السياحة البيئية مفهوم جديد وحديث نسبياً يعيد تعريف تجربة السفر , حيث تلتقي المغامرة بالمسؤولية. في عالم ملئ بالتحديات البيئية ,تظهر السياحة البيئية كتجربة فريدة نحو محاولة  الحفاظ على الكوكب مع الاستمتاع به  حيث باتت الوجهات السياحة البيئية تكتسب شعبية متزايدة، حيث يميل عدد متنامٍ من المسافرين إلى إعادة صياغة خطط رحلاتهم لتكون أكثر مسؤولية واستدامة.

 

تمثل السياحة البيئية تجربة سفر تتمحور حول الانغماس في جمال الطبيعة، مع الحرص على تقليل الأثر السلبي على البيئة. تركز هذه الحركة على الاستدامة وضرورة الحفاظ على سلامة النظم البيئية، مما يعكس احترامًا عميقًا للسكان المحليين وبيئتهم. 

من خلال دعم الاقتصاد المحلي وحماية موارد الأرض،تعتبر السياحة البيئية قطاعاً هاماُ يقفز سريعاً بالنمو داخل صناعة السياحة الدولية حيث قدر حجم الاستثمار فيه بحوالي 260 مليار دولار أمريكي لعام 2024 ومن المتوقع أن ينمو بمقدار 14.31% سنوياً  حتى حلول عام 2032.

حيث تختلف السياحة البيئية عن السياحة التقليدية من حيث الأهداف التي تسعى إليها فليست كلها اقتصادية ترفيهية بحتة وإنما يوجد هدف دولي مشترك وهو الحفاظ التنوع البيولوجي وحماية البيئة من خلال  تعزيز الوعي البيئي لدى الزوار والتصرف بمسؤولية تجاه البيئة باتباع ممارسات بيئية خضراء تقل معها البصمة الكربونية الشخصية, وأيضاً دعم المجتمعات المحلية الصغيرة.

فالسياحة البيئية هي سوق واعدة في مجال الاستثمار السياحي والبيئي حيث انها تتميز بالتنوع الذي يلبي العديد من رغبات السائحين المختلفة ما بين السياحة العلاجية والسياحة الثقافية لأغراض البحث والاستكشاف, والسياحة الدينية والروحية, والسياحة المائية والبحرية ,وسياحة التخييم والسفاري في المناطق المحمية , وسياحة الحياة البرية وتسلق الجبال والكهوف وغيرها . 

وبالرغم من أن دولة مصر تمتلك أكثر من 28 موقع جاهز لممارسة نشاط السياحة البيئية إلا أنها مازالت غير مستغلة بالشكل الذي يتماشى مع حجم الثروات الطبيعية الهائلة التي تمتلكها وكم التنوع البيولوجي الذي يؤهلها لأن تصبح من الوجهات الأولي على خارطة السياحة البيئة العالمية ونحن لا نبالغ في الوصف حيث تمتلك مصر حوالي 30 محمية طبيعية تغطي أكثر من 15% من مساحتها تتميز بتنوع الانظمة الايكولوجية بها وهو فريد من نوعه  يندر أن يتوافر في دولة واحدة حيث تتنوع المحميات بها ما بين محميات بحرية تضم أنواع عدة من الشعاب المرجانية وأشكال مختلفة من الكائنات البحرية  وبيئة مناسبة للعديد من الأنشطة البحرية الترفيهية, ومحميات جبلية تضم العديد من الجبال بخصائصها المختلفة كجبل الكريستال بمحبة الصحراء البيضاء والسهول والوديان محمية وادي الريان ووادي الحيتان , ومحميات الأراضي الرطبة بطول ساحل البحر الأبيض وشريط نهر النيل وتضم عدد من البحيرات والجزر النيلية, بالإضافة للمحميات الجيولوجية التي تضم ظواهر جيولوجية خاصة تجعلها مقصد للدراسة والاستكشاف بجانب السياحة محمية الغابة المتحجرة و كهف وادي سنور ببني سويف كل هذه نبذة صغيرة في قائمة المزارات السياحية المصرية.

ولا ننكر جهود وزارة البيئة المصرية في السنوات الأخيرة لدعم مجال الاستثمار السياحي البيئي بالتعاون مع وزارة السياحة لدمج السياحة البيئية ضمن الاستراتيجيات السياحية الوطنية, ورفع كفاءة  وتطوير البنى التحيتة للمحميات الطبيعية وإطلاق العديد من المبادرات الداعمة للسياحة البيئية ومنها  على سبيل المثال لا الحصر مبارة أيكو مصر للترويج لهذا النوع الجديد والمستدام من سياحة المحميات لرفع الوعي البيئي والتعريف بها ضمن حملة أتحضر للأخضر ورؤية مصر الاستراتيجية 2030.

إلا أن كل هذه الجهود غير كافية تواجهها عدة تحديات لابد من إيجاد الحلول لها وتذليل أي عقبات في هذا الاتجاه السياحي المتنامي والقادم بقوة عالمياً حيث يتحول العالم الان لمحاولة صداقة البيئة مرة أخرى ودعم كل القطاعات وتغيير ثقافته لإعادة التوازن البيئي  بالإضافة أن السياحة تعد مصدر هام للعملات الصعبة للدولة المصرية.

ولعل من أهم التحديات والعقبات التي تواجه قطاع السياحة البيئية بمصر

أولاً: ضرورة رفع كفاءة البنية التحتية في بعض المناطق السياحية خاصاً النائية منها أو المكتشفة حديثاً  مع تحديث شبكة الطرق المؤدية لها وتوفير وسائل النقل صديقة البيئة للتجول داخلها مع ضمان أن تكون كل أدوات الأنشطة داخلها لاتضر بالبيئة وتوفير الفنادق أو المخيمات البيئية والتي تراعي المعايير البيئية في عملياتها اليومية مما يعزز فرص الشراكة مع القطاع الخاص وتشجيعه لدخول مجال الاستثمار السياحي البيئي مع ضمان توفير كافة المعلومات حول الطبيعة البيئية للمكان وتوضيح الجدوى الاقتصادية والعائد منها للمستثمر  شريطة حصوله على الشهادات والموافقات البيئية  التي تدل على التزامه بمعايير السلامة البيئية منذ لحظة إنشائها والمواد المستخدمة ومصادر الطاقة النظيفة المستخدمة حتى لحظة التخلص من النفايات بطريقة آمنة على البيئة بالإضافة لتوفير العمالة المدربة المدركة لأهمية اتباع الإرشادات.

ثانياً: ضعف خطط التسويق الترويجي لهذا النوع من السياحة محلياً ودولياً وضرورة استخدام وسائل التواصل الرقمية المختلفة لبث الدعاية الترويجية بشكل يليق بجمال المعالم المصرية لفتح أسواق جديدة بدول أوروبا وآسيا والتعاون مع شركات السياحة العالمية في ذات المجال بالإضافة للمشاركة في المعارض الدولية الخاصة بالترويج للسياحة البيئية.

ثالثاً: ضرورة أتباع نهج إداري صارم لإدارة مناطق السياحة البيئية لضمان استمراريتها على المدى الطويل دون المساس بموارده الطبيعية بالإضافة لضمان تطبيق القوانين البيئية داخل هذه المحميات بكل صارمة والتحكم في القدرة الاستيعابية اليومية للمكان لضمان عدم صدور أي تلوث أو ضغط على الموارد الطبيعية بالمكان لتحقيق التوازن بين السياحة والتنمية. 

رابعاً: إشراك وتدريب السكان المحليين في إدارة وتشغيل المشاريع السياحة البيئية حيث أنهم على دراية كبيرة بطبيعة المكان وتضاريسه مما يخلق لديهم شعور بالملكية والمسؤولية المجتمعية بالإضافة لتشجيع وتوفير التمويل للصناعات المحلية الصديقة للبيئة والتي تكون مصدر جذب سياحي وتوفر فرص العمل للشباب داخل بيئتهم الطبيعية و يمكن أن تكون مشاركاً بارزاً في المعارض الدولية كنوع من أنواع التسويق السياحي.

مع ذلك، تظل الآفاق المستقبلية واعدة. من خلال استمرار العمل على تعزيز السياحة البيئية، يمكن لمصر أن تُصبح وجهة رائدة في هذا المجال، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وحماية البيئة للأجيال القادمة.

ونشير مرة أخرى لدور وزارة السياحة والبيئة المصرية في تعزيز السياحة البيئية كخطوة أساسية نحو تحقيق التنمية المستدامة، مما يعكس التزام مصر بالاستدامة وحماية بيئتها الغنية.

طباعة شارك السياحة السياحة البيئية شيماء الناصر مقالات صدى البلد

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: السياحة السياحة البيئية شيماء الناصر السیاحة البیئیة

إقرأ أيضاً:

د.هبة عيد تكتب: كيف تصنعنا الأرواح حين نتلاقى

الأرواح جنودٌ مجندة؛ ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

حكمة قديمة، لكنها تُشبه بوابة ندخل منها إلى عالم خفيّ لا بملامحه الغيبية، بل بأبعاده الإنسانية العميقة… عالمٍ يصوغ ملامحنا من جديد كلما التقت أرواحنا بأرواح أخرى تعكس فينا ما لا نراه.

في لحظات نادرة، نلتقي أشخاصًا يلامسون في داخلنا شيئًا كانت السنوات قد مرّت عليه دون أن توقظه. لا نعرف كيف يحدث هذا القرب المفاجئ، ولا لماذا نشعر بأننا "نعرفهم" منذ زمنٍ لا نملكه. إنه توافق خفي، تفسّره الروح بلغة لا يجيدها العقل، ويترجمه القلب على شكل طمأنينة شفافة تُشبه العودة إلى بيت لم نعشه، لكننا نتذكّره.

هذه الألفة ليست مصادفة؛ إنها نتيجة تشابهٍ عميق في البنية النفسية… نسق داخلي يتكوّن من جروح قديمة، ورغبات مكتومة، وطباع ترتّبت عبر السنين.

فعلم النفس يخبرنا أن الإنسان ينجذب لمن يشبه إيقاعه الداخلي، لمن تكمل ملامحه ما ينقصه أو تهدّئ ما يضطرب بداخله. لذا، نجد أنفسنا نرتاح لشخص ما قبل أن نعرفه، ونبتعد عن آخر رغم لطفه. فالروح ترى ما هو أبعد من السلوك… ترى ما وراءه.

وفي المقابل، هناك أرواح تمرّ من أمامنا دون أن تترك أثرًا، أو ربما تترك ثقلًا لا ينسجم مع خطواتنا. هؤلاء ليسوا أعداء، بل صفحات تُعلّمنا معنى الحدود، وتذكّرنا بأن الاختلاف جزء من حكمة الوجود. فكما تُشرق الشمس على كل شيء، لا تملك كل الأشياء القدرة على استقبال الضوء بنفس الطريقة.

وبين الألفة والاختلاف، نصنع نحن.
تكبر التجربة داخلنا، وتتكوّن طبقة جديدة من الفهم.
نتعلم من القريبين كيف يكون الدفء، وكيف تستطيع كلمة واحدة أن تعيد ترتيب عمرٍ كامل.
ونتعلم من البعيدين معنى الثبات، وكيف نحمي مساحتنا، وكيف نرى أنفسنا بصدق أكبر.

كل لقاء روحاني عميق يصنع فينا شيئًا:
من يُشبهنا يزرع الطمأنينة.
ومن يختلف عنا يزرع الحكمة.
ومن يمرّ سريعًا يترك في الهواء درسًا صغيرًا بالكاد نلتقطه في لحظته… لكنه يعود إلينا حين نحتاجه.

وهكذا نمضي في الحياة، لا نصادف أحدًا عبثًا. كل اقتراب رسالة، وكل ابتعاد حماية، وكل انسجام باب مفتوح على ذاتٍ كانت تبحث عن نفسها.

فالأرواح لا تدخل حياتنا عبثًا، ولا تغادرنا بلا أثر؛ بل تُهذّب ما في داخلنا، وتعيد تشكيل الطرق التي نسير بها، وتعلّمنا كيف يصبح الإنسان أكثر اتزانًا، أعمق فهمًا، وأرقّ حسًا.

وفي النهاية…
تظل الأرواح جنودًا مجندة،
تتآلف حين تتعارف،
وتختلف حين تتناكر،
وتنسج من خيوط اللقاء شكلًا جديدًا منّا…
كأنها تُعيد تشكيل الإنسان في كل مرة نصادف فيها قلبًا يُشبهنا أو يختلف عنا.

طباعة شارك الأرواح جنودٌ حكمة قديمة عالم خفيّ لحظات نادرة الروح

مقالات مشابهة

  • حكم صلاة الجنازة على الغريق المفقود
  • إلهام أبو الفتح تكتب: تحية لكل يد أحدثت فرقًا
  • د.هبة عيد تكتب: كيف تصنعنا الأرواح حين نتلاقى
  • طارق الشناوي: من حق أم شيماء جمال مقاضاة صناع ورد وشوكولاتة
  • محافظ الفيوم: مهرجان السينما لأفلام البيئة منصة للترويج السياحي
  • "الأمن البيئي" يضبط مواطنًا لإشعاله النار في غير الأماكن المخصصة لها بمحمية طويق الطبيعية
  • وزارة البيئة:شحة المياه وتقليص المساحات الخضراء والفشل الحكومي وراء التلوث البيئي في العراق
  • صحة العراقيين في خطر.. تحذيرات من تداعيات الأزمة البيئية
  • "شؤون البيئة بقنا" ينظم ندوة حول الحد من البلاستيك و الاستدامة البيئية بالمدرسة الألمانية