الديمقراطية العربية بين واقع مأزوم ومستقبل ينتظر التشكل
تاريخ النشر: 6th, December 2025 GMT
#الديمقراطية_العربية بين #واقع_مأزوم و #مستقبل ينتظر التشكل
بقلم: أ. د. محمد تركي بني سلامة
في ظل عالم يموج بالتحولات المتسارعة، ويشهد انفجاراً في مطالب الشعوب مقابل تشدد الأنظمة السياسية، يبرز سؤال محوري يعيد تشكيل النقاش العام في المنطقة العربية: هل ما يزال للديمقراطية مستقبل حقيقي في عالم عربي يعيش على وقع التوترات والتحديات البنيوية؟ هذا السؤال لم يعد مقتصراً على التحليل السياسي، بل أصبح يتصل اتصالاً وثيقاً بمسار حضاري كامل، خصوصاً في ضوء موجة عالمية من السلطوية التي تتجاوز الحدود وتعيد تشكيل طبيعة الحكم داخلياً ودولياً.
وفي قلب هذه التحولات، يقف العالم العربي أمام لحظة مفصلية يصعب تجاهلها. فالسلطوية لم تعد مجرد نزعة داخلية، بل تحولت إلى عدوى سياسية تنتشر عبر الحدود مستفيدة من التحولات الجيوسياسية وتراجع الدور الليبرالي العالمي. فالولايات المتحدة، بوصفها الفاعل الدولي الأكثر تأثيراً في دعم الديمقراطية سابقاً، تبدي اليوم ميلاً واضحاً نحو الانعزالية، ما أدى إلى تقلص الضغوط الدولية المساندة للإصلاح السياسي وتراجع الدعم التقليدي لبرامج التحول الديمقراطي. وبفعل هذا الفراغ، وجدت الأنظمة السلطوية فرصة لإعادة هندسة مؤسساتها وتمرير تشريعات مقيدة، مع تبرير هذا النهج بذرائع الأمن والاستقرار، ما جعل السلطوية تنتشر كتيار عابر للقارات يكتسب شرعيته من خطاب الخوف والفوضى.
مقالات ذات صلةفي السياق العربي، تتقاطع تطلعات الشعوب مع واقع دولة متغوّلة تستعيد أدوات السيطرة القديمة كلما شعرت بتهديد داخلي. فقد أثبتت احتجاجات 2011 أن الديمقراطية كانت مطلباً شعبياً أصيلاً، لا صناعة خارجية كما يذهب الخطاب الرسمي، وأن فشل الانتقال الديمقراطي لم يكن حتمية تاريخية بل نتيجة بنى سياسية وأمنية واقتصادية معقدة حالت دون تحقيق تحول مستدام. وبينما اتجهت بعض الدول إلى إصلاحات محسوبة، اختارت أخرى العودة إلى نموذج “الدولة الأمنية” الذي يمنحها استقراراً شكلياً سرعان ما يتآكل مع الزمن. ويؤكد التاريخ أن الاستقرار القائم على الإقصاء هشّ، وأن غياب المشاركة يفتح الباب لانفجارات مؤجلة.
ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي لا يقتصر على إصلاح الهياكل السياسية، بل يتعداه إلى إعادة تعريف العقد الاجتماعي الذي يحكم العلاقة بين الدولة والمواطن. فالديمقراطية منظومة متكاملة تقوم على سيادة القانون والفصل بين السلطات وحرية الإعلام ووجود مجتمع مدني فاعل، إضافة إلى اقتصاد يضمن العدالة وتكافؤ الفرص. وفي غياب هذه المقومات تصبح الانتخابات مجرد قشرة تمنح شرعية شكلية لنظام مغلق لا يسمح بتداول فعلي للسلطة. إن المطلوب اليوم هو عقد اجتماعي جديد يقوم على شرعية الإنجاز لا القوة، وعلى مشاركة واسعة لا نخبوية محدودة، وعلى حكم رشيد يوازن بين مقتضيات الأمن وضرورات الحرية، وعلى تنمية عادلة تفكك احتكار السياسة والاقتصاد.
وبرغم هذا الواقع الملبّد بالتحديات، لا يزال المستقبل مفتوحاً أمام احتمالات متعددة، فالعالم العربي يمتلك قاعدة شبابية واسعة تتطلع للتمكين، ومجتمعاً مدنياً يتطور رغم القيود، ونخباً قادرة على إنتاج نماذج حكم بديلة، وتجارب تُثبت أن الشعوب—even في لحظات الإحباط—لا تستسلم للركود. غير أن المسار الديمقراطي يواجه عقبات جدية أبرزها الاستقطاب السياسي، الهشاشة الاقتصادية، ضعف البنية الحزبية، وتغوّل المؤسسات التي تضيّق مساحة المشاركة.
ومن أجل تحول ديمقراطي حقيقي، لا بد من تبني مشروع إصلاحي متدرج يعيد توزيع السلطة من دون تجميل شكلي، وتمكين المجتمع المدني الذي يشكل خط الدفاع الأخير عن المجال العام، وبناء اقتصاد يولّد طبقة وسطى فاعلة تمثل العمود الفقري لأي ديمقراطية مستقرة، إضافة إلى شراكات دولية عادلة في عالم متعدد المراكز يمنح المنطقة فرصة لإعادة تعريف موقعها شرط امتلاك رؤية داخلية صلبة. إن مستقبل العالم العربي لن يُصنع بالقوة ولا بالانغلاق، بل حين تتصالح الدولة مع المجتمع، وحين تتحول المشاركة السياسية إلى حق راسخ لا منّة، وحين يُعاد للإنسان العربي موقعه الطبيعي باعتباره محور العملية السياسية. فالديمقراطية ليست ترفاً يمكن تجاهله، بل ضرورة وجودية لأي نهضة عربية قادمة، وإذا كان الماضي مثقلاً بالخيبات، فإن المستقبل يظل مساحة مفتوحة لمن يمتلك الجرأة على إعادة تشكيله.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: واقع مأزوم مستقبل
إقرأ أيضاً:
بيان وزراء خارجية ثماني دول عربية وإسلامية بشأن معبر رفح ومستقبل الوضع في قطاع غزة
أعرب وزراء خارجية كلٍّ من جمهورية مصر العربية، المملكة الأردنية الهاشمية، الإمارات العربية المتحدة، جمهورية إندونيسيا، جمهورية باكستان الإسلامية، جمهورية تركيا، المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، عن بالغ القلق إزاء التصريحات الصادرة عن الجانب الإسرائيلي بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد بهدف إخراج سكان قطاع غزة إلى جمهورية مصر العربية.
وشدد الوزراء على الرفض التام لأية محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وأكدوا على ضرورة الالتزام الكامل بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما تضمنته من فتح معبر رفح في الاتجاهين، وضمان حرية حركة السكان، وعدم إجبار أيٍ من أبناء القطاع على المغادرة، بل تهيئة الظروف المناسبة لهم للبقاء على أرضهم والمشاركة في بناء وطنهم، في إطار رؤية متكاملة لاستعادة الاستقرار وتحسين أوضاعهم الإنسانية.
وجدد الوزراء تقديرهم لالتزام الرئيس ترامب بإرساء السلام في المنطقة، وأكدوا أهمية المضي قدماً في تنفيذ خطة الرئيس ترامب بكافة استحقاقاتها دون إرجاء أو تعطيل، بما يحقق الأمن والسلام، ويُرسّخ أسس الاستقرار الإقليمي.
وشدد الوزراء في هذا السياق على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار بشكل كامل، ووضع حد لمعاناة المدنيين، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة دون قيود أو عوائق، والشروع في جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار، وتهيئة الظروف أمام عودة السلطة الفلسطينية لتسلم مسؤولياتها في قطاع غزة، بما يؤسس لمرحلة جديدة من الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأكد الوزراء استعداد دولهم لمواصلة العمل والتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وكافة الأطراف الإقليمية والدولية المعنية، لضمان التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم ٢٨٠٣، وكافة قرارات المجلس ذات الصلة، وتوفير البيئة المواتية لتحقيق سلام عادل وشامل ومستدام وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين، بما يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967، بما في ذلك الأراضي المحتلة في غزة والضفة الغربية، وعاصمتها القدس الشرقية.