دعوة «البرهان» للعودة إلى علم الاستقلال: انقسام أم بحث عن انتصار متخيل؟
تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT
وسط تصاعد حدة الحرب في السودان، أثارت دعوة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لتغيير العلم الوطني جدلاً واسعًا، باعتبارها مؤشرًا على توجهات سياسية عميقة. يرى مختصون أن الخطوة تتجاوز الرمزية البحتة، لتُشكّل جزءًا من سرديات أكبر حول السلطة والهوية الوطنية..
التغيير: نيروبي: أمل محمد الحسن
وسط صراع عسكري محتدم كانت آخر محصلاته هي سيطرة قوات الدعم السريع على الفرقة 22 مشاة بمدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان، أطلق قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ما وصفه بمقترح تعديل العلم السوداني الحالي والعودة إلى العلم القديم الذي رفع في استقلال السودان في العام 1956.
جاء حديث البرهان أثناء مخاطبته لبرنامج تأبيني لشهداء المعارك الحربية أقامته حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي في منصة يزينها علم الاستقلال الذي يحمل الألوان الأزرق والأصفر، والأخضر الذي ترفعه قوات جيش تحرير السودان كشعارا لها.
وبرر قائد الجيش مقترحه بأنه محاولة لإعادة صياغة الدولة السودانية من جديد على أسس صحيحة ورفع “علمنا الذي نعرفه، والذي رفعه أجدادنا في يوم الاستقلال”.
أثار المقترح ردود فعل متباينة بين رافضي الخطوة لجهة أنها تؤسس لحالة انقسامية حقيقية في البلاد التي تديرها حكومتان، واحدة في الشرق والثانية في الغرب، ووسط أزمة إنسانية يعاني منها نصف السكان من حاجة ماسة للغذاء.
وبينما هتف بعض الحضور في اللقاء بموافقتهم رفضا لألوان القومية العربية التي يحملها العلم الحالي الذي يحمل الألوان الأسود، الأبيض، الأحمر والأخضر” والذي تم تغييره في حقبة رئاسة الرئيس جعفر نميري في العام 1970.
“هي محاولة فرض سيطرة على الوعي” هكذا وصفت الاستشارية النفسية ناهد محمد الحسن القرار مشيرة إلى أن السلطة التي لم تنتصر على الأرض تبحث عن انتصار في الخيال الرمزي عبر فرض سرديات جديدة عن الوطن ما يكشف شعورا بالهشاشة وخوفا من مواجهة فشل الأداء.
السلطة الفاشلة على الأرض تبحث عن انتصار رمزي عبر سرديات جديدة
استشارية نفسية
وقالت الحسن في منشور على صفحتها الرسمية في “فيسبوك” إن هذا الأسلوب الدفاعي يعكس حالة إحباط جماعي داخل السلطة تجاه عجزها عن تحقيق أي إنجاز.
وأضافت الاستشارية النفسية إلى أن التغييرات الرمزية من منظور سياسي هي محاولة تسهيل التطبيع مع الفكرة لدى الجمهور عبر استحضار مقولات تجديد الوطن كأدوات لإيهام الناس بأن السلطة تتحرك لإنقاذ الوطن مع تجاهل الواقع الحقيقي على الأرض.
هيمنة على السلطةمن جهته اعتبر عضو الأمانة العامة بالتحالف المدني الديمقراطي “صمود” شهاب الطيب مقترح القائد العام للجيش بأنه ليس حديثا عابرا، لكنه يكشف تمسكه بالاستمرار في السلطة متهما البرهان بتجاهله لمأساة السودانيين، وفي المقابل يتحدث عن تمثيله للسلطة في السودان.
ولفت الطيب في حديثه مع “التغيير” بأن البرهان لا يملك الحق في اتخاذ هكذا قرار لجهة أن تغيير علم البلاد قرار سيادي يحتاج إلى سلطة تشريعية توافق عليه، ولا يفرض عبر سلطة الأمر الواقع.
وأعرب القيادي في صمود عن قلقه من أن المقترح يعتبر مؤشرا إلى تقسيم السودان “وهو الأمر الذي يسعى له البرهان ومجموعات الإسلاميين منذ وقت مبكر” لتحويل الحرب من مستوى أزمة سياسية إلى صراع اجتماعي من خلال خطابات الكراهية وتصنيف المجتمعات.
مقترح البرهان مؤشر لتقسيم البلاد
قيادي بتحالف صمود
اتفق مع الطيب حول مؤشر الانقسام الذي يحمله مقترح استبدال العلم رئيس المكتب السياسي لحزب الأمة القومي بشرق دارفور، عيسى منزول واصفا المقترح بـ”الخطير”.
وقال منزول لـ”التغيير” إن الحركة الإسلامية وقيادات الجيش المؤدلجة تصر على تقسيم السودان وتحويله لعدد من الدول بعد أن فصلوا الجنوب في السابق “بذات الطريقة يعملون على فصل الأقاليم الغربية”.
وأبدى حزنه من وضوح مؤشرات الانفصال في انعدام العملة الجديدة في الولايات الغربية ووجود حكومتين على أرض الواقع، كما أن التعليم انفصل بشكل كبير.
وأضاف: “البرهان بدعوته لتغيير العلم السوداني يترجم عمليا احتمال قيام دولتين مشيرا إلى أن جميع الدلائل تشير إلى أنه ستكون هناك دولة جديدة بعد العام 2030”. وفقا لقوله.
وأشار إلى إن أسوأ ما في حرب منتصف أبريل 2023، تأثيرها الاجتماعي الذي جعل كل من يبحث عن قيام دولتين يحدد مصيره بدعم الحرب منذ طلقتها الأولى.
العلم شخصية الدولةقال الخبير الدرامي والمسرحي السر السيد، إن العلم لأي دولة يعتبر أهم رموزها لجهة أنه يمثل علامة عامة تسعى رمزيا لاختزال شخصية الدولة لذا فإنه يمثل قدسيتها.
ولفت في حديثه لـ”التغيير” إلى إن العلم ليس مجرد قطعة قماش ملونة، ولا ينبغي أن يتحول إلعوبة في أيدي الأنظمة السياسية تغيره متى ما أرادت فهو ملك عام وجزء من الأمن القومي للبلاد وأي محاولة مساس به يجب أن تكون خاضعة ببإرادة الشعبية وممثليها (البرلمانات المنتخبة).
علم السودان القديم نظرة على العلم القديمالعلم القديم كان بسيطا في تكوينه، بثلاثة ألوان هي الأزرق والأصفر والأخضر، ورمزيته مرتبطة بالنيل والصحراء والزرع. وهي رمزية معقولة في ذلك الوقت لما حملته من مشتركات واسعة بين السودانيين. أمّا العلم الحالي، فقد اختاره النظام المايوي انسجاما مع الموجة العروبية آنذاك، لذلك جاء — بحسب السيد — برمزية غير دقيقة، كأنه يقدّم السودان بوصفه دولة عربية، بينما الواقع ليس كذلك.
علم السودان القديم، الذي تم اعتماده عام 1956، قام برفعه كل من الزعيم إسماعيل الأزهري ومحمد أحمد المحجوب، وقامت بتصميمه الشاعرة والمعلمة والتشكيلية السريرة مكي عبد الله الصوفي.
أما السياق السياسي الذي تم فيه تغيير العلم في مايو والدعوة إلى تغييره الآن فهو سياق شمولي وغير ديمقراطي بحسب الخبير الدرامي والمسرحي الذي قطع بفوقية القرار دونما إشراك للشعب أو ممثليهم.
دعوة البرهان لتغيير العلم في الحرب تكمل إذلال السودان وتشكك في آخر ممسكاته
السر السيد
وأضاف في حديثه لـ”التغيير”: يمكن القول إن دعوة البرهان لتغيير العلم، وفي ظل حرب مدمّرة يفترض أن يكون سؤالها الاستراتيجي هو وقف الدمار وبناء السلام، ليست سوى امتداد لترسيخ فضاء الإذلال العام الذي فرضته الحرب، وذلك عبر التشكيك في قيمة آخر ما تبقّى من ممسكات — على عِلّاتها — وأعني العلم. كما أن هذا المقترح، وفي توقيته الراهن، لا يبدو إلا محاولة لصرف الأنظار عمّا يجري الآن، خاصة أن العلم المراد تغييره أصبح، بصورة ما، علماً لدولة أخرى.
وأكد على أن على أن تغيير العلم لا يأتي بقرار فوقي فهو إضافة إلى أنه شأن شعبي هو عمل يحتاج إلى تظاهرة أساسها أصحاب الشأن الذين هم السياسيون والمفكرون والفنانون.
الوسومتغيير العلم حرب الجيش والدعم السريع قائد الجيش السودانيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: تغيير العلم حرب الجيش والدعم السريع قائد الجيش السوداني علم السودان قائد الجیش إلى أن
إقرأ أيضاً:
روبيو: ترامب الزعيم الوحيد القادر على إنهاء "أزمة السودان"
قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الثلاثاء، إن الرئيس دونالد ترامب "يتولى شخصيا" ملف إنهاء الحرب في السودان.
وشدد روبيو على أن ترامب "هو الزعيم الوحيد في العالم القادر على إنهاء أزمة السودان".
وفي سياق متصل، قالت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر، عبر منصة "إكس" إن: "السودان يحتاج إلى دفعة عالمية من أجل السلام".
وكان ترامب قد أعلن الشهر الماضي، أنه سيعمل مع الإمارات والسعودية ومصر، إلى جانب شركاء آخرين في المنطقة، لإنهاء الحرب الدائرة في السودان.
وجاءت وقتها تصريحات ترامب خلال مؤتمر حضره في الولايات المتحدة، موضحا أنه تلقى طلبا من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للمساعدة في وقف النزاع، لافتا إلى أنه أنهى ثماني حروب ويتطلع إلى دور "حاسم للغاية" هذه المرة أيضا.
ووصف ترامب السودان بأنه "أصبح أكثر الأماكن عنفا" ويعاني أكبر أزمة إنسانية في العالم، مؤكدا أنه تلقى طلبات من قادة دوليين للتدخل واستخدام نفوذ الرئاسة الأميركية لوقف ما يجري.
كما شدد على أن السودان قابل للإصلاح عبر تعاون منسّق بين الدول الشريكة.
وأكد كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون الإفريقية والعربية، مسعد بولس، الشهر الفائت، أن ترامب جعل تحقيق السلام في السودان أولوية.
وأعلنت قوات الدعم السريع السودانية، الشهر الماضي، هدنة إنسانية من طرف واحد تستمر ثلاثة أشهر، وذلك بعد إعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان رفضه مقترحا دوليا بالهدنة.
وصرّح قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في كلمة مسجلة: "سنلتزم بتسهيل العمل الإنساني ووصول الفرق الإغاثية والطبية للتخفيف من معاناة السودانيين".
وتابع: "العدالة ستأخذ مجراها وفق القانون الدولي ولا إفلات لأي مرتكب للانتهاكات من العقاب".
وأكمل: "نوافق على مشاركة جميع الأطراف في العملية السياسية في السودان باستثناء الحركة الإسلامية والإخوان".
وأضاف: "نأمل أن تضطلع دول الرباعية بدورها في دفع الطرف الآخر للتجاوب مع الهدنة الإنسانية في السودان".
وجاءت هذه الخطوة بعد إعلان قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، رفضه قبول وساطة المجموعة الرباعية لحل الأزمة التي تعيشها البلاد منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
ووصف البرهان خطة الرباعية بأنها "أسوأ ورقة يتم تقديمها لأنها تلغي وجود القوات المسلحة وتطالب بحل جميع الأجهزة الأمنية وتبقي المليشيا المتمردة في مناطقها".