مَهَلُ ترامب… من غزة إلى فنزويلا: سياسة العصا الغليظة وإدارة العالم بالعدّ التنازلي
تاريخ النشر: 4th, December 2025 GMT
في زمنٍ صار فيه العالم يُدار بالمُهَل، يخرج دونالد ترامب من جديد ليُذكّر الجميع بأن السياسة عنده ليست فنّ الممكن، بل فنّ الإملاء بالقوة، والضغط بالوقت، والتهديد بالعقاب. رئيسٌ يرى الشرق الأوسط ساحة تجارب، وأميركا اللاتينية مسرح انقلاب، واللاجئين الصوماليين "حشدًا يجب إيقافه" قبل أن يلامسوا حدود بلاده.
من غزة إلى جنوب لبنان، ومن فنزويلا إلى حدود المكسيك، تتكرر الصورة: مهلة… فتهديد… فحصار… فخط أحمر لا يعترف إلا بما يراه ترامب مناسبًا لمصلحته الشخصية واستعادته للسلطة.
ترامب في أميركا اللاتينية: عودة المارد إلى ملعب الانقلاباتالخبر الذي كشفته "رويترز" لم يكن مفاجئًا بقدر ما كان صادمًا لجرعة التسلط فيه: منح ترامب للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو "ممرًا آمنًا" للخروج من البلاد، كأن فنزويلا شركة مفلسة ورئيسها موظف مطلوب منه إخلاء المكتب خلال أسبوع.. ..
اتصال واحد في نوفمبر، بعدها عدّ تنازلي ينتهي بإغلاق المجال الجوي الفنزويلي إعلانًا لوقف "العفو المشروط". ترامب أراد شيئًا واحدًا فقط: استقالة مادورو ورحيله إلى المجهول، وتسليم البلاد للمعارضة التي اختارها بنفسه.
لكن مادورو لم يأتِ خالي الوفاض، قدّم قائمة مطالب طويلة:عفو شامل له ولعائلته.
شطب العقوبات الأميركية.
وقف الملفات ضده في المحكمة الجنائية الدولية.
رفع العقوبات عن 100 من رجالات حكمه.
السماح لنائبته ديلسي رودريغيز بقيادة حكومة انتقالية.
ترامب رفض معظم ما فيها، وترك للرجل أسبوعًا واحدًا ليختار منفاه بنفسه. هكذا ببساطة، أراد إعادة تشكيل السلطة في فنزويلا بقرار شخصي: إزاحة رئيس منتخب، وتنصيب معارضة يعتبرها الأكثر ملاءمة للمصالح الأميركية.
من هي المرأة التي يريدها ترامب على رأس فنزويلا؟هنا تتضح أكثر ملامح اللعبة الأميركية: ماريا كورينا ماتشادو - المعارضة المتألقة، "المختبئة"، الحائزة على نوبل للسلام والمدعومة بقوة من إسرائيل والولايات المتحدة، تلك التي تعتبرها حكومة مادورو التهديد الأكبر للثورة البوليفارية.
ماتشادو محظورة من السفر، محظورة من الترشح للرئاسة، ومطاردة رمزيًا داخل البلاد.لكنها في نظر ترامب "الرئيسة الجاهزة"، المعادلة التي يعتقد أنها ستعيد فنزويلا إلى الحضن الأميركي، مثلما كانت في زمن الانقلابات المدعومة من واشنطن.
فنزويلا هنا ليست دولة فقط، بل اختبار لقدرة ترامب على فرض إرادته على دول الجنوب: قارة بأكملها كانت يومًا ملعبًا للانقلابات الأميركية، وها هو يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
سياسة "المُهَل": من غزة إلى حزب الله إلى كاراكاسالغريب - أو ربما المتوقَّع - أن هذه السياسة ليست جديدة على ترامب:
مهلة في غزة لوقف إطلاق النار… تنتهي دائمًا بمزيد من الدم.
مهلة لحزب الله… تتحول إلى تهديد مباشر بإشعال حدود لبنان.
مهلة للهجرة غير الشرعية… تُفتح بعدها أبواب الجحيم على اللاجئين الصوماليين الذين صوّرهم كخطر داهم على "الهوية الأميركية".
ومهلة لمادورو… يريد بها إنهاء حقبة بأكملها في أميركا اللاتينية.
إنها ليست سياسة خارجية بقدر ما هي أسلوب قيادة: العالم مع ترامب عبارة عن مؤقّت زمني، إذا انتهى لا يعود هناك مكان للتفاوض.
أمريكا ترامب: دولة لا تتسامح ولا تُسامِحالعودة الصلبة لترامب إلى واجهة القرار - سواء عبر حملته الانتخابية أو تأثيره المستمر على المحافظين - تعني أننا أمام موجة جديدة من "الترامبية العالمية":
تدخلات خارجية مباشرة.
دعم المعارضة في الدول التي تُعتبر عصيّة على واشنطن.
إعادة إحياء أدوات الحرب الباردة: العقوبات، العزل، تهديدات الطيران، والسيطرة على الفضاء الجوي.
ومحاولة إعادة رسم العالم وفق تصور يقوم على القوة الخام لا على الشرعية الدولية.
فنزويلا ليست سوى نموذج، ساحة جديدة لاختبار مدى قدرة ترامب على ترويض الأنظمة التي يعتبرها "مارقة" أو "مضادة للمصالح الأميركية".
الخلاصة: العالم يدخل مرحلة "الحاكم بالعدّ التنازلي"ترامب يعيد تشكيل قواعد اللعبة على طريقته: لا حوار طويل، لا دبلوماسية، لا مرونة… بل مهلة. وإذا انتهت المهلة، تنتهي معها الخيارات.
فنزويلا اليوم تواجه سؤالًا أكبر من مادورو وماتشادو: هل يمكن لدولة أن تصمد أمام رئيس أميركي يحاول إعادة العالم إلى زمن الانقلابات المباشرة؟ وهل تتحمل أمريكا اللاتينية - المرهقة بالديكتاتوريات السابقة - جولة جديدة من "السياسة بالضغط والتهديد"؟
أما العالم العربي، فلا يبدو بعيدًا عن هذه اللعبة، فالمُهَل التي تنزل فوق غزة ولبنان واليمن تحمل الرائحة نفسها… رائحة رئيس يريد حكم العالم بالساعة لا بالاتفاقات.
محمد سعد عبد اللطيف، كاتب وباحث في الجيوسياسة والصراعات الدولية.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
آي بيبر: هجوم ترامب على فنزويلا قد يشعل فتيل حرب أهلية
تصاعدت التحذيرات من أن فنزويلا قد تنزلق إلى حرب أهلية مدمرة إذا نفذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديده بشن هجوم بري، وأكد محللون أن أي خطوة "متهورة" قد تشعل صراعا إقليميا واسعا، وفق تقرير نشره موقع "آي بيبر" البريطاني.
وجاءت المخاوف بعد سلسلة غارات جوية أميركية استهدفت 21 قاربا في البحر الكاريبي والمحيط الهادي، وأسفرت عن أكثر من 80 قتيلا منذ سبتمبر/أيلول الماضي بادعاء مكافحة تهريب المخدرات.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ناقلة نفط مرتبطة بروسيا تتعرض لانفجارات خارجية قبالة سواحل السنغالlist 2 of 2غارديان: الخوف يشل مكتب التحقيقات الفدرالي تحت قيادة كاش باتيلend of listوأكد خبراء للصحفي وكاتب التقرير فيليكس أرمسترونغ أن هذه الهجمات تفتح أبوابا خطيرة، مضيفين أن أي هجوم بري -سواء كان من خلال قوات برية أو ضربات- قد يشعل حربا ضروسا بين القوى العديدة المتصارعة في فنزويلا.
تهديد للمنطقةويرى الباحث كارلوس سولار من مؤسسة المعهد الملكي للخدمات المتحدة أن هذا التصعيد يمثل أخطر تدخل أميركي في المنطقة منذ انقلاب هاييتي عام 2004، مشيرا إلى الحشد العسكري المتزايد ووجود حاملة الطائرات العملاقة "جيرالد فورد" قرب المياه الفنزويلية، وفق ما نقله "آي بيبر".
عزل مادورو غير محتمل بسبب مهارة الرئيس في إدارة دائرة داخلية موالية، لكن كبار القادة في الجيش الفنزويلي قد يسلمونه للولايات المتحدة إذا وجدوا أن بقاءه مكلف جدا
بدورها، استبعدت الخبيرة أنيت إيدلر الأستاذة المساعدة في الأمن العالمي في كلية "بلافاتنيك لدراسات الحكم" بجامعة أكسفورد للصحيفة حدوث غزو أميركي واسع النطاق حتى الآن، بسبب تكاليفه السياسية واللوجستية والإنسانية.
وأكدت الخبيرة أن ضرب الأراضي الفنزويلية لا يتناسب مع هدف واشنطن المعلن بمحاربة شبكات المخدرات، لأن الهجمات غالبا ستقتل مدنيين وتدمر البنية التحتية، مما سيضاعف معاناة السكان ويغذي الصراع بدل احتوائه.
وحذرت كذلك من أن العنف قد يمتد إلى كولومبيا المجاورة أو يدفع تنظيم "جيش التحرير الوطني" الكولومبي المسلح إلى الرد، خصوصا بعدما زعم وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث أن إحدى الضربات أصابت قاربا تابعا للتنظيم، ليتضح لاحقا أنه يعود لعائلة صيادين بسطاء.
الإطاحة بمادورووترى إيدلر أن تغيير النظام قد يكون أحد دوافع ترامب، خاصة مع ضغط الجمهوريين للإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
إعلانوفي هذا الصدد، ذكرت الصحيفة أن الجمهوري ستيفن ميلر المقرب من ترامب هو المسؤول عن إستراتيجية البلاد الهجومية تجاه فنزويلا.
ونقل التقرير قول ستيف بانون المستشار السابق لترامب إن هذه الإستراتيجية تستغل موقف ترامب المتشدد من الهجرة لتحميل أميركا اللاتينية مسؤولية تدفقات المخدرات والهجرة.
وحسب سولار، فإن عزل مادورو غير محتمل بسبب مهارة الرئيس في إدارة دائرة داخلية موالية، لكن كبار القادة في الجيش الفنزويلي قد يسلمونه للولايات المتحدة إذا وجدوا أن بقاءه مكلف جدا.
وفي حال اندلعت الحرب قد تلجأ فنزويلا إلى روسيا والصين وكوبا، ولكن الخبراء لا يرجحون تدخلهم المباشر في الحرب.
ولفت التقرير إلى احتمال استخدام الولايات المتحدة قواعدها العسكرية في أميركا اللاتينية في حال اندلاع حرب، ويشمل ذلك قواعد أميركية في بورتوريكو وهندوراس وكوبا ومواقع مراقبة في جزيرة أروبا وكوراساو، كما ستبحث واشنطن عن "شركاء" إضافيين.
وحذرت ورقة بحثية أعدها دوغلاس فاراح مستشار الأمن القومي خلال الولاية الأولى لترامب من أن إسقاط مادورو سيخلق "فترة طويلة من الفوضى بلا مخرج"، مما يعزز التحذيرات الحالية بأن الشرارة قد تشعل حربا أهلية باهظة الثمن.