تحلّ اليوم، في 8 كانون الأول/ ديسمبر، الذكرى الأولى لسقوط نظام بشار الأسد لتسلط الضوء على تجربة السوريين الذين عاشوا سنوات النزوح، وتكشف أن الطريق للعودة إلى البلاد لا يزال طويلًا ومفتوحًا على أسئلة صعبة.

أجرت "يورونيوز" مقابلات مع سوريين عادوا إلى بلادهم وآخرين لا يزالون خارجها، لتتضح صورة متشعبة للواقع.

بعضهم يتحدث عن فرحة العودة بعد سنوات من اللجوء، لكنهم يصطدمون بغياب الخدمات وفرص العمل وارتفاع كلفة إعادة الإعمار. في المقابل، يرى آخرون أن الأمن ما يزال هشاً، وأن الانقسامات الطائفية والتهديدات تجعل العودة خياراً غير واقعيًا.

فتاة تحمل العلم السوري خلال احتفالات الذكرى الأولى للإطاحة بنظام بشار الأسد في دمشق، سوريا، في وقت مبكر من يوم السبت 6 ديسمبر/كانون الأول 2025. Omar Sanadiki/Copyright 2024 The AP. All rights reserved. الغربة في الوطن

قمر صباغ (من حلب)، نزحت إلى تركيا خلال السنوات الأولى من الحرب. بالنسبة لها، سقوط النظام كان أشبه بحلم تحقق بعد سلسلة طويلة من الألم. تصفه بأنه لحظة استعادت فيها كرامة الناس، لحظة دفعت لنيلها سنوات من القهر والخسارات، لكنّها تدرك أيضاً أن الواقع ليس ورديًا.

قمر عادت الى سوريا بعد سنوات من النزوح، تحمل شوقا لبلدها، لكنها تعود ايضا بحذر مما قد تواجهه. تتحدث عن شعور بالغربة في مدينة عاشت فيها طفولتها وشبابها. الشوارع كما هي، إلا أن روح المدينة تغيّرت. البلد مرهق، والسكان منهكون، والأسعار خانقة. تقول إن الأمان ليس فقط غياب القصف، بل شعور داخلي بالطمأنينة، وهذا الشعور غائب، فالخوف من الغد يتحول إلى جزء من الحياة اليومية.

تصف قمر سوريا بأنها بلد يعيش أزمة وراء أخرى: الكهرباء، الماء، العمل. ومع ذلك، هناك ما يبقي الناس متمسكين بها: الخير، والحب العميق للأرض، والإصرار غير المعلن على البقاء رغم الخسارات.

ولا تخفي قمر ارتباكها في قدرتها على التأقلم: فمن تركيا إلى سوريا، لا تزال تشعر أنها لا تنسجم مع نمط الحياة داخل البلاد ولا مع الناس الذين مكثوا طوال السنوات الماضية. تسأل نفسها مرارًا كيف استطاعوا العيش والصمت طوال تلك المدة؟

تمر دراجات نارية عبر بركة مياه بجوار مبنى متضرر من الحرب في مخيم اليرموك، دمشق، سوريا، الأحد 7 ديسمبر/كانون الأول 2025. Omar Sanadiki/Copyright 2024 The AP. All rights reserved. Related تصعيد إسرائيلي في جنوب سوريا: قصف مدفعي وتوغلات برية في ريفي القنيطرة ودرعاترحيب في دمشق.. كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهابالأمم المتحدة تحذّر من انتهاكات خطيرة تستهدف الأقليات في سوريا وتدعو إلى تحقيقات مستقلة البدء من الصفر

من تجربة قمر إلى شهادة ربيع الزهوري (من مدينة القصير)، حيث تغلب المشاعر الاحتفالية على مخاوف الواقع. بالنسبة له، فإن سقوط النظام فتح باب الحديث عن سوريا بوصفها وطنًا يمكن أن يجتمع فيه الناس مجددًا بعد سنوات من القهر.

ربيع خرج من القصير إلى لبنان في الرابعة عشرة من عمره عبر "فتحة الموت" المشهورة، إنّ خبر سقوط النظام شكّل نقطة تحول، فقرّر العودة مع عائلته رغم أن ما ينتظرهم لم يكن سهلًا. كان أول ما واجهوه هو بيت الطفولة المدمّر. الموارد محدودة، والعمل شبه معدوم، لكنهم بدأوا من الصفر: ثلاثة أشهر بين لبنان وسوريا حتى أعادوا بناء المنزل.

في القصير، الناس يحتفلون بذكرى 8 كانون الأول/ديسمبر بوصفها "عيد التحرير". وفق شهادته، أُقيم ماراثون لذوي الإعاقة يوم السبت، وامتلأت الساحات بالناس الذين شعروا من جديد بمعنى الانتماء، وكلمة "سوري" أصبحت مصدر فخر لنا.

رغم ذلك، لا يخفي ربيع المشكلات اليومية: نقص فرص العمل عمّق أزمة العائدين، والخدمات تكاد تكون غائبة، من الاقتصاد إلى الصحة والتعليم. ويشير إلى أن كثيرًا من الناس سكنوا خيمًا لعجزهم عن ترميم بيوتهم، هناك صعوبة التأقلم مع الانتقال من بلد آخر إلى الوطن، وتكاليف إعادة الإعمار كبيرة جداً حتى على مستوى المنازل

المسألة الأمنية أيضًا ليست محسومة، إذ يشير إلى أن الأمن لم يترسخ بعد، وإن بعض الأحداث والفتن تقع، لكنه يرى أن عدم العودة إلى سوريا لن يسمح لها بالنهضة. ويكشف أنه عاد وهو "مطلوب" بسبب تهم غير صحيحة وضعها النظام السابق، واستغرق شهورًا لإزالتها قبل أن يبدأ حياته من جديد.

وأضاف: "نستطيع كشعب سوري أن ننهض من تحت الركام ونبني هذا الوطن من جديد".

فرقة كشفية تستعرض في أحد الشوارع خلال احتفالات الذكرى السنوية الأولى للإطاحة بنظام بشار الأسد في دمشق، سوريا، الأحد 7 ديسمبر/كانون الأول 2025. Omar Sanadiki/Copyright 2024 The AP. All rights reserved. مخاوف الأقليات

في مقابل الشهادات التي تراوحت بين فرحة العودة وصعوبات التأقلم، تظهر تجربة فتاة سورية نزحت إلى دولة أوروبية وفضّلت عدم الكشف عن اسمها، لتضع الذكرى الأولى لسقوط الأسد في سياق مختلف: سياق إعادة التفكير بمعنى التغيير نفسه.

تصف الذكرى الأولى لسقوط الأسد بأنها ليست حدثًا عابرًا بل حالة عاشت معها شهورًا من الرهبة والفرح والذهول. بالنسبة لها، لم يكن ما سقط مجرد نظام، بل رمزٌ للطغيان الذي رافق السوريين جيلًا بعد جيل، وفرض ثقله على تفاصيل حياتهم وأحلامهم لسنوات. وتُضيف: "نحن الذين اضطررنا إلى الرحيل، كنّا نظن أن هذا الثقل لن يزول أبدًا، وأن فكرة "الأسد للأبد" تحولت إلى قدرٍ مفروض علينا".

لكن الشعور بالانتصار – كما تقول – لا يلغي ضرورة النظر بواقعية، "فزوال رأس النظام لا يعني أننا عبرنا تلقائيًا إلى الحرية". وتتابع: "خمسون عامًا من الحكم الأمني والعنف الممنهج وتمزيق المجتمع لا تختفي بسقوط شخص، ولا يمكن أن تُرمّم ببيانات سياسيّة، المرحلة الانتقالية تحتاج إلى عمل شاق، وشفافية، وشجاعة في مواجهة الماضي وفي بناء الثقة. وللأسف، ما نراه حتى اللحظة لا يعكس جدية كافية في هذا الاتجاه".

أما العودة فتصفها بأكثر الملفات إيلامًا وتعقيدًا، المشهد مختلف من مكان لآخر: هناك من عاد إلى قريته، وهناك من اضطر لترك بيته بعد سقوط الأسد. هذا التباين لا يحدث صدفة برأيها، بل يعكس واقعًا طائفيًا راسخًا، تغذّى على سنوات طويلة من التحريض والاستغلال السياسي وتحيز من قبيل السلطة الحالية، لا بل "اشتراكاً في هذه المجازر".

رجل درزي، في الوسط، يقف بجوار قوات الأمن السورية التي توصلت إلى اتفاق مع مسلحين دروز للانتشار حول ضاحية جرمانا الجمعة 2 مايو 2025. AP Photo

تستشهد بمجازر الساحل والسويداء، وتقول إن رسائل التهديد والانتهاكات وخطف النساء ، لم تترك مجالًا للشك بأن الأقليات اليوم ليست في مأمن، وأن الحديث عن "سوريا لكل السوريين" ما يزال حبرًا على ورق. والمدينة التي تنحدر منها، السويداء، مفروضة عليها عزلة خانقة تشبه الحصار بكل معنى الكلمة، ما يجعل العودة بالنسبة لعائلتها غير ممكنة. فقد اضطرت عائلتها للهرب بعد مجازر حزيران الماضي، مثلما اضطرت هي نفسها سابقًا للفرار من نظام الأسد.

وتتابع: "العودة بالنسبة لنا اليوم ليست احتمالًا واقعيًا، المدينة محاصرة، والناس يُحاسَبون على هويتهم قبل أي شيء آخر. عائلتي فرت مرتين خلال مجزرة السويداء من وجه الفصائل. وماتزال المدينة تتعرض لمحاولات خرق".

وبالنسبة لها، الذكرى مناسبة للاحتفال بلا شكّ، ولكن أيضًا لحظة لتذكر المغيبين قسرًا والوقوف إلى جانب عائلات المفقودين ومواساتهم، وهي مناسبة أيضاً لتفحص ما تغيّر وما لم يتغير، وللتذكير أننا أمام بداية طريق، لا نهايته.

بعد مرور عام على سقوط الأسد، تبدو تجارب السوريين مختلفة، وقد فرض ذلك واقع الحرب والتهجير والدمار والطائفية العمياء، وإن كانت العودة بالنسبة إلى الكثيرين خياراً مطروحاً، لا تزال تحديات الأمن والعدالة والخدمات وفرص العمل في صلب تفكير اي نازح.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

المصدر: euronews

كلمات دلالية: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحرب في أوكرانيا الصحة دونالد ترامب إسرائيل عيد الميلاد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحرب في أوكرانيا الصحة دونالد ترامب إسرائيل عيد الميلاد اللاجئون السوريون سوريا بشار الأسد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحرب في أوكرانيا الصحة دونالد ترامب إسرائيل عيد الميلاد الصين دراسة سوريا غزة حريق حركة حماس الذکرى الأولى کانون الأول سقوط الأسد سنوات من

إقرأ أيضاً:

سوريون يحيون الذكرى الأولى لإسقاط نظام الأسد

صراحة نيوز- يحيي السوريون اليوم الاثنين الذكرى السنوية الأولى لإطاحة نظام بشار الأسد، في وقت تكافح فيه البلاد المنقسمة والمثقلة بتداعيات حرب دامت أكثر من 13 عاماً لتحقيق الاستقرار والتعافي. ومن المقرر أن تشهد ساحة الأمويين في دمشق احتفالات رسمية، وامتلأت بالفعل بالحشود المبتهجة استعداداً للذكرى، فيما ستقام فعاليات مشابهة في مناطق أخرى من البلاد. وفر الأسد إلى روسيا قبل عام عندما سيطرت المعارضة بقيادة الرئيس الحالي أحمد الشرع على دمشق بعد سنوات طويلة من الصراع.

وشهدت بعض المناطق احتفالات مسبقة، حيث امتلأت شوارع حماة يوم الجمعة بالآلاف وهم يلوحون بالعلم السوري الجديد، إحياءً للذكرى التي سيطرت فيها هيئة تحرير الشام على المدينة خلال تقدمها السريع نحو دمشق. هنأت الإدارة الكردية التي تدير الشمال الشرقي السوري بالذكرى، لكنها حظرت التجمعات لأسباب أمنية مع تزايد نشاط خلايا مسلحة قد تستغل المناسبة. وفي خطاب ألقاه الشرع أواخر تشرين الثاني، دعا جميع السوريين للاحتشاد في الساحات لإظهار الفرح والوحدة الوطنية.

وأجرى الشرع تغييرات كبيرة على الصعيد الداخلي والخارجي، حيث أعاد تشكيل علاقات سوريا مع الدول الغربية وحظي بدعم دول الخليج، مبتعداً عن نفوذ إيران وروسيا، ودعا الغرب إلى رفع العديد من العقوبات. وتعهد الشرع بإنهاء دولة الأسد البوليسية وإقامة نظام شامل وعادل، رغم موجات العنف الطائفي التي أودت بحياة المئات وأدت إلى نزوح جديد وزيادة الانقسامات بين الأقليات.

تسعى الإدارة الكردية لحماية سلطتها في شمال البلاد، بينما يطالب بعض الدروز في الجنوب بالاستقلال. وأكد الشرع خلال منتدى الدوحة أن “سورية تعيش أفضل ظروفها الآن”، معترفاً بوقوع نوبات عنف ومتعهدًا بمحاسبة المسؤولين عنها، مضيفاً أن الفترة الانتقالية تحت قيادته ستستمر أربع سنوات لوضع المؤسسات والقوانين والدستور الجديد، تليها انتخابات وطنية. وحكمت عائلة الأسد، المنتمية للأقلية العلوية، سوريا لمدة 54 عاماً، فيما أسفرت الحرب منذ عام 2011 عن مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين، ولجأ نحو خمسة ملايين شخص إلى الدول المجاورة.

وأكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية أن عودة نحو 1.5 مليون سوري للبلاد تسهم في نمو الاقتصاد، في حين يشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن حوالي 16.5 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات عاجلة في 2025.

مقالات مشابهة

  • تحولات ما بعد سقوط الأسد.. مفوضية اللاجئين تكشف لـيورونيوز تغيرًا واضحًا في رغبة السوريين بالعودة
  • في الذكرى الأولى لسقوط نظام الأسد.. هذا ما قاله الشرع
  • بالصور.. سوريا توحدها الاحتفالات في الذكرى الأولى لسقوط الأسد
  • كم يبلغ عدد اللاجئين السوريين العائدين بعد سقوط الأسد؟
  • بذكرى سقوط الأسد.. الشرع يتعهد من “الأموي” بإعادة بناء سوريا
  • الأمم المتحدة تحذر من تأثير نقص التمويل على عودة اللاجئين السوريين
  • بالزي العسكري.. الشرع يشارك السوريين في احتفالات الذكرى الأولى لـالتحرير
  • سوريون يحيون الذكرى الأولى لإسقاط نظام الأسد
  • إرشادات أوروبية جديدة تعيد رسم معايير لجوء السوريين بعد سقوط الأسد