على هامش فرضية "الأوقيانوس العُماني"
تاريخ النشر: 8th, December 2025 GMT
حمد الناصري
نشر الكاتب الكويتي عبدالله خالد الغانم على منصّة "X" مقالًا عن "هندسة المركز النجدي والأوقيانوس العُماني" وتحدث بإسهاب مفصّل حول التكاملية الخليجية، وبما أسماها بالنظرية التأسيسية أو الكونفدرالية الخليجية أو منطق "جيوـ بنيوي"، وقد حدد توصيفًا لقابلية التحوّل الخليجي من مجلس تنسيقي إلى كتلة "فوق وطنية" عبر تزاوج مركز سيادي وأشار إليه بـ"السعودية" مع ممَرّ سيادي قوي "عُمان"، وكأنه يُشير إلى بحر عُمان الكبير المفتوح على البحار العميقة والتي تلتقي جميعها عند هذا البحر المفتوح "المحيط العُماني".
وتضمّن المقال توصيف الجُغرافيا، رمال الصحراء الذهبية التي أشرنا إليها في أكثر من مقال وقد أثبتنا قوتها ومكانتها وعظمتها في كتاباتنا القصصية والروائية، فالسعودية مركز الثقل في شبه الجزيرة العربية من حيث الأعداد البشرية ومن حيث الثقل الاقتصادي والمالي في منطقتنا، ولا سيما ثقلها العسكري وميزانيتها الكبيرة عسكريًا التي تتجاوز 70 مليار دولار سنويًا، وأنّ سلطنة عُمان تمتلك سيادة بحرية طويلة، على بحر عُمان وبحر العرب، وكذلك مضيق هرمز.
الغانم، اختزل تجارة النفط عبر هذا الممر المائي الحيوي الدائم في نسبة قدرها 21% من تجارة النفط العالمية، بينما هذا المضيق الحيوي هو العُنق الرئيس للعالم أجمع، والشريان الملاحي الأعظم في منطقة الخليج العربي والأهم حيويًا؛ ممّا يجعله عُمقًا استراتيجيًا وبُعدًا تاريخيًا عميقًا في الصراعات الدولية وتوتّرات المصالح؛ فهو جزء من سيادة بحرية عُمانية مفتوحة على بحر عُمان ومُحيطها البحري العميق الذي تلتقي البحار جميعها في مُحيطه، كأنه نقطة تجمّع لمياه البحار الستة في مياهه البحرية الذي نطلق عليه "المحيط العُماني".
وقد تحدث الغانم عن قاعدة التقارب أو بما أسْماه "المحور العُماني السعودي"، منبع قوة الممرّ البحري، والحقيقة أنّ العلاقات السعودية التاريخية تضرب بجذورها إلى أعمق الامتدادات في تاريخ شبه الجزيرة العربية، فتاريخ عُمان امتداد عميق وحضارتها اكتسبت الثقة القوية ولم تزل باقية في أوجّ عُمقها، بحريًا وانسانيًا وتراثًا ماجدًا، وما تحقق من مصالح مشتركة بين الدولتين العظيمتين- عُمان والسعودية- نابع من مفصل التاريخ في عُمق الرمال العربية، وبما أنّ السعودية عميقة البُعد في الرمزية الدينية "الحرمين الشريفين"، فإنّ عُمان جذورها تمتد إلى بداية التكوين أو لحظة الانشطار الكوني.
إنَّ سلطنة عُمان يشكل امتداها البحري إلى أزيد من 3165 كم حاليًا وهو عُمق استراتيجي، كان في الماضي القريب يصل إلى أبعد من ذلك بكثير.. وكان يُمكن أنْ تحصل على مُحيط بحري مستقل بها وفق شرعية ذلك الامتداد العميق.. فهو ملتقى البحار الستة العميقة.
ولو نظرنا إلى الخرائط البحرية القديمة، نجد عُمان حاضرة ببحرها العميق وذات سيادة على مُحيط بحري مفتوح.
وإنني لأشدّ بيدي على هذا التكامل المُهم بين السعودية وأشقائها في جزيرة العرب، وأرى من الأهمية بمكان حضور اليمن السعيد لما يُشكّله اليمن من قوة مفصلية لهذا التكامل اقتصاديًا وسياسيًا واستراتيجيًا واجتماعيًا؛ فاليمن قوة على الأرض وقوة بُعد مكاني عميق.. إننا مع تعزيز التعاون مع أشقائنا في منطقتنا سياسيًا أولًا، واندماج مباشر اقتصاديًا، وتحقيق قوة تواصل اجتماعيًا، وتعزيز قوة بحرية على الساحة الدولية، من منطلق تحقيق البُعد الاستراتيجي البحري (المحيط العُماني)؛ فسلطنة عُمان تمتلك مقومات بحرية عميقة، وتشكل نقطة تجمّع البحار العميقة الستة، ولها حضارة عميقة ذات قوة، وكُلما كانت بوصلة الهدف آمنة، كانت دافعة للاستقرار، وكلّما كانت القوة في مواجهة التحديات، كانت المصالح فاعلة في منطقتنا.
الخلاصة.. إننا نرى أنّ التوسّع في منطقتنا الخليجية عسكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا وعُمقًا استراتيجيًا يُعزز الدافع إلى قوة التكامل؛ فجغرافية المنطقة "جزيرة العرب" واحدة و"الأوقيانوس العُماني" ذو سيادة منذ فجر التاريخ؛ فعُمان امتدت إلى أقصى الشرق الأفريقي وإلى مُحيطها الجغرافي في منطقتنا، ولها تاريخ بحري طويل وعميق في المنطقة، وعليه فإنّ الحق يبدو موجبًا في امتلاك مُحيط بحري يحمل اسْمها؛ نظرًا لموقعها على بحر مفتوح هو بحرها ومُحيطها، ناهيك عن الأهمية الاقتصادية والبُعد الاستراتيجي لموقع السلطنة البحري والامتداد لشبه الجزيرة العربية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مؤتمر ولاية صور الدولي يعيد قراءة الدور السياسي والاستراتيجي للولاية في التاريخ البحري العالمي
كشف اليوم الثاني من مؤتمر ولاية صور الدولي عن عمق الحضور التاريخي والحضاري للولاية بوصفها عقدة فاعلة في مسارات الملاحة والتجارة والتواصل الثقافي، عبر سلسلة من الأوراق العلمية التي أعادت قراءة الدور السياسي والاستراتيجي لصور في سياقات إقليمية ودولية متداخلة، واستعرضت امتدادها البحري والفكري من شرق إفريقيا إلى الصين، ومن الخليج إلى جنوب شرق آسيا، ضمن ثلاث جلسات علمية احتضنتها جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بولاية صور.
وأدار الجلسة الثانية الأستاذ الدكتور سعيد الهاشمي وتناولت خمس أوراق عمل بحثية الأولى بعنوان الأسر الصورية في جزر القمر قدمها الأستاذ الدكتور حامد كارهيلا ـ دكتوراة في الدراسات الإسلامية ـ تلخصت بترحيب جزر القمر بالعمانيين خصوصًا أهل صور، الذين كان لهم دور كبير في تنشيط التجارة وتعزيز العلاقات بين البلدين، مما أسهم في انتشار القيم الإسلامية والعربية وتعمّق الروابط الاجتماعية والثقافية المشتركة.
وجاءت الورقة الثانية بعنوان العلاقات التجارية العمانية الصينية قدمها الأستاذ الدكتور أمين فوجي مينغ - أستاذ كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية في جامعة بكين-دراسة تاريخ العلاقات بين الصين والدول العربية-، تحدثت عن دور سلطنة عُمان في طريق الحرير البحري وتوضح كيف كانت عُمان مركزاً مهماً للتجارة والملاحة بفضل خبرتها في بناء السفن ومعرفتها بالرياح الموسمية، مما ساهم في تعزيز التبادل التجاري والثقافي بين الشرق والغرب.
كما تناولت الورقة الثالثة موضوع ولاية صور في كتابات الرحالة الأوروبيين قدمها الأستاذ الدكتور إبراهيم بن أحمد المزيني- أستاذ الدراسات الحضارية وتاريخ العلوم عند المسلمين بجامعة محمد بن سعود- وذكر فيها ما تمتاز به مدينة قلهات من موقعها الاستراتيجي المهم على طرق الملاحة البحرية بين الهند والصين وتاريخ الحضاري العريق، وتتناول الدراسة صورة قلهات كما وصفها الرحالان ماركو بولو الذي رآها مدينة تجارية نشطة تربط الموانئ الآسيوية والعربية، والكولونيل مايلز الذي وصفها بعد قرون كأثر تاريخي مهجور يعكس ماضيها المجيد، متأثرًا بالرؤية الاستشراقية خلال الفترة الاستعمارية البريطانية.
وتطرقت الورقة الرابعة موضوع ولاية صور في الوثائق البرتغالية قدمها الدكتور إبراهيم بن يحيى البوسعيدي- أستاذ مساعد قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعةالسلطان قابوس-، حيث هدفت الورقة إلى عرض مظاهر الحياة والنشاط التجاري في ولاية صور كما وردت في المصادر البرتغالية في القرنين 16 و17، وتحليل الأحداث التاريخية مثل الثورات ضد الوجود البرتغالي. واختتمت الجلسة الأولى بالورقة الخامسة بعنوان النشاط التجاري مع جنوب شرق اسيا قدمها PENG, Kuang-Kai ، حيث تناولت الورقة حركة الملاحة والتجارة البحرية بين الصين القديمة ودول الخليج العربي وعُمان من القرن الثامن حتى الخامس عشر ويركز على الموانئ والسفن والمسارات التجارية التي ربطت الصين بجنوب شرق آسيا ثم بالخليج.
فيما ترأس الجلسة الثانية الدكتور محمد الشعيلي وتناولت خمس أوراق عمل جاءت الأولى بعنوان الصوريون ودورهم التجاري مع البصرة قدمها الأستاذ الدكتور حسين عبيد شراد الشمري- دكتوراة في اللغة العربية- تبحث هذه الدراسة في العلاقة التجارية والثقافية بين صور العُمانية والبصرة، وهما مدينتان كان لهما دور مهم في التجارة البحرية منذ العصور الإسلامية أدّت حركة التجارة بينهما إلى ظهور عادات وحرف وطقوس مشتركة مرتبطة بالملاحة.
في الجانب الآخر، تحدثت الورقة الثانية عن أثر موقع ولاية صور في الأحداث السياسية والاقتصادية بحكم موقعها على بحر عُمان وبحر العرب الذي تقصده السفن القادمة من الخليج والبحار المجاورة وصولًا إلى موانئ جنوب شرق آسيا قدمها الدكتور ناصر بن سعيد العتيقي- دكتوراة في فلسفة التاريخ-. كما تطرقت الورقة الورقة الثالثة عن الأفلاج في ولاية صور ومهارة العُمانيين في الهندسة وإدارة المياه والتخطيط الزراعي (فلج الجيلة أنموذجا) الذي أُدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2006 قدمها عزان ين مبارك المقيمي.
وجاءت الورقة الرابعة من تقديم الدكتور يونس بن جميل النعماني- مدير مساعد دائرة قطاع الثقافة باللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم-، حول الهجرة الداخلية في عُمان (الباطنة وصور) وكيف أثّرت على الناس من حيث اللغات واللهجات والمعتقدات الشعبية والعادات الاجتماعية. وتوضح أن تأثير الناس في بعضهم هو عملية مستمرة وديناميكية تحدث من خلال التواصل اليومي، مما يساهم في تشكيل الهوية والسلوك .وبنفس النمط تم التطرق في الورقة الخامسة حول تاريخ الهجرات بين الحواضر العُمانية، خاصّة بين صور وظفار، والتي قامت على علاقات قديمة من التعايش والترابط الاجتماعي والفكري قدمها الدكتور حسين المشهور باعم- دكتوراة في إدارة الأعمال-.
كما ترأس الجلسة الثالثة الدكتور بدر بن هلال العلوي وتم خلالها تقديم خمس أوراق عمل الأولى بعنوان التبادل الملاحي المعرفي بين ميناء صور العماني الذي كان له تاريخ طويل من العلاقات البحرية الطيبة مع ميناء الحامي في حضرموت وقد ساهم البحارة والربابنة عبر القرون في بناء هذه العلاقة الحضارية والتاريخية قدمها محمد علوي عبدالرحمن باهارون.
وتطرقت الورقة الثانية موضوع تجارة القوافل بين ولاية صور وولاية بدية وميناء صور الذي يربط شرق عُمان بأسواق الداخـل ويصدر منتجات استراتيجية مثل البسور إلى الهند، وكان مركزًا للتجارة والهجرة وبناء الثروات في القرنين 19 و20 قدمها المكرم الدكتور محمد بن سعيد الحجري- عضو مجلس الدولة . فيما تناولت الورقة الثالثة موضوع العلاقات التجارية للسفن الصورية مع شرق السعودية قدمها الدكتور علي بن إبراهيم الدورة حيث تحدث بأن عُمان كانت رائدة في الملاحة والصناعة البحرية، وكانت صُور مركزًا للتجارة وتصدير البضائع والهجرة إلى شرق إفريقيا.
الورقة الرابعة كانت بعنوان والهوى صوري مدينة صور وأهلها في روزنامات السفر الشراعي الكويتي وكانت مركزًا بحريًا وتجاريًا مهمًا منذ القرن التاسع عشر، حيث لعب أهلها دورًا بارزًا في الملاحة والتجارة مع الخليج، الهند، وشرق أفريقيا، كما وثّق النواخذة الكويتيون رحلاتهم وعلاقاتهم التجارية مع أهل صور قدمها الأستاذ الدكتور حمد بن محمد بن صراي. وفي الورقة الأخيرة تناولت الأستاذة ألاء وليد المنصور موضوع أهمية ميناء صور في منطقة الخليج ومركزًا مهمًا للتجارة وصناعة السفن في القرن التاسع عشر وله علاقات بحرية مع الخليج والهند وشرق إفريقي. (دراسة ضمن دفاتر النواخذة الكويتيين).
وقد بدأت في اليوم الثاني للمؤتمر فعاليات ملتقى الطفولة الذي استضافته جمعية المرأة العمانية بصور والذي يستمر ليومين ليقدم مساحة نوعية تعنى بالطفل وتبرز حضوره في تاريخ الولاية وثقافتها، متضمنا عروضا مسرحية تربوية وورشا تعليمية وجلسات حواربة وفعاليات إبداعية ومعرضا تشكيليا. كما تستمر في الفترة المسائية في ساحة مركز فتح الخير فعاليات الأسر المنتجة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والحرفيين وفنونا شعبية.