هل تطوير الفكر مطلب أم خيار؟
تاريخ النشر: 8th, December 2025 GMT
محفوظ بن راشد الشبلي
كُنا ذات مرة نحضر محاضرة عن الممارسات والسلوكيات الخاطئة، وما إن انتهينا من المحاضرة وخرجنا إلّا وأرى شخصاً ممن يجلسون قريبين مني في المحاضرة يأتي بسلوك خاطئ من التي كانت قبل قليل هي موضوع المحاضرة، فتساءلت في نفسي عن مغزى حضور ذلك الشخص وجلوسه وإصغائه، مع العلم ولكونه يجلس قريبًا مني كنت أراه متشدقًا بالنظر والتركيز للمحاضر ولا أعي هل تركيزه ذلك كان بالنظر لشخص المحاضر أم للإصغاء لِما يقوله ويتحدث عنه، وأُقارن فعله المتناقض الذي أتى به عندما خرج من ذلك الإطار الذي كان فيه قبل قليل، وهل ما يستمع له الإنسان ويتعلمه ويتفقّه به؛ هل هو مطلب للعمل به لتطوير ذاته وممارساته في الحياة أم هو مجرد حضور من سراب ليس به ما يلزم تطبيقه والعمل به على الواقع.
إحدى المرات رأيت عاملًا من الجالية الآسيوية يرمي بأكياس على الطريق كان يحمل بها طعامًا في يده فسألته عن فعله ذلك ولِم لا ترميه في سلّة المهملات، فأجابني بأن (كل نفر يسوي سيم سيم) فلم أجبه بشيء وانصرفت عنه، وقلت في نفسي لو وجد ذلك العامل ثقافة تُمارس أمامه عن تلك الممارسات الخاطئة التي يُوجّه لها ويُشار ويُنبّه بعدم فعلها من أبناء البلد لَما فعلها وأتى بمثلها ولأحترم التقيّد بها في بلادٍ غير بلاده ولكن التبريرات أحياناً تُجيبك على بعض التساؤلات.
وفي نفس السياق كذلك سألت أحد الوافدين عن سبب وقوفه الخاطئ بسيارته أمام أحد المقاهي، ولِم لا تقف في موقف واحد بالطريقة الصحيحة لتُتيح للباقين مكاناً للوقوف، فكان جوابه على سياق وشاكلة جواب الوافد السابق (كله نفر يقف سيم سيم) فساءني تكرار الرد على نفس الشاكلة من الوافدين في بلادنا ولتطبيقهم سلوكيات خاطئة شاهدوها وقلّدوها من سلوكيات أبناء البلد. ونرجع لنفس السؤال هل ما يتعلمه الإنسان في حياته ويتفقّه به مطلب لتطبيقه على الواقع لتطوير ذاته ورسم صورة إيجابية لغيره لتطبيقها، أم هو خيار فقط ومجرد معلومة تُضاف ولا تُطبّق على الواقع. ناهيك عن المحاضرات والتوجيهات والتعليمات والتثقيفيات بالملصقات الإعلانية التي نجدها في كل مكان، والتي توجّه من قِبل الدوائر والجهات المعنية ذات العِلاقة، وتُبث في مواقع الإعلام المختلفة وعبر مواقع التواصل والكل يشاهدها، ولكن لا زلنا نرى مُخالفاتها تتكرر على الواقع للأسف.
كنت أتابع حلقة ذات مرة من حلقات برنامج (س) الذي يُعرض على قنوات (إم بي سي)، والذي يُقدمه الإعلامي السعودي أحمد الشقيري، وكانت الحلقة يومها في اليابان ويسأل حينها مواطن ياباني عندما شاهده يقطع مسافة ليرمي المهملات في سلة المهملات أو بالأحرى في مكانها الصحيح الذي يجب أن تُرمى فيه، فسأله عن ذلك مُقارنة بما يشاهده في دول أخرى، فاندهش ذلك المواطن الياباني من السؤال اندهاشًا غريبًا قبل أن يرد عليه بإجابة مُحرجة تمنى وقتها مُقدم البرنامج لو لم يسأله، وأردف له بعبارة على جوابه بأن هذه بلاده، وكأنّه يوجّه له رسالة بأن نظافة بلاده هي جزء لا يتجزأ من ثقافته العامة وأن تقدم بلاده الذي وصلت إليه عِلميًا وتطورها تكنولوجيًا يبدأ من تطوير الذات وجعل ممارسة تطبيق ما تعلّمه هي ثقافة عامة لديه وقانون يحترمه ومبادئ يتّبعها ويجعلها منهجًا في حياته.
برغم إن بعض الدول ليست عقيدتها الإسلام إلّا إن تطبيق الثقافة العِلمية الصحيحة في الممارسات التي أوصى بها اللّه ورسوله هي ثقافة عامة يمتهنونها لتطوير ذاتهم، بل وجعلوها مطلبًا لتقدمهم وليس خيارًا في حياتهم، بغض النظر عن سلبياتهم العقائدية الأخرى في فكرهم.
خلاصة القول.. إن لم تجعل ثقافة تطبيق ما تعلمته وشاهدته واستمعت له من توجيهات وتعليمات وأوامر ونواهي منهجًا في تطوير ذاتك وفكرك، وتجعله سلوكًا في حياتك لتفيد به نفسك وبلدك وتكون مرآة لغيرك ليقتدي بك ويتعلّم منك، كما أوصى به رسولنا الكريم في حديثه الكريم: "المسلم مرآة أخيه"، فستبقى في دائرة النقصان مهما اعتقدت انك وصلت بعِلمك إلى الكمال، فتطوير الفكر والذات يجب أن يكون مَطلبًا تسعى إليه في حياتك لترتقي وليس خيارًا كما يظنه البعض للأسف، ومهما دارت الأزمان وتغيّرت الشخصيات والشواخص وتغيّر معها الحال والمكان سيبقى تطوير الفكر والذات وتحوله للأفضل لمواكبة تطور الحياة هو المطلب الأسمى يومًا بعد يوم.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
دبوس مشنقة على قميص بن غفير.. و الكرسي الكهربائي خيار وارد لإعدام الأسرى الفلسطينيين
حضر أعضاء حزب "عوتسما يهوديت" إلى الكنيست الإسرائيلي اليوم (الاثنين) وهم يضعون مشبكا معدنيا على صدورهم، وذلك قبل بدء مناقشة لجنة الأمن القومي في إسرائيل لمشروع قانون عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين، لمن تصفهم تل أبيب بالإرهابيين.
وقال رئيس الحزب إيتامار بن غفير إن المشبك يمثل "أحد الخيارات المتاحة" لتنفيذ العقوبة في حال إقرار القانون.
وأضاف: "بالطبع هناك خيار الشنق والكرسي الكهربائي، وهناك أيضا خيار التخدير، منذ أن أعلن الأطباء رفضهم المشاركة في تنفيذ العقوبة، تلقيت 100 اتصال من أطباء يقولون: إيتامار، أخبرنا متى".
وإثر ظهور أعضاء الكنيست وهم يضعون الدبوس المثير للجدل، هاجمت النائبة ميراف بن آري من حزب "يش عتيد" رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عبر منصة "إكس"، قائلة: "انظروا إلى ما جلبته الكنيست إلى البرلمان، أفترض أنكم لن تروا هذا أبدا في فيديوهاتكم الإنجليزية، يا له من اشمئزاز، ويا لها من أوهام تسللت إلى معقل الديمقراطية الإسرائيلية".
وخلال النقاش، قال بن غفير: "لا أنوي الاعتذار عن أي شيء. لقد أزلنا كامل المخيم الذي كان قائمًا هنا بعد عقود من الفوضى والتنزه في الفناء والمأكولات الفاخرة والخبز واللمسات الجمالية".
من جانبها، أعلنت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل رفضها القاطع لعقوبة الإعدام، مؤكدة أنها "تتناقض مع أبسط قيم حرمة الحياة وكرامة الإنسان".
وأضافت: "قيمة الحياة هي القيمة العليا، ولا توجد مصلحة تبرر إزهاق الروح، حتى لو كان ذلك عقابًا أو رادعًا. حق الإنسان في الحياة قائم بذاته، ولا يجوز للدولة استخدامه كأداة لترهيب الآخرين".
كما قال رئيس جمعية أطباء الصحة العامة، البروفيسور هاجاي ليفين، الذي شغل سابقا منصب رئيس قسم الصحة في مقر عائلات المختطفين وعضو حزب "تيليم" إن "الدراسات حول العالم تُظهر أن عقوبة الإعدام تضر بالصحة العامة، وتزيد من مستويات العنف وجرائم القتل".
لكن بن غفير هاجمه بشدة قائلًا: "ما هذا الهراء؟ هل تهتم بالصحة العامة؟ أنت تهتم بالإرهابيين، لو كنت وزير الصحة لعقدت لك جلسة استماع، يجب تجريدك من منصبك الأكاديمي".