حضرموت .. فوضى اللحظة ووقار التاريخ
تاريخ النشر: 6th, December 2025 GMT
حضرموت… تلك الرقة المتخفية خلف علو النخيل والوقار الذي يشبه صلاة قديمة في جوف الفجر تبدو اليوم كمدينة أُسقطت فجأة من سفح الزمن إلى وهاد الفوضى.
لا لأن الريح اشتدت بل لأن من تولى حراسة الباب تركه مفتوحا لكل عابر لا يعرف عطر الطين ولا وصايا الأجداد.
في حضرموت اليوم لا شيء يشبه أمسها سوى تنهيدة البحر حين يضيق صدره ولا شيء يظل ثابتا غير نخلة تتأمل ذاتها في مرآة الريح وتسأل: أي زمن هذا الذي يمر من أمامنا دون أن يلقي السلام؟
المشهد الذي يخيم على المحافظة يشبه صفحة من كتاب عتيق كانت قد طويت على وجع ثقيل ثم فتحت على عجل فانبعث غبار كثيف لا يرحم عيون الناس ولا ذاكرتهم.
تدخل مليشيات المجلس الانتقالي إلى حضرموت ليس بوصفه إجراء عابرا ولا بصفة قوة تفترض أنها تمثل الدولة أو تحفظ الأمن بل بملامح قوة جاءت محملة بدبابات لا تعرف قداسة الأرض. تتحرك كأنها تجر وراءها مشاريع صغيرة صنعت في غرف أبعد ما تكون عن اليمن وتمضي بخطى من اعتاد أن يعيش خارج سياق الناس خارج لغتهم خارج ذاكرة المكان التي لا تقبل الغريب إلا إذا مشى على رؤوس أصابعه.
هذا الزحف لا يشبه حتى أخطاء السياسة المعتادة إنه خطأ يتكاثر مثل ظلال المساء وحين يكثر يتحول إلى قدر مهين لا يمكن تبريره.
الشرعية الهشة بما في ذلك رئاستها التي فقدت حس البوصلة لم تكتف بالتخاذل عن حماية حضرموت بل ذهبت إلى ما هو أبعد: سلمت مفاتيح المدينة لغير أهلها وتنازلت عن واجبها الدستوري وتركت العلم الجمهوري مكشوفا في وجه من لا يرون فيه أكثر من قماش يجب اقتطاعه لإثبات حضور زائف.
وليس تمزيق العلم الوطني سوى فصل آخر من مهازل اللحظة. علم ظل معلقا في سماء اليمن منذ أن كانت النجوم تعرف مواقعها الأولى ولم تقدر الحروب على إطفاء لونه يأتي اليوم من يجرب فيه أنياب حقده كأنما يمزق يداً تمتد إليه لا قطعة قماش. يفعلون ذلك دون إدراك أنهم يشقون صفحة من تاريخهم هم قبل غيرهم فالأوطان لا تهان بخيط يقطع بل تتهدد حين يسقط في قلوب الناس اليقين بأنهم يستحقون علما لا يمس.
حضرموت اليوم تقف بين مشروعين: مشروع وطني واسع يعرف معنى الجمهورية يعرف أن العلم ليس راية تستبدل بأخرى بل ذاكرة وحق ودم مشى في الشوارع تحت الشمس والمطر. ومشروعٍ صغير لا يرى اليمن إلا خارطة يمكن قصها لا إرثا يستحق أن يحمل. هذا هو جوهر المفارقة التي تعصف بالمشهد: مليشيات ترفع راية ليست لها تحرسها وعودٌ صنعت في ضبابٍ بعيد، بينما يبقى الشعب—على جراحه—الطرف الوحيد الذي ما يزال متمسكا بفكرة الوطن.
ورغم كل هذا فإن حضرموت لا تهزم. ليس لأن الريح رفيقة النخيل بل لأن في هذه الأرض رجالا يعرفون الفرق بين الجيش والمليشيا بين العلم والخرقة، بين حق يدافع عنه وواقع يفرض بقوة السلاح. يعرفون أن الليل مهما طال لا يغيب الفجر وأن العابرين مهما ثقل ظلهم لا يقيمون طويلاً في بيوت ليست لهم.
حضرموت.. بكل ثقلها التاريخي والأخلاقي قادرة على النهوض من تحت هذا الغبار ليس لتنتقم أو ترد الصفعة بمثلها بل لتصوب البوصلة من جديد. فالأوطان تشفى حين ينهض أهلها لا حين يتكئ المسؤولون على وهم القوة. وما دام في حضرموت من يحمل الأرض كما يحمل وجه أمه فلن تنكسر ولن تختزل ولن تتحول إلى ملحق في دفتر أحد.
هكذا ستبقى… نخلة تنظر إلى ذاتها في مرآة الريح شامخة بما يكفي لتقول: أنا هنا وهذا الوطن لي ولن يكون لغيري.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
فوضى رحلات إنديغو: تأثرت مطارات هندية كبرى بعد إلغاء أكبر شركة طيران في الهند رحلاتها
أكبر شركة طيران في الهند تواجه اضطرابا تشغيليا واسعا بعدما حدّت قواعد سلامة الطيران الجديدة من ساعات عمل الطواقم.
سادت الفوضى مطارات الهند الكبرى يوم الجمعة، فيما حاول ركاب أكبر شركة طيران في البلاد، "إنديجو"، التأقلم مع اضطرابات واسعة في الرحلات وإلغاءات نجمت عن قواعد جديدة تحدد ساعات عمل أفراد الطاقم والطيارين. وتكررت مشاهد الإحباط مع نوم مسافرين على أرضيات المطارات، واصطفافهم لساعات أمام مكاتب خدمة العملاء، وانتظارهم من دون تواصل واضح من الشركة. وكان يوم الجمعة اليوم الرابع على التوالي لهذه الاضطرابات، بينما تكابد شركة الطيران منخفضة التكلفة للتكيّف مع لوائح تفرض فترات راحة أطول وتقيّد ساعات الطيران الليلي لمعالجة مخاوف الإرهاق والسلامة. دخلت المرحلة الأولى من القواعد حيز التنفيذ في يوليو، وتبعتها المرحلة الثانية في نوفمبر، ولم تتمكن "إنديجو" من تعديل جداول أطقمها في الوقت المناسب، ما أدى إلى إلغاءات واضطرابات واسعة.
إنديجو توقف مئات الرحلاتيوم الخميس، جرى إيقاف أكثر من 300 رحلة تابعة لـ"إنديجو" عن الإقلاع، فيما تأخرت عدة مئات أخرى. وذكر تنويه للمسافرين صادر عن مطار دلهي يوم الجمعة أن جميع رحلات "إنديجو" الداخلية ستبقى ملغاة حتى منتصف الليل. ولم تواجه شركات كبرى أخرى، بما فيها "إير إنديا"، مشكلات مماثلة حتى الآن. وتشغّل "إنديجو" نحو 2.300 رحلة يوميا، وتستحوذ على ما يقرب من 65 بالمئة من سوق الطيران الداخلي في الهند.
وكان من المقرر أن يسافر المسن ساجال بوز مع زوجته، سينجوتي بوز، في وقت مبكر من يوم الجمعة من كولكاتا إلى نيودلهي لحضور الاحتفال بـ"اليوبيل الفضي" لصديق، لكن رحلته أُلغيت قبل ساعة من موعد الإقلاع المحدد. وقال لـ"أسوشييتد برس" إنه يسافر الآن بالقطار في رحلة تستغرق تسع ساعات إلى مدينة باغدوغرا، حيث يخطط لركوب طائرة إلى نيودلهي مع شركة أخرى. وأضاف: "هذا أمر شديد انعدام المسؤولية وإهمال تام. صعب جدا على أمثالنا من كبار السن".
هل تُتوقع مزيد من إلغاءات رحلات "إنديجو"؟في رسالة داخلية إلى الموظفين هذا الأسبوع اطّلعت عليها "أسوشييتد برس"، قدّم الرئيس التنفيذي لـ"إنديجو" بيتر إلبيرز اعتذاره، وعزا الأمر إلى أعطال تقنية، وتغييرات في الجداول، وأحوال جوية سيئة، وازدياد الازدحام، وتطبيق القواعد الجديدة، بوصفها الأسباب وراء اضطراب الرحلات.
Related كل قواعد السفر الجديدة في أوروبا لعام 2025: تفتيش الحدود-رسوم سياحية-ضبط السلوكوقالت وزارة الطيران المدني في بيان إن الاضطرابات نشأت أساسا عن سوء تقدير وثغرات في التخطيط لدى الشركة خلال تطبيق المرحلة الثانية من القواعد الجديدة، وإن الشركة أقرت بأن الأثر على قوة الأطقم تجاوز توقعاتها. وطلبت "إنديجو" استثناءات مؤقتة في تطبيق القواعد، وأبلغت الحكومة بأن إجراءات تصحيحية قيد التنفيذ، وأشارت إلى أن عملياتها ستُستعاد بالكامل بحلول 10 فبراير. ومن المتوقع تسجيل مزيد من الإلغاءات خلال الأسبوعين المقبلين، وقالت الشركة إنها ستخفض عمليات رحلاتها اعتبارا من 8 ديسمبر للحد من الاضطرابات.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة