الإيطالي في سوبا تتكشف: طبيب إيطالي جاء ليجري عمليات مجانية ‏للفقراء، ‏بينما البشير وأخوه عبدالله وعوض الجاز والمتعافي يريدون تحويل المستشفى إلى مشروع تجاري ‏للفئة المقتدرة. ‏وقف الطبيب يقول: «نحن جهة خيرية لا نميّز بين غني وفقير»، ‏
إن حديث عمر البشير في هذا الحوار مع الطبيب الإيطالي الإنسان كان يُعبر عن فلسفة حُكم ترى الشعب ‏طبقات، ‏والدولة غنيمة، والسلطة امتيازًا إلهيًا‎.‎
الحركة تدفع عمر البشير للانتخابات
وفي مشهد الانتخابات يتجلى معنى «الشيك على بياض» أكثر. فالحركة الإسلاموية هي التي فرضت البشير ‏مرشحًا ‏‏وحيدًا في كل الدورات الانتخابية خلال فترة حكمها، حتى انتخابات 2020 التي كان من المزمَع أن ‏يدخلها عمر ‏البشير لولا الثورة الشعبية التي أطاحت بحكمه، ليظل حاكمًا للسودان إلى ما لا نهاية.‏
وهنا نجيب على السؤال: هل سلّمت الحركة الإسلاموية السودان للبشير شيكًا على بياض؟ نقول نعم بكل ‏تأكيد؛ فقد ‏سلّمته كل شيء‎:‎ ‎السلطة، والجيش، والمال، والموارد، والقرار السيادي، وحتى مستقبل الأجيال، ‏ومنحته أخطر ما ‏‏يمكن أن يُمنح لحاكم: حق التجربة بلا عواقب، وحق الخطأ بلا محاسبة، وحق العبث بلا ‏حدود‎.‎
لم يَعِ عمر البشير أن “الشيك على بياض” هو في الحقيقة تحميله مسؤولية كل الأحداث الجسام التي حصلت في ‏السودان وغيّرت الأوضاع إلى أسوأ ما يكون، وأن أوامره لقادة الجيش والأمن في حرب دارفور والنيل الأزرق ‏وجبال النوبة سيُحاسَب عليها في الدنيا والآخرة، لأنها أزهقت الأرواح ودمّرت الممتلكات وخلقت الفوضى، وكانت ‏أكبر نتائجها الكارثة المتمثلة في الشرخ الاجتماعي الكبير الذي نعاني منه الآن.‏
ولو كان عمر البشير يدرك من أمره شيئًا، لَعَلم بأن اتباع المؤسسية في اتخاذ القرارات يحمي البلاد من الفوضى ‏ويحفظ دماء شعبها، لكنه كان لعبة في يد الأشرار الكبار الذين تعلم منهم كل أساليب المراوغة، ونكران الجميل، وأذية ‏الشعب، حتى يخلد في كرسي الحكم.‏
والنتيجة ماثلة أمامنا اليوم: بلد ممزّق، واقتصاد منهار، ودماء لا تتوقف، وحرب لا تلوح نهايتها، وما زال ‏الشعب ‏السوداني يدفع ثمن هذا التفويض الكارثي حتى اليوم‎.

الوسومخالد أبو أحمد

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: خالد أبو أحمد شیک ا على بیاض عمر البشیر فی سویسرا فی الحرکة

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: من منصة الجيش إلى طاولة التفاوض

تبدو ردود الأفعال على خطاب الرئيس البرهان أمام قادة الجيش، وعلي المبادرة السعودية – الأمريكية، أقرب إلى لوحة سريالية متعددة التكوين، تتفاعل فيها الحسابات السياسية مع التوازنات الإقليمية والدولية مع نبض الشارع السوداني الذي أصبح لا يحتمل مجرد الحديث عن عودة المليشيا.

منصة الجيش التي اختارها البرهان بذكاء شهدت ، حضور جميع القادة العسكريين، كبار الضباط، وقادة الوحدات ، و مساعدو القائد العام، وهيئة الأركان، وقادة المخابرات والشرطة ولم يغيب عنها إلا الفريق الكباشي الذي يتعافى بالقاهرة ،هذا الجمع المتكامل أرسل رسالة مزدوجة: أولًا للداخل، بأن الجيش وكافة القوات موحدة ومستعدة لمواجهة التمرد ، وثانيًا للخارج، بأن فرض أي حل دون مراعاة سيادة الدولة سيكون مرفوضًا.

فمن جانب المؤسسة العسكرية، من المتوقع أن يظهر تماسك أكبر حول خطاب البرهان، لأن الخطاب أعاد تثبيت سردية الحرب بوصفها معركة دفاع عن الدولة لا عن السلطة. هذا النوع من الخطابات يُنتج عادةً ارتفاعًا في ثقة القادة الميدانيين، ويزيد من التماسك الداخلي، لكنه في الوقت نفسه يرفع سقف التوقعات العسكرية، مما قد يجعل أي تنازل لاحق في التفاوض أكثر حساسية داخل الجيش نفسه . إلا أنّ الجيوش التي خاضت حربًا طويلة غالبًا ما تدرك أن الصلابة في الخطاب لا تلغي الحاجة إلى مخرج سياسي.

ففي حديث البرهان عن “استمرار المعركة حتى استعادة الدولة” ، كان واضحًا أنه لا يتحدث إلى قواته فقط، بل إلى المجتمع الدولي، وإلى خصومه، وإلى القوى السياسية التي تنتظر تحديد ملامح ما بعد الحرب.

هذا الخطاب لا يمكن فهمه بمعزل عن عودة منصة جدة إلى الواجهة، فالقائد العام أراد أن يذكّر بأن المؤسسة العسكرية ليست طرفًا يمكن تجاوزه، وأن الدخول في أي مسار تفاوضي لا يُبنى على وهم الهدن المجربة، بل على ميزان قوي واقعي يحدّد شكل النهاية ومواقيتها.

لهذا جاءت الرسالة واضحة: الجيش، مهما تعددت الضغوط، يرى نفسه الضامن الوحيد لوحدة الدولة وصاحب الكلمة العليا في ترتيبات الانتقال القادمة، في ظل ضعف الأحزاب السياسية وانقسامها.

في الداخل، خطاب البرهان عزّز تماسك الجبهة الداخلية، وأرسل إشارات واضحة إلى الشارع السوداني والقوى السياسية بأن الجيش لن يسمح بتكرار تجارب الماضي، وأن أي طرف مدني أو سياسي لا يحترم سيادة الدولة لن يكون جزءًا من مستقبل التفاوض. في المقابل، مليشيا الدعم السريع وجدت نفسها أمام سقف واضح: لا سلام مع بقاء المليشيا قوة مستقلة في المدن أو خارج إطار الدولة، مع تهديد ضمني بإمكانية التحرك العسكري لاستعادة السيطرة على المناطق الساخنة في كردفان ودارفور.

لكن هذا الخطاب، بما يحمله من صلابة، لا ينفي حقيقة أخرى أكثر تعقيدًا. فإشارة البرهان إلى أنّ “المعركة ليست معركة الجيش وحده” تعكس إدراكًا بأن الحرب ، لن تُحسم عسكريًا فقط، وأن التفاوض لن يكون هزيمة إذا أتى في صيغة تحفظ وحدة البلاد وتوازناتها وسيادتها.

الخطاب ركّز على أن السعودية تُعتبر طرفًا محايدًا وقادرًا على إعادة ضبط ميزان التفاوض، بينما الإمارات وُضعت تحت الضوء باعتبارها طرفًا منحازًا، وأن أية وساطة تشارك فيها أبوظبي ستكون محل رفض.

إقليميًا، ستراقب السعودية خطاب البرهان بعينٍ مزدوجة: عين تثمّن رسالته بشأن وحدة الدولة والمؤسسة العسكرية، وعين أخرى تبحث عن مؤشرات انفتاح على المسار السياسي. فهي تدرك أن الصلابة العسكرية مطلوبة لفرض الجدية داخل التفاوض، لكنّها تدرك أيضًا أن أي تشدد قد يعقّد فرص النجاح. لذلك ستعمل الرياض على ربط الخطاب بتصور عملي لإجراءات بناء الثقة، مع تحييد الأطراف التي تحدث عنها البرهان منها المبعوث الامريكي مسعد بولس.

أما الولايات المتحدة فستنظر إلى الرسائل الواردة في الخطاب عبر منظور براغماتي: هل يعني هذا أن الجيش مستعد للتفاوض وفق ضمانات واضحة؟ أم أن الخطاب يكرّس مرحلة جديدة من الإصرار العسكري؟ وفي الأغلب ستعتمد واشنطن على تقييماتها للوضع الميداني، لتقرأ مدى جدية الجيش في التحرك نحو المسار السياسي. وفي حال تبيّن لها أن الخطاب لا يتناقض مع نية الانخراط، ستعمل على تعزيز الضغط على الطرف الآخر للقبول بوقف إطلاق نار إنساني طويل الأجل.

وبالنسبة للإمارات، فمن المتوقع أن يكون رد فعلها أكثر حذرًا. فغيابها عن منصة المبادرة الجديدة قد يُفهم في أبوظبي على أنه إعادة رسم لموازين النفوذ في السودان. ومن ثمّ قد تحاول التأثير من وراء ستار لضمان استمرار دورها في أي ترتيبات مستقبلية، لكنّ قدرتها على المناورة ستكون أقل، بعد أن تغير المزاج العالمي عقب الانتهاكات الوحشية في الفاشر، وانكشاف دورها.

أما مصر فقد وُجهت لها رسالة ضمنية بضرورة إعادة تقييم موقفها، خصوصًا أن دعمها للرباعية لم يعد متوافقًا مع مصالح السودان الاستراتيجية. لذلك قد تتحرك مصر وتركيا وقطر باتجاه تقييم جديد للوضع. فالقاهرة ستقرأ خطاب البرهان بوصفه تثبيتًا لدور الجيش، وهو أمر يتوافق مع رؤيتها الثابتة للسودان، بينما ستنظر أنقرة والدوحة إلى المبادرة باعتبارها فرصة للانخراط إذا دُعيت، بالنظر الي التجربة القطرية في سلام دارفور و حفظ امن الإقليم .

تصريح الرئيس التركي أردوغان “رويترز” أضاف بعدًا جديدًا للمشهد، إذ أكد أن السودان طلب مشاركة أنقرة في جهود إنهاء الحرب وتحقيق السلام وأن أنقرة ستبذل قصارى جهدها في ذلك . دخول تركيا يُنظر إليه كرافعة توازن مهمة لا كبديل عن الوسطاء الخليجيين أو الأمريكيين، إذ يمنح الخرطوم مساحة تفاوضية أوسع ويخرجها من دائرة الضغط.

هنا يظهر بعد التحالفات المحتملة الذي يكتسب أهمية استراتيجية أكبر: السودان، بصموده، يحتفظ بخيارات واسعة نحو روسيا والصين، بما في ذلك القاعدة البحرية الروسية في البحر الأحمر، والتي تمنحه قدرة على خلق توازن إقليمي حقيقي في مواجهة محاولات الضغط الخارجي.

وتُبرز الخرطوم كلاعب قادر على حماية مصالحه وممراته البحرية، مع الحفاظ على مرونة في التحالفات. هذا التحرك الاستراتيجي يتيح للسودان أوراق قوة سياسية ودبلوماسية كبيرة، ويمنع أي طرف دولي من فرض حل قسري على شاكلة سيناريو الحل للحرب الروسية –الأوكرانية.

السيناريوهات المتوقعة لردود الفعل الخارجية تنقسم إلى ثلاثة مسارات: الأول، مسار تكيّف إيجابي من الولايات المتحدة والسعودية لتعديل صياغة المبادرة بما يراعي سيادة السودان، مع مشاركة تركية وقطرية كرافعة توازن. الثاني، مسار ضغط سياسي ودبلوماسي لإجبار الخرطوم على تنازلات جزئية. والثالث، سيناريو الجمود، حيث تستمر الحرب بوتيرة أقل لكنها أكثر تعقيدًا، ما قد يدفع السودان إلى توسيع خياراته في التسليح.

ومهما بدا خطاب البرهان حادًا، فإنه في جوهره إعلان موقف يُمهّد لمرحلة تفاوضية مشروطة، أكثر مما هو رفض مطلق لأي تسوية. فهو خطاب يرفع سقف التوقعات العسكرية من أجل تخفيض الكلفة السياسية لاحقًا.

هذه لغة مألوفة في سياقات ما قبل التفاوض، حيث تلجأ الأطراف إلى تعزيز صور قوتها قبل الدخول في أي اتفاق. غير أنّ الجديد فيه هو توقيته: فقد جاء في لحظة بدأ فيها المجتمع الدولي يعيد تقييم مواقفه ، ويفتح الباب أمام صياغة رؤية مشتركة لوقف النار، ثم الانتقال، ثم إعادة الإعمار.

بحسب #وجه_الحقيقة فإن خطاب البرهان أعاد تعريف قواعد التفاوض. السودان يرفض أي حل يترك المليشيا قوة في المدن، ويصر على انسحابها وتجميع سلاحها، ويؤكد أن أي تسوية سياسية يجب أن تُبنى على مؤسسات الدولة، لا على الوكلاء أو الوسطاء غير المحايدين. الطريق من منصة الجيش إلى طاولة التفاوض لن يكون سلسًا، لكنه بدأ يتشكل على أساس سيادة الدولة، وإرادة السودانيين .

دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 25 نوفمبر 2025م [email protected]

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

بعد مماتك اجعل لك أثر في مكة           سقيا المعتمرين في أطهر بقاع الأرض            ورّث مصحفا من جوار الكعبة المشرفة

2025/11/25 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة البرهان: حديث جهير وموقف وطني2025/11/25 أمريكا: ما بين السودان ونيجيريا2025/11/25 ثم ماذا بعد خطاب البرهان ؟؟2025/11/25 الدعم السريع يعلن هدنة من طرف واحد. وينتظر هو وداعميه (وبعض الحمقى) (..)2025/11/25 لا توجد جهة غير مليشيا الجنجويد تستهدف المواطنين2025/11/25 أمجد فريد الطيب: ‏فعلا تباً للحرابة ومن أشعلها2025/11/25شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات الدعم السريع يخرج جكوك الخلا والمدن 2025/11/25

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • حاتم باشات يحذر من مؤامرة خطيرة تستهدف تقسيم السودان
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: أحمد رجب وصناعة الوعي
  • ‏الحقيقة التي لم يذكرها البرهان في وول ستريت جورنال..!‏
  • مدير مستشفيات البشير: تشكيل لجنة للتحقيق بنسيان “ملقط” داخل بطن مريض
  • مدبولي: منظومة التأمين الصحي الشامل أحد أهم المشروعات القومية التي تبنتها الدولة
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: من منصة الجيش إلى طاولة التفاوض
  • رئيس الدولة يتلقى دعوة إلى المشاركة في القمة الخليجية التي تستضيفها البحرين
  • خالد عمر يوسف: البرهان يرفض الرباعية لإرضاء الحركة الإسلامية والبقاء في السلطة.
  • العدل والمساواة: زيارات ميدانية لكتائب الحركة في الخرطوم