حفل قرعة كأس العالم بين السياسة والرياضة
تاريخ النشر: 7th, December 2025 GMT
فى حفل افتتاح استثنائى مختلف عن كل ما سبقه، وهى لحظة تحول فيها حفل الافتتاح إلى عرض سياسى مكشوف. لم يكن منح إنفانتينو لترامب «جائزة الفيفا للسلام» مجرد مجاملة بروتوكولية، بل خطوة محسوبة بعناية، تشبع رغبة ترامب فى لقب دولى يلوح به، بعدما استعصى عليه «نوبل». الفيفا هنا لا تبدو جهة رياضية بقدر ما تبدو مؤسسة تمارس سياسة ناعمة بذكاء شديد.
المشهد ازداد وضوحاً حين ظهر قادة الولايات المتحدة والمكسيك وكندا فى مراسم سحب القرعة. وكان ذلك أشبه بإعلان جماعى بأن البطولة صارت منصة نفوذ، لا حدثاً رياضياً فقط. ثلاث دول أرادت أن تقول: نحن هنا، نصنع الحدث ونعيد رسم صورنا أمام العالم عبر كرة القدم. وهذا التعمد الفج يكشف أن الرياضة أصبحت أداة سياسية من الدرجة الأولى، وأن خطوط الفصل القديمة بين اللعب والسلطة تم محوها تماماً.
وسط هذا كله، يدخل المنتخب المصرى إلى دائرة ضوء لا يرحم، لكنه ضوء مشوه؛ ضوء يصنعه الداخل قبل الخارج. فمنذ سنوات، اعتدنا على حملات تسبق كل بطولة، الهدف منها ليس النقد ولا الإصلاح، بل خلق حالة من التوتر تضرب الجهاز الفنى فى أساسه. تبدأ الحملة دائماً بالجملة السخيفة نفسها: «مجموعة سهلة». جملة تطلق عمداً لرفع سقف التوقعات إلى حد غير معقول، حتى يصبح أى تعثر – ولو تعثر طبيعى جداً فى كرة القدم – جريمة تستحق العقاب.
إنها لعبة نفسية مكشوفة: يعلنون أن الطريق مفروش بالورد، ثم يستعدون لنصب المشانق عند أول خطوة غير كاملة. يعرفون جيداً أن التصفيات ليست نزهة، لكنهم لا يريدون الحقيقة… يريدون فقط جمهوراً مستفزاً جاهزاً للانفجار. رأينا ذلك بوضوح رغم أن المنتخب فاز فى جميع مبارياته وتعادل فى واحدة، ومع ذلك جرى التعامل مع التصفيات كما لو كانت كارثة فنية. لأن الهدف لم يكن الأداء… بل خلق أزمة.
هذا المناخ نفسه يتكرر فى بطولة إفريقيا. التشكيك المسبق فى المنتخب ليس تحليلاً، بل هو مزاج هابط يتغذى على الإحباط. صحيح أن المنافسة صعبة، وأن المغرب على أرضه يمنح نفسه قوة هائلة، خصوصاً بوجود فوزى لقجع، أحد أقوى الأسماء فى الكواليس الكروية العالمية. لكن تحويل البطولة إلى «مهمة مستحيلة» قبل أن تبدأ هو استسهال فكرى وكسل تحليلى. كرة القدم لا تحسم بالتصريحات، بل بالمباراة. وحسام حسن أثبت مراراً أنه قادر على قلب الترشيحات مهما كانت ظالمة أو متحيزة.
لكن كيف يعمل جهاز فنى وسط حالة من الشك الدائم، وسط جمهور جرى دفعه عمداً إلى اليأس؟ كيف يبنى هوية تكتيكية جديدة فى ظل نيران لا تنطفئ، وتشويه مقصود يسبق كل خطوة؟ لاعبو مصر (إلا قليلا) ليس بالقوة من الأساس التى تمكنهم من الصمود فى الاختبارات القاسية لأسباب واضحة يعرفها كل صاحب عين.. لعدة أسباب، ولذلك علينا إصلاح هذه الثغرات، لا تحويلها إلى سلاح لجلد الفريق قبل أن يلمس الكرة.
ما حدث فى افتتاح المونديال يثبت أن العالم كله يستخدم كرة القدم لتحقيق مصالح سياسية. وفى المقابل، ما يحدث داخل مصر يثبت أننا نستخدمها أحياناً لتحقيق خصومات صغيرة وتصفية حسابات تافهة. إن الفرق كبير جداً. العالم يلعب سياسة كبرى.. ونحن نلعب ضجيجاً.
المنتخب لن ينجح بالصوت العالى ولا بالسخرية ولا بالكمائن النفسية. النجاح يأتى من العمل، والعمل يحتاج إلى هدوء. ومن حق الجمهور أن يطمح، ومن حق الإعلام أن ينتقد، لكن ليس من حق أحد أن يصنع أجواء هدامة تجعل الفريق يدخل الملعب وهو محاصر قبل أن يبدأ.
أخيراً.. كرة القدم جزء من معادلة أكبر مما شهده العالم فى حفل الافتتاح
وفى ظل هذا التعقيد، يصبح الحفاظ على استقرار المنتخب مسئولية مشتركة بين الإعلام والجمهور وكل الأطراف ذات الصلة، فبالرغم من أن وحده الأداء فى الملعب قادر على حسم الجدل، ولكن توفير بيئة هادئة هو ما يهيئ لهذا الأداء أن يظهر بأفضل صورة.
والتاريخ علمنا: الرجال تعرف عند الشدائد.. والمنتخب لن يهزم بالضوضاء.
mndiab@hotmail. com
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د محمد دياب جائزة الفيفا للسلام إنفانتينو لترامب حفل الافتتاح کرة القدم
إقرأ أيضاً:
قرعة كأس العالم 2026 في واشنطن: تحضيرات ضخمة وذكريات مثيرة من الماضي
صراحة نيوز-تتركز أنظار عشاق كرة القدم حول العالم، اليوم الجمعة، على العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث تُقام قرعة نهائيات كأس العالم 2026 في مركز كينيدي، وسط استعدادات واسعة وترقب من المنتخبات الكبرى لمعرفة منافسيها في مرحلة المجموعات.
كشف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عن الإجراءات الرسمية للقرعة، والتي شهدت تغييرات مهمة مقارنة بالنسخ السابقة، بعد زيادة عدد المنتخبات المشاركة إلى 48 منتخباً، واستضافة البطولة لأول مرة من قبل ثلاث دول هي الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
وُضعت الدول المضيفة ضمن المستوى الأول، فيما لن تتمكن منتخبات مثل إسبانيا والأرجنتين وفرنسا وإنجلترا من مواجهة بعضها قبل نصف النهائي، وفق نظام تصنيف جديد، كما شدد الفيفا على قواعد تمنع وجود أكثر من منتخب من كل قارة في نفس المجموعة، باستثناء أوروبا.
يتولى النجم الإنجليزي السابق ريو فرديناند الإشراف على مراسم القرعة، بمشاركة أسماء رياضية عالمية بارزة مثل توم برادي، وواين جريتزكي، وآرون جادج، وشاكيل أونيل، لإضفاء طابع دولي مميز على الحدث.
يحضر الحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى جانب عروض فنية من فرقة Village People والمطرب روبن ويليامز، في إطار احتفالية ضخمة تهدف لضمان تنظيم سلس وخالٍ من الجدل كما حدث في نسخ سابقة.
تستحضر هذه المناسبة أخطاء تاريخية وقعت في قرعات كأس العالم الماضية، أبرزها نسخة 1982 في مدريد، حين تمت زيادة عدد المنتخبات إلى 24 فريقاً بدلاً من 16، مع إدخال مقاعد إضافية لقارتي إفريقيا وآسيا، وشهدت القرعة خطأ في توزيع المنتخبات أثناء البث المباشر وتصحيحاً لاحقاً من المنظمين.
أضاف حدث 1994 في الولايات المتحدة لمسة كوميدية، حين أربك الممثل روبن ويليامز المسؤولين بسلوكه الطريف، ما تسبب بمزاح مستمر على المسرح قبل العودة إلى النسق الرسمي، وسط جدل حول استخدام كرات ساخنة وباردة أثناء السحب.
أوضح الأمين العام السابق بلاتر قبل نسخة 2018 إمكانية “تسخين أو تبريد الكرات”، ما أثار جدلاً واسعاً، وهو ما نفاه الفيفا والاتحاد الأوروبي بشكل قاطع، مؤكّدين نزاهة العملية ومواءمتها للمعايير العالمية.
يأمل الاتحاد الدولي لكرة القدم أن تمر قرعة واشنطن بسلاسة، وأن تمهد لبداية ناجحة لأكبر نسخة في تاريخ كأس العالم، مع توفير تنظيم احترافي وتجربة مميزة للمنتخبات والمشجعين على حد سواء.