الأمية القانونية تفويت للحقوق
تاريخ النشر: 7th, December 2025 GMT
يقع كثير من الأفراد والمؤسسات وحتى الدول في فخ الجهل بالقانون متحملين مسؤولية الجهل بتفويت كثير من الامتيازات والخدمات، بل وحتى الحقوق.
ولعل المرء يتساءل هنا أولا عن مراحل بناء وتشريع القوانين؛ وهي عملية متعددة المراحل تبدأ من الفكرة أو الحاجة مروراً بـالبحث والتحليل وتجميع البيانات واستقراء الآراء، ثم صياغة مسودة أولية تتضمن الديباجة والمواد، وصولاً إلى عرضها على السلطة التشريعية(البرلمان) للمناقشة والتعديل، والحصول على الموافقات النهائية من مجلسي الوزراء ممثلين للمؤسسات، والبرلمان ممثلا للشعب، ثم إصدارها ونشرها في الجريدة الرسمية لتصبح سارية المفعول؛ مع الأخذ في الاعتبار التدرج القانوني والتوافق مع الدستور.
وإن كان الواقع - قبل عقود- يخضع لفكرة التسليم بوصول القوانين إلى الأفراد ملزمة التنفيذ غير القابلة للنقاش أو إمكانية التطوير والتغيير، فإن الحال لم يختلف في كثير من سياقات التشريع القانوني في كثير من الدول؛ غير أن المتاح اليوم استقراء آراء العامة في المراحل الأولى من بناء القوانين؛ حيث تتشكل الفكرة وتنشأ الحاجة لوضع قانون ما لسد حاجة ما، أو توفير الجهد والمال، أو الحماية من خطر ما أو أذى، أو غيرها من سياقات صنع القانون وممكناته.
هذا الاستقراء صار أسهل اليوم عما كان عليه قبل عقود عبر توظيف وسائل التواصل الاجتماعي وإشراك المختصين والخبراء والعامة في فكرة القانون، ثم تحليله قبل صياغته واعتماده ثم تعميمه وتنفيذه في مراحل لاحقة.
وبناء على التشكلات المعاصرة عملت بعض الحكومات بهذا التصور وغيرها بتصورات أخرى كلها تنتهي إلى اعتماد مبدأ المشاركة التفاعلية الواسعة؛ غير أن حكومات أخرى ارتأت تضييق دائرة الاستشارة معتمدين المشاركة عبر مرحلة العرض على مجلسي الوزراء والبرلمان أو (الشورى) على اعتبار أنهم ممثلو الشعب الناطقون باسمه المعبرون عن حاجاته وآرائه ومخاوفه.
فمن أين تأتي الأمية بعد كل هذه المراحل؟ إن الأمية تتبدى حين يفاجأ الأفراد بانتهاكهم قانونا ما، أو تفويتهم كثيرًا من المستحقات بعد وقوعهم عرضا على نص قانوني أو ممارسة قانونية تصدمهم بجهلهم أوان الحاجة للمعرفة، حينها لن يجدي نقاش محتوى القانون نفعا، لا سيما إذا ما كان السعي لمناقشته أو تغييره عبر الصوت الواحد المنفصل. وقد يجدي السعي نفعًا إن تمثل صوتًا جماعيًا قرأ تفاصيل القانون جيدًا قبل نقاشه، وسبر مكامن القوة والضعف فيه، وأشار إلى فجواته وإلى إمكانية إعادة صياغته، أو حتى تغييره جذريًا بما يتناسب والمصالح المستجدة للمجموعة (الشعب).
وحين نستقرئ الواقع نجد أن أغلبنا يدخل ضمن معاناة الأمية القانونية، سواء في سياق القانون العام الذي ينظم علاقات الدولة والسلطة (مثل القانون الدستوري، الإداري، الجنائي، الدولي العام، والمالي)، أو القانون الخاص الذي ينظم علاقات الأفراد فيما بينهم (مثل القانون المدني، التجاري، العمل، الأسرة، البحري، والجوي) كلها تغطي مختلف جوانب الحياة والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية.
وإن أردنا الحقيقة فهذه أمية مكلفة باهضة الثمن، لا ماديا وحسب؛ إذ لا يرتبط القانون بالجانب المادي وحده، وإنما هي أمية ندفع ثمنها نفسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وإن عدنا لمبرراتها فلا بد من عودة للتفكير التقليدي الذي كان يرى مهمة المشاركة في صنع القانون لا تقع إلا على المؤسسات، هي ذات العقلية التي ترى أن المؤسسة منظومة متعالية لا يمكن لها مشاركة منتسبيها (فضلا عن مراجعيها) صنع القوانين والقرارات كما تحرص على مشاركتهم التبعات والمسؤوليات.
هذه العقلية تظن بأن مهمتها تتلخص في استقبال الأوامر وتنفيذها، استلام الترقية والمكافأة والعلاوات إن وجدت دون سؤال، وتنفيذ أشكال الجزاء دون نقاش.. عقلية تعتمد تجربة الخطأ والصواب لاكتشاف الممكن والمتاح، كما تعتمد لتجربة ذاتها لقبول الجزاء والعقاب دون سعي للمعرفة قبل التجربة ودون تقصي القوانين قبل إدراك حسناتها، وتجنب مخالفتها.
والحقيقة أن بعض الجهات الحكومية وغير الحكومية أدركت أمية الأفراد فسعت جاهدة لا إلى تسليمهم اللوائح والنصوص القانونية وحسب، بل إلى تقطيعها إلى جذاذات توعوية يسهل نشرها وتداولها لنجد أغلب متلقيها يعجب منها وهو يطلع عليها للمرة الأولى رغم وصولها إليه بأشكال شتى قبل ذلك.
ولعل هذا النوع من التوعية القانونية يتوافق ونمط الحياة المتسارعة التي نعيشها، كما يتناسب مع واقع قوة التأثير السمعي البصري، في حين تجد قطاعات أخرى في الجهل أو التجهيل طمأنينة وضمانات لاستقرار (زائف) تطلبه.
ختاما: لم توضع القوانين واللوائح التنظيمية لتكون حبيسة أدراج المكاتب، ولا الملفات الرقمية التي تملأ سطح الأجهزة الإلكترونية حيث لا يمسها مخلوق، إنما وضعت للاطلاع عليها بشكل كامل تفصيلي مما يمكن من الاستفادة منها عبر تفعيلها، أو حتى الاعتراض عليها والمطالبة بتغييرها إذا ثبت جمودها أو عدم صلاحيتها لمقتضى الحال، ومع كل ذلك لا ننسى أن كل معرفة قوة ولا بد أن القانون قوة لا يمكن تفويتها أو تجاهلها.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کثیر من
إقرأ أيضاً:
غرائب الإنترنت
«الإنترنت أو السوشيال ميديا أو مقاطع الريلز والتريندات والذكاء الاصطناعي وغيرها من أحدث مسميات الإنترنت مليئة بالغرائب.
فكما أن للإنترنت فوائده في تقديم معلومات في عدة مجالات من خلال مصادرها الحقيقية أو الألعاب اللائقة الخفيفة كنوع من الترفيه أو تسهيل الوصول للأفراد في الأماكن البعيدة أو سهولة التعبير عن الرأي بشكل محترم أو مشاهدة برامج هادفة في عدة مجالات، إلا أن غرائب وعجائب الإنترنت فاقت الحدود.
فماذا يعنى تصميم تريندات مسيئة وغير لائقة وغير هادفة بأشكال مختلفة من أجل الكسب المادي غير المشروع.
وماذا يعنى تصميم مقاطع ريلز مختلفة تحتوى على مشاهد عنيفة قد يقلدها الأطفال وتصبح سمة في سلوكهم.
وماذا يعنى تصميم مقاطع ريلز بها أفراد يقومون بتقطيع كيك على شكل حيوانات كالقطط والطيور أمام حيوان آخر وهم يضحكون ببرود شديد أمام ألم مشاهدة الحيوان الحقيقي لهذا، فأين الرحمة في القلوب، وأمر الرسالات السماوية بمنع ذبح حيوان أمام أخر حتى لا يتعذب.
هل أصبح عذاب الحيوان تسلية الأفراد!!!كما أن الأطفال غير الواعين قد يقومون بتقليد ذلك مع زملائهم وتقطيعهم تقليدا للفيديو على أساس أنه سيصبح لذيذا كالكعكة، وكم من جرائم نسمع عنها اليوم من هذا النوع لم تكن موجودة من ذي قبل.
وماذا يعنى تصميم مقاطع ريلز بالذكاء الاصطناعي تحتوى على مشاهد لأفراد يقفزون من أعلى برج أو جبل ونجدهم في النهاية يقعون على زرع منخفض كخدعة اصطناعية.
أليس هناك أطفالا قد لا يدركون الخدع الاصطناعيه وقد يقومون بتقليد مثل هذه المقاطع بالقفز الحقيقي من الشباك مثلا فينتج كوارث و حوادث لا نريد انتشارها حفاظا علي الأطفال!!
وماذا يعنى أن نجد بعض الأفراد ينشرون بوستات تهديد أو سخرية لاذعة في مجالات مختلفة، أين الأخلاق ومحاولة ستر الأفراد.
وماذا يعنى كثرة الحديث في سير الأخرين من مشاهير أو غيره.
وماذا يعنى تصميم بوستات تهديد في أنه إذا لم تكتب مقولة دينية معينة فستموت أو تحدث مصيبة ما بهدف تخويف الناس فيسارعون بالدخول والكتابة في هذه البوستات وقد تكون خديعة للهاكرز عند دخولها والكتابة فيها.
هل أصبح التلاعب بالدين والضغط على مشاعر الأفراد سهلا لهذا الحد.
فعلى جميع الأفراد في المجتمع سرعة الوعى نحو ذلك، وعلى المجتمع ووسائل الإعلام ودور العبادة العمل على توعية الأفراد بضرورة استخدام الإنترنت فيما يفيد وإهمال ما لا يفيد وتقصى الحقائق في كل ما ينشر به، حفاظا على تماسك المجتمع وأفراده من الشائعات وغيره وحافظا على الأطفال.
«حفظ الله مصر وشعبها من كل مكروه وسو».
اقرأ أيضاًحول «الأطفال مرتفعي الألكسيثيميا».. الباحثة إيمان يحيى تحصل على الدكتوراه بجامعة عين شمس
نهضة مصر
اليقظة الأسرية